“والكنيسة مهما شافت برضوا ليها إله عظيم
مستحيل تقدر عليها كل أبواب الجحيم
الكنيسة مهما شافت نورها هايفضل بيان
مش هاتسكت مش هاتفضى مش هاتقفل الببان”
يقول المرنم بصوت شجي، أقول لنفسي “تلك كنيسة راسخة، أهوال كثيرة مرت، ثورات وحروب، شهداء ودماء، باباوات ودمى، ملوك وقتلة”. الكنيسة “مهما شافت برضو ليها إله عظيم”. لم تكن ثورة يناير 2011 اختبارًا لقوة الكنيسة وقدرتها على البقاء بقدر ما حملت رياح الثورة تغييرات دراماتيكية عاشتها كنيسة القديس مارمرقس المعروفة باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
لم تكن هتافات “الشعب يريد إسقاط النظام” التي صدحت في نهايات يناير 2011 هي المقدمة. بل سبقها صوت تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في رأس السنة كبداية لعام. ليس كمثله عام.. لن تعود الكنيسة بعده إلى هدوئها الحذر ولا صمتها المفتعل.
قديسون الإسكندرية.. قبل الثورة بـ24 ليلة فقط
مع دقات الساعة الثانية عشرة يدوى صوت الانفجار الضخم، رافضًا انتقال الحضور من 2010 إلى 2011. كنيسة القديسين تنفجر ورعاياها ينتقلون إلى ملكوت السماء. ينتقل الناس من عام إلى عام. تنتقل الكنيسة من عصر إلى عصر. والشهداء يتساقطون كورق الخريف. الغضب يتصاعد كرياح. والبابا شنودة يصارع أمراض شيخوخته، يعيش عامه الأخير كبطريرك، حلوله التقليدية لاحتواء شعبه لن تجدى. فالحادث ضخم والقتلى بدم ساخن على الأرض، وكلمات المواساة والصبر لن تفيد. العالم يتغير حولنا والثورة التونسية تطلق شرارة التغيير في المنطقة.
الكنيسة تصلي للشهداء، والمظاهرات تخرج من أسوارها للشارع، تطلب الحق والثأر، والشائعات كثيرة تتهم “داخلية العادلي” بالإهمال أو بالتورط في الحادث. ذلك بعد مناوشة حادث العمرانية بين الشرطة والأقباط قبلها بشهور.
عام الثورة.. الخامس والعشرون من يناير
ككل المؤسسات الدينية، لم تستقبل الكنيسة الثورة بالأحضان. فالثورة ذلك الفعل الأهوج لا يتسق مع طبيعة رجال الدين المتحفظين، وغضب الثوار يرهب الإكليروس (رجال الدين المسيحي). كما أن احترام السلطة الأبوية بما فيها رئيس عجوز أمرًا حتميًا. تصدر الكنيسة بيانها الأول تحذر رعاياها من التخريب، وتصلي لأجل مصر، كما تفعل في كل بياناتها الرسمية. لكن المارد قد خرج ولم يعد لأصوات الحكمة أي جدوى.
بعد أيام تشتعل الثورة، تسقط وزارة الداخلية وتتفكك ترسانة مبارك الصلبة، والكنيسة تعود لـ”تبارك الشباب الطاهر وتصلي لمصر مرة أخرى”. لا أحد يعرف ما جرى بين البيانين. لكن المؤكد أن العلاقة بين البابا شنودة والرئيس مبارك في أيام حكمه الأخيرة لم تكن على ما يرام. فالبابا الذي ذاق تحديد الإقامة الجبرية في سنوات السادات لم يعد قادرًا على خوض معاركه القديمة، إما بفعل السن أو تغير الزمن.
أحداث ماسبيرو.. جرح في الذاكرة القبطية
تنتهي أحلام الميدان ورومانسية الصورة. تختفي صور الصلبان التي عانقت الهلال في الميدان. حانت ساعة الحقيقة، وسنحصد سنوات وسنوات راكمها رئيس بليد، فتراكمت على الصدور كجبل.
