حسمت (مؤسسة بلادي- جزيرة للإنسانية)، المهتمة بأطفال الشوارع، أخيرًا حالة الجدل التي استمرت قرابة 7 أشهر حول وقائع تحرش اتهم بارتكابها في يوليو الماضي أحد مسؤوليها، حيث انتهت التحقيقات إلى إدانة مدير أحد المشروعات واتخاذ قرار بفصله.
وقائع تحرش ولجنة تحقيق من 3 متطوعين
المنظمة الحقوقية التي تعمل من خارج البلاد، أصدرت بيانًا رسميًا بنتائج تحقيقاتها. وأوضحت أن لجنة خاصة تشكلت من 3 متطوعين من خارج المنظمة “مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة”.
حققت في عدد من الاتهامات بالتحرش ضد المذكور. وذلك في يوم 14 أغسطس الماضي. بعد أن تقدمت في يوم 14 يوليو عدد من الناجيات ببلاغات للمركز. حيث اتخذ قرار فوري بوقف المتهم عن العمل وإحالته للتحقيق.
البيان الذي حمل عنوان “قرارات منظمة بلادي بشأن وقائع التحرش المتهم بها أحد العاملين” تضمن أنه بداية من 15 سبتمبر الماضي تقدمت الناجيات بشهاداتهن. وذلك بعد تقديم الضمانات اللازمة بسرية المعلومات والحفاظ على الخصوصية والحماية من الضرر.
وقد تمتعت اللجنة بكافة الصلاحيات لأداء عملها، وإصدار ما تراه من توصيات، مع تجهيل هوية الناجيات حماية لهن، وفق ما أشار البيان الذي أوضح أنه في يوم 1 فبراير الجاري، أصدرت اللجنة تقريرها الذي انتهى إلى إدانة المدير المثارة بشأنه وقائع التحرش. وأصدرت اللجنة العديد من التوصيات، وبناءً عليه اتخذت المنظمة عدة قرارات.
قرارات بفصل متركب التحرش ومراجعة اللوائح الداخلية
شملت قرارات المنظمة: فصل مدير المشروعات المدان. وأيضًا التزام المنظمة بالمساهمة في تقديم الدعم النفسي للناجيات إن طلبن ذلك. وكذلك توفير الضمانات اللازمة للحفاظ على سرية المعلومات والحفاظ على الخصوصية والحماية من الضرر للمجني عليهن.
كما تعهدت المنظمة بمراجعة لوائحها الداخلية بتفصيل أكثر لكل الإجراءات التي تهم مثل هذه الحوادث. على أن يكون ذلك بصورة تضمن حماية السيدات والأطفال خاصة، والإنسان عامة، مهما كان اتصاله/ها بالمنظمة. وذلك كما جاء بتوصيات اللجنة.
واختتمت المنظمة بيانها بتجديد التزامها بمبادئ العدل وحماية حقوق الإنسان. كما أعربت عن أملها في أن تكون الواقعة فرصة لإيجاد آليات جديدة وفعالة في التعامل مع قضايا التحرش والاستغلال داخل منظمات المجتمع المدني.
خلفية غامضة للواقعة الأخيرة
واقعة التحرش الأخيرة التي شهدتها المنظمة التي تديرها الناشطة والحقوقية المصرية/الأمريكية، آية حجازي، لها خلفيات سابقة مثيرة وغامضة. فقد أشارت بعض سيدات من مصر وتونس وأمريكا في يوليو الماضي بأصابع الاتهام إلى مدير المركز. وكان ذلك في يوليو الماضي. حينها أصدرت المنظمة بيانًا رسميًا، أعلنت فيه وقف أحد الباحثين عن العمل، وإجراء تحقيق بشأن اتهامه بالتحرش الجنسي. بينما لم تعلق على مزاعم هؤلاء السيدات بحق مدير المركز.
وفي بيان صدر يوم 14 يوليو، قالت المنظمة: “نظرًا لما تمت إثارته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مدير أحد المشاريع بالمركز، وطبقًا للسياسة الداخلية الخاصة بمركز بلادي بشأن الرفض التام للتحرش وحرصه على خلق بيئة آمنة للمرأة وطبقًا لما ورد في لائحته الداخلية بشأن التعامل مع بلاغات التحرش؛ فإن المركز قد اتخذ قرارًا بوقفه عن العمل لحين إجراء تحقيق في الأمر المثار بشأنه”.
وطبقًا للبيان، دعا المركز، الناجيات إلى التواصل معه عبر البريد الإلكتروني مع تأكيده على السرية التامة لهويتهن. وذلك تمهيدًا للتحقيق الذي انتهى إلى إدانة مدير المشروع وفصله دون ذكر الاتهامات الواردة بحق مدير المنظمة.
ما هي مؤسسة بلادي؟
عرف المصريون اسم مؤسسة بلادي مع القبض على آية حجازي وزوجها والعاملين بالمؤسسة في 1 مايو 2014، حينما قامت الشرطة بمداهمة المؤسسة وحكم القضاء بحبس سبعة أعضاء بينهم حجازي وزوجها لما يقارب الثلاث سنوات، بتهم تتضمن الاتجار بالبشر والخطف والاغتصاب، على حسب وصف النيابة العامة.
وقالت النيابة المصرية إنها تحركت ضد الجمعية بعدما تلقت بلاغا من أحد الآباء يتهم فيها الجمعية باحتجاز ابنه وأطفال آخرين عنوة، وباستغلال ابنه في المظاهرات التي كانت تنطلق من قبل أنصار جماعة الإخوان المسلمين ضد الشرطة المصرية في ذلك الحين.
بعد الحبس، طالبت 21 منظمة حقوقية بالإفراج عن آية حجازي ومحمد حسانين وزملائهما الستة، المتهمين على خلفية قضية (مؤسسة بلادي- أطفال شوارعنا)، لتجاوزهم مدة الحبس الاحتياطي. هذه المطالبات تسبب في التعريف بالناشطة في العمل الخيري آية حجازي ويصل صداها إلى البيت الأبيض، ليعلن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدخل بنفسه بشكل مباشر لإطلاق سراح الناشطة المصرية- الأمريكية آية حجازي، بعد 3 سنوات من احتجازها في مصر بتهمة “استغلال أطفال الشوارع في التظاهر غير السلمي”.
كما أثارت قضية آية حجازي توترا في العلاقات بين مصر وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بعدما أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن اعتقالها في عام 2014، لكن الحل كان في يد ترامب الذي أنهى القصة.
وقائع مماثلة وتطهير من الداخل
في أوائل يوليو الماضي، ظهرت إلى السطح في مصر أزمة التحرش جلية. وهي ظاهرة ظلت في حكم المسكوت عنه لسنوات، قبل أن تتفجر عبر صفحات التواصل الاجتماعي بشكاوى عبر الواقع الافتراضي ضد طالب مصري متهم بالتعدي على فتيات وهتك عرض 3 منهن بالقوة والتهديد.
هذه الواقعة جددت النقاش حول الظاهرة، خاصة مع تصاعد أكبر حملة مصرية غير منظمة لمناهضة التحرش والعنف الجنسي، منذ حملةme too) وأنا أيضًا)، العالمية التي أطلقت في 2017 لتشجيع النساء على الحكي عن وقائع العنف الجنسي.
ومع انتشار موجة الإدلاء بشهادات حول التحرش، خرجت ناشطات وعاملات في المجتمع المدني لتكشفن عن تعرضهن لانتهاكات جنسية مارسها عاملين بعدة مؤسسات.
ففي 9 يوليو، أعلنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، فصل مدير وحدة الأبحاث لديها بعد إدانته بوقائع تحرش. واعتذرت المؤسسة بشدة عن “عدم وضع سياسة لمكافحة التحرش الجنسي والتمييز خلال السنوات السابقة”.
وفي 10 يوليو الماضي، أعلن المركز الإقليمي للحقوق والحريات، وقف موظف متهم بالتحرش عن العمل. وذلك للتحقيق في شكوى تقدم بها عدد من الناجيات بارتكابه انتهاكات جنسية معهن. وقد شكل المركز لجنة مستقلة للتحقيق.
أرقام في واقع التحرش بمصر
في 2013، ذكرت دراسة للأمم المتحدة أن 99.3% من النساء المصريات يتعرضن لإحدى صور التحرش المختلفة. وهي تتنوع بين التحرش اللفظي والجسدى والجنسي. ما يضع مصر في صدارة دول العالم في معدل تعرض النساء للتحرش بوجه عام.
ووفقًا لمسح حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر -أجري في العام 2015– تبين أن قرابة 7.8 مليون امرأة تعاني من جميع أشكال العنف سنويًا. سواء ارتكب هذا العنف على يد الزوج أو الخطيب أو أفراد في دائرتها المقربة أو من غرباء في الأماكن العامة. وهو مسح أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهاز المركـزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وفي 2017، نشرت مؤسسة طومسون رويترز “أول استطلاع دولي لآراء خبراء” حول حظوظ النساء في المدن التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة. حيث شمل البحث 19 دولة سُئل خبراء منها عن “مدى حماية النساء من العنف الجنسي، ومن العادات الثقافية المؤذية، ومدى وصولهن إلى مستوى جيد من العناية الصحية والتعليم والدخل”.
وصنف التقرير القاهرة كأخطر مدينة على النساء. وتلتها كراتشي الباكستانية، وكينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ثم العاصمة الهندية نيودلهي. في حين صنفت لندن كأفضل المدن الكبرى بالنسبة للنساء. وهو الاستطلاع الذي رفضه المجلس القومي للمرأة في مصر. وذكر أنه لم يشير إلى جهود الحكومة المصرية في مواجهة هذه الظاهرة.
اقرأ أيضًا.. تقييم عدالة النوع الاجتماعي في مصر (الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان 2018)
التحرش في القانون المصري
أقر التحرش الجنسي في القانون المصري لأول مرة عام 2014. ذلك بعد حادث تحرش جماعي وقع في ميدان التحرير خلال الاحتفالات بفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالانتخابات المصرية. إذ أقرت الحكومة القانون. ونصت على لفظ “التحرش الجنسي” لأول مرة بعد أن كان القانون قاصرا على حوادث “الاغتصاب” و”هتك العرض”، ونص القانون على عقوبات تشمل الحبس الذي قد يصل لثلاث سنوات والغرامة لمن يثبت قيامه بالتحرش بأي وسيلة بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية.
وتنص المادة 306 مكرر/ أ من قانون العقوبات على أنه “يعاقب المتهم بالتحرش بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه، ولا تزيد على 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.
الحبس سنة وغرامة لا تزيد على 10 آلاف جنيه
وتكون العقوبة مدة لا تقل عن الحبس سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيها وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه. وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
كما تنص المادة 306 مكرر (ب) على أنه يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنين والغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه.
في يوليو الماضي، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون لسرية بيانات ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي. ذلك بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بإدخال حزمة جديدة من التعديلات التشريعية التي تم اقتراحها بشأن الضحايا بجرائم التحرش الجنسي. وبما يضمن حفظ كرامتهن وحمايتهن من التنمر والنبذ المجتمعي. على خلفية أنهن مجني عليهن وليسوا جناة.
طبيب الأسنان.. آخر قضايا التحرش
في 27 يناير الماضي، أمرت النيابة العامة، بحبس طبيب أسنان شهير 4 أيام على ذمة التحقيقات في اتهامه بـ”هتك عرض رجال بالقوة”. وذلك بعد أن خرجت مجموعة من ضحاياه عن صمتهم، من بينهم الفنانين تميم يونس وعباس أبو الحسن.
أبو الحسن طلب لاحقًا بمحاسبة المواقع الصحفية والإلكترونية التي تنتك الحفاظ على سرية هوية الشهود والمبلغين في جميع قضايا التحرش والاعتداء الجنسي. وذلك بعدما سُربت مجموعة من فيديوهات الطبيب المتهم.كما طالب أبو الحسن الجهات المعنية بإقرار مشروع قانون حماية سرية أقوال المجني عليهم والمبلغين في مثل هذه القضايا. وهو القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء.
وكانت النيابة العامة أوضحت، في بيان نشرته عبر “فيسبوك”، أنها أمرت “بحبس طبيب المتهم أربعة أيام احتياطيًا على ذمة التحقيقات”. وأضافت أنها تلقت بلاغًا من 5 أشخاص في سبتمبر الماضي. وأنه “بالاطلاع على الأدلة الفنية، تم توقيف الطبيب لتواجهه النيابة بالأدلة التي قدّمها المجني عليهم”. ووفق ذلك أقر المتهم بأنه “يعاني من اضطراب في الميول الجنسية”.