تشي التركيبة الحالية لمجلس النواب التي يتحكم فيها أحزاب تأسست عقب ثورة 30 يونيو بالوضع الذي تعيشه الأحزاب التي تأسست عقب ثورة 25 يناير، التي تطفئ شمعتها العاشرة في غياب أبرز نجومها، ووسط خفوت تام من أحزابها.
ما بين انشقاقات داخلية وتفخيخ للأحزاب من الداخل ورفض الكوادر لعب أدوار ثانوية، فضلا عن إهمال الشباب والنزوح إلى الأحزاب التي تحظى بدعم كبير من الدولة وأجهزتها، تحفل أحزاب يناير بالعديد من المشكلات.
ومثلت تجربة الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة صورة حقيقية لما آلت إليه الأمور، وكيف فشلت في التواجد والحضور في العقل الجمعي للمصريين. لا يمكن الجزم بأن الأحزاب فقدت بريقها بدافع من الدولة فقط، إنما بدا واضحا أن التجربة الحزبية لم تصل إلى حد الكمال حتى بمرور عشر سنوات. هنا نلقي نظرة على حال هذه الأحزاب.
الدستور.. فجوة البرادعي
أسس حزب الدستور عام 2012 على يد الدكتور محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام 2005، ودكتور أحمد دراج. كانت النية وراء تأسيس الحزب أن يمثل وعاء يحتوي الشباب الثوري من أصحاب التوجه الليبرالي.
كان تواجد الدكتور محمد البرادعي على رأس الحزب يمثل عنصر جاذب للشباب الذين رأوا في البرادعي رجل صاحب مشروع، وفكر يتناسب مع آمال وطموحات الشباب المصري، إلا أن الحزب الذي ضم الآلاف من الشباب والكوادر في مختلف المجالات لم يصمد أمام التحديات كثيرا.
اقرأ أيضًا: على قوائم الإرهاب وفي السجون وأعضاء بمجلس النواب.. مصائر وجوه ثورة 25 يناير
انشقاقات وصراعات أدت إلى انتهاء التجربة مبكرا، بعد تأسيس الحزب نحو 6 أشهر دبت الخلافات داخل الحزب واشتعل فتيل الأزمة، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة صفر كبير.
يمكن وضع عنوان عريض لما حدث داخل حزب الدستور هيمنة “القيادات الأكبر سنا”، رأى عدد من الشباب أن الحزب يعتمد في تكوينه على الشباب إلا أنه لم يتم إتاحة الفرصة لأن يقود الشباب الدفة، وهيمنت القيادات الكبرى ذات الباع الطويل في العمل العام على مقدرات الحزب مما دفع البعض إلى الاعتصام داخل الحزب فضلا عن حملات استقالات جماعية أدت في النهاية إلى تواجد الحزب دون هوية.
المصريين الأحرار.. الحزب المنقسم
في الثالث من أبريل عام 2011 أعلن رجل الاعمال نجيب ساويرس تأسيس حزب المصريين الأحرار ذو المرجعية الليبرالية، بدا الحزب قويا ومتماسكا، طرح نفسه بقوة على الساحة السياسية.
زحف عدد كبير من قيادات العمل العام إلى الحزب وضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الساسة والكتاب، إلى جانب اندماج حزب الجبهة الديمقراطية في 21 ديسمبر 2013.
كان حزب المصريين الأحرار بمثابة الحصان الأسود في العمل الحزبي، لما يمتلكه من تنوع واختلاف من قياداته فضلا عن الدعم المالي الكبير الذي حظى به من خلال رجل الأعمال نجيب ساويرس، وتمكن من التواجد في الاستحقاقات الدستوري بشكل مميز إلا أن ما حدث بعد ذلك كان بمثابة النهاية لحزب وليد.
انقلب الحزب برئاسة عصام خليل على مجلس أمناء الحزب في أعقاب الجمعية العمومية التي وقعت أحداثها في عام 2017، وتمت الإطاحة بـ«ساويرس» ومجلس الأمناء وتمكن عصام خليل والمجموعة الموالية له من بسط سيطرتهم على الحزب بشكل كامل.