الأقباط محرومون من بناء الكنائس إلا بموافقة رئيس الجمهورية. هي أزمة توارثتها الأنظمة التي قبلت على نفسها أن تعمل بمرسوم عثماني. ذلك “الخط الهمايوني” الذي يرى في الأقباط رعايا للدولة الإسلامية وليس مواطنين كاملي الحقوق.
عصر يسلم عصر، ورئيس يسلم آخر، ولا يزال يطل هذا المرسوم كوصمة عار في جبين الدولة. وصمة عار فعلية وليست من باب الرمز أو المجاز. فأزمة بناء الكنائس قد شكلت السبب الثاني في الأزمات الطائفية على مدار 60 عامًا، وفقا لما ترصده ماريز تادرس في بحثها عن الدولة والكنيسة.
يخرج الأقباط يحتجون على هدم كنيسة الماريناب بأسوان، بعد أن نقضها متطرفون لم يجدوا قانونًا يردعهم ولا دولة قوية تتصدى لهم. ذلك بعد أن غاب الأمن في شهور ما بعد الثورة. حول مبنى ماسبيرو حيث تلفزيون الدولة الرسمي يعتصم الأقباط في أكتوبر وتخرج مسيراتهم من أحياء يتمتعون فيها بكثافة كبيرة، مثل شبرا. ثم تحدث اشتباكات بينهم وبين القوات المكلفة بحماية التلفزيون، ويسقط القتلى من جديد.
في جنازة الشهداء، يتغير الهتاف الذى كان “ارفع راسك فوق أنت مصري” إلى “ارفع راسك فوق أنت قبطي”، وتبكي الأمهات الثكلى صارخة “يارب يارب”. بينما يغضب البابا مستعيرًا سلطته الأبوية ويحاول احتواء الغضب “الهتافات لا تليق بالكنيسة”. فيتحول الهتاف إليه “البابا شنودة يرحل”. يتجاهل ويمضي في صلواته. لم يكن البابا يعرف أن الكنيسة بعد وفاته ستتحول إلى ساحة تظاهرات.
مارس 2012 .. البابا شنودة يغادر إلى السماء
في تلك اللحظة الملتبسة من عمر الكنيسة والدولة، يغادر البابا شنودة ويصعد إلى السماء تاركًا خلفه إرثًا من الأزمات، يتسلمه الأنبا باخوميوس قائم مقام الكنيسة في وقت يسير فيه المجلس العسكري الدولة كقائم مقام أيضًا حتى تنتخب البلاد رئيسها وتختار الكنيسة راعيها الجديد.
يونيو 2012 .. الرئيس الإسلامي في القصر
طوال قرون عاش فيها الأقباط سكانًا أصليين لمصر قبل أن يأتي الغزو العربي الإسلامي، لم يتوحدوا في كراهية حاكم بقدر ما شعروا تجاه محمد مرسي الرئيس الإخواني الراحل. فقد شكلت لحظة المنافسة بينه وبين أحمد شفيق معركة وجود، حاول الأقباط خلالها الانتصار خوفًا من شبح دولة دينية وجماعة قد تطيح ببلادهم إلى الأبد. لكنهم أخفقوا.
بعد تولي مرسي الحكم بشهر واحد، عادت المظاهرات إلى الكاتدرائية تطلب من ممثلي الكنيسة الانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور بعدما تقرر الإبقاء على المادة الثانية “الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”.
نوفمبر 2012 .. البابا تواضروس يرتدي تاجه الباباوي
يتسلم البابا تواضروس عصا الرعاية. يرتدي تاجه الباباوي مبتسمًا باكيًا، وهو لا يعرف ما ينتظره من تركة هائلة من الأزمات والصراعات في الكنيسة من الداخل وخارج أسوارها. حيث مجتمع يعج بالتغيير، وجماعة تتسلم زمام الحكم، فتستحوذ على البرلمان بغرفتيه، وتشكل الحكومة، وتنفذ عميقًا في أجهزة الدولة، ويستوحش أنصارها في الشارع.
