تمثل قدرة الشخص على توكيد ذاته/ها، عاملاً إيجابيًا في دعم علاقته/ها بالعالم الخارجي، ومدى قدرته/ها على التحقق والإنجاز، ويعني توكيد الذات في أبسط صوره : قدرة الفرد على التعبير عن نفسه، وتمكنه من الدفاع عن آرائه، وأفكاره، وذاته، في المواقف الاجتماعية المختلفة. ومن ثم فنحن نتحدث عن قدرته على المواجهة. ولا نعرف على وجه التحديد إذا كانت ثقة الفرد في نفسه تدعم عملية توكيد الذات، أم أن عملية توكيد الذات تجعله واثقا في نفسه. وما يمكن تأكيده في هذا الصدد أن كل من توكيد الذات من ناحية، والثقة في النفس من ناحية أخرى، يتناسبان تناسبًا طرديًا، أي كلما زاد أحدهم زاد الآخر، وكلما قل أحدهم قل الآخر. أما الخجل فهو عدم قدرة الفرد على توكيد ذاته مع العالم الخارجي، وخاصة في المواقف الاجتماعية المختلفة، التي يجد نفسه واقعًا فيها، ومع مرور الوقت يصبح تجنب التفاعلات الاجتماعية أمرًا مميزًا لهذا الفرد.
مثال: أشعر أنني لست بخير على الإطلاق، وأعتقد أنني شخص غير ذي قيمة، لا يمكنني أن أضيف جديدًا، أو أحصل على اهتمام من حولي، غير قادر على لفت انتباه هؤلاء الذين يجلسون معي، وبمجرد أن يسألني أحدهم سؤالًا عابرًا، يصيبني التوتر والقلق، وأشعر بارتباك وعجز، ينتابني شعورًا بالغربة، وكأني لا أعرفهم، على الرغم من أنهم زملاء لي، لا أجد ردًا، وأشعر بسخونة تسري في أوصالي، وتتسارع دقات قلبي، فألوذ بالصمت، على الرغم من درايتي بالموضوع، ومعرفتي لأفكار قد تضيف إليه، لكنني أخشى أن تكون هذه الأفكار خارج الموضوع، أو غير ذي معنى، فأؤثر الصمت عن البوح بأفكاري، أو أتعلل بحجة للهروب من الموقف. لقد حاولت كثير أن أحطم جدران هذا الصمت، الذي يصيبني في مثل هذه المواقف، حاولت كثيرا أن أقول ما عندي.
وفي ثقافتنا قد يكون الخجل محمودًا أحيانًا، وخاصة لدى الفتيات، وكثيرًا ما يربط الناس بين الخجل والحياء، فيشجعون عليه، وينشأ الفرد وهو يعاني من (الخجل)، دون أن يعلم كيف يتعامل معه. ولا يتعاظم إدراكه بطبيعة شخصيته الخجولة إلا عند اضطراره إلى الدخول في مواقف اجتماعية خارج محيط أسرته، فينتابه هذا الإحساس القاتل بالنقص والعجز، الذي يظهر خاصة:
– عندما يتواجد الفرد بين مجموعة من الأشخاص (خاصةالغرباء).
– عندما يشعر الفرد بأنه أقل مكانة ممن يجالسهم .
– عندما يشعر الفرد بأنه مصدر انتباه من آخرين (كأن يسأله أحدهم سؤالًا، أو يطلب منه الإدلاء برأي).
– عندما يضطر الفرد إلى التعبير عن رفض لموقف، أو التقدم بشكوى ( استبدال سلعة ما تأكد من عدم صلاحيتها أو الشكوى من معاملة سيئة في مكان ما ).
– عندما يشعر الفرد أنه موضع حكم ، أو تقييم ( مقابلة بغرض الاختبار ، أو توجيه النقد له ).
– عندما يضطر لأن يكون وسط جماعة من الجنس الآخر.
– في مواقف توكيد الذات، أوالدفاع عن النفس لسبب أو لآخر.
الشعور بالخجل
ماذا يعني الشعور بالخجل؟!
يرى الفرد في نفسه أنه شخص خجول (بصورة واضحة .. أو من خلال وصفه لسلوكيات تفاعلية تعبر عن ذلك) ويصبح الانزعاج من تواجده بين جماعة من البشر سمة عامة لشخصيته، ليس لأنه يختار العزلة ( شخصية منطوية )، بل لقلقه الشديد مما قد يحدث له أو معه، فهو دائم التفكير (عند تواجده في جماعة ما) في عدم قدرته على التصرف بصورة جيدة، ويرى أن تفاعله الاجتماعي غير ملائم، كما يفكر في انطباعات الموجودين السلبية عنه، وما يعنيه هذا من خسائر سيتحملها نتيجة لهذه الانطباعات السلبية … فيسيطر عليه القلق الشديد، وتنتابه حالة من التوتر، ويتشتت تفكيره، ويفقد تركيزه، وينعكس هذا على حالته الجسمية، فترتعش أوصاله، وتتسارع دقات قلبه، ويحمر وجهه، ويتلعثم عند الحديث ( أو يتوقع هذا ) .. قد تحدث له هذه الأمور بمجرد التواجد بين مجموعة وقد تحدث له عند مطالبته بالمشاركة بحديث أو التعبير عن رأي.
توكيد الذات:
عندما يكون الشخص في موقف فاصل … مثل:
- رغبته في التعبير عن رأيه في موقف ما .
- اتفاق على عمل أو نشاط ما .
- ظلمه أحدهم ويريد استرداد حقه .
- فعل شخص ما معه فعلا سيئا ويريد معاتبته أو إيقافه .
- أخذ منه أحدهم شيئا ويريد استرداده .
