تتوالى هزائم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الذي لم يعد لديه سوى 11 يومًا فقط في منصبه- بخسارة جديدة على منصات التواصل الاجتماعي، أفقدته “ميكرفونه الكبير” على “تويتر”. ذلك بعد أن أعلنت الشركة يوم الجمعة إغلاق حساب realDonaldTrump. وهو حساب يضم أكثر من 88 مليون متابع. بث خلاله ترامب منذ إعلان نتيجة الانتخابات في نوفمبر الماضي مزاعمًا وحملات تحريضية استهدفت نزاهة العملية الانتخابية.
مجد العنف فعاقبته تويتر
“تويتر” أوضحت أنه “من أجل الحيلولة دون حدوث مزيد من التحريض على العنف” اتخذت قرارها سالف الذكر ضد الرئيس. ذلك بعد أن نشر تغريدتين انتهك بهما قواعد الشركة ضد تمجيد العنف. إحدى التغريدين وصف فيها ترامب مؤيديه بـ”الوطنيين”. في إشارة إلى منفذي الهجوم غير المسبوق على مقر الكابيتول (الكونجرس) في العاصمة واشنطن الأربعاء الماضي. بينما في التغريدة الأخرى قال ترامب إنه لن يذهب إلى حفل التنصيب الرئاسي في 20 يناير.
اقرأ أيضًا: “غوغائيون وصدمة عالمية”.. كيف تناولت الصحف الأمريكية اقتحام الكونجرس؟
ولم يكن هذا الإجراء الأخير من “تويتر” إلا محطة أخيرة من محطات صدام المنصة مع الرئيس بدأت ذروتها مع إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية في نوفمبر الماضي. ووسم “تويتر” لعدد كبير من تغريدات ترامب باعتبارها “تحوي حديثًا مضللاً” وتدعو للعنف احتجاجًا على نتائج الانتخابات التي أسقطته.
دون تويتر.. لن أكون هنا
في أبريل 2017، قال ترامب في حديث لصحيفة “فاينانشيال تايمز“: “دون التغريدات.. لن أكون هنا”. لهذا حاول الرئيس الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي مقاومة قرار منعه من الحديث عبر منصات التواصل باستماتة. فحاول استخدام حسابات ثانوية لنشر عدة تغريدات انتقد بها “تويتر” وقرارها ضده. الأمر الذي تعاملت معه الشركة بالحذف ومنع المستخدمين من محاولة تفادي غلق هذه الحسابات الثانوية.
مع فشله في مواجهة “تويتر”، صرح ترامب مساء الجمعة بأن “تويتر” كانت تحاول إسكاته دائمًا. واتهم مسؤوليها بأنهم “يدورون حول الترويج لمنصة اليسار الراديكالي”. أيضًا أضاف أنه كان يتفاوض مع مواقع أخرى، ويتطلع إلى بناء “منصته الخاصة”. كما وعد “بإعلان كبير قريبًا”.
بينما وصف نجله تحرك “تويتر” ضد والده بـ”الجنون المطلق”. وقال إن شركات التكنولوجيا تتجاوز الحدود. وكتب على “تويتر”: “نحن نعيش 1984 لأورويل. حيث لم تعد الحريات موجودة في الولايات المتحدة”.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وصفت ما حدث ضد ترامب بأنه يأتي بمثابة “رفض قوي” من قبل تويتر للسيد ترامب، الذي استخدم المنصة لبناء قاعدته ونشر رسائله المليئة بالأكاذيب والتهديدات. وهاجم عبرها “أعدائه المزعومين”. فيما نقلت الصحيفة عن شانون ماكجريجور باحثة أولى في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل قولها “هذا هو مفتاح إلغاء المنصات بالنسبة لترامب؛ عدم القدرة على التغريد يقطع وصوله المباشر إلى الصحافة، وبالتالي الجمهور”.
قرابة 47 ألف تغريدة منذ العام 2009
فتح دونالد ترامب حسابًا على منصة “تويتر” في العام 2009. ومنذ ذلك الحين كتب ما يقرب من 47 ألف تغريدة أصلية. واستخدم في أغلب تغريداته حساب @realDonaldTrump بدلاً من الحساب الرسمي للرئاسة الأمريكية @Potus. ذلك وفق ما أحصته أداة مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي “تويت بندر“.