انقسم الحزب إلى جبهتين أحدهما برئاسة عصام خليل رئيس الحزب الحالي، وبرفقته أعضاء الهيئة العليا وبعض النواب، والجبهة الأخرى برئاسة ساويرس وممثلين عن الهيئة العليا ومجلس الأمناء.
اقرأ أيضًا: من الخصم للمحاكم.. معاناة جديدة لأصحاب معاشات 25 يناير
في أعقاب الانقلاب الذي تم داخل جدران المصريين الاحرار، انسحب الحزب في صراعات داخلية أضعفت قوته وحولته من حصان أسود إلى نعامة تضع رأسها في الرمال، بعد أشهر من الانقلاب انقلب السحر على الساحر، وبدأ يتسرب قيادات وكوادر الحزب تحت القبة إلى حزب مستقبل وطن ليتحول حزب المصريين الأحرار من قوة مؤثرة إلى حزب هامشي غير قادر على لملمت نفسه وإعادة هيكلته من جديد.
وخلال انتخابات مجلس النواب الحالية، خرج حزب المصريين الأحرار صفر اليدين من القائمة الوطنية، إذ لم يمثل الحزب داخل القائمة، بجانب أنه لم يحظ بتمثيل على النظام الفردي.
أحمد سامر، الأمين العام لحزب المصريين الأحرار، يرى أن الأسباب وراء ما يمكن وصفه بفشل أحزاب 25 يناير يتمثل في عدم وجود رؤية ومشروع لتلك الأحزاب وأن القائمين عليها كرسوا اهتمامهم في السيطرة على مقاليد الحكم داخل الحزب دون وضع خطة تطوير.
وأضاف سامر في تصريحات لـ”مصر 360″، بدأ الأمر داخل حزب المصريين الاحرار عندما انقلب عصام خليل على مجلس أمناء الحزب مما أدى إلى حدوث بلبلة داخل الحزب ودخوله في مواجهات داخلية أبعدته عن المنافسة مع الاحزاب، فضلا عن السعي وراء التقدم بمرشحين عن الحزب في انتخابات مجلس النواب دون أن يكونوا متناسقين مع رؤية وفكرة الحزب الليبرالي وهو ما ترتب عليه خروج العديد من النواب عن راية الحزب وزحفهم إلى أحزاب أخرى.
الحركة الوطنية وشفيق.. حزب صفري
أعلن الفريق أحمد شفيق عن تأسيسه لحزب الحركة الوطنية المصري عام 2013 ليكون أحد الأحزاب الفاعلة في الحياة الحزبية، مع بداية بزوغ نجم الحزب ووجود شخصية ذات ثقل على شاكلة الفريق شفيق ظن البعض أنه سيكون صاحب حضور قوي وطاغي تحت القبة.
تواجد الحزب في برلمان 2015 بتمثيل ضعيف نحو 4 نواب فقط لا غير، إلا أنه مع حلول موعد انتخابات الرئاسة وإصرار الحزب على الدفع بالفريق شفيق على منصب رئيس الجمهورية بدأت الخلافات تعرف طريقها إلى الحزب.
روج البعض إلى أن ما حدث لحزب شفيق – الحركة الوطنية – هو تفخيخ من الداخل ودفع كوادر ومجموعات في مختلف محافظات الجمهورية إلى تقديم استقالتهم وشن هجوم على الحزب مما أثر سلبا على أداء الحزب وتراجع أسهمه بشكل كبير.
غاب الحزب عن التمثيل البرلماني وحصل على موقع في قائمة الأحزاب الصفرية.
اقرأ أيضًا: 10 سنوات على يناير.. كيف خرجت الكنيسة كرابح أكبر من عواصف الثورة؟
التحالف الشعبي الاشتراكي.. ضجيج بلا طحن
تأسس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي اليساري التوجه في أكتوبر 2011 عقب ثورة 25 يناير، اعتبره البعض الذراع الأكثر دينامكية لحزب التجمع، خاصة بعد الاتهامات التي طالت الحزب خلال تواجد الرئيس الأسبق مبارك على سدة الحكم واعتباره من المعارضة المستأنسة.