يعايش البابا تواضروس في سنواته الأولى ما لم يكن يحلم أن يعاينه ولا يتمنى. ففي عصره يحاصر أنصار الإخوان الكاتدرائية ويهاجمون مقر الكرسي الباباوي للمرة الأولى في العصر الحديث، فيشكو إلى الله باكيًا أن يتدخل ليرفع عن كنيسته هذا البلاء. بعدها بشهور يتغير الوضع، يحتشد الناس في الـ30 من يونيو للخلاص من الجماعة ويعودون للشوارع مرة أخرى.
ما بعد 30 يونيو.. الكنيسة والدولة في حلف اجتماعي جديد
تعج الشوارع بأصوات تطلب من “مرسي” الرحيل”، ويتلقى البابا تواضروس اتصالاً هاتفيًا لا يكشف أبدًا عن صاحبه، مكتفيًا بالقول “كلموني”، لينضم إلى اجتماع خارطة الطريق في الثالث من يوليو عام 2013 قادمًا من مقر له ببرج العرب كان تابعًا له وقتما كان أسقفًا للبحيرة. يركب البابا طائرة هليكوبتر تأخذه إلى مقر الاجتماع فيرى المصريون جميعًا في الشوارع مثلما قال لي في حوار سابق معه: “شعرت أن عليَ فعل شيء لهذا البلد فرأيت الإمام الأكبر انضم بعدي إلى الاجتماع ثم كافة القوى السياسية. كانت تلك لحظة فارقة غيرت تاريخ مصر ووجهها الحديث”.
السيسي وتواضروس يغيران معادلة “البابا-الرئيس”
منذ هذا التاريخ ستتغير معادلة “البابا-الرئيس” التي صنعها الثنائي “السادات- شنودة” وحتى تلك التي أكملها مبارك. سيمحى هذا كله لصالح ثنائية جديدة وتحالف واضح يتغير معه مستقبل الكنيسة في مصر وتابعيها المواطنين الأقباط.
لم يلتفت البابا تواضروس إلى تلك المشانق المعلقة له في سماء الكاتدرائية تطلب منه الاقتداء بسلفه الراحل. بينما قرر أن يصنع حاضره على طريقته الخاصة، فلم يرى أن الصدام مع الدولة ضروريًا للحصول على المطالب مثلما كان الوضع في السابق. غير أن شخصيته الهادئة التي تميل إلى التدبر في الكلام والمختلفة كليًا عن الكاريزما الشنودية قد ساهمت في خلق تلك الحالة من التوافق بينه وبين الرئيس السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع -آنذاك- في فترة انتقالية تولى إدارتها المستشار عدلي منصور.
في مصر تؤثر علاقة (البابا- الرئيس) على الكنيسة وتلعب دورًا بارزًا فيها، فقد كان البابا كيرلس السادس مقربًا من الرئيس عبد الناصر. وبناءً على تلك الصلة أهداه أراضي الكاتدرائية وحضر معه مناسبات كثيرة. غير أن الرئيس المؤمن “السادات” قد غير تلك المعادلة أثناء سعيه لكسب ود الإسلاميين بشراء العداء مع أضداهم.
مبارك كان رجل العصا والجزرة، فقد حرص طوال سنوات حكمة على اللا فعل أكثر من الفعل. فترك البابا شنودة خمس سنوات سجينًا بين أسوار دير الأنبا بيشوي بعد مقتل السادات. كما ترك البلاد بلا قانون يكفل بناء الكنائس فتراكمت المشاكل الطائفية كجبل. كذلك فإنه اعتبر الأقباط ملفًا أمنيًا وسياسيًا لا يخضع لاعتبارات المواطنة والقانون. ثم لجأ لعصا البطش إن أراد والجزرة حين تقترب مواسم الحشد الانتخابي.
مع السيسي.. المعادلة المختلفة للأقباط
السيسي خلق معادلة مختلفة، التحالف مع البابا تواضروس عنصرها الأبرز والأهم الذي ستأتي على ظهره الكثير من المكتسبات في سنوات حكمه لا عهد للكنيسة لها من قبل. ففي خضم هذا التحالف الاجتماعي بين الرئيس والأقباط صدر أول قانون لبناء الكنائس في مصر عام 2016 ليعالج أزمات عمرها ما يقرب من 150 عامًا. في تلك السنوات بنيت سبعة آلاف كنيسة بتفاهمات شفهية مع الأمن تغلق بإذنه وتفتح بموافقته في مواسم العسل السياسي.
