“جيم وطربيزات بليارودو، ومسجد كبير وسبا”؛ هكذا قضى علاء وجمال نجلا الرئيس الأسبق حسني مبارك فترة عقوبتهما داخل سجن طرة. أو هكذا كشف الموسيقار هاني مهني، في حوار مع الإعلامي يوسف الحسيني ببرنامجه “حرف جر” المذاع عبر محطة راديو “نجوم إف إم”. وهي تصريحات فتحت باب الجدل حول السجون والحياة داخلها. وكيف يعيش من يمكن أن يطلق عليهم “في آي بي” في سجون لا تتمتع الغالبية العظمى من سكانها بتلك الرفاهية.
سجون الكبار.. يلعبون الكرة وحبيب العادلي حكمًا
في مكان كان يتسع لأكثر من 3 آلاف شخص، حُبس مهنى مع 16 شخصًا، كان أغلبهم من الضباط. “دخلت لقيت هشام طلعت مصطفى عامل جامع صرح، وأحمد عز عامل جيم وسبا غير طبيعي، أحدث أجهزة، وترابيزة بينج وترابيزة بلياردو”؛ يصف مهنى السجن بالداخل.
كان مشهد هؤلاء الكبار يلعبون الكرة داخل السجن بينما وزير الخارجية الأسبق حبيب العادلي حكمًا بينهم ضمن أبرز ملاحظات مهنى خلال الأشهر الستة التي قضاها في السجن، بعد حكم بحبسه 5 سنوات في اتهامه بالاستيلاء على المال العام.
تحت عنوان “سجن الخمس نجوم”، دون مغردون عبارات عن مضمون ما جاءت به هذه التصريحات. بعض هؤلاء كانوا في سجون سابقة بتجارب ليست مشابهة تمامًا في الرفاهية، كما وصف تغريداتهم. وربما الصورة التي تأتي في الذهن عند الاستماع لتصريحات مهنى، هي صورة عادل إمام “حسن سبانخ” في فيلم “الأفوكاتو”. ذلك المحامي الذي يتمتع بمزايا عدة في السجن هو ومن معه من رجال الأعمال المطاعين داخل سجونهم.
لا تفرق لائحة السجون بين نزلائها. بل وتمنح البنود جميعها لكافة السجناء، دون تفرقة بين السياسيين والجنائين منهم. إلا أنه على أرض الواقع هناك بالفعل تفرقة واضخة في ما يمكن أن يطلق عليه سجون رجال الأعمال، وغيرهم من السجناء. سواء في قضايا سياسية أو جنائية.
مبارك ونجلاه في سجن طرة
في حوار سابق لجريدة الشروق، أوضح رئيس مصلحة السجون اللواء محمد نجيب أنه كان موجودُا في السجن لحظة وصول الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. حيث هبط إلى داخل السجن بطائرة أقلته، كان يرفض الخروج منها.
وقتها كانت التعليمات بالانتهاء من تحديث غرفة للعناية المركزة لاستقبال الرئيس الأسبق في مستشفى سجن طرة. وهو أمر اضطرت له السلطات حينها لتهدئة الرأي العالم. كما نُظر إليه باعتباره تطوير سيشهده مستشفى السجن ويخدم جميع السجناء أيضًا، وفق اللواء نجيب.
“ترتيب السجن لاستقبال تلك اللحظة الحاسمة”؛ هكذا وصف رئيس مصلحة السجون الأسبق الوضع عند استقبال مبارك. زار السجن قائد المروحية لمعرفة مكان الهبوط الخاص بالطائرة، وسيارة الإسعاف المخصصة لنقل مبارك.
أبدى مبارك ونجلاه طاعة لمسؤولي السجن، بخلاف رموز جماعة الإخوان الذين عاصرهم أيضًا اللواء نجيب.