منذ بداية تأسيس الحزب وبدا واضحا أنه يفتقد إلى أسس النجاح في الحياة الحزبية، لا يملك قوة مالية تساعده في التواجد في الشارع والتواصل المباشر مع الجماهير فضلا عن ابتعاده عن قنوات الاتصال مع أجهزة الدولة، اتخذ خطا معارضا وثوريا وانضم في أعقاب تأسيسه إلى تحالف الثورة مستمرة الذي حقق 7 مقاعد تحت قبة البرلمان، فضلا عن دفعه بالسياسي اليساري أبو العز الحريري في انتخابات الرئاسة المصرية.
وفي عام 2012، أعلن اندماجه مع حزب “التحالف المصري”، وعلى الرغم من كافة المحاولات في أن يجد لنفسه موطأ قدم إلا أن كافة الاختبارات التي خاضها لم تؤت ثمارها، إذ ينظر إليه كأحد الأحزاب غير الفاعلة وليس ذات التأثير القوي سواء على الحياة الحزبية أو في الشارع السياسي.
لم يتواجد الحزب تحت قبة البرلمان، ولا يتم الإشارة إليه من قريب أو من بعيد، يبقى اسما لامعا يلتف حوله أصحاب التوجه دون أن يلقوا حجرا في الماء الراكد.
محاولة إعادة الحياة إلى الكرامة
بالرغم من تأسيسه عام 1997 إلا أنه حصل على شرعيته القانونية في 28 أغسطس 2011 بعد ثورة 25 يناير، خلال السنوات التي تلت إعادة إحيائه شهد تخبطات كبيرة في نهج الحزب بداية من دخوله في تحالف يرأسه حزب الحرية والعدالة الإخواني وحصوله على 6 مقاعد تحت قبة البرلمان، مرورا بحالة الانسلاخ عن الواقع الذي يعيشه المواطن في الشارع.
الحزب ناصري التوجه ومعتد بقومتيه العربية، لكنه خلال سنوات تواجده لم يحقق أي نجاح، فقط كان بعيدا عن أجهزة الدولة والمواطن على حد سواء وبذات المساحة اللازمة لأن يغيب عن المشهد العام وألا يعول عليه في إحداث أي فارق.
كان الأمل في حزب الكرامة لأن يكون حاضرا في المشهد إلا أن ما حدث له من تقوقع وابتعاد عن الشارع فضلا عن الدور المنوط بالأحزاب في المجالس النيابية جعله ضعيفا هشا.
لم يتواجد الحزب تحت قبة البرلمان ولا يوجد من يمثله في أي نافذة سياسية لها تواصل مع أجهزة الدولة، وتحول الحزب إلى التغريد في المنفى لا يؤثر ولا يقدم جديدا.
كان دخول أحمد الطنطاوي النائب البرلماني السابق، قبة الحياة من جديد للحزب، إذ تم تنصيبه رئيسا للحزب بالتزكية أملا في إعادته إلى الأضواء من جديد وطرح رؤية شبابية تتماشى مع الحالة السياسية التي تعيشها البلاد خلال تلك المرحلة.
يقول تامر هنداوي، عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة، إن ما حدث للأحزاب بعد ثورة 25 يناير يمكن وضعه في 3 أسباب وراء حالة الخفوت التي أصابت تلك الأحزاب، يأتي على رأسها الأحداث المتسارعة التي مرت على الأحزاب بداية من المعاركة التي خاضتها الأحزاب فيما بينها لتقديم مرشح رئاسي يعبر عن المرحلة، ومن ثم حالة الصدام التي وقعت مع حزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الارهابية، إذ خاضت الاحزاب معركة تلو الأخر مما أضعفها وادخلها في حالة انهاك.
وتابع: “أما ثورة 30 يونيو فمثلت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ حدث تشديد أمني على الأحزاب مما أخرج الأحزاب من وصفها حاضنة لأفكار الشباب لبوابة للدخول إلى السجن، الأمر كان صعبا وهو ما ساهم في خروج الشباب واضعاف الاحزاب واصابتها بحالة من الفوضى الداخلية”.