- قام شخص ما بفعل سيئ (مع شخص غيره) ويريد أن يواجهه به … كأن يسخر أحدهم من زميل له … أو يعتدي عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة …الخ .
- رفض التواجد في موقف ما لا يعجبه .
- رفض عمل فعل ما يراه سيئا .
- … الخ
مثل هذه المواقف وغيرها من المواقف المشابهة، عندما يتمكن الإنسان من مواجهتها يصبح شخصًا قادرًا على توكيد ذاته، وعندما يعجز عن مواجهتها يصبح شخصًا غير قادر على توكيد ذاته، يصبح شخصًا مسايرًا (إمعة) يتحكم فيه الآخرين، ويملون عليه أفعاله، وهو يرضخ لهذا لأنه غير قادر على المواجهة، غير قادر على أن يتخذ موقفًا واضحًا يعبر به عن نفسه، غير قادر على المواجهة، فيصبح تابعًا ينساق وراء الآخرين، لا ينتظرون منه رأيًا، يطمئنون لتبعيته لهم.
الخجل والثقة في النفس:
عادة ما يجتمع الشخص الخجول مع الشخص غير القادر على توكيد ذاته في أن كل منهما لا يمكنه الثقة في قدراته يتصور دائما أن ما سيقوله أو يفعله غير مهم ، أو أنه سيكون محط سخرية الآخرين ، فيفضل الصمت والانصياع على التحدث أو اتخاذ موقفا ، أو القيام بفعل … وقد يمتلك هذا الشخص قدرات مميزة ، وقد يمتلك موهبة ما قوية ، وقد يكون له آراء سديدة … ولكن تقف رؤيته المتدنية لذاته حائلا دون إظهار كل هذا … إنه لا يثق في ذاته … لا يثق في قدراته … يمتلك تصورات خاطئة أوسلبية عن نفسه.
(لا يوجد مواصفات جسمانية معينة للشخص الخجول، أو الشخص غير القادر على توكيد ذاته)
ما الذي يحدث؟!
يحكي أحدهم:
كنت ذات يوم في ندوة تتناقش حول موضوع هام، وكان لي رأي مخالف لكثير من الموجودين في الندوة، وكان خجلي يمنعني من الوقوف والتعبير عن رأيي، ولكنني ضقت ذرعا من كل ما يقال، ورأيت أنهم يلتفون كثير حول الموضوع دون الوصول إلى شيئ، فقررت أن أقف وأتكلم، حينها رأيت العالم من حولي صفحة بيضاء خالية من المشاهد، تلعثمت عند الحديث كثيرا، لم أقل كل ما أريد، ولكنني تكلمت حول الفكرة الرئيسية، ولكم أدهشني إعجاب الحاضرين بما قلت، أحسست ساعتها أنني لو لم أقف وأتحدث كنت سأخون نفسي، غمرتني سعادة طاغية، وسألت نفسي: ترى لو لم يعجبهم حديثي ما الذي سيحدث، واكتشفت الإجابة المضحكة: لا شيئ. ربما يقوم أحدهم بالتعقيب على ما أقول. اكتشفت أنني يجب أن أغالب تصوري عن ذاتي، وأتمرن على التعبير عن رأيي، ومرة تلو الأخرى سأتمكن من التعبير ببراعة عن ما أريد. وقد فعلت ذلك، وساعدني هذا كثيرا في عملي.
يحكي آخر:
كنت في السادسة عشر من عمري، وكانت الشلة التي أنتمي إليها غير مبالية بالدراسة وبالمذاكرة، وكان غالبيتهم متأخرين دراسيًا … كنا نسهر كثيرا خارج بيوتنا، نفعل أشياء غير مجدية، ولكني كنت أراها في هذا الحين ممتعة لي .. وكلما هممت بالانصراف يسألونني بإلحاح أن أبقى معهم، وكنت لا أتمكن من الرفض، لا أعلم لماذا؟!
كان هذا يضعني في خلاف كبير ويومي مع أبي، الذي كان يرى أني أضيع مستقبلي، دون أن أعلم، وحينها كنت في السنة الثانية في الثانوية العامة، وفي نهاية العام الدراسي، حصلت على درجات منخفضة، ورسب بعضنا، وفي السنة التالية، رغم أني لم أواصل مصاحبتي للشلة (بأمر من أبي) إلا أنني لم أتمكن من تعديل درجاتي بطريقة مُرضية، ودخلت معهدًا بمصروفات، ولم أكن راضيًا عن هذا لأني كنت أشعر في داخلي أني أستحق ما هو أكثر، ولكنني لا أستطيع العودة إلى الوراء، وتعلمت من هذا شيئا واحد وهو: أن أقول (لا) عندما أريد.
ترى ماذا كان سيحدث لو تمكنت ساعتها من أن أقولها؟!
التدريب/الممارسة:
تأكد أن كل مهارة تود تعلمها، لا يمكنك تعلمها إلا إذا تدربت عليها، وأخبرك أحدهم كيف تؤديها، ولكنك رغم ذلك لن تنجح في أدائها بكفاءة إلا إذا قمت بممارستها. كن قويًا! تعرف على ذاتك وتأملها! اختبر نقاط قوتك! واعترف بمشكلاتك. ابحث عن حلمك. وضع أهدافا لتحققها. امتنع عن الهروب. آمن بنفسك. اتخذ قرارًا. واجه. ضع خططًا محددة لما تريد الوصول إليه. قد لا تنجح من المرة الأولى. ولكن تأكد أنك ستنجح. مارس حياتك ولا تخش الفشل. كن مثابرا وتعلم من أخطائك. كن راضيًا عن نفسك.