لا تتباين كثيرًا رحلة شركة “النصر للسيارات” ومثيلتها في “الحديد والصلب المصرية”، فتأسيسهما يعود للفترة ذاتها، وكلاهما حمل مسمى المشروع القومي لمحاربة قوى الاستعمار، كما خاضتا الاثنتان مسارًا إجباريًا متقارب نحو التصفية قبل أن يكتب للأولى العودة للحياة مجددًا، وذلك بإدخالها في شراكة “مصرية – صينية”.
النصر للسيارات.. 11 عامًا في خزانة التصفية
ظلت “النصر للسيارات” 11 عامًا في خزانة التصفية، قبل أن تعقد جمعيتها العمومية غير العادية اجتماعًا مفاجئًا. اتخذ قرار تاريخي بعودة الشركة للحياة مجددًا. لكن مع تغيير للنشاط من المركبات التقليدية لتجنح نحو سيارات المستقبل “الكهربائية”.
ووقعت “النصر للسيارات” عقودًا نهائية للشراكة مع شركة “دونج فينج” الصينية لإعادة تأهيل مصنع النصر، والاتفاق على إنتاج أول سيارة كهربائية في مصر، بحضور لياو ليتشيانج، السفير الصيني في القاهرة.
ووفق هذه العقود تنتج الشركتان 25 ألف سيارة ركوب كهربائية سنويًا، ما يعد انطلاقة لصناعة السيارات لأعراض التصدير، كما تشير مذكرات التفاهم بين الطريفين إلى تحويل مصر لنافذة تصدير لأفريقيا والدول المجاورة، مع توفير مجموعة من المحفزات للمستهلكين المحليين حال وجود رغبة للشراء لديهم.
يمثل اختيار السيارة الكهربائية بالذات سر عودة النصر للسيارات. فجمعيتها العمومية ووزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، وهو رجل سيارات قبل أن يكون وزيرًا، يعرف أن عودتها بنشاطها القديمة لا يوفر لها قدرات على المنافسة سواء مع الشركات الأجنبية أو وكلاء التجميع المحليين مثل “غبور” التي اكتسبت خبرة طويلة خلال السنوات العشر الأخيرة.
تتبقى رتوش بسيطة تقف في طريق عودة شركة السيارات الحكومية، تتعلق يبند التحكيم في اتفاقها مع الشريك الصيني. ويجري العمل حاليًا على قدم وساق بتطويرها برفع كفاءة خطوط الإنتاج التي شملت مبنى مصنع تجميع السيارات وخطوط تصنيع الأجزاء. إلى جانب عمليات إصلاح البنية التحتيتة، وشبكات المياه والصرف، وخطوط الإمدادات.
النصر للسيارات.. عودة تستهدف خلق قيمة مضافة
وفقًا لوزير قطاع الأعمال العام، فإن الوزارة تستهدف خلق قيمة مضافة لصناعة السيارات، وتحويل مصر إلى قاعدة تصديرية بالتزامن مع تنامي حجم السوق، والطلب على المركبات.
أشار الوزير أيضًا إلى أن وزارته كانت قد وضعت شرطًا للشركات العالمية الراغبة في التقديم للشراكة مع “النصر”، تعلق بوضع حد أدنى 50 ألف سيارة لضمان أن تكون الشركات القادمة جادة في وضع مصر كقاعدة للتصدير، وليست تستهدف السوق المحلية وعمل مزاحمة داخلها.
تواجه تجربة “النصر” مشكلة في صناعة المحرك ومكوناته التي تمثل 50% من تكلفة السيارة، سيتم شراؤه بالكامل من الخارج. فضلاً عن غياب العدد الكافي من محطات الشحن الكهربائي التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة حاليًا. علاوة على عدم قدرة الشحن المنزلي على المشكلة. إذ لا يغطي حاجة السيارة للمضي سوى 2 كيلو متر فقط.
فرص النصر للسيارات أفضل من الحديد والصلب
ما منح “النصر للسيارات” أفضلية في العودة على “الحديد والصلب” هو حجم المديونيات الأقل. فالنصر تمت تصفيتها على مديونيات بـ 2 مليار جنيه. إلى جانب حجم منخفض جدًا من العمالة، لا يتجاوز 3 آلاف عامل من إجمالي 12 ألفًا ، هجروها وتوجهوا للعمل في القطاع الخاص. حينما تردت أعمالها. علاوة على حجم خسائرها المنخفض نسبيًا، والذي كان أعلى رقم له 165 مليون جنيه.