مستقبل وطن ..الحزب الأوحد
بدأ الحزب في شكل حملة تدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي مكونة من ظهير شعبي ومناهضة لحكم جماعة الاخوان المسلمين التي تم تصنيفها جماعة ارهابية من القضاء المصري.
وفي عام 2014 تحولت الحملة إلى حزب سياسي وليد ينتظر منه الكثير وأن يكون خلفا للحزب الوطني، وانطلق الحزب تحت رئاسة محمد بدران الذي عرف إعلاميا بالطفل المدلل للرئيس السيسي.
مر الحزب بعمليات تحول وتجدد كثيرة لكنها لم تصيبه بالوهن أو الضعف إذ ظل قائما بدور القائد منذ بداية تأسيسه حتى يومنا هذا، بعد فترة ليست بالقليلة تم استبعاد محمد بدران من رئاسة الحزب وتولي أشرف رشاد خلفا له، لتبدأ مرحلة جديدة من توغل الحزب في الحياة السياسية.
مع خوض الرئيس عبدالفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة الماضية، بزغ نجم حملة من أجل مصر التي تضم عددا كبيرا من رجال المال والأعمال لدعم الرئيس في حملته الانتخابية، في أعقاب الانتخابات أعلن اندماج الحزب مع الحملة ليشكلا أقوى كيان سياسي متواجد على الساحة الحزبية في الفترة الحالية.
حصل الحزب على الأغلبية البرلمانية في البرلمان الماضي وكذا في البرلمان الحالي وتمكن من التواجد في الشارع برفقة المواطنين فضلا عن فتحه لقنوات اتصال مستمرة مع أجهزة الدولة المعنية، ساهم التواجد الكبير لرجال الأعمال في الحزب إلى توافر السيولة المالية التي سمحت له بالتواجد الدائم في كافة المناسبات داعما لتوجهات الدولة ومؤيدا لكافة تحركاتها.
اقرأ أيضًا: كيف حول الربيع العربي خارطة الخطاب الديني؟
الشعب الجمهوري والخروج من العدم
تم إنشاء حزب الشعب الجمهوري في سبتمبر عام 2012، بالرغم من عدم وجوده بقوة في الشارع إلا أنه استطاع أن يختار كوادر وقيادات ذات شعبية ليحقق نجاح كبير خلال برلمان 2015 حيث حصد المركز الخامس في عدد نواب الحزب تحت قبة البرلمان الذين وصل عددهم إلى 13 نائبا.
لم تقف مفاجأة الحزب عند هذا الحد، إذ زاد من رصيده الجمهوري بضمه لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة ليمثل عنصر جذب كبير لقطاع الشباب ويزيد من ثقة المرشحين للتصدي للماراثون الانتخابي تحت راية حزب الشعب الجهوري.
مثل الشعب الجمهور المركز الثاني في عدد النواب تحت قبة البرلمان حيث استطاع حصد 50 مقعدا 28 على نظام القائمة و22 بنظام الفردي.
باحث: غياب الرؤية والأهداف
يقول المحلل السياسي مجدي حمدان إن الحالة السياسية في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير كانت بيئة خصبة لتواجد أفكار وتوجهات سياسية متنوعة مما سمح لفتح أبواب للعديد من الأحزاب لتبدأ مسيرة سياسية، إلا أن غياب الرؤية والأهداف ساهما بشكل كبير في فشلها وتقهقرها.
وأضاف حمدان، في تصريح لـ”مصر 360″، أن الأحزاب خاضت معارك داخلية أدت إلى انقسامها واشتعال الفتن مما سهل من عملية تفخيخها من الداخل، فضلا عن وجود معوقات لوجستية واجهت الأحزاب متمثلة في القدرة على التواجد في الشارع والتواصل مع المواطنين وطرح أجندة سياسية واضحة وثابتة.
وتابع: “نضيف إلى ذلك حالة التربص بعدد من الأحزاب التي تسير عكس التيار، ويتم ملاحقة أعضائها مما أصاب الجميع بحالة من الفتور وفضلوا البعد عن السياسة بشكل كامل”.