“اترعبت لما شفت اللي بيحصل لبنات خالتي، حاولت أهرب منهم للحمام، لكن خالتي كانت تراقبني. ونجحوا في الكشف عليا قسرًا”. تتذكر “سعاد” التفاصيل بدقة بالغة رغم مرور 12 عامًا على ختانها.

ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لرفض الختان، تمر على “سعاد” أليمة، خاصة أن الذكريات ليس لها قانون أو علاج.

فرحة “سعاد” القصيرة زالت بعد علمها أن والدتها وخالتها لن ينفذا كلام الطبيب الذي أخبرهن أنها صغيرة على الختان، لتسأل عن سبب الكشف عليها. لكنها تلقت صفعة على وجهها “مقدرش أنسى القلم اللي أخدته حتى الآن” تقول سعاد.

اقرأ أيضًا.. في اليوم العالمي لمناهضة الختان.. مشرط “أم سيد” يتجاوز الأوطان

في مكان لا يمكن وصفه بالعيادة، تحضرت “سعاد” للعملية، خالتها وضعت يدها على فمها، ورجلان أمسكا قدميها. “لم يكن طبيبًا لأنه قطع فورًا، بعد البنج الذي آلمني أيضًا وكان بدون مفعول”. تصمت “سعاد” فجأة لانها مازالت تتذكر المأساة.

ذكريات “سعاد” لا تتخطاها ولم تسامح من شارك فيها، مثلها مثل العديد من الفتيات اللاتي يصمتن عن تجوازات كن ضحاياها في الصغر.

قصة “سعاد” وختان الإناث في مصر.. الأرقام لا تكذب

واحدة من كل 4 مصريات خضعن للختان، العدد حول العالم يقدر بـ125مليونًا في 2014، وفق تقرير للأمم المتحدة، لتكون مصر عاصمة الختان بنسبة تفوق أي دولة أخرى.

“سعاد” عادت لتكشف عن مخاوفها مرة أخرى: “الختان أكثر شيئ راعبني من الزواج وطوال الوقت بأحاول أفسخ خطوبتي”.

الختان نسبته في محافظات الصعيد 90% من السيدات، تنخفض في الوجه البحري إلى 15%، وتعتبر القليوبية الأعلى بـ68 %، تصل إلى 35% في القاهرة.

بحسب “اليونيسيف” ينتشر الختان بسبب الموروثات الاجتماعية التي تربط بينه وبين الطهارة والاستعداد للزواج. بينما يرصد التقرير أن نسبة انتشاره في مصر وصلت عام 2000 إلى 97% ثم 92% عام 2015.

اقرأ أيضًا.. سيدات يرفعن رايات العصيان.. لا للختان

ووفق التقرير انخفضت النسبة في مصر إلى 87% عام 2016، قبل أن تصعد مجددًا إلى 91% عام 2017، رغم تبني الحكومة منذ عام 2008 تشريعات عقابية يمكن وصفها بـ”الرادعة”.

وفق المسح السكاني الصحي في مصر لعام 2014، تم ختان 92 % من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج. في الفئة العمرية 15–49. بينما كان أكثر من نصف السيدات اللاتي سبق لهن الزواج تم ختانهن بين العمر 7 و10 سنوات.

الختان

عقوبات صارمة

الحكومة المصرية تكافح الختان منذ التسعينيات، ففي عام 2008 جرَّم القانون هذه العادة، وفي 2016 تم تغليط العقوبة بموجب القانون رقم 78، للسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لمرتكب جراحة الختان. بينما تكون العقوبة بالسجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو إذا أفضى إلى الموت.

في 2021، غلظت الحكومة مجددًا عقوبة الختان، بعد عام على وفاة طفلة جراء عملية ختانها، بعد تعديل أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937. كما كفل التعديل الجديد تقرير عقوبة رادعة حيال جرائم ختان الإناث.

اقرأ أيضًا.. ختان الإناث بمصر.. المشرط الحاد يواصل الفتك و ضحاياه 91 % من النساء

التعديلات حملت عقوبات صارمة: “يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية أو سوّى، أو عدّل، أو شوّه، أو ألحق إصابات بها”.

كما نص التعديل، على أن تكون العقوبة السجن المشدد إذا كان من أجرى الختان طبيبًا أو مُزاولاً لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المُشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات.

