في أول زيارة رسمية لمسؤول إسرائيلي بعد اتفاق تطبيع العلاقات في أكتوبر 2020، زار وزير الاستخبارات الإسرائيلية، إيلي كوهين، عاصمة السودان الخرطوم يوم الإثنين على رأس وفد أمني وعسكري رسمي.
زيارة كوهين التي التقى خلالها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع ياسين ابراهيم، لم تحظ بتغطية واسعة في الإعلام السوداني الرسمي. حيث اكتفت وكالة الأنباء السودانية وغيرها بأخبار مقتضبة دون ذكر تفاصيل لقاءات الوزير الإسرائيلي. لكن على الجانب الإسرائيلي، فإن الزيارة حظت باهتمام بالغ، حيث تحدثت وزارة المخابرات الإسرائيلية، في بيان، عن توقيع أول مذكرة تعاون عسكري واستخباراتي بين إسرائيل والسودان.
وقال البيان: “هذه المذكرة هي الأولى على الإطلاق بشأن هذه المواضيع من أجل تعميق التعاون الاستخباراتي”.
بيان وزارة المخابرات الإسرائيلية قال أيضًا إن السودان بدأ “خطوات جادة” من أجل تعزيز التعاون. ذلك منذ إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وتعديل قانون سجن السودانيين الذي لجأوا إلى إسرائيل وعادوا إلى السودان مرة أخرى.
تأتي زيارة الوزير الإسرائيل في ظل تواصل الرفض الشعبي السوداني، واستمرار الاحتجاجات الرافضة للتطبيع مع اسرائيل. وكان آخرها ما حدث في 17 يناير الجاري، حينما أحرق عدد من المتظاهرين العلم الإسرائيلي أمام مقر مجلس الوزراء في الخرطوم. إلا أن الإدارة السودانية بمكونها العسكري والمدني تتخذ حاليًا خطوات جادة -كما وصفها الجانب الإسرائيلي- نحو التقارب والاستفادة من اتفاق التطبيع -الذي تم برعاية أمريكية- لتعزيز تواجدها في الساحة الدولية ككيان جديد يشارك في القضايا الإقليمية والدولية ويعزز علاقاته بالدول الفاعلة عقب الإطاحة بالنظام الإسلامي برئاسة عمر البشير.
عين إسرائيل على البحر الأحمر
من بين أهم المطالب الإسرائيلية للسودان -حسب مصادر رسمية سودانية- المساعدة في ضم دولة الاحتلال رسميًا إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. لا سيما مع بدء التنسيق مع تل أبيب بشكل مباشر في القضايا المتعلقة بأمن البحر الأحمر. وأيضًا تسهيل حركة الملاحة الدولية فيه.
مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن تأسس في يناير 2020. ومقره الرئيسي في العاصمة السعودية الرياض. وهو منظمة إقليمية تضم دولاً في آسيا وأفريقيا، حيث ينتمى جميع أعضاء المجلس إلى مجموعة الدول التي تمتلك حدودًا تطل على البحر الأحمر وخليج عدن. ويضم في عضويته 8 دول بينها مصر والسودان واليمن وجيبوتي والسعودية والأردن. ويهدف إلى حماية المصالح الأمنية والسياسية والاستثمارية، وتأمين حركة الملاحة البحرية في الممر المائي الدولي.
مع تطور حركة التجارة العالمية أصبح للبحر الأحمر أهمية جيوسياسية إقليميًا ودوليًا. حيث تم تضمينه بين أحد أهم الممرات المائية في العالم. ويقدر البنك الدولي عدد السفن التجارية المارة به سنويًا بـ21 ألف سفينة، وأكثر من 2 مليار برميل من النفط.
وشرعت إسرائيل في السنوات الأخيرة في تعزيز تواجدها في البحر الأحمر وأفريقيا من خلال قواعد عسكرية في إريتريا وكينيا وإثيوبيا، فضلاً عن استئجار جزر سنتيان وديمبرا، وذلك مع تنامي الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة لإسرائيل، وتطور وتضاعف حركة التجارة بينها وبين دول البحر الأحمر خاصة الدول الأفريقية.
كانت هيئة البث الإسرائيلية نشرت وثيقة في أغسطس من العام الماضي عن وزارة الاستخبارات، تتحدث مع مجالات التعاون الأمني مع الإمارات. ذلك مع بداية قطار التطبيع، لتدشين تحالف عسكري بين دول الخليج، من أجل تعزيز التعاون الاستخباراتي في ما يتعلق بأمن البحر الأحمر.
وساطة إسرائيلية لحل أزمة الحدود مع إثيوبيا
كشفت مصادر سودانية حكومية، لـ”مصر 360″، أن من بين الملفات التي طرحت للنقاش خلال زيارة الوزير الإسرائيلي التوتر مع إثيوبيا بشأني ملفي الحدود وسد النهضة. حيث أوضح السودان موقفه بالاستياء من التحركات الإثيوبية العدائية في الأراضي السودانية في الفشقة، ورفضه أي حوار أو تفاوض على حدود متعارف عليها دوليًا وتحظى باعتراف إثيوبيا نفسها.
وقالت المصادر إن وزير الدفاع السوداني أطلع الوفد الإسرائيلي على الموقف على الأرض في منطقة الحدود الشرقية مع إثيوبيا، وتطلع السودان لاستعادة كامل أراضيه مع الإبقاء على علاقات طيبة مع الجانب الإثيوبي.
يرى مراقبون أن إسرائيل بإمكانها أن تلعب وساطة بين السودان وإثيوبيا لتهدئة الأمور، والتوصل لصيغة مرضية للطرفين، وأيضًا استغلال العلاقات الودية الجديدة لإسرائيل مع السودان وعلاقتها المتوطدة مع إثيوبيا من جانب آخر في تقريب وجهات النظر.
وتتجه بعض الآراء في السودان إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية وفتح آفاق للاستثمار الزراعي الإسرائيلي قد تعزز من ظهور دور إسرائيلي يساهم في حل أزمة سد النهضة الإثيوبي. على اعتبار المصحلة الإسرائيلية من الإبقاء على إمدادات المياه في الأراضي السودانية الخصبة، التي باتت مفتوحة أمام المستثمرين الإسرائيلين.
التعاون الزراعي مفتاح التواجد الإسرائيلي في السودان
من بين الملفات التي تناولتها زيارة الوفد الإسرائيلي التعاون الزراعي، ونقل الخبرات والتكنولوجيا الإسرائيلية للاستفادة من البيئة الزراعية الخصبة في السودان. حيث عرض الجانب الإسرائيلي إنشاء جهاز للإرشاد الزراعي في السودان، وإقامة مفاعل لتحلية مياه البحر.
تتبنى إسرائيل سياسات توسعية في القطاع الزراعي بعدد من البلدان الأفريقية، خاصة دول حوض النيل، كما أنها تسعى لتعزيز تواجدها من خلال بناء شراكات استراتيجية بالاستحواذ على مشروعات وأراضي. وكذا الترويج بتقديم يد العون والمساعدة لنقل التكنولوجيا الجديدة والنهوض بالقدرات المحلية في القطاع الزراعي.
تأتي أهمية السودان في الإنتاج الزراعي باعتباره سلة غذاء العالم. وهو الشعار الذي رفعته الحكومات السودانية منذ تسعينيات القرن الماضي. ذلك بسبب وفرة الأراضي الزراعية الصالحة والمياه. حيث تصل مساحة الأراضي الزراعيّة في السودان إلى أكثرَ من 16 مليون هكتار. لكنه لم ينجح في تحقيقِ الاكتفاء الذاتيّ من المحاصيل الغذائية.