غير أن قانون بناء الكنائس الذى صاحب صدوره جدلاً كبيرًا عالج بذكاء مشكلة الكنائس غير المقننة، فرخص ما يزيد عن ألفي كنيسة منذ صدوره حتى اليوم. بالإضافة إلى حق بناء الكنائس الجديدة التي كفلها الرئيس بقرارات جمهورية في المدن الجديدة وفي المدن الكلاسيكية.
التحالف بين البابا والرئيس منح الأقباط كوتة برلمانية جعلت نسب تمثيلهم في البرلمان هي الأعلى في تاريخ البرلمانات المصرية. ففي انتخابات 2015 و2021 كان حضور الأقباط بنظامي القائمة والفردي قد شكل ظاهرة استثنائية. إذ كان حضورهم في سنوات مبارك برلمانيًا يقتصر على طبقة رجال الأعمال مثل رامي لكح أو العائلات القبطية التي تحكم تاريخيًا مثل عائلة بطرس غالي، مع بعض الأسماء في قرارات التعيين الرئاسية.
امتدت حالة الصحوة في علاقة الدولة بالكنيسة لتشمل رسائل كثيرة دأب الرئيس السيسي أن يبعث بها طوال سنوات حكمه. أبرزها زياراته السنوية للكاتدرائية لحضور قداس عيد الميلاد كل عام محملاً بالهدايا. ففي زيارته الأولى وعد بترميم الكنائس التي أحرقها الإخوان بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة. وفي زيارته الثانية تبرع لبناء كاتدرائية العاصمة الإدارية التي صلى بها المرة الثالثة. وهكذا أصبح حضور الرئيس في قداس الميلاد عادة جديدة على الكنيسة المصرية لم يسبقه إليها إلا عبد الناصر الذي حضر قداس افتتاح الكاتدرائية وتسلم رفات القديس مارمرقس عام 1968.
لم يقتصر هذا التحالف على البرلمان بل امتد إلى أجهزة الدولة المصرية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تعيين محافظين قبطيين للدقهلية ودمياط بينهما سيدة. بعد أن توقف هذا العرف في دولة مبارك حين عين محافظًا مسيحيًا لقنا احتج على آثره المتطرفون فقطعوا شريط السكة الحديد وتم استبدال المحافظ بآخر مسلم، ولم تكرر الدولة فعلتها مرة أخرى.
أقباط المهجر.. من صداع في الرأس إلى صديق في الجيب
في الوقت الذي شكل فيه أقباط المهجر صداعًا دائمًا في رأس نظامي مبارك والسادات، استطاعت دولة السيسي أن تستقطبهم لصالحها، فتحولت المظاهرات المعادية التي تحاصر زيارات السادات ومبارك لواشنطن، إلى مظاهرة حب تدعمها الكنيسة لاستقبال الرئيس السيسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام. وذلك بعد جهود كبيرة لعبها البابا بنفسه أو عبر السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج التي ربطت الجاليات المصرية بالدولة منذ تأسيس الوزارة.
سموم الإرهاب تقطع أجراس الكنائس
غير أن سنوات العسل تلك، لم تمر دون سموم الإرهاب وأصوات التفجير تقطع أجراس القداس. فقد شهدت الكنيسة في السنوات من 2014 وحتى 2017، آلامًا مبرحة وهي تشيع مئات الشهداء بداية من الهجوم على ما يتجاوز 100 كنيسة ومبنى خدمات يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس عام 2014 بشكل تسبب في تحويل بعض الكنائس إلى أنقاض، مرورًا بحادث تفجير الكنيسة البطرسية الدامي في ديسمبر عام 2016. ثم تفجيرات أحد السعف بطنطا والإسكندرية عام 2017. بالإضافة إلى تكرار الهجوم على دير الأنبا صموئيل بالمنيا في عامين متتالين. وهي الأحداث التي راح ضحيتها ما يزيد عن المئة شهيد.
