أثارت الدعوة التي أطقلها الإعلامي عمرو أديب بخصوص عودة المعارضين المقيمن خارج البلاد، وخصوصا المحسوبين على التيار المدني، للعمل السياسي في مصر، الكثير من الجدل، بسبب في توقيتها الذي يتزامن مع تحركات أعضاء الكونجرس الأمريكي وفريق الرئيس الديمقراطي جو بايدن للإفراج عن بعض المحتجزين السياسيين في مصر.
حديث أديب جاء في معرض تعليقه على أنباء عودة المخرج خالد يوسف من فرنسا في هذه الأيام بعد ابتعاده عن المشهد السياسي لفترة، قائلًا “خالد يوسف كان معانا، الرجل اللي صور30 يونيو، هو في نسيج هذه الثورة. وارتكن أديب في دعوته إلى أن مصر الآن تستطيع أن تستوعب المعارضة والأصوات المختلفة والنظام لن يهزه من ينتقد لصالح البلد.
خالد المحسوب على التيار الناصري لا تلاحقه اتهامات قضائية، كما لم يسقط البرلمان عضويته في دورته الأخيرة، لذا عودته ليست مستبعدة.
دعوة أديب منحت الطيور المنفية بصيصا من الأمل في العودة إلى وطنها مرة أخرى، لكنها دعوة طرحت الأسئلة عن سبب الدعوة في هذا التوقيت وما إذا كان هناك ضغط خارجي يمت لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بصلة، وإذا ما كانت الدعوة مقتصرة على المعارضين على شاكلة خالد يوسف أحد المشاركين البارزين في 30 يونيو فقط أم كل المعارضين المدنيين في الخارج؟
اقرأ أيضًا: ذكريات شباب الثورة.. كل ما مر هنا لا يُنسى
دعوة أديب ليست الأولى من نوعها ففي 2019 بادر أديب من خلال البرنامج ذاته بالدعوة للإفراج عن المعتقلين الذين لم يثبت تورطهم في قضايا جنائية، مستشهدًا بـ الدكتور شادي الغزالي حرب، والصحفي ورئيس حزب الدستور سابقًا، خالد داود، المحامية ماهينور المصري، والناشط علاء عبد الفتاح، معللًا أنه آن الآوان للاستيعاب.
حينها أيدت الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح، مبادرة الإعلامي للإفراج عن المعتقلين السياسيين، ليليها على الفور حملة من الاعتقالات اعتبرها الناشطون المصريون بمثابة ردة فعل من السلطات المصرية على هذه المبادرة، لتطول الحملة الناشطة إسراء عبد الفتاح ذاتها.
الموالاة فقط أمر غير صحي
أما توقيت هذه الدعوة فيبدو مناسبًا بالنسبة لـ ياسر الهواري عضو ائتلاف شباب الثورة، وأحد الموجودين بالخارج الذي يتفق مع وجهة نظر، الإعلامي عمرو أديب فيما يتعلق بضرورة استيعاب الدولة المعارضين وعدم شيطنة المحسوبين على المعارضة، وأن الدولة بمعناها الحديث أحد مكوناتها المعارضة ولا يصح أن تكون مصر مكانًا للموالاة فقط، هذا أمر غير صحي ولا يمت بصلة لضرورات العصر.
ربما كان عودة المخرج خالد يوسف، هي سبب الحديث ولكنها فرصة جيدة لتوسيع دائرة عودة من سافر وترك الوطن، وربما فرصة للمراجعة من الجميع والتكاتف حول الوطن لا الأشخاص، هذا ما يعتقد الهواري، أحد المشاركين الباريزت في تأسيس حزب الدستور، متمنيًا أن يكون الحديث في إطار توجه حقيقي من الدولة.
و لا يعتقد الهواري أن الدعوة أتت بعد ضغط خارجي، و”حتى أن افترضنا أن إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن لها دخل، فالأمر في غير محله فالإدارة لم تستقر بعد وبالتالي ما زال الوقت مبكرًا على الحديث عن ضغوط، ولذلك أتمنى أن يكون التوجه مصريً خالص”.
اقرأ أيضًا: “محامو مطروح والداخلية”.. مطالبات بالعدالة ومحاولات لحل ودي
ويعلن عن استعداده الشخصي للعودة فورًا اذا ما كان هناك توجه بعدم استهداف المعارضين وملاحقتهم أمنيًا، خصوصا أن هناك كثيرين طالت بهم الغربة، طخاصة مع الخصوصية الشديدة لتعلق المصريين بالوطن: “مهما كانت الحياة في الخارج أسهل نحن نعشق وطننا الى حد الغرام.
