سنة جديدة داخل محبسها تمر على ذكرى ميلاد الصحفية سولافة مجدي، المحبوسة احتياطيًا هي وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد. إلا أن ذكرى هذا العام الجديد تحمل كثيرًا من الألم، ومطالبات قانونية بالتحقيق في اتهامات بانتهاكات تعرضت لها، وصلت حد إصابتها بنزيف في الرحم، كشفها المحامي الحقوقي خالد علي.
ففي تطور جديد بالقضية التي تحمل رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، تقدم فريق دفاعها، ببلاغ إلى النائب العام يطالبون فيه بالتحقيق في تعرضها للتهديد والتحرش والاعتداء. هذا فضلاً عن الكشف القسري على الرحم، الذي أفضى إلى إصابتها بنزيف. الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على حالتها الصحية.
فريق المحامين الذي يضم محمد محمد، و راجية عمران، ومحمد فتحي. بينما يترأسهم المحامي الحقوقي خالد علي، تقدم ببلاغات تحمل أيضًا ذات المضمون -عبر التلغراف- إلى المحامى العام لنيابات بنها، ووزير الداخلية، ومدير أمن القليوبية، ومأمور سجن النساء بطرة.
من هي سولافة مجدي؟
عملت سولافة مجدي محفوظ صحفية حرة في عدد من المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء. كانت من بينها تي آر تي العالمية، وبي بي سي مصر، ومدى مصر، وبعض المواقع الأخرى. وقد تخصصت سولافة في صحافة الهاتف المحمول، وأسست مدرسة (كل يوم صورة)، لتدريب الصحفيات الشابات والباحثات في إعداد التقارير على الهاتف المحمول.
وفي 20 مايو الماضي، أعلنت مؤسسة الإعلام النسائية الدولية عن فوزها و3 صحفيات من الصين وفنلندا وسوريا، بجائزة “الشجاعة الصحفية السنوية” في عامها الثلاثين.
عام و3 أشهر.. سولافة في الحبس
ألقي القبض على سلافة مجدي، وزوجها حسام الصياد، وصديقهما المحاسب محمد صلاح مساء يوم 26 نوفمبر 2019. وقد تم عرضهم على النيابة في اليوم التالي بتاريخ 27 نوفمبر 2019. وصدر قرار من النيابة في اليوم نفسه بحبسها احتياطيًا على ذمة القضية، ومنذ ذلك تم إيداعها سجن النساء بالقناطر الخيرية.
في 19 يناير 2021، تم النظر في أمر تجديد حبس الصحفية سولافة. كان ذلك بغرفة المشورة للدائرة الثالثة جنايات المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة. حينها طلبت سولافة الحديث مع رئيس الدائرة، وسمح لها، فذكرت في أقوالها تفاصيل الانتهاكات التي تعرضت لها، والتي كان مر عليها ثلاثة أشهر.
وتواجه سولافة وزوجها اتهامات بنشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. فضلاً عن مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها والترويج لها.
سولافة: طُلب مني العمل كمرشدة
حسب أقوال سولافة، فإنه في حوالي الساعة 11 مساء يوم 29 نوفمبر 2020، حضرت ثلاث سجانات إلى زنزانتها وأخذوها خارج العنبر. وضعت السجانات غمامة على عيني سولافة، ثم اصطحبنها إلى غرفة أخرى، حيث تحدث معها شخص لم تتمكن من رؤيته بسبب الغمامة. قال لها المجهول: “أنا اللي هخرجك من هنا لو سمعتي كلامي، وعايزك تجاوبي على كل الأسئلة اللي هسألها ليك”.
قالت سولافة إن المحقق المجهول “كان عايزني اشتغل معاه مرشده وأبلغه بأسماء ناس وبيروحوا فين، وبيعملوا إيه”. وأضافت أنها حين رفضت هددها بعدم تمكينها من رؤية ابنها مجددًا. كما هددها بزوجها أيضًا. بينما أشارت إلى محاولة للتحرش بها، دون أن تصف بالتفصيل أفعال التحرش التي تعرضت لها.
