في كل جائحة شهدها العالم،أثارت الرعب في النفوس، كان الأمل دائمًا للتخلص منها أن نصل إلى لقاح للتصدي للوباء، واليوم بات الجميع متعلقًا بأمل أن يكون هناك لقاح فعال وحقيقي للقضاء على جائحة كورونا للأبد.
لم يكن مرض “كوفيد-19” أول وباء عالمي يثير الرعب بين شعوب الأرض، بل سبقه في ذلك عدة أمراض، مثل: الجدري وشلل الأطفال والحصبة وغيرهم، وقد سارعت دول العالم في العمل على تطوير لقاحات يمكنها وضع حد لتلك المآسي.
تاريخ إنتاج اللقاحات في العالم
يعود تاريخ ممارسات التطعيم إلى مئات السنين، عندما تناول رهبان بوذيون سم الثعابين للحصول على مناعة ضد لدغاتها، والتجدير (وهو تلطيخ الجلد بجدري البقر للتحصين ضد الجدري) الذي تعود ممارسته إلى القرن السابع عشر في الصين.
ويعد الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر هو مؤسس علم التلقيح في الغرب عام 1796، بعدما لقح صبي يبلغ من العمر 13 عامًا بفيروس الوقس (جدري البقر) وأظهر مناعة ضد مرض الجدري. وعام 1798، جرى تطوير أول لقاح للجدري، ثم على مدار القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بلغ التطبيق المنهجي للتحصين الجماعي ضد الجدري ذروته عام 1979، وقادت تجارب عالم الكيمياء الفرنسي لويس باستور تطوير لقاح الكوليرا الموهن الحي ولقاح الجمرة الخبيثة المعطل في البشر (في عامي 1897 و1904 على التوالي).
اقرأ أيضًا: أقرته دول وأوقفته أخرى.. ما نعرفه عن لقاح كورونا الصيني
وبين عامي 1890 و1950 تزايدت عمليات تطوير اللقاح البكتيري، بما في ذلك لقاح عُصية كالميت غيران (BCG) ضد مرض السل، الذي لايزال مستخدمًا حتى يومنا هذا.
وعام 1923، أتقن اختصاصي المناعة البريطاني ألكسندر جليني طريقة لتثبيط عدوى “ذيفان الكزاز” باستخدام مركب الفورمالديهايد، وجرى استخدام نفس الطريقة لتطوير لقاح ضد الدفتريا عام 1926، بينما استغرق تطوير لقاح السعال الديكي أو الشاهوق وقتًا أطول، مع صدور أول ترخيص لاستخدام لقاح في الولايات المتحدة عام 1948، بحسب “المركز الاستشاري للتحصين“، وهي منظمة عالمية مقرها جامعة أوكلاند.
لقاح ضد شلل الأطفال
جرى تطوير سبل الزرع الفيروسي من 1950 – 1985، وأدت إلى ظهور لقاح سالك المضاد لشلل الأطفال (المعطل) ولقاح شلل الأطفال سابين (الموهن الحي الذي يؤخذ عن طريق الفم). وقد قضى التحصين الجماعي ضد شلل الأطفال على المرض الآن بعدة مناطق حول العالم.
وكذلك هناك الطاعون الذي يعتبر أحد أقدم الأمراض في العالم وأشدها فتكا، مع حصده أرواح نحو 200 مليون على مدار التاريخ البشري. لكن حتى وقتنا الحالي، لا يوجد لقاح مرخص متوفر.
قد يكون الطاعون هو المرض الأكثر شهرة لتسببه في مقتل الملايين خلال العصور الوسطى، لكنه لازال نشطًا بمناطق حول العالم. وفي عام 2017، اجتذب تفشي الطاعون في مدغشقر اهتمامًا كبيرًا وتسبب في حالة هلع.
وفي الماضي، كانت هناك عدة محاولات فاشلة للتوصل إلى لقاح للمرض، من بينها اللقاح الذي جرى تصنيعه في الولايات المتحدة لتلقيح الجنود خلال حرب فيتنام، بحسب موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي.
لكن عام 2018، أنشأت منظمة الصحة العالمية ملف تعريفي خاص بلقاح الطاعون، الذي يدرج 17 لقاح مرشح للحصول على الموافقة، وتخضع هذه اللقاحات لتجارب سريرية وتتجه نحو الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء.
أما مرض الإنفلونزا، لطالما كان لديه تاريخ مأساوي وطويل في قتل الملايين حول العالم؛ فخلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، لم تكن هناك أدوية أو لقاحات معروفة للفيروس.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين، استغرقت الأبحاث عقودًا لفهم تعقيدات فيروس الإنفلونزا، ولم تجرى الموافقة على لقاح إلا عام 1945 في الولايات المتحدة. لكن بعد عامين، في 1947، خلص الباحثون إلى أن التغييرات الموسمية في تكوين الفيروس جعلت اللقاحات الموجودة غير فعالة.
وأدرك الباحثون وجود نوعين رئيسين من فيروسات الإنفلونزا، هما: الإنفلونزا (أ) والإنفلونزا (ب)، إلى جانب سلالات أخرى تظهر كل عام. ولذلك، يتعين على العلماء تعديل لقاح المرض كل عام.
اقرأ أيضًا: لقاح كورونا| المتشككون يزدادون.. هل نحن بحاجة للتطعيم ضد المرض؟
سباق زمني.. لانتاج اللقاح
مع بداية أزمة جائحة “كوفيد-19″، تسابقت عشرات الفرق البحثية حول العالم من أجل تطوير لقاح من شأنه السيطرة على المرض؛ وفي سبيل ذلك، استثمرت الصين والولايات المتحدة وأوروبا قدرًا كبيرًا من الأموال، من أجل تسريع العملية التي قد تستغرق أكثر من عشرة أعوام.
في الظروف العادية، يحتاج الباحثون إلى سنوات لتأمين التمويل، والحصول على الموافقات، ثم دراسة النتائج على مهل، إذ يجب أن يمر اللقاح بمراحل عدة قبل صلاحيته للاستخدام، مع تتبع مرحلة البحث والتطوير الأولية سلسلة تجارب قبل السريرية والسريرية، وغالبًا ما تستغرق كل خطوة عامين أو أكثر حتى اكتمالها.
على سبيل المثال، استغرق تطوير لقاح مضاد لمرض الحماق أو الجدري المائي 28 عامًا، وكذلك الحال مع لقاح “فلوميست” المضاد للإنفلونزا، الذي استغرق نفس المدة، طبقًا للنسخة السابعة من كتاب “لقاحات بلوتكين“، الذي يتناول تطوير اللقاحات واستخداماتها في الحد من الأمراض.
كما يوجد فيروس الورم الحليمي البشري الذي يسبب الإصابة بسرطان عنق الرحم، ويعتبر رابع أكثر أنواع السرطانات شيوعًا لدى النساء، وقد احتاج تطوير لقاح مضاد له إلى 15 عامًا، وهي نفس المدة التي استغرقها تطوير لقاح ضد فيروس الروتا، وهو طبقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، هو فيروس يسبب الإسهال، في الغالب لدى الأطفال الرضع والأطفال الصغار.
لكن وفقًا لشبكة “بي بي سي” البريطانية، بدأ البحث عن لقاح للمساعدة في وقف تفشي فيروس كورونا في غضون ساعات من تحديد طبيعة الفيروس.
وقد نشر المسؤولون الصينيون الشفرة الوراثية للفيروس بسرعة كبيرة، مما ساعد العلماء على تحديد المصدر المرجح للفيروس، وكيفية تحوره.
ومع التقدم التكنولوجي والتزام الحكومات في شتى أنحاء العالم بدرجة أكبر بتمويل الأبحاث حول الأمراض الناشئة، تمكنت مرافق البحوث من البدء سريعًا في محاولة إيجاد لقاح.
اقرأ أيضًا: من مسكن متواضع بـ”ماينز”.. كيف بدأ الزوجان شاهين وتوريتشي حلم لقاح كورونا؟
في التأني السلامة.. شكوك تلاحق اللقاحات
منذ خروج بعض اللقاحات المضادة لفيروس “كوف-سارس-2″، شكك الكثيرون في مدى جدواها وأعربوا صراحة عن تخوفهم وحتى رفضهم لتلقيها، خشية الآثار التي قد تحدث نتيجة التحصين بلقاح جرى تطويره خلال أقل من عام تقريبا.
غير أن الدكتور الدكتور روبرت جاكوبسون من مجموعة “مايو كلينيك” الطبية الأمريكية، قال إن التردد بشأن تلقي اللقاحات يعتبر أمرًا شائعًا، مشيرًا إلى أن مقدمي الرعاية الصحية يجب أن يتوقعوا تساؤلات بشأن لقاحات “كوفيد-19”.
وحول السرعة في تطوير اللقاحات، أوضح الدكتور أندرو بادلي طبيب الأمراض المعدية بـ”مايو كلينيك” أنه كان هناك مسار سريع في تطوير اللقاحات تمثل في الموافقات التنظيمية، والتمويل، وتحليل البيانات، وإرسالها إلى إدارة الغذاء والدواء، وكل تلك الأمور عبارة عن أعمال ورقية.
لكن بادلي أكد أن عمليات تسجيل المرضى ومتابعتهم سريريًا، في إطار تجربة اللقاحات، تم تنفيذها على نحو جيد جدًا، لكن الخطوات التنظيمية هي ما جرى تسريعها.
وأشارت “مايو كلينيك” إلى أن موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، على سبيل المثال، على لقاح قد تستغرق بين عدة شهور إلى عدة سنوات، إذ يجب أن تظهر البيانات أن اللقاحات آمنة وفعالة قبل أن تتمكن الإدارة من إصدار ترخيص استخدام طارئ.
وقد أصدرت الإدارة تصريح الاستخدام الطارئ للقاح فايزر/بيوإنتيك، بعدما أظهرت البيانات أن مفعول اللقاح يبدأ بعد الجرعة الأولى بفترة وجيزة، وأن نسبة فعاليته 95% بعد 7 أيام من الجرعة الثانية.
كما أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تصريح استخدام طارئ للقاح فيروس كورونا المستجد الذي أنتجته شركة “موديرنا”، حيث أظهرت البيانات أن اللقاح فعال بمعدّل 94.1%.
في المقابل، استغرقت وكالة الأدوية الأوروبية وقتًا أطول قبل التصديق على لقاح “فايزر/بيونتيك”.
وطبقًا لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، قالت الوكالة الأوروبية إن فترة تقييم عقار أو لقاح جديد تستغرق حوالي 210 أيام، لكن بتعجيل العملية، في إطار الظروف الحالية، وصلت لأقل من 150 يومًا، بعد تسلم مزيد من البيانات لتقييم لقاح “فايزر/بيونتيك”.