جولة جديدة من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا عن السد الأثيوبي برعاية الاتحاد الإفريقي لمدة أسبوع، هي نتيجة ما توافق عليه وزراء الخارجية والري في الاجتماع السداسي الذي عقد اليوم برئاسة جنوب أفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، لتكون الجولة الأخيرة من المبحاثات المطولة التي امتدت قرابة الستة أشهر دون أي نتائج إيجابية.
وزارة الخارجية المصرية قالت في بيان مقتضب بعد انتهاء الاجتماع إن الجولة الجديدة ستكون بحضور المراقبيين الدوليين بجانب الخبراء المعنيين من الاتحاد الأفريقي، وستركز على الجوانب الموضوعية والنقاط الخلافية في الاتفاق الشامل حول ملئ وتخزين وتشغيل سد النهضة، على أن يتم في نهاية هذا الأسبوع عقد اجتماع سداسي وزاري آخر برئاسة جنوب أفريقيا للنظر في مخرجات جولة المفاوضات الثلاثية.
إلا أن وزارة الموارد المائية والري السودانية قالت إن آلية التفاوض لا تزال غير واضحة في ظل عدم التوافق على دور الخبراء في تسهيل عملية الحوار بين الدول الثلاثة واقتراح حلول في القضايا المستقبلية، رغم ما قدمه خبراء الاتحاد الأفريقي من مذكرة اتفاق تضمن حقوق وشواغل الدول الثلاثة، حيث تم التوافق على أن تكون هذه الجولة عبارة عن اجتماعات ثنائية بين الدول الثلاثة وفريق الخبراء والمراقبين، ومعاودة الإجتماع على المستوى الوزاري بعد أسبوع لتحديد نقاط الخلاف والاتفاق بين الدول الثلاثة.
كانت المفاوضات التي تعقد تحت مظلة الاتحاد الأفريقي قد توقفت في أغسطس الماضي بسبب استمرار التعنت الإثيوبي في عدد من القضايا الخلافية المتعلقة بالشق القانوني في الاتفاق الشامل حول ملئ وتشغيل سد النهضة، بخاصة البنود التي تحدد مدى الزامية الاتفاقية وآلية فض المنازعات وتأثير الاتفاقية على المشروعات المستقبلية التي تنتوى إثيوبيا تدشينها على النيل الأزرق، فضلاً عن بعض الخلافات الفنية المتعلقة بعملية الملئ وتأثيرها على تدفقات المياه إلى مصر والسودان بالتنسيق مع الألية التشغيلة للسدود المقامة على النيل بداية من سد الرصيروص في السودان حتى السد العالي في مصر.
جنوب أفريقيا ومفاوضات الفرصة الأخيرة للسد
منذ أن رفعت مصر ملف النزاع حول سد النهضة إلى مجلس الأمن وعقد جلسة موسعة للمجلس لبحث القضية في يونيو من العام الماضي، كان لجنوب أفريقيا عدة محاولات لإستعادة الملف إلى الدائرة الأفريقية وأن تقتصر المفاوضات على الإاعقاد تحت مظله الاتحاد الأفريقي وهو ما وافقت عليه مصر بشرط حضور مراقبين أجانب من أمريكا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي جلسات التفاوض.
خلال الستة أشهر الماضية كان لجنوب أفريقيا عدد من المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة والتوصل لاتفاق شامل تتوافق عليه الدول الثلاثة لتكون اإجاز يضاف لجهودها خلال توليها رئاسة الاتحاد الأفريقي، إلا أن مصادر مسئولة بالوفد المصري أكدت عدم جدية أو قدرة جنوب أفريقيا على احتواء المفاوضات وتقديم حلول فعلية بل وكان هناك عده اعتراضات على تبني مواقف مساندة لإثيوبيا ولا تعكس شواغل دولتي المصب في مصر والسودان، فضلاً عن عدم وجود أليات ملزمة للجانب الإثيوبي بالتخلي عن بعض الممارسات التي كانت سبباُ في اضاعة الوقت دون الوصول لنقاط التفاق رغم حسم معظم القضايا الفنية في مفاوضات واشنطن.
المصادر أكدت أيضاً أن المفاوضات التي انعقدت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي كانت تستهدف بالمقام الأول نفي أي صفة دولية لهذه المباحثات حيث كان هناك جهود ومحاولات عدة بتقليل دور المراقبين الأجانب وعدم التوافق على صيغة محددة لألية يمكن من خلالها أن يكون للمراقبين والخبراء الدوليين دور واضح في حسم القضايا الخلافية بين وجهتي النظر المصرية والإثيوبية أو السودانية من جانب آخر، وبذلك ظلت المفاوضات تدور في دائرة مفرغة بسبب تباعد الرؤى ومحاولة الجانب الإثيوبي المراوغة لعدم وضع نفسه تحت أي مسائلة أو مطالبات أو التزامات تجاه دولتي المصب والتعامل مع النيل الأزرق كنهر محلي.
وأوضحت المصادر أن هذه الجولة من المفاوضات تأتي كمحاولة أخيرة لجنوب أفريقيا للخروج بأي نتائج إيجابية يمكن عرضها خلال القمة الأفريقية المنتظره نهاية هذا الشهر قبيل نهاية فترة رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي، إلا أن جميع المؤشرات تنفي إمكانية التوصل لاتفاق خاصة وأن معظم القضايا الرئيسية في آلية وشكل التفاوض لم يتم حسمها خلال الاجتماع السداسي الذي عٌقد اليوم، حيث اقتصر على إظهار حسن النوايا من كل طرف والتأكيد على إيمان الجميع بأن التفاوض في السبيل لحسم الخلافات من دون رؤية واضحة لمسار هذا التفاوض.