اقرأ أيضًا: خالد علي يكتب: هل تعلم أن شركة الحديد والصلب المصرية…..؟
يقول مصدر بوزارة قطاع الأعمال العام إن الوزارة تعرف جيدًا أن الحكومات في التسعينيات كانت السبب وراء الدفع بالشركة نحو الخسارة، وليس نتائج الأعمال أو ضعف المنتتج. فالشركة كانت في أوج مجدها ونتتج نحو 28 ماركة للسيارات، بالتعاون مع شركات عملاقة،
تضمنت قائمة منتجات الشركة على مدار تاريخها منتجات: “رمسيس” ونصر1100، ونصر 1300 ، ونصر 1600 ، ونصر 2300 ، ونصر 2600 ، نصر R 1100 ، نصر 128، ونصر 125 ، ونصر 131، ونصر 133، ونصر 127، ونصر 126، ونصر فيورا ، ونصر ريجاتا، ونصر بولونيز، ونصر دوجان، ونصر شاهين، ونصر فلوريدا.,
يضيف المصدر، لـ:مصر 360″، أن السبب الرئيسي في أزمات الشركة بدأ في عهد الرئيس السادات. ذلك مع أزمة العملة الصعبة وعجز الشركة عن توفيرها للحصول على احتياجات الإنتاج من الخارج. خاصة أن إتناج الشركة كله كان موجهًا للسوق المحلية. ما دفعها لطرح بعد منتجاتها بالعملة الصعبة. لكن المشترين ذاتهم لم يكونوا يملكون عملة أجنبية للسداد. لتتلقى اللكمة الأكبر مع التعويم الأول للجنيه في التسعينيات، والذي ضاعف مديونيات الشركة حال إعادة تقييمها بالجنيه المصري.
سياسة الاقتصاد الحر
عانت الشركة كثيرًا مع سياسة الحكومة نحو الاقتصاد الحر، وفتحها الباب أمام صناعة التجميع المحلي للسيارات على مصرعيه بمصانع خاصة لإنتاج وتجميع السيارات.
بدأت عدة شركات عالمية بإنشاء مصانع لها في مصر وقدمت عدة موديلات حديثة تلبي احتياجات المستهلك، مقارنة بما كانت تقدمه “نصر” من موديلات أوقف إنتاجها في مصانع فيات منذ سنوات. حيث ظهرت ماركات أخرى مثل سوزوكي وهيونداي وبيجو. بالإضافة إلى أوبل التابعة لمصنع جنرال موتورز مصر العامل في مصر منذ نهاية السبعينيات.
يؤكد المصدر أن صناعة السيارات في السعبينيات كانت تعامل مثل الدواجن في الجمعيات التعاونية. حيث تم وضع تسعيرة جبربة لها من أجل إرضاء الجماهير وتحقيق حلمهم في امتلاك سيارة بأقل من 60% من قيمة صناعتها. ما كبد الشركة حجم الفارق من ميزانياتها.
دأبت الحكومات المصرية في الثمانينيات والتسعينيات على اكتساب شعبية عبر اتخاذ سياسات للتقرب من الجماهير دون دراسة أثرها الاقتصادي. وهو ما أوصل بنك مثل التنمية والائتمان الزراعي لخسائر تجاوزت ضعف رأس المال في مطلع الألفية الثانية. ذلك بعدما أسقطت الحكومة ديون المزارعين أكثر من مرة. على أن تتحمل وزارة المالية المبلغ. ولم ترده الوزارة وتحمله البنك في نتائج أعماله.
البيروقراطية تفشل محاولات التشغيل
يقول خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن الحكومة حاولت تشغيل بعض الشركات الخاسرة في قطاع الأعمال. وذلك عبر الشراكة مع القطاع الخاص، سواء كان محليًا أو أجنبيًا. وللأسف هذه التجربة لن تنجح في ظل البيروقراطية والقوانين العتيقة التي تدير شركات قطاع الأعمال.
