تأتي زيارة أمين مجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف الأخيرة للعراق، في ظل توتر كبير تشهده البلاد مؤخرًا عقب التصعيد الميداني من الميليشيات وتجدد ظهور عناصر “داعش”. والزيارة محاولة لاستئناف العلاقات التي حاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي استعادتها، لتنويع مصادر علاقاته السياسية والإقليمية. كما أنه يريد البحث عن شراكات خارجية في محيطه الحيوي العربي والخليجي.
اقرأ أيضًا.. “أأبقى هنا لأموت غريبًا؟”.. لاجئو العراق فروا من الحرب إلى الاضطهاد والطرد
العراق كساحة للتنافس الإقليمي
الحجرف وبالتزامن مع عملية “أسود الجزيرة” لملاحقة فلول داعش بعد تفجيرين انتحاريين دمويين، التقى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الحكومة.
وفي لقاء صحفي مقتضب أكد الحجرف على “الوقوف إلى جانب العراق في محاربة الإرهاب، وبسط الأمن الاستقرار في البلاد”. ووصف أمين عام مجلس التعاون الخليجي العلاقات الخليجية العراقية بأنها “علاقة استراتيجية”. وأضاف: “ندعم جهود العراق في مكافحة الإرهاب لما لها من انعكاسات إيجابية على المنطقة”. كما قال إنه تمت مناقشة ملف التعاون الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق. ومناقشة عقد مؤتمر لرجال الأعمال بين الجانبين.
لا تعدو الزيارة التي قام بها أمين عام مجلس التعاون الخليجي للعراق، كونها حدثاً عرضياً، فثمة سوابق عديدة للقاءات مماثلة من أطراف خليجية وعربية، تحمل دلالات وسياقات متفاوتة. بيد أن الثابت في تلك الحالات المختلفة هو محاولة بعث معادلة إقليمية مغايرة بخصوص الوضع السياسي التقليدي الذي ظل مرتهناً لصالح إيران، منذ عقود، ويشير إلى الانفتاح نحو الخليج، ومن بينها السعودية، بعد سنوات من القطيعة والانحسار.
اقرأ أيضًا.. حلم العودة يتجدد.. العمالة المصرية في انتظار “كعكة” عقود إعمار العراق
بصدد أجندة إقليمية جديدة
رئيس الوزراء العراقي الذي انتقل من منصبه الأمني باعتباره مديراً لجهاز المخابرات إلى رئاسة الحكومة، في ذروة التصعيد الخشن ضد طهران من جانب إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إثر مقتل القياديين بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني وأبي مهندس المهندس، يتحرى خصم نفوذ طهران في بغداد، وتصفية الدور المؤثر والسلبي الذي تؤديه الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري.
ومن خلال بناء جملة من السياسات المختلفة، والإجراءات النوعية، يهدف الكاظمي إلى التخلص من أعباء العقود الماضية التي ظلت فيها بغداد مرتهنة لصالح قوى خارجية. وهو الأمر الذي نجم عنه استنزاف مواردها، من جهة، وتنامي حالة السيولة الأمنية، من جهة أخرى، إضافة إلى الاضطراب السياسي والمجتمعي المستمرين.
وإثر التبعية التي وقعت تحت وطأتها بغداد، وتضخم أدوار وكلاء إيران السياسيين في أجهزة ومؤسسات الدولة، تعد تحركات رئيس الوزراء العراقي الخارجية، ضرورية وغير تقليدية. غير أنها محفوفة بتعