في خطوة سبقها عملية تمهيد طويلة، تعتزم الحكومة الروسية إجراء اختبارات لنسخة محلية من شبكة الإنترنت الدولي هذا الشهر، تستهدف من ورائها الشروع في تدشين شبكة إنترنت معزولة تماما عن شبكات الدول الأخرى، وسط انتقادات من منظمات مهتمة بالحقوق العام والحريات الشخصية باعتبارها خطوة نحو “الفاشية”.

روجت روسيا من خلال الإعلام المحلي أن الهدف وراء الابتعاد عن شبكة الإنترنت الدولي هو رغبتها في حماية الأنظمة الروسية المهمة من التعرض لهجمات قرصنة إلكترونية، والذي يترتب عليه العمل دون انقطاع عن بقية الويب.

ويتزامن هذا التحرك المتكرر مع المظاهرات الكبيرة التي يقودها المعارض الروسي أليكسي نافالني من داخل السجن، احتاجا على احتجازه في الفترة الأخيرة.

وشهدت الأيام الماضية اعتقال أكثر من 4800 شخص من بين المتظاهرين الروس الذين هتفوا “بوتين لص” و”حرية”، تنديدا باستمرار احتجاز نافالني.

تأتي هذه المسيرات في أعقاب يوم التعبئة الذي نظم السبت الماضي قبل نحو أسبوع وشارك فيه عشرات الآلاف من المتظاهرين وأسفر عن توقيف أكثر من 4000 شخص، فضلا عن فتح نحو عشرين قضية جنائية.

اقرأ أيضا:

أليكسي نافالني.. المعارض الروسي العائد من الموت يعكر صفو بوتين

وفي هذا الصدد، ألمح نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، دميتري مدفيديف، إلى احتمالية قطع شبكة الإنترنت الدولية عن بلاده بشكل كامل بعد عدة اختبارات، لافتا إلى أن روسيا  على المستويين القانوني والتنكولوجي مستعدة للانفصال بشكل كامل ودائم عن شبكة الانترنت الدولية في حال تطلب الأمر.

وكشف مدفيديف عن استعداد روسيا فيما يخص الجانب التقني في تشغيل الجزء الروسي من الإنترنت (Runet) بشكل مستقل بعيدا عن خدمة الإنترنت الدولية، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن روسيا لن تسعى لتلك الخطوة لكنها قادرة على تنفيذها، موضحا أن الغرض ليس البقاء في عزلة عن العالم إنما حماية الأنظمة الروسية من أي محاولات لاختراقها.

وتابع: “كل شيء جاهز للقيام بذلك من الناحية الفنية، وتم اتخاذ كل القرارات في هذا المجال من الناحية التشريعية، وتشغيل الجزء الروسي من الإنترنت ما هو إلا خطة احتياطية في حال تم فصل روسيا عن الشبكة العالمية”.

محاولات سابقة في فصل الإنترنت

التلويح بالانفصال عن شبكة الإنترنت الدولية على خلفية تحكم الولايات المتحدة بشكل مركزي بالخدمة يدخل ضمن التحركات الاحتياطية لروسيا لمواجهة التطلعات الأمريكية.

هذا بالإضافة إلى أنه سبق أن أصدرت روسيا قانونا في عام 2006 ينص على إلزام الشركات المالكة لتطبيقات الرسائل النصية المشفرة Telegram و’radio’ وZello، ومواقع على شاكلة لينكد إن بفتح برامجها أمام قوات الأمن وسلطات إنفاذ القانون الروسية.

كما تم تمرير قانون الإنترنت السيادي للاتحاد الروسي في أبريل الماضي، والذي بدوره يجيز لكالة الاتصالات الروسية “روسكومنادزور” إنشاء مركز لمراقبة وإدارة الإنترنت.

وكشف تقرير سابق نشرته مجموعة “أغورا” الدولية لحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة “روسكومسفوبودا” الروسية المعنية بمراقبة حرية الوصول إلى الإنترنت والمعلومات، عن تصاعد ممارسات السلطات الروسية لتقييد حرية الرأي وحجب الوصول إلى المعلومات التي لا تتماشى مع سياسات الدولة، وتوجهات النخب الحاكمة.

رصد التقرير الذي صدر منذ أيام، تحت عنوان “حرية الإنترنت 2019: خطة الحصن”، زيادة حالات حجب المواقع والصفحات “المتطرفة التي تروج للإرهاب”، والملاحقة القضائية من قبل السلطات للناشطين السياسيين على شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الرقابة على وسائل الإعلام، والقيود المفروضة لمنع الوصول إلى المحتوى، واحتجاز الصحافيين والمدونين، وكذلك التهديدات الموجهة إليهم والضغط عليهم من قبل ممثلي السلطات.

عين على الصين

الصين سبقت روسيا في وضع اشتراطات ومحاذير وصلت إلى حد حجب مواقع التواصل الاجتماعي، وعمدت الصين إلى حجب موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عام 2009 ، آنذاك أعلنت الصين أن السبب وراء الحجب عدة أسباب أهمها ذكر الثورات والترويج لتجديدها ومحاولة شحن الرأي العام وتوجيه لأفكار محددة، فضلا عن انتهاكات الخصوصية التي تحدث من قبل منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسهم الفيسبوك، هذا إلى جانب الانتقادات اللاذعة التي وجهت إلى محرك البحث الأول حول العالم جوجل ونشره لمواد اباحية خاصة بالأطفال.

زاد من تسارع خطوات الصين في حجب مواقع التواصل الاجتماعي، اندلاع اشتباكات عنيفة منتصف عام 2009 بين مسلمي “الإيجور” من جهة ووالشرطة في مدينة “أورمتشي” الصينية من جهة أخرى، لذا عمدت السلطات الصينية إلى اتخاذ إجراءات احترازية من خلال حجب مواقع تويتر ويوتيوب.

وخلال الفترة ذاتها عمدت السلطات الصينية إلى حجب موقع أمازون على خلفية ضلوع الأخير في عملية بيع لكتب تدعوا إلى الثورات والوقوف في وجه السلطات الصينية.

انتقادات حقوقية لروسيا

في السياق ذاته، انتقدت منظمة “مراسلون بلا حدود”، ما وصفته بالإجراء الفاشي والذي من شأنه أن يزيد من الرقابة على خدمة الإنترنت وينتهك الحريات الأساسية.

وذكرت المنظمة أن خطوة روسيا تجاه الانعزال عن الإنترنت الدولي سبقها عدة خطوات بحجب عدد من المواقع المعارضة على المستوى السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفور التلويح بالانفصال عن شبكة الإنترنت الدولية، أعرب قطاع كبير من المواطنين الروس عن استيائهم من تحركات روسيا الانعزالية ورغبة السلطات الروسية إلى تحويل البلاد إلى جزيرة منعزلة عن العالم من حولها، مما أجبر المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، على التعليق لاحتواء الأمر بتأكيده أن روسيا لا تخطط بشكل قاطع الانفصال عن حدمة الإنترنت الدولية لكنها في الوقت ذاته تؤكد على قدرتها على اتخاذ الخطوزة في ظل محاولات البعض فصل روسيا عن الخدمة بشكل كامل، وهو ما يعد تهديدا حاضرا بقوة خلال الفترة الماضية مع تحركات روسيا تجاه شبكات التواصل الاجتماعي التي تمثل تهديدا لخصوصية الكرملين ومواطنيه.