تجريد من الملابس وأعمال تنكيل
ذكرت سولافة أمام المحكمة أيضًا، أنها “أثناء خروجها من السجن لحضور جلسة تجديد الحبس يوم 19 يناير 2021 تم التنكيل بها والتعدى عليها”. وكان ذلك بزعم تفتيشها، حيث أجبرتها السجانة على خلع جميع ملابسها، بما فى ذلك ملابسها الداخلية. كما قام أمين شرطة بجرها من غرفة التفتيش حتى عربة الترحيلات.
أشارت سولافة أيضًا إلى ما سبق وتعرضت له داخل السجن. حيث خضعت لكشف قسرى على الرحم، وأصيبت بنزيف جراء ذلك. خاصة أنها سبق وأجرت عملية استئصال ورم بالرحم قبل ذلك. وقد أكد أقوال سولافة أنه عندما زارتها والدتها في محبسها بتاريخ 27 يناير 2021 وجدتها في حالة إعياء شديدة. حينها قامت اثنتان من السجانات بمحاولة مساعدتها. وذلك بأن ساعداها من اليمين واليسار، حتى تتمكن من الانتقال من عنبرها إلى مكان الزيارة داخل السجن. وقد أبلغت والدتها -أثناء الزيارة- أنها مصابة بنزيف حاد.
بناءً على ذلك، طلب فريق الدفاع عن سولافة بالتحقيق فيما تعرضت له من انتهاكات. وذكر المحامي خالد علي بما تضمنه قانون العقوبات من نصوص تجرم ارتكاب مثل هذه الأفعال.
قانون العقوبات يُجرم ما تعرضت له سولافة
تنص المادة 306 مكرر (أ) عقوبات على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.
وتكون العقوبة وفق ذلك الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
الحبس مدة لا تقل عن سنة
بينما تنص المادة 306 مكرر (ب) على أن “يُعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكررا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية”. ويعاقب الجاني -وفق ذلك- بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
كما تنص المادة 242 على أنه “إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها فى المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتى جنيه مصرى”. وتنص المادة 129 على أن “كل موظف عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة على الناس اعتمادًا على وظيفته بحيث أخل بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه”.
قائمة طلبات فريق الدفاع
وقد تضمنت قائمة طلبات فريق الدفاع الآتي:
التحقيق في كافة هذه الوقائع واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة قانونًا.
الاستماع إلى أقوال المتهمة باعتبارها مجني عليها.
ضم صورة من محضر جلسة 19 يناير 2020 أمام الدائرة الثالثة جنايات المنعقدة بغرفة المشورة بمعهد أمناء الشرطة. وقد أثبت بها جزء من أقوال المتهمة حول تلك الوقائع.
المطالبة بعرض المتهمة على الطب الشرعي، وإعداد تقرير عن إصاباتها المتكررة، ونزيف الرحم.
بينما اتهم فريق الدفاع عددًا من ضباط وأفراد الشرطة العاملين بالسجن، والمحقق المجهول، الذي التمس البلاغ من النيابة الكشف عن شخصيته لقيامه بارتكاب أفعال إيجابية وسلبية تضمنت جرائم وتسهيل ارتكاب جرائم التعدي بالضرب واستعمال القسوة والتحرش على النحو الذي ذكرته المتهمة بأقوالها بالمحكمة يوم جلسة نظر تجديد أمر حبسها.
وحملت أرقام التليغرافات، التي تضمنت البلاغ: 257789458 – 257789459 – 257789460 – 257789461 – 257789462 – 257789463 – 257789464. وهي البلاغات التي وجهت إلى النائب العام والمحامى العام لنيابة أمن الدولة والمحامى العام لنيابات بنها ووزير الداخلية ومدير أمن القليوبية ومأمور سجن النساء بالقناطر.