يرى نجيب أن مبارك كان ملتزمًا بتعليمات السجن وارتداء البدلة الزرقاء. وكان أيضًا يرسل كل ما يخصه للنائب العام قبل أخذ الموافقة عليه. خاصة أنه كان يعاني من مشكلات صحية كبيرة، وفق اللواء نجيب، الذي أوضح أيضًا أن زيارات مبارك ونجليه كانت تضخع لتفتيش دقيق، ومواعيد محددة للزيارة بإذن من النيابة.
“برطمانات المربى” هي الأمر المخالف الذي كان يراه اللواء نجيب في أماكن تواجد نجلي مبارك، وهو يشرح كيف خضعا للتفتيش الدائم طوال الوقت وفقًا للائحة السجون، التي لا تفرق في المعاملة بين السجناء.
لائحة السجون
لائحة السجون تتيح للمسجون تأسيس الزنزانة على نفقته الخاصة، وفقًا لما أكده أحد المحامين الحقوقيين -رفض ذكر اسمه. لكن لا يستطيع كل المساجين الاستفادة من تلك اللائحة أو تطبيقها. فمن حق السجين إدخال مرتبة لينام عليها، وأدوات للطهي، وغيرها من الأشياء التي يحتاج لها. وربما تسمح إدارة السجن لمسجون بإدخال مرتبة ولا تسمح للآخر. ذلك دون أسباب واضحة. وإن كان ما يذكره العديد من السجناء السياسين والجنائيين يرصد رواية مقابلة لما رواه مهنى.
أحمد منصور واحد من السجناء السياسين، قضى عامًا و8 أشهر بسجن طرة تحقيق. يقول: “أهلي حاولوا كتير يستأذنوا علشان يدخلوا مرتبة أنام عليها علشان فعلاً ظهري كان تعبني جدًا من نومة الأرض والرطوبة. وهو ما قوبل بالرفض، على حد قوله: “مرة واحد من الضباط رد عليهم بتريقة وقال لهم متدخلوا له تكييف كمان، وده كان بيتكرر مع ناس تانية وفي حاجات تانية زي كاتيل مثلاً لتسخين الميه، أو تليفزيون أو راديو”.
ووفقًا للأرقام الرسمية، تجاوز الوضع في النظام الجنائي المصري حافة الهاوية. إذ أن نسبة إشغال السجون تصل إلى 160% من طاقتها. بينما تصل نسبة الإشغال في مراكز الاحتجاز إلى 300% من طاقتها. ذلك وفقًا لدويتشه فيله.
حقوق السجناء
للسجناء وضع مختلف باختلاف هوياتهم والقضايا المدرجين عليها. فالسجناء في قضايا الأموال العامة أو القضايا البعيدة عن القضايا السياسية يمكنهم التمتع بلائحة السجون التي تسمح بتأسيس الزنزانة على نفقة السجين الشخصية وإدخال الأشياء التي يحتاجها المسجون. بالإضافة لوجودهم بزنازين بها أسرة في سجن المرزعة مثلاً. ويتم التبرع بتلك الأشياء للسجن. وهي أمور وإن كانت من حق كل السجناء إلا أن بعضهم فقط يتمتع بها دون غيره، وفقًا لما قاله أحد المحاميين الحقوقين.
لا يوجد شكل موحد للسجون، كما لا يوجد قانون موحد يسري على الجميع، يوضح المحامي الحقوقي. ويضيف: “الوضع بيختلف من سجين للتاني، ومن قضية للتانية. بس نقدر نقول إن القضايا السياسية هي اللي بيكون فيها تعنت جامد وظاهر في التعامل مع المساجين وبرضه الأماكن اللي هما فيها”.
قانون الضابط والمأمور
“في السجن أي حاجة بتتم من غير قانون أو ضابط بيكون قرار من الضابط أو المأمور، زي محد منهم بيقرر فجأة يجرد الزنازين وياخد كل متعلقاتنا، ونرجع من جديد نطلب من أهالينا يدخلوا لنا غطا وهدوم داخلية لأننا بنستلم أول مندخل السجن هدوم بيضا عادة بتكون كبيرة علينا وبطانية واحدة وبتكون الحاجات دي مش جديدة شكلها باين أنها قديمة ومستعملة”؛ يقول أحمد الذي قضى عامًا و8 أشهر خلف الأسوار.