في تلك الحوادث دفع الأقباط ثمن التحالف مع الدولة غاليًا، بعد أن استثاروا غضب الجماعات الإرهابية بتنظيماتها المختلفة، فجعلتهم هدفًا على أجندتها مع رجال الجيش والشرطة الذين كانت تتصيدهم في معارك مختلفة وعن طريق الاستهداف المباشر.
اللافت للنظر أن سنوات حكم السيسي شهدت معدلات أقل لحوادث الفتنة الطائفية أو العنف الديني من السنوات السابقة. إذ تركزت غالبية حوادث العنف تلك في محافظة المنيا بتركيبتها السكانية المعقدة، وبتركز المسيحيين فيها كأكبر تجمع لهم في الشرق الأوسط، وفقًا لإحصاءات رسمية.
كان حادث سيدة الكرم أبرز تلك الحوادث التي عكرت ماءً صافيًا في نهر الكنيسة والدولة. وقد وقعت أيضًا في محافظة المنيا. إلا أن المتابع لهذا الملف يدرك أن الدولة راغبة في علاج الأزمات الطائفية بشكل جاد وصارم. حتى أن غالبية الحوادث التي وقعت وحملت طابعًا دينيًا قد حصل مرتكبوها على أحكام مشددة. مثل قاتل القس في مدينة السلام، والذي حصل على حكم بالإعدام بعدما تبين إن غرضه القتل على الهوية.
علاقة التحالف التي لم تعجب بعض الأقباط
علاقة التحالف بين البابا والرئيس تلك، لم تعجب قطاعًا من الأقباط تربى على معادلة “السادات- شنودة” العدائية. فرأى في البابا تواضروس مفرطًا أو مهادنًا وكأن الحلول التصعيدية هي الأصل. بينما التهدئة هي العابرة. تلك المقارنات تزعج البابا تواضروس الذي يرى في نفسه تلميذًا لمدرسة البابا شنودة. لكنه التلميذ الذي قرر أن يحقق أهدافًا ربما عجز أستاذه عن تحقيقها بطريقته الصدامية. وربما لأن الظرف التاريخي والاجتماعي تغير، وربما لأسباب كثيرة.
لم تهدأ الكنيسة من حالة المقارنة والاستقطاب تلك منذ وقوع الثورة وحتى اليوم. فيعيش البابا تواضروس ذو الميول الإصلاحية تحت رحى تلك المقارنات. بينما يواصل برنامجًا إصلاحيًا تنويريًا لم يعهده الأقباط المعاصرون إلا من كان قادمًا من مدرسة متى المسكين الرهبانية.
البابا تواضروس في سنواته الرائقة مع الدولة تلك، استطاع أن يرتب الكنيسة من الداخل ويحولها إلى مؤسسة بالمعنى الإداري للكلمة. إضافة إلى نهجه الذى يميل إلى فتح باب الكنيسة على المجتمع ليعالج عزلة خلقها صراع البابا شنودة والسادات أبعدت المجتمع القبطي عن الشارع المصري كرد فعل مأزوم.
لا يخشى البابا تواضروس أن يصرح “الوطن أهم من الكنيسة، فإذا فقدنا الوطن سنفقد الكنيسة”. وهي التصريحات التي تستفز تيارات متطرفة تترصد له وترى في كل إنجاز يحققه لعبة شيطانية بالشكل الذى أعاد إحياء “نظرية المؤامرة” خلف أسوار الكاتدرائية بشكل كبير.
كل تلك الرياح العاتية يواجهها البابا تواضروس بالشدة أحيانًا وباللين أحيان أخرى وبآلام الظهر في أحيان ثالثة. إلا أن ما جرى في السنوات العشر تلك وما حققه البابا من علاقته مع الدولة وحكمته في إدارة المواقف والأزمات سيشكل لحظة تاريخية مغايرة بعد زمن طويل. فإذا كانت ثورة 25 يناير قد فشلت في أهدافها السياسية فالأقباط هم الرابح الأكبر من الانقلابات الاجتماعية التي صنعتها حركة الجماهير في يناير.