الرفض المصري للورقة الأفريقية
خلال الاجتماع، قدم الاتحاد الأفريقي مذكرة اتفاق تم التوصل لها من خلال خبراء الإتحاد الذين حضروا المباحثات والمفاوضات السابقة، تتضمن معظم المتطلبات والقضايا التي رفعها كل من مصر والسودان وإثيوبيا في مذكرات سابقة للاتحاد الأفريقي، حيث لاقت هذه المذكرة قبولاً من الجانب السوداني والإثيوبي إلا أنها تم رفضها من جانب مصر التي طلبت أن يظل اتفاق واشنطن ببنوده اتفاق استرشادي لأي اتفاق جديد على أن تكون بنوده شاملة كافة ما يتعلق بتخزين وتشغيل سد النهضة.
الرفض المصري جاء أيضاً اعتراضاً على محاولة إثيوبيا اقحام خطط غير معلنة وغير واضحة لمشروعات مستقبلية على النيل الأزرق للاستفادة من المياه بخلاف سد النهضة الذي تعتبره سد غير مستهلك للمياه ويقتصر هدفه على توليد الطاقة الكهرومائية، وهو ما يخرج الاتفاقية من مضمونها وينفي عن إثيوبيا أي التزامات أو تعهدات بحماية الأمن المائي وتدفقات المياه لدولتي المصب في مصر والسودان.
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان صادر اليوم الأحد، أن أي اتفاق حول سد النهضة لا يمكن أن يخرج من دون اتفاق شامل للمياه في النيل الأزرق والوضع الحالي والذي وصفته بأنه غير عادل، مؤكدة : “إثيوبيا لن توافق على اتفاق حول سد النهضة أو أي اتفاق يحد ويمنعها من الاستفادة من حقوققها في مياه النيل”.
الموقف الحالي وتطور الإنشاءات في سد النهضة
تستهدف المفاوضات الجارية بالأساس وضع قواعد لتخزين وتشغيل سد النهضة من دون التسبب في أضرار بالغة على تدفقات المياه السنوية من النيل الأزرق لمصر والسودان، إلا أن الموسم المطري الماضي فاجئت إثيوبيا مصر والسودان بقرار أحادي عندما بدأت في التخزين الأولي لبحيرة السد وحجز 5 مليار متر مكعب من إيراد النيل الأزرق من دون موافقة مصر والسودان وهو القرار الذي اعتبرته الدولتين خرق للمفاوضات القائمة ولأي تعهدات اثيوبية سابقة بالالتزام بالمسار التفاوضي، وهو ما كان سبباً في عدم الثقة التي سيطرت على أجواء المفاوضات التي تمت تحت مظله الإتحاد الأفريقية.
تطور الإنشاءات في سد النهضة وصل إلى 78% حسب آخر تصريح لوزير المياه والطاقة الإثيوبي، سيلاشي بيكيلي قبيل بدء الاجتماع السداسي اليوم، وهي النسبة التي تصف مدى تطور الإنشاءات المدنية والأعمال الهيدروليكية بعد الملئ الأول الذي تم الانتهاء منه في الموسم المطري الأخير، إلا أن صور الأقمار الصناعية التي وردت إلى القاهرة لم تذكر أي تطور انشاءي جديد منذ الموسم المطري الأخير من حيث الأعمال المدنية في جسم السد نفسه، أو الأعمال الهيدروليكية والكهربائية لتشغيل أول توربينتين تم تركيبهم حيث لا تزال مستوى منسوب المياه التي تم تخزينها في الملئ الأول غير كافي لتشغيلهم.
تتجه معظم التوقعات بعدم إمكانية إثيوبيا في الدفع بالعمل في موقع السد بسبب عدة مشاكل تتعرض لها البلاد من التوتر السياسي والأمني بعد أزمة إقليم التجراي والتوتر على الحدود مع السودان، حيث لا تزال الأعمال متوقفه في الإنشاءات في الممر الأوسط من جسم السد والتي يمكن من خلالها تخزين أي كميات جديدة من المياه.
وفقاً للخطة الإثيوبية المعلنة فإنها ستستمر في الإنشاءات بجسم السد وتخزين المياه خلال الموسم المطري المقبل من دون انتظار أي نتائج للمفاوضات باعتبار أن اتفاق المبادئ الموقع في مارس 2015 يعطيها الحق في التخزين ضمن عملية الإنشاءات من دون انتظار موافقة مصر أو السودان.
سيناريوهات المستقبل القريب
وفق توقعات المسئوليين والمراقبيين، لا تفيد المؤشرات الحالية حول جولة المفاوضات تحت رعاية جنوب أفريقيا بصفتها رئيس الاتحاد الافريقي، بأي تطور منتظر حتى انعقاد القمة الأفريقية المقبلة نهاية يناير الجاري، حيث لا تزال مواقف الدول حول القضايا الخلافية ثابته مع الرفض الإثيوبي بإعطاء دور أكبر للمراقبين في التوسط وتسهيل عملية الحوار.
ويتوقع المراقبون أن تكون رئاسة الكونغو الديمقراطية وهي إحدى دول منابع النيل غير الموقعة على اتفاق عينتيبي الذي رفضته مصر في 2010 حلو تقاسم حصص مياه النيل، فضلاً عن عودة التنسيق المصري السوداني بشكل أكبر، مؤشرات قوية لصالح الموقف المصري ضد الممارسات الإثيوبية المتعنتة خلال المفاوضات.
ومن المنتظر أن يكون ملف النزاع حول سد النهضة من أهم القضايا المطروحة على قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة، بينما تعذرت جهود جنوب أفريقيا في تقريب وجهات النظر حيث تنتظر القاهرة انتهاء القمة لتدويل الملف مرة أخرى والعودة لمجلس الأمن في حال ظهور أي مستجدات سلبية من إثيوبيا.