أوضاع المساجين تحتلف أيضًا من سجين لآخر. ففي السجن الذي عاش به نجلا مبارك، يقضى حاليًا المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح ورئيس حزب مصر القوية فترة حبسه. لكن في عنبر “العزل” محبوسًا انفراديًا، حيث يقضي ساعات تريضه انفراديًا أيضًا. “غير مسموحله بأكثر من ٣ بطاطين، والتريض عنده نص ساعة وانفرادي برضو زي التسكين، وما عندوش حتى رفاهية إنه يتكلم مع حد من على النضارة”؛ يقول نجل أبوالفتوح.
الأسماء المعروفة لا تحظى جميعها بالمعاملة الخاصة، كما ترى إكرام يوسف والدة البرلماني السابق زياد العليمي المحبوس على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بـ”تحالف الأمل”. وهي توضح أنها ظلت لفترة طويلة تحاول إدخال مروحة لنجلها ومن معه في الزنزانة في فصل الصيف، حتى وافقوا أخيرًا وحدثت المعجزة، حسب قولها.
عالمان تحت سور واحد
حديث مهنى ربما يكشف حياتين مختلفتين للسجناء خلف الأسوار. فبينما لا تفرق لائحة السجون بينهم في بنودها تفعل السجون نفسها، ولم يكن حديث مهنى سوى كاشف جديد لهذا الوضع، الذي دفع بالنشطاء السياسين إلى مزيد من المطالبة بمراعاة الحالة الصحية والإجراءات الاحترازية للسجناء. خاصة في ظل انتشار وباء كورونا.
وإلى جانب مطالب النشطاء، خرجت العديد من التقارير عن منظمات ومؤسسات حقوقية تتطالب بتحسين الأوضاع داخل السجون. وذكرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه في فترة لم تتجاوز الأربعة أشهر، تكررت وقائع الوفيات داخل أماكن الاحتجاز لأسباب صحية ومرضية.
وذكرت المبادرة -في تقرير- بعض هذه الوقائع، ومنها وفاة المخرج شادي حبش في شهر مايو الماضي داخل محبسه في مجمع سجون طرة. وكان قد قضى فيه أكثر من عامين من الحبس الاحتياطي بالمخالفة للقانون على ذمة القضية رقم 480 لسنة 2018. ثم وفاة عصام العريان القيادي الإخواني في محبسه في سجن طرة شديد الحراسة “العقرب” في أغسطس الماضي. وذلك بعد قضائه نحو سبع سنوات بالسجن تنفيذًا لأحكام بالسجن المؤبد في أكثر من قضية. وأيضًا عمرو أبو خليل الذي توفي بتاريخ 6 سبتمبر في سجن العقرب. وكان يقضي فترة حبس احتياطي على ذمة القضية رقم 1118 لسنة 2019 بعد القبض عليه من عيادته الطبية في أكتوبر 2019.
وتشير المبادرة إلى أن السجون بشكل عام تفتقد مقومات الصحة الأساسية. وتشمل: الغذاء الجيد والمرافق الصحية – دورات المياه الآدمية التي تناسب أعداد السجناء – الإضاءة والتهوية والتريض. بينما يعاني أغلبها التكدس الشديد للسجناء داخل أماكن الاحتجاز.
وفي مقابل تلك البيانات والتوصيات بتحسين الأوضاع داخل السجون، تأتي الرواية الرسمية للدولة، بأن السجون في مصر تطبق أعلى معايير حقوق الإنسان، والتي لا تفرق بين سجن وآخر أو بين متهم وآخر، ما يفتح باب السؤال حول: أين الحقيقة؟