يضيف الشافعي أن أسباب خسائر اغلب شركات قطاع الأعمال واحدة. وهي التغيرات المستمرة في الإدارة والاعتماد على طرق تقليدية لا تواكب التطورات الحديثة أو ارتفاع تكاليف الإنتاج. مثلما يحدث في مصر الألمونيوم نتيجة ارتفاع سعر الكهرباء والغاز. ما يتطلب إجراء حصر دقيق لمشكلات خاصة الطاقة وتوفيرها بسعر أفضل أو حتي سعر خاص بها.
تاريخ النصر للسيارات
تأسست شركة النصر للسيارات بقرار وزاري عام 1957. بتشكيل لإنشاء صناعة سيارات اللوري والأتوبيسات في مصر بالبداية. قبل أن يفكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نهاية العام ذاته في تأسيس مصنع لإنتاج سيارة بمكونات مصرية خالصة.
تم افتتاح خطوط التجميع في وادي حوف عام 1960. وتوالت عقود مشروعات تصنيع سيارات الركوب مع شركة NSU الألمانية وشركة فيات الإيطالية، والجرارات الزراعية مع شركة يوغسلافية، والمقطورات مع شركة بلاوهيرد الألمانية،
استطاعت الشركة أن تحقق معدلات إنتاج ومبيعات قياسية حتى أن كل سياراتها كانت محجوزة لعدة سنوات قادمة. وتم عرض باكورة إنتاجها للنصر بمقدم 210 جنيهات ونقدًا 700 جنيه. إلى جانب سيارة 1300 بمقدم 270 جنيه، ونقدًا مقابل 900 جنيه، والسيارة 2300 بمقدم 504 جنيهات ونقدًا 1680 جنيهًا. لكنها دفعت ثمن عدم إيمان الرئيس السادات كثيرًا بفكر إنتاج الدولة وكيله نحو تحرير الاقتصاد، واستمرار خلفه حسني مبارك في السياسات ذاتها.
اقرأ أيضًا: تصفية الحديد والصلب| تحرك برلماني ودعوى قضائية.. والحكومة: الشركة خاسرة
يقول خالد الشافعي إن “النصر للسيارات” ذات طابع مختلف لوجود طلب على السيارات، وإمكانية تصريف المنتج. لكنها حتي الآن محاولات لإعادتها ومجرد توقيعات لاتفاقات مستقبلية للشراكة مع الجانب الصيني. لغرض إحياء التصنيع بالشركة ونتمني النجاح لهذا النموذج لكن ننتظر النتائج,
تؤكد وزارة قطاع الأعمال أن السيارة التي يفترض أن تنتجها الشركة من المفترض أن تتمتع مواصفات متميزة بقطع مسافة 400 كم في الشحنة الواحدة. وبسرعة قصوى 145 كيلومترًا في الساعة، وتحتاج إلى 10.8 من الثانية فقط للوصول إلى من الصفر لسرعة 100 كم. وتصل شحنة البطارية إلى 80% بالشاحن السريع في 30 دقيقة فقط.
وفقًا للخطة التي تم الاتفاق عليها بين “النصر” والشريك الصيني، فمن المقرر بدء الإنتاج الجديد في الشركة بنهاية 2021. على أن تتوافر منتجاتها بالسوق المصري في عام 2022. ويتبقي في المفاوضات حاليًا الاتفاق على نسبة المكنون المحلي في الصناعة والمدى الزمني الذي نصل فيه لإنتاج مصري خالص لها. وهي أمور يفترض حسمها قريبًا وأجلتها كورونا على اعتبار أن مقر الشركة الصينية يقع في مدينة ووهان التي شهدت ظهور الوباء.
لكن الشافعي يعود ويؤكد أن “الحديد والصلب المصرية” كان يمكن أن تعامل معاملة النصر للسيارات. لكن جمعيتها العمومية اختارت الطريق السهل. خاصة أن صناعة الصلب والحديد واعدة جدًا في ظل مشروعات قومية عملاقة يجري تنفيذها في كل مكان يمكنها استيعاب إنتاج الشركات. وكان يمكن التعامل معها بإعادة الهيكلة وخفض الانفاق وبحث آليات للتعامل مع الخسائر وليس حلها.
