بينما مرت المصالحة الخليجية في الأشهر القليلة الماضية بخطوات وضع الرتوش الأخيرة لمرحلة جديدة من التعاون. انعقدت أمس الثلاثاء قمة مجلس التعاون الخليجي، في العلا بالمملكة العربية السعودية. كخطوة أولى رسمية في سبيل هذه المصالحة المشروطة بقواعد تم الاتفاق عليها لإعادة بناء الثقة بين الرباعي العربي وقطر.
هذه الخطوة الأولى التي بدت بطيئة وحذرة تفسرها حالة الاحتقان المتصاعدة على المستويين الشعبي والسياسي التي شهدتها الدول الخمس في 3 سنوات امتدت خلال فترة المقاطعة. إذ من الصعب بمكان تسريع الأمر بخطوات أخرى في ظل حالة تجسس النبض التي يعتمدها كل طرف حاليًا في تعاطيه مع إعادة الاندماج مرة أخرى.
فهل تعود العلاقات إلى سابق عهدها؟
تنحية الخلافات لمواجهة الخطر الإيراني
وقع قادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي اتفاقية تضمن عودة التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي. فيما خرج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بتصريح أكد خلاله عودة العلاقات كاملة بين قطر ودول المقاطعة الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
قال الوزير، في بيانه، إن هذه الدول اتفقت على تنحية خلافاتها جانبًا وتمامًا. كما شدد على أن هناك حاجة ماسة اليوم لتوحيد الجهود سعيًا للنهوض بمنطقتنا العربية. وأيضًا لمواجهة التحديات التي تحيط بنا. لاسيما التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية وخطط طهران للتخريب والتدمير.
اقرأ أيضًا: مصالحة قطر والسعودية.. الثابت والمتحول في الأزمة الخليجية
هذه البداية المبشرة لإنهاء الخلاف عبرت عنها البيانات الرسمية التي صدرت عن الدول أطراف الاتفاق. وهو ما دفع السفير محمد العرابى، عضو مجلس النواب ووزير الخارجية الأسبق، إلى وصف ما تم خلال قمة العلا وما توصل إليه المتصالحون بالأمر “الجيد بشكل كبير”.
“ما حدث يشعرك كأنه لم تحدث مقاطعة لنحو 3 سنوات. لقد بدا الأمر كمخاطبة للمستقبل بالتأكيد على طي صفحة الخلاف ووضع رؤيا تجمع الجميع”؛ يقول العرابي.
على الجانب الآخر، تبرز الأزمة المصرية-القطرية ذات طبيعة مختلفة وفق ما يرى العرابي. إذ ما تزال العودة الطبيعية للعلاقات بين البلدين ملتبسة وغير واضحة المعالم. وإن كان هناك اتفاق عام على إجراء مصالحة مبنية على الثقة بين الطرفين، عززها التواجد الأخير لـوزير المالية القطري بمصر. وهي زيارة شهدت تدشين فندق “سانت ريجيس” المملوك لشركة “الديار” القطرية بالعاصمة المصرية. وذلك في حضور وزير المالية المصري محمد معيط، ووزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشين.
صدع التدخل في الشؤون الداخلية
هنا، يشير العرابي -في تصريحاته لـ”مصر 360″- أنه إذا اعتمدت قطر على المجال الاقتصادي فقط في تحسين علاقاتها مع مصر فإنها قد ارتكبت خطئًا كبيرًا. إذ إن قطر ساهمت في إثارة العراقيل في طريق الدولة المصرية بدعمها توجهات سياسية معارضة، على حد قوله. لذا لابد لها من تحرك يشمل هذا الملف وملفات أخرى إذا ما أرادت طي صفحة الماضي. على أن يكون على رأس هذه التغيرات المستقبلية عدم التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، والكف عن دعم أي فصيل على حساب آخر.
يعود وزير الخارجية الأسبق إلى المصالحة باعتبارها ضرورة حتمية، فيقول إن الظروف الراهنة ومنها مواجهة جائحة كورونا تحتم إعادة اللحمة مرة أخرى. كما يشدد على أن ظهور القوة العربية بشكل موحد هو السبيل لتحويل دفة الأمور، خاصة في ظل تواجد إيران من جهة وتركيا من جهة أخرى. مع ما يمثلانه من خطر، وتغريدهم خارج السرب، في محاولة فرض سيطرة مزعومة.
