الخبير رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، الذي شغّل عضوية مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية لسنوات، وكان له خبرة كبيرة مع مشكلات القطاع العام، ما يجعله أحد المؤهلين لتفنيد مشكلات القطاع وأزماته والبحث عن حلول أيضًا.
عبده قال لـ”مصر 360“، إن أزمة تصفية “الحديد والصلب” مُبررة، لارتباطها بالصناعات الثقيلة الاستراتيجية التي يصعب تعويضها، على عكس الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، التي قد تنتهي في هدوء دون صخب.
اقرأ أيضًا.. خالد علي يكتب: هل تعلم أن شركة الحديد والصلب المصرية…..؟
التصفية آخر الخطوات
“التصفية هي آخر الخطوات التي يمكن اتباعها للتعامل مع أزمات قطاع الأعمال، مهما كانت مشكلاتها، فدائمًا توجد حلول حتى لو كانت صعبة أو معقدة” يضيف عبده.
الخبير أشار إلى تجربة وزير قطاع الأعمال السابق خالد بدوي، الذي استمر لمدة 5 أشهر فقط، وطريقة تعامله مع مشكلة “الحديد والصلب”، بعدما بحث تجارب مماثلة حتى وجد ضالته في أوكرانيا، التي لها باع كبير في تلك الصناعة.
عبده قال إن الوزير ذهب في جولة استمرت 10 أيام شاهد خلالها مصانع الحديد الأوكرانية، وعرف كيف تغلبوا على مشكلات الشوائب في الإنتاج، وتقليل استهلاك الطاقة، وأعد خطة عمل كاملة تتضمن الحلول.
تجربة محمود محي الدين
يتابع عبده: “وضع بدوي الحلول والخطة قبل حدوث تغيير وزاري أسفر عن إلقاء الخطة في الأدراج، وباع رئيس الشركة الجديد خردة بنحو 950 مليون جنيه لأحد منافسيه في السوق بالتقسيط”.
“عبده” تطرق إلى تجربة أخرى للقطاع العام مع الدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار الأسبق، الذي لم يصفٍ مصنعًا واحدًا. مضيفًا أنه مد الشركات القابضة بكفاءات وأسماء مرموقة نجحت في حل الكثير من المشكلات.
“محيي الدين كان له موقف في أزمة شركة النقل والهندسة، حينها لاحظ أن الشركة تضم 13 ألف موظف، متكبدة خسائر تجاوزت مليار جنيه، فتنازل للبنوك الدائنة عن جزء من محفظة الأراض مقابل تسوية المديونية” يضيف عبده.
تغيير مجالس الإدارات
الوزير فتح المجال أمام المعاش المبكر لتقليص بند الرواتب والتخلص من العمالة الزائدة، لكن بعد سنوات أعاد مجلس إدارة الشركة تعيين العمالة التي خرجت على المعاش بحجة الاحتياج لهم.
“تغيير مجالس إدارة الشركات المستمر كان أحد أسباب مشكلات القطاع، فوزيرها الدكتور أشرف الشرقاوي ضم إليها في فترته عددًا كبيرًا من أساتذة الجامعات، لكن جاء الوزير الجديد بفريق من بنوك الاستثمار الكبيرة الذين يبتعدون عن القطاع العام وتعقيداته” يقول الخبير رشاد عبده.
يشير عبده إلى ثغرات قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 التي سبق التحذير منها، بمنح الجمعية العمومية أحقيّة عزل عضو أو أكثر من مجلس الإدارة دون سبب، والتي يمكن استخدامها لتصفية الحسابات مع بعض المسئولين بالشركات المجتهدين.
ثغرات القانون
“الأمر ذاته ينطبق على القانون 159 الخاص بالشركات المساهمة وما يتضمنه من خطورة نقل أسهم شركة تابعة إلى شركة أخرى تحت مبرر تنشيط أداء البورصة، حيث يحمل بعض الشركات الناجحة أعباء فشل الأخرى” يؤكد عبده.