حلول سهلة
يؤكد الشافعي أن الدولة لا تسعي للتخلي عن الشركات. لكن في ظل أزمات الخسائر المالية، تبحث إدارات الشركات عن الحل السهل، والدليل أن الدولة بالفعل تجهز برنامج طروحات خاصة في البورصة المصرية لشركات تابعة للحكومة. وهنا يوجد مساعي من أجل الحفاظ على الشركات المثقلة بالديون ،التي كانت إدارتها تتم بفكر بيرقراطي، يسبب في استمرار نزيف الخسائر وضعف هيكلها.
وفقًا لبيانات المجمعة المصرية للتأمين الإجباري على السيارات، فإن عدد السيارات الكهربائية التي تسير في الشوارع المصرية لا يزيد 564 سيارة كهربائية. لكن الحكومة تراهن على إقامة محطات للشحن بسعر التكلفة. وتقديم دعم نقدي للمشتري, وإتاحة تمويل لمدة تتراوح بين 5 و6 سنوات، لتحويل التاكسي من الوقود التقليدي للكهرباء لتعزيز ثقافة انتشارها. كما قرر مجلس الوزراء قبل شهور إعفاء السيارات الكهربائية الجديدة بنسبة 100% من الرسوم الجمركية حتى يقلل أسعار بيعها بالسوق.
وضع النصر للسيارات مختلف عن الحديد والصلب
يقول الخبير الاقتصادي وليد جاب الله إن الحكومة تفكر في الشراكة كعنصر رئيسي في تطوير الشركات. لكن يشير إلى بعض الشركات الحكومية مثل الحديد والصلب. على اعتبار أن لا أمل في إصلاحها، لتقادم خطوط الإنتاج وتقادم أعمار العمالة وهجرة الجيد منها لمصانع القطاع الخاص. ذلك على عكس النصر للسيارات التي ستكون أولى الشركات إنتاجًا للسيارات الكهربائية، وبالتالي تسويق منتجها مضمون.
تعول الحكومة كثيرًا على التصدير في عودة “النصر للسيارات”. فالسوق المحلية تفتقر ثقافة التعامل معها. كما أن منتجها لن يكون مجديًا في ظل وجود خطة حكومية أخرى تتعلق بإحلال السيارات التي مر على إنتاجها 20 عامًا بأخرى جديدة تعمل بالغاز الطبيعي. لكنها في الوقت ذاته تعتقد أن الشعبية القديمة لعلامة “النصر ” واستمرار عمل بعضها في السوق حتى الان رغم مرور نصف قرن ربما يغري الكثيرين لشراء منتجها.
أصدرت الدولة العام الماضي تعريفة شحن السيارات الكهربائية. وأعفت الترخيص معفاة من ضريبة الـ “سي سي”. ما يوفر استثمارات للمصانع المصرية للسيارات الكهربائية والصناعات المكملة. هذا فضلاً عن إعلان تسعيرية شحن السيارات الكهربائية بسعر للكيلووات ١٨٩ قرشًا، بالنسبة للمحطات العادية و٣.٧٥ قرشًا لمحطات الشحن السريع. بينما تبلغ تكاليف تراخيص السيارات الكهربائية نحو ٦٠٠ جنيه.
لا شركة تستمر مدى الحياة
يقول جاب الله إنه لا توجد شركة تستمر مدى الحياة، وكورونا خير شاهد على ذلك بعدما تهاوت عشرات الشركات العملافة عالميًا. بينما دعمت الدولة الشركات المحلية كثيرًا عبر الإعفاءات وتقليل التكلفة.
كما أن الدولة إذا كانت تغلق شركة غير ذات جدوى اقتصاديا تفتح بدلاً منها عشرات الشركات بخطوط إنتاج جديدة وعمالة مدربة وتكنولوجيا متطورة، وفق جاب الله. الذي يدلل على ذلك بما حدث في خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج، الذي افتتحت الدولة من خلالها أكبر مصنع للنسيج في العالم بالمحلة الكبرى.
ربما يكون من المفارقات أن شركة “هيونداي” الكورية الأحدث في تاريخ إنشائها من النصر للسيارات، بلغ إجمالي مبيعاتها عالميًا في تاريخها 137.6 مليون سيارة. وكانت أكثر الفترات بيعًا لها عام 1983 حينما سجلت مليون وحدة ارتفعت إلى 10 ملايين وحدة في عام 1993 بعد 10 سنوات فقط. بينما كانت النصر للسيارات تعاني وقتها.