عزل وإغلاق وسجن وغرامة

المحكمة ووفق التعديل، من حفها عزل الجاني من وظيفته الأميرية، مدة لا تزيد على 5 سنوات إذا ارتكب الجريمة بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته، وحرمان مرتكبها من ممارسة المهنة لمدة مماثلة.

كما نصت العقوبة على إغلاق المنشأة الخاصة التي أُجرى فيها الختان، وإذا كانت مُرخصة تكون مدة الإغلاق مُساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة، مع نزع لوحاتها ولافتاتها. بينما لم يفرق القانون بين إن كانت مملوكة للطبيب مُرتكب الجريمة، أو كان مديرها الفعليّ عالمًا بارتكابها.

اقرأ أيضًا.. الذكرى الأليمة.. مشرط الختان يطارد ضحاياه على فراش الزوجية

“سعاد” قرأت القانون، وعادت للماضي الذي لطالما كان موجودا في مخيلتها. التعديلات تنصت في المادة (242 مكررًا أ) على أن “يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه”.

ويعاقب بالحبس كل من روّج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر.

كفى.. رسالة الأمين العام للأمم المتحدة

وفي رسالته السنوية، لليوم العالمي لعدم التسامح بشأن ختان الإناث، يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش “كفى”. كما أضاف أنه لم يعد بوسعنا أن نضيّع الوقت. علينا أن نتحد من أجل القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بحلول عام 2030. وأن نوفِّر له ما يلزم من تمويل ونتخذ ما يتعين من إجراءات”.

جوتيريش يؤكد على الحكومات ومقرري السياسات ومنظمات المجتمع المدني إعطاء الأولوية للتصدي لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث في سياق تدابيرها الوطنية لمواجهة فيروس كورونا.

الأمين العام، قال إن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث هو في آنٍ شكلٌ من أشكال العنف الجنساني ومسألة من مسائل حماية الطفل.

محاولات مجتمعية

أحمد إسماعيل، شقيق إحدى ضحايا الختان، قال إنه قرر التصدي للطبيبة التي ختنت شقيقته الصغرى منذ 3 سنوات، من خلال التدوين على “فيسبوك” حتى تكف تلك الطبيبة عن “ذبح الفتيات”.

إسماعيل أضاف أن ما كتبه وصل إلى الطبيبة وتواصلت معه بطريق غير مباشر، وتعهدت له بعدم القيام بتلك العمليات مرة أخرى، شريطة حذف ما كتبه.

“لم نكن نريد أكثر من ذلك من الطبيبة وبالفعل توقفت عن التدوين وتم متابعة الطبيبة فيما بعد للتأكد من التزامها بعهدها، وهو انتصار تم تحقيقه للتصدي للختان” بحسب إسماعيل.

اقرأ أيضًا.. مصر تغلظ عقوبة جرائم ختان الإناث.. وضحاياه: المشرط عالق في الأذهان

جريمة ضد الإنسانية

“الختان” يجري دون إرادة الفتاة في أغلب الأحوال، ويعتقد خبراء في قطاع الصحة في شتى أرجاء العالم أن الختان أحد أشكال العنف ضد المرأة وانتهاك لحقوقها الإنسانية. بينما في حالة الأطفال يعتبر الختان انتهاكًا لحقوق الطفل المعروفة دوليًا.

أستاذة النساء والتوليد بقصر العيني، أميمة أدريس، اعتبرت أن الختان هو “جريمة ضد الإنسانية وليست المرأة فقط”، مشيرة إلى أنه لمن يدعي بأن الختان هو حل للسيطرة على الشهوة مخطئ. “الشهوة تبدأ بالعقل والنظر” تضيف الطبيبة.

ختان الإناث

وعن تأثير الختان أشارت أدريس إلى أن حالات التشنج المهبلي يرتبط بالعنف الذي عاشته الضحية وقت الختان. كما أضافت: “لدي فتيات كثيرات يرفضن الزواج لأن لديهن عقدة حقيقة بسبب الختان”.

وعن قانون تغليظ عقوبة الختان، تقول أستاذة النساء والتوليد، إن الجريمة لن تنتهي باعتبارها جناية: “لابد من تعاون المجتمع بأكمله، للتخلص من تلك العادة التي ليس لها علاقة بالدين”.