“إجراءات عزل لا تمثل أدنى خطر بالنسبة لي”، كان ذلك تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الليلة التي سبقت تصويت مجلس النواب على النص الاتهامي الموجه له، وتحريضه على اقتحام مقر المجلس التشريعي لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية “الكابيتول”.
وعلى ما يبدو أن ترامب كان يستبعد إمكانية صدور قرار بعزلة من منصبه خاصة وأنه لا يتبقى على تسليم السلطة للرئيس الجديد جو بايدن إلا أيام معدودات لكن الديموقراطيون وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أصروا على أهمية ذلك الإجراء.
وبررت بيلوسي سعيها التي انضم إليها بعض الجمهوريين فيما بعد بأن “ترامب شديد الخطورة على الأمن القومي الأمريكي، حتى أنها وصفت تصرفات ترامب بأنها “من الممكن أن يتحول كل يوم إلى فيلم رعب لأمريكا”.
التصريحات المتبادلة والهجوم لم يمنع مجلس النواب من عقد جلسة التصويت، التي أسفرت في النهاية عن “عزل” ترامب من منصبه بالفعل بعد “تحريض” أنصاره في أعمال الشغب التي شهدها مبنى الكابيتول – مقر البرلمان – الأسبوع الماضي.
وانضم عشرة نواب من الجمهوريين إلى الديمقراطيين في التصويت لصالح القرار، الذي جاء بنتيجة 232 صوتا مقابل 197، وبهذا، أصبح ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُعزل مرتين أو يتهمه البرلمان (الكونغرس) بارتكاب جرائم.
وسيواجه الرئيس الجمهوري الآن محاكمة في مجلس الشيوخ. وإذا أُدين قد يُمنع من تولي المنصب مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: الانتخابات الأمريكية: اتهامات متبادلة بين ترامب وبايدن في أول مناظرة انتخابية
ترامب المتهم تثبت إدانته
واتهم الكونجرس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحريض أنصاره على اقتحام مبنى “الكابيتول” بخطبه في 6 يناير أمام تجمع كبير من أنصاره، حثهم خلالها على القتال بقوة لإثبات أن الانتخابات مزورة، وبعد الانتهاء اقتحم عدد كبير منهم المبنى.
تصرفات ترامب وأنصاره دفعت عدد كبير من الديموقراطيين وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للحث على عزله قبل أني يصدر قرارات جديدة قد تضر الأمن القومي الأمريكي.
تعتبر اتهامات العزل سياسية وليست جنائية، وذكر قرار المساءلة أنّ ترامب أصدر بيانات كاذبة تؤكد أن نتائج الانتخابات الرئاسية كانت مزورة ولا ينبغي قبولها، وشجعت على ارتكاب أعمال خارجة عن القانون في مبنى الكابيتول.
وتابع نص الاتهام “لقد عرّض الرئيس ترامب أمن الولايات المتحدة ومؤسساتها الحكومية للخطر الشديد، وهدد سلامة النظام الديمقراطي، وتدخل في الانتقال السلمي للسلطة، وعرّض المساواة بين الفروع الحكومية للخطر”.
وجاءت نتيجة التصويت 139 جمهورياً ضد قبول نتيجة انتخابات 2020 وهزيمة ترامب الأسبوع الماضي.
وينص التعديل 25 من الدستور الأمريكي على السمح لنائب الرئيس وغالبية وزراء الحكومة أن يرسلا رسالتين خطيتين إلى رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، يؤكدان فيها أن الرئيس غير مؤهل لمواصلة صلاحياته، ثم يوجه رئيسا المجلسين خطابا إلى الرئيس حتى يستفسرانه إن كان غير مؤهل للقيام بمهامه.
اقرأ أيضًا: “ترامب” ورفع الإنجيل.. تديين السياسة في مواجهة مخاوف السقوط
ما بعد العزل؟ الإدانة والمحاكمة
التصويت ضد ترامب بالتأكيد لن يكون الخطوة الأولى، حيث يأتي بعدها إرسال رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، اللائحة لمجلس الشيوخ، وبعدها يتعين على زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ أن يبدأ عملية المحاكمة بعد مراجعة ملف الاتهامات النيابية والاستماع للحجج القانونية.
ووفق للدستور الأمريكي، فإن “لمجلس الشيوخ وحده سلطة في إجراء المحاكمة في جميع لائحة الاتهام النيابي. وعندما يجتمع مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس المحكمة العليا الجلسات”.
وينص الدستور على أنه “لا يجوز إدانة أي شخص دون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين، ولا تتعدى الأحكام في حالات الاتهام النيابي حد العزل من المنصب، ومنع تولي وشغل منصب شرفي أو يقتضي ثقة أو يدر ربحا في الولايات المتحدة، ولكن الشخص المدان يبقى مع ذلك مسؤولا وخاضعا للاتهام والمحاكمة والحكم عليه ومعاقبته وفقا للقانون”.
وهناك فترات زمنية محددة للمرافعات والردود عليها، وجميع أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ التي تعرض على مجلس النواب ومحامي ترامب، يجب أن تقدم كتابة وتتلى من قبل رئيس القضاة.
رغم أن الهدف من إجراءات العزل قد تقوم على إزاحة الرئيس الأمريكي من منصبه في حال إدانته من قبل مجلس الشيوخ، إلا أنه بإمكان المجلس عقد تصويت آخر للمطالبة بعدم ترشح الرئيس الأمريكي مجددا خاصة مع نية ترامب خوض الانتخابات في 2024 .
اقرأ أيضًا: “غوغائيون وصدمة عالمية”.. كيف تناولت الصحف الأمريكية اقتحام الكونجرس؟
براءة ترامب في المرة الأولى
ولا تعد تلك المحاكمة الأولى للرئيس المشاغب حيث سبقها محاكمة تتعلق بتعاملات ترامب مع رئيس أوكرانيا، بعد تحقيق مطول والاستماع إلى شهادات عدد من المسؤولين الحكوميين.
وبرأ مجلس الشيوخ الأمريكي ساحة الرئيس، دونالد ترامب، في محاكمته لينهي محاولة عزله من منصبه، واتهم ترامب باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.
ووجه الديمقراطيون في ديسمبر 2019 لترامب تهمة الضغط على الرئيس الأوكراني من أجل تشويه سمعة منافس له في الانتخابات الرئاسية، لكن مجلس الشيوخ قرر في تصويت تاريخي عدم عزل ترامب من منصبه بتهم استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس في قضية أوكرانيا، لكن هذه المرة لا يبدو أن ترامب سينجو منها.
وشهد تاريخ أمريكا ثلاث محاكمات رئاسية، كانت ضد الرئيس، أندرو جونسون، ونجا منها بفارق صوت واحد، وبيل كلينتون، الذي تمت تبرئته، إلى ترامب في محاكمته الأولى.