“وحشتيني أوي يا ماما”.. خالد الصياد طفل ينتظر عودة والديه
“ازيك يا ماما عاملة ايه.. انتي كويسة؟ وحشتيني قوي قوي، كل سنة وانتي طيبة”. هكذا فرض بعد المسافات بينه وبين والديه على الطفل خالد الصياد ابن الصحفيين المحبوسين احتياطيًا (سولافة وحسام) أن يراسل أمه، مخاطبًا إياها عبر كاميرا الموبايل. “أنا النهاردة عايز أوريكي هدية عيد ميلادك علشان عيد ميلادك جاي قريب، كل سنة وانتي طيبة.. (وودي) -الشخصية الكرتونية- لعبتك اللي كنتي بتحبيها وبتلعبي بيها وانتي صغيرة، انتي تستحقي اللعبة دي لأنها بتاعتك أصلاً.. عايز اقدمهالك بمناسبة عيد ميلادك.. ويوم عيد ميلادك هصور لك فيديو وابعتهولك.. اللعبة دي أكتر لعبة احتفظت بيها علشان هي منك”.
خالد الطفل الذي لم يتجاوز السنوات السبع من عمره حُرم والديه ولم يبق له إلا مراسلتهما دون رد ولم يرهما منذ إلقاء القبض عليهما. بينما ينتظر بشوق المحروم أملاً في قرار إطلاق سراح قريب لا يتحقق. قال عنه المحامي خالد علي إنه ممكن قنونًا. إذ يتيح القانون في حالة ثبوت الجريمة على الزوجين وصدور حكم ضدهما أن يرجأ تنفيذ الحكم على أحدهما لحين انتهاء الآخر من تنفيذه. بما يحمي مصلحة طفلهما
يوضح خالد علي، في تصريحات سابقة، أن المشرع قدر أن يظل أيًا من أبوي الطفل معه رغم ثبوت التهمة عليهما. ويضيف: “فما بالنا بالحبس الاحتياطي الذي يصدر قراره بزعم التشكك في ارتكاب الجريمة دون أن تثبت بحق المتهم”. ويعد الحبس الاحتياطي مجرد إجراء من إجراءات التحقيق. كما يحب أن يقدر بضرورته دون تعسف أو توسع في تطبيقه، وحتى لا يتحول إلى عقوبة، على حد قوله.
ووفق قانون الطفل في مصر (رقم 12 لسنة 1996) “يعتبر الطفل معرضًا للخطر، إذا حُرم، بغير مسوغ، من حقه، و لو بصفة جزئية، في حضانة أو رؤية أحد والديه أو مَن له الحق في ذلك”.
استكتروا الورد عليها.. تفاصيل الزيارة الأخيرة
“اتوجعت أوي لما شوفتك تعبانة مش مستوعبة بيحصل معاكي أيه”؛ تقول تغريد زهران والدة “سولافة” في تدوينه عبر “فيسبوك” وصفت فيها المشاكل الجسدية التي بدت على ابنتها أثناء زيارة أخيرة لها. وكانت إدارة سجن القناطر منعت دخول ورود كانت تحملها الأم لابنتها المحتجزة. في وقت قال المحامي خالد علي إنه لا يوجد في القانون ما يمنع دخول الورود إلى سجين.
الأم التي كانت ترغب في منح ابنتها “هدية بسيطة” في السجن، لابنتها التي ستكمل عامها الـ34، والتي تركتها دون الورود بجملة تصف ألمًا ما استطاعت درءها عنها “وجعتيني عليكي أوي يا حبيبتي.. سيبتك وأنا خايفة ومرعوبة عليكي”.
سولافة تنتظر في محبسها أمالاً عدة، وأحباء حُرمت رؤيتهم، أحدهم زوجها الذي رافقها أزمتها، وابنها الذي يكبر بعيدًا على عين رعايتها، وأمها التي ودعتها حاملة في قلبها ألامًا تنهش جسد ابنتها، بينما تترقب تحقيقًا يعد إليها بعض ما فقدت. ولا تزال تنتظر الأمل.