وتابع: “تم استحدث قرار أخير في الوزارة بالفصل بين مجلسي الإدارة التنفيذي وغير التنفيذي (رئيس مجلس إدارة وعضو منتدب) ما أضاف 145 وظيفة قيادية بالشركات برواتب جديدة حملت عبئًا أكبر على ميزانياتها دون سبب واضح”.
عبده يقسم مشكلات القطاع إلى عدة أسباب أولها غياب الفلسفة في تعيين مجالس الإدارات والنقاط التي يمكن تقييمهم عليها، ما يتطلب تشكيل لجنة سريعة تضم أفضل الخبرات لوضع فلسفة تسير عليها الإدارات التنفيذية والتي تمثل أحد عناصر النجاح، بشرط اختيارها بنزاهة دون مجاملة أو محاباة.
مشكلة تسعير الطاقة
يشير إلى مشكلة الطاقة التي ترهق المصانع الحكومية كثيرًا والتي شهدها بنفسه في شركة “كيما أسوان”، وتتطلب ألا تتعامل الجهات الحكومية مع بعضها بمنطق التكامل فما يحكم الجميع هو المصلحة الاقتصادية في النهاية.
الخبير الاقتصادي أشاد بتخفيض أسعار الطاقة لمصانع “مصر للألومنيوم” لكنه يرى أنه غير كافي لنقل الصناعات الثقيلة من كبوتها، والنظر إليها على أنها أحد عناصر النهضة.
“شركة صناعة الكوك تواجّه مشكلة مع وزارة البيئة بسبب الانبعاثات، لكنها لا تستطيع حلها بسبب أسعار الغاز، ما يتطلب تخفيضها فورًا خاصة أن مصر أصبحت من الدول المصدره للغاز” يوضح عبده.
مشكلة العمالة الزائدة
يعتبر الخبير الاقتصادي أن العمالة إحدى مشكلات القطاع بأعدادها الضخمة وغياب تأهيلها ولجوء بعضها لإجازات بدون راتب للعمل بالقطاع الخاص والعودة قبل سن المعاش للاستفادة من الراتب الحكومي بعد التقاعد. على سبيل المثال شركة النيل للكبريت التي كانت تضم 7 آلاف عامل رغم أن عملها كان إنتاج علب الثقاب في الأساس.
يقول إن المشكلة الأخطر في استقطاب القطاع الخاص الكفاءات من القطاع الحكومي، فعندما وجدت الشركة القابضة ضالتها في رئيس مجلس إدارة كفؤ لإدارة إحدى الشركات التابعة لها وتم تعيينه استقال بعد ثلاثة أيام فقط، بعد تلقيه عرضًا من القطاع الخاص براتب أكبر بعشرة أضعاف، موضحًا أن القطاع العام تم تفريغه من الكفاءات على مدار عقود.
عبده شدد على أن شركات قطاع الأعمال هي الظهير الذي يقف خلف الدولة في الأزمات، ففي خضم جائحة كورونا زاد الإنتاج من المطهرات والكحول ما أدى لتخفيض أسعارها بالسوق على عكس القطاع الخاص الذي يستثمر الأزمة ويرفع الأسعار.
أهمية القطاع العام
وأشار إلى أن شركات الأدوية التابعة لوزارة قطاع الأعمال (النيل – العربية – النصر – ممفيس) رفعت الإنتاج من المطهرات ليبلغ 4 أطنان يوميًا فى عبوات من 60 مللي إلى 4 لترات، ومن الكحول الإيثيلي تركيز 70% تم رفع الإنتاج إلى 75 ألف عبوة يوميًا سعة 110-200 مللي (للاستخدم الشخصي) بالإضافة إلى 20 ألف عبوة سعة 1 لتر، وهي أسعار تعادل نصف سعر القطاع الخاص.
يؤكد رشاد أن قطاع الأعمال العام قادر على النهوض والمنافسة فهو ينتج كل شيء بداية من الدواء، وحتى السيجارة وما بينها من ملابس وأدوات منزلية وصناعات ثقيلة وخفيفة، بشرط تدريب العمالة ودعم الطاقة وتحديث المعدات واختيار الكفاءات، والنظر إليه ككيانات قابلة للإصلاح.