وفق بيانات “تويت بيندر”، نشر دونالد ترامب تغريدات أصلية بلغت 46 ألفًا و919 تغريدة، شملت: 30 ألفًا و572 تغريدة نصية، لا تشمل صورًا أو لينكات إلكترونية – 3 آلاف و624 ردًا على تغريدات مستخدمين آخرين. بما في ذلك ردود له على سلال تغريدات نشرها بنفسه – 12 ألفًا و906 لينك أو صورة (ولا يشمل ذلك لينكات وصور رد بها على تغريدات أخرى).
منذ أن أصبح رئيسًا استخدم ترامب 6 وسائل مختلفة لإرسال التغريدات، شملت: 17 ألفًا و260 تغريدة من جهاز آيفون – 14 ألفًا و753 تغريدة من جهاز أندرويد – 12 ألفًا و952 تغريدة من حساب موقع “تويتر” لأجهزة الحاسوب – 527 تغريدة من منصة ” TweetDeck” – و369 تغريدة من منصة ” Twitter Media Studio”.
هنا، تذكر “نيويورك تايمز” أن ترامب دائمًا ما أرهق مسؤولي البيت الأبيض بتغريداته. إذ كانت هناك عمليات مكثفة لصياغة التغريدات الرسمية، تدار في الليل. بينما في في الصباح التالي يفاجئ الجميع بتغريدات ترامب الخاصة على جهاز iPhone الخاص به. وغالبًا ما أثار ذلك استياء المستشارين والمشرعين الجمهوريين، الذين كانوا يقضون ساعات وأيامًا في التعامل مع تداعيات هذه التغريدات.\
تغريدات ترامب والإعلام
في العام 2020، كانت التغريدة التي أعلن بها إصابته بفيروس كورونا الأكثر بين تغريدات ترامب جميعًا التي لاقت تفاعلاً وإعادة تغريد. لكن هذا لا ينفي أن حساب ترامب وتغريداته عبر “تويتر” كانت المادة الأغنى بالمعلومات للتناول الصحفي في عموم أمريكا وبين وسائل الإعلام العالمية الأخرى. كما أن ترامب كان دائم ذكر وسائل الإعلام في تغريداته تلك.
هنا تشير الإحصاءات إلى “فوكس نيوز” الأمريكية المحببة لدى الرئيس باعتبارها أكثر الشبكات الإخبارية ذكرًا في تغريدات ترامب. إذ أتى على ذكرها في 2% تقريبًا من تغريداته. بينما استحوذ حديثه عن “الإعلام الكاذب” نسبة 7% من إجمالي تغريدات على “تويتر”، بعدد 519 تغريدة.
حقائق حول نشاط ترامب على “تويتر”
يضم حساب ترامب على “تويتر” أكثر من 88 مليون متابع. كما أنه حصل على 10 آلاف إشارة (mention) في 20 دقيقة فقط. وهو أمر يشير إلى كم الاهتمام البالغ بتغريداته المثيرة للجدل. أيضًا يتابع ترامب على 50 حسابًا فقط على “تويتر”، وهي حسابات شركاته وأفراد عائلته.
وفق الإحصاءات أيضًا تساوي القيمة السوقية لتغريدة واحدة من دونالد ترامب ما يعادل 115 ألف دولار أمريكي. أي أن قيمة تغريداته الـ 47 ألفًا تساوي ما يقرب من 5 مليارات دولار.
يحب دونالد ترامب منصة “تويتر” كثيرًا ويراها نافذة الأكثر آمانًا وحرية. لذا فإن القرار الأخير من مسؤولي “تويتر”، والذي لم يكن متوقعًا لا من ترامب ولا من مستشاره وصهره المقرب منه سياسيًا جارد كوشنر، يمثل ضربة قاضية أخرى لمسيرة هذا الرجل الأكثر إثارة للجدل بين رؤساء الولايات المتحدة.
ففي اجتماع بالبيت الأبيض العام الماضي، اقترح براد بارسكال مدير حملة ترامب في ذلك الوقت، أن ينتقل الرئيس إلى منصة Parler. وهو موقع بديل لوسائل التواصل الاجتماعي أصبح شيوعًا لدى المستخدمين اليمينيين في الولايات المتحدة. لكن جاريد كوشنر رفض الفكرة، وشارك ترامب الثقة في أن “تويتر” لن يوقفه أبدًا، وفق ما نقلت “نيويورك تايمز” عن مصدر مطلع. وهو الأمر الذي بات الآن الحقيقة الأكبر في حياة ترامب غلى جانب حقيقة خسارته الانتخابات، وأنه مسؤول عن أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة من قبل أنصاره.