الارتحال السياسي بعيدًا عن مصر
ووفقًا لدراسة “الارتحال السياسي” للباحث في العلوم السياسية، الدكتور عمرو حمزاوي، شهدت مصر موجات متداخلة من الارتحال، حيث غادر عدد كبير من المصريين لأسباب سياسية منذ العام 2011.
أعداد صغيرة من رجال الأعمال الموالين لمبارك وأعداد أكبر من المسيحيين الذين غادروا اعتبارًا من العام 2011، وأعداد كبيرة من الإخوان المسلمين وسواهم من الإسلاميين الذين بدأوا بالارتحال منذ منتصف العام 2013، وأعداد أقل من العلمانيين (المفكّرين والنشطاء) الذين هاجروا البلاد مع بداية عام 2014، وتوجه أغلبهم إلى أميركا الشمالية أو أوروبا بحثًا عن ملاذ آمن، وفقا لحمزاوي.
أحد النشطاء السياسيين الموجودين في الخارج، الذي فضل عدم ذكر اسمه، يقول: “إنه يتم رسم خالد يوسف ببداية المصالحة السياسية ولا أعرف ما هي علاقته بالأمر، فلا يوجد تحرك ببلاغات أو أي اتهام سياسي يلاحقه لا وهذه نقطة مهمة يجب توضحها، ومن الظلم اعتبار خالد يوسف مطارد سياسي”.
يضيف “بالتأكيد لا يرغب أحدً في المكوث خارج وطنه أو على الأقل لا يملك حرية الاختيار في الرجوع أو الاستمرار، لكن هذا يحدث في أي سياق هل هي دعوات فردية من إعلامي ولا مصالحة شاملة حتى للقوى الوطنية المدنية اللي مش اخوان ولا بيحبونهم -بحسب تعبيره-“.
وإذا كان النظام يرغب في المصالحة مع المعارضة فالأولى أن يتم خروج المعارضين من السجون على ذمة قضايا معاد تدويرها أو على الأقل تحول للمحكمة، لكني لا أرى أي نية على الإطلاق للمصلحة، فأي مصالحة للعودة ده جزء من مناورة النظام”.
دعوة أديب تشابهت بشكل ما مع دعوة رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، برفضه المُعارضة من الخارج، ليقول “من يريد أن يُعارض مصر فليأت إلى الداخل، فلماذا اللجوء للخارج؟!”.
دعوة أديب لقت ردًا أيضًا من المعارضين في الداخل
هنا يقول الدكتور مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لـ مصر 360: “يا مرحب بعودة المعارض من الخارج بعيدًا عن دعوة عمرو أديب”.
وأضاف الزاهد:: “بالتأكيد الأفضل أن تكون المعارضة موجودة بثقلها الأساسي ويكون هناك هامش للتعبير عن الرأي، ولا توضع في مأزق يدفعها للنفي في الخارج، لكن واقعيًا الأمر مختلف فهذه الدعوات تتقلص أحيانًا في استضافة عمرو أديب على مدار العامين الماضيين أثنان أو ثلاثة من رموز المعارضة، لكن ما جرى من تطورات سواء في فترة الانتخابات النيابية والشورية والإصرار على القوائم المطلقة، فضلًا عن تدوير المعارضين على ذمة قضايا بعد عامين من الحبس الاحتياطي وأبرزهم مؤخرًا المهندس يحيي حسين عبد القادر بتهم شبيه لا يبشر بالخير”.
ويشير إلى أن “سجناء الرأي يتعرضون للتنكيل كأنهم قتله وجنائيين فضلًا عن التدابير الاحترازية المهينة لأصحاب الرأي، فكلما يأتي بصيص أمل يدفعنا للتفاؤل، ينطفئ مرة أخرى وهنا أنا أرجح أن هذه الدعوات أما أوهام أمل، أو تيار ضعيف محدود لا يستطيع أن يمضي بالمبادرة إلى نهايتها”.
وتابع الزاهد: لكي تٌستكمل مثل هذه الدعوات، لابد من الإفراج عن سجناء الرأي وإلغاء التدابير الاحترازية، وإعادة القراءة من قبل الأجهزة الأمنية للمشهد، خاصة بعد أن نجحت مصر في احتواء الإرهاب وتقليصه تمامًا، كما يجب أن يتم فتح المجال العام وفتح الحجب عن الصحف وبالتالي يحدث الترابط.
في السياق ذاته، يقول محمد سالم، عضو المكتب السياسي للحزب المصري الديمقراطي، أحد الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان المصري الحالي، إن “الدعوة للمعارضة بالتأكيد هي دعوة جيدة ومحترمة، خاصة للمعارضين بالخارج في سياق كثير من العوامل المؤثرة في الحماية، وما أتمناه وجود حوار حقيقي ومساحات آمنة وتفاعل ديمقراطي بين مكونات السياسة داخل مصر”.