في سابقة تاريخية، قررت محكمة جنح مستأنف جنوب بنها، برئاسة المستشار أحمد وسام قنديل، إحالة المادتين 274 و276 من قانون العقوبات، للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهما، فيما يتعلق بمواد عقوبة الزنا في القانون المصري والفرق بين الرجل والمرأة.
جاء ذلك على خلفية نظر استئناف سيدة على حكم حبسها في القضية رقم 21724 لسنة 2019 جنح قسم ثاني شبرا الخيمة، والتي اتهمها فيها زوجها بالزنا وحصلت على حكم بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ.
حيثيات الحكم
وجاء في حيثيات الحكم، أن المشرع في المادتين المحالتين للدستورية العليا، ميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا دون مبرر شرعي أو موضوعي لهذه التفرقة التي تقوم على أساس الجنس بالمخالفة للدستور الذي ضمن المساواة بين الرجل والمرأة.
وتنص المادة 274 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 على أن “المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت”.
وتنص المادة الأخرى 276، “أشكال إثبات الجريمة على الرجل، على أن الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا، هي القبض عليه متلبس بالفعل واعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة، أو وجوده في منزل الزوجية”.
اقرأ أيضًا: العدالة الذكورية مابين العفو عن القتلة واتهام فتاة مغتصبة
وأشار القاضي في حيثيات حكمه إلى أن الأصل التاريخي للنصين المطعون فيهما يعود إلى نصوص المواد من 336 إلى 339 من قانون العقوبات الفرنسي القديم الصادر سنة 1810 ، والتي استمدت أيضا من القانون الروماني، حيث كانت المساواة معدومة بين المرأة وزوجها، والتي ألغاها المشرع الفرنسي سنة ١٩٧٥، بينما ظل المشرع المصري متمسكاً بها، وأن الشريعة الإسلامية لم تفرق بين زنا الرجل والمرأة في العقوبة أو وسائل الإثبات.
وأوضح القاضي، أن القانون المصري إسوة بقانون الفرنسي القديم، فرق بين زنا الزوج وزنا الزوجة من عدة وجوه، اختص منها أن الجريمة لا تقوم بالنسبة إلى الزوج إلا إذا زنا في منزل الزوجية، أما الزوجة فيثبت زناها في أى مكان، وأن الزوجة إذا زنت تعاقب بالحبس لمدة أقصاها سنتان، بينما الزوج يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر.
حكم متفرد..
ومن جانبها، رأت المحامية عزيزة الطويل، أن الحكم متفرد في حيثياته لتطرقه لتاريخ القانون وإقحام نصوص التفريق بين عقوبة الرجل والمرأة، وأوجه التمييز والتفاوت في العقوبات.
وقالت الطويل لـ” مصر 360″: ” الحكم تطرق لاستعراض أوجه التمييز في العقوبة على اعتبار من 273 وحتى 277 في قانون العقوبات تتحدث عن السيدة التي تتهم بهذا الفعل من تتصل بجنسيا برجل آخر غير زوجها أو أن يرتكبها الزوج مع سيدة أخرى غير زوجته، وهنا فيه اشتراطات مختلفة تماما عن الرجل والمرأة، فضلا أن الحكم تطرق لفلسفة التجريم وهنا مخالفة صريحة وفيه تمييز، ومخالف للقواعد والثوابت الدستورية”.
اقرأ أيضًا: خاص: سيدة كفر الشيخ.. بطلة الـ73 فيديو إباحي فضحتها مغربية
ولفتت الطويل إلى أن المحكمة الدستورية عام 90 حكمت برفض طعن كان قد أقيم على عدم دستورية نصوص المواد 274 و 277 وقتها الدستور الذى كان مطبق هو دستور 71، والذي كان يفتقر لنصوص ليست شاملة وجامعة على المساواة والحرية الكاملة بين أفراد المجتمع سواء إناث أو ذكور.
دعاوى سابقة.. أزمات قضايا الزنا
وفي سابقة أخرى، تعود إلى عام 2001، أقامت سيدة، دعوى لإثبات عدم دستورية نصي المادة (274) و(277) من قانون العقوبات، إذ تنص المادة الأولى على أن المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت. أما المادة الثانية فتنص على أن كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر، يجازى بالحبس مدة لا تزيد على 6 شهور.
وتنص المادة 277 من قانون العقوبات على، “كل زوج زنى في منزل الزوجية، وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة، يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور”.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، كما قررت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، فقد جاء في حيثيات الحكم، أن طلب الزوجة تحريك الدعوى الجنائية ضد زوجها لارتكابه جريمة الزنا، لا يجعلها طرفا في الدعوى الجنائية، التي تنعقد بين النيابة العامة والمتهمين باقتراف الجريمة، ولا يغير من ذلك كونها قد أقامت نفسها مدعية بحقوق مدنية قبل المتهمين أمام المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجنائية، إذا أن دعواها بهذه المثابة هي دعوة مدنية بحتة.
كما أوردت المحكمة فيما يتعلق بدستورية نص المادتين المطعون فيهما لا يؤثرعلى طلبات المدعية في دعواها المدنية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ولا يتحقق من ورائه فائدة عمليه لها.
اقرأ أيضًا: “إثبات النسب”.. روتين قاتل للأمهات وتهديد للمجتمع
إجراء تاريخي متأخر
من جانبه، وصف المحامي ناصر أمين ومدير المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة، قرار الإحالة للمحكمة الدستورية للمواد التي تتعلق بالزنا بأنه إجراء قضائي تأخر طويلا لمدة عقود، وهو إجراء جيد أن يتم الآن نظرا لما تمثله هذه النصوص العقابية من مخالفة صريحة للدستور.
وأوضح أمين، المخالفات والتي تتعلق بمبدأين، وهما الإخلال بمبدأ المشروعية العقابية للنصوص العقابية التي يجب أن تساوي في المراكز القانونية للأشخاص المخاطبين بالنص العقابي، وكذلك فيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة في نص عقابي جنائي.
وعن التوقعات المنتظرة بشان الحكم، قال أمين :”أتوقع الحكم بعدم دستورية المواد، لاسيما في ظل أحكام دستور 2014 الذي يتضمن باب الحقوق والحريات فيه مواد عديدة جرمت وحظرت أي ممارسة تمييزيه ضد المرأة، بالإضافة إلى نصوص تتحدث عن ضرورة احترام قاعدة سيادة القانون.
وتابع أمين :”من منطلق مبعث تفائلي، أن الدستور قد أحال فيما يتعلق بالمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة الحق في المساواة على المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر، وأصبحت جزء من التشريع المحلي المصري، وبالتالي باتت المحكمة الدستورية ملزمة بإنزال تفسيرها لنصوص هذه المواد وفقا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي نص دستور 2014 على احترامها وعدم مخالفتها واعتبارها جزء من التشريع الداخلي”.