وحسب العرابي، فإن تركيا هي العدو الأكثر تهديدًا للمصالح العربية المشتركة. بينما يستبعد إيران -في وجهة نظره- ما تشهده من إنهاك داخلي وخارجي. فهي دولة تعاني في سوريا ولبنان واليمن. كما أنها تواجه عقوبات اقتصادية عنيفة تتزامن مع حالة عدم الاستقرار الداخلية.
أما تركيا، فخطرها أشد بالنظر إلى تواجدها في الجانب الليبي وتأثيرها الملموس في الجانب السوري. لذا فالتركيز العربي على مواجهة التمدد التركي يجب أن يكون على رأس أولويات القوة العربية الخليجية، وفق ما يوضح العرابي.
اقرأ أيضًا: حذر مصري من المصالحة مع قطر.. حسن النوايا لا يكفي
يعول مراقبون على وسائل الإعلام العربية في تسهيل مهمة عودة العلاقات الخليجية العربية من جديد. خاصة بعد ما شهدته الفترة الماضية خلال أزمة المقاطعة من تخلي بعض الخطاب الإعلامي عن المهنية في مقابل تأجيج مشاعر الشعوب. لكن الحادث هنا على أرض الواقع هو أن المصالحة نفسها غيرت هذا الخطاب من النقيض إلى النقيض، بين ليلة وضحاها.
هذا التغير في الخطاب الإعلامي يدلل عليه الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، فيقول: “لم تمر الساعات الماضية إلا وتغيرت سياسة قناة الجزيرة”. مشيرًا كيف تحولت من انتقاد الرباعي العربي فجأة إلى دعم المصالحة والإشادة بدولها. وهو ما يعتبره بكل تأكيد أحد تداعيات المصالحة.
لذا، يرى عبدالعزيز أن أولى إجراءات بناء الثقة يجب أن تتمثل في تغيير سياسة الجزيرة ونهجها في التعامل مع المملكة العربية السعودية. وهو أيضًا ما حدث بالفعل، ويراه بمثابة خسارة للقناة التي فقدت في أربع وعشرين ساعة فقط جزءًا أصيلاً من مهنيتها. وبدت للجميع أنها ليست إلا أداة إعلامية مسيسة لاستهداف الخصوم أو الإشادة بالحلفاء، على حد قوله.
“الجمهور غير المتابع يتساءل كيف في هذه الساعات القليلة تحولت بوصلة الجزيرة من الهجوم الضاري على المملكة إلى التغني بجمالها وحكمة قياداتها”؛ يقول عبدالعزيز.
ويعتقد الخبير الإعلامي أنه بات من الضروري انتهاج سياق مهني مختلف في التعامل مع الأزمات خاصة الدولية. ويضيف أنه في ظل ما تشهده الساحة الدولية من تطورات حالية على وسائل الإعلام المصرية مثلاً اتباع السياق المهني البحت في التعامل مع ملف المصالحة الخليجية.
تصريحات عبدالعزيز هنا تشير إلى ما شهدته الأزمة العربية مع قطر من نهج إعلامي لم يكن على المستوى المطلوب، الذي يسهل عودة كانت حتمية يومًا ما. وهو نهج اتبعته بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية أيضًا، وجانب المهنية في بعض تغطيته، وأحيانًا كان بعيدًا حتى عن التوجهات السياسية.
تبدو السياسات الإعلامية من أصعب الرهانات في هذه العلاقة، فحتى كتابة هذا التقرير، لا يزال الإعلامي أحمد موسى، المعروف موقفه من النظام، غير معترف بالمصالحة مع قطر، ويراها بلد متآمرة لا تريد الخير لمصر، كما لم تتوقف شبكة الجزيرة بشكل كامل عن خطابها العدائي تجاه القاهرة، عكس موقفها المتغير من الرياض، ما يعطينا مؤشرا أن اتفاق العلا سيبقى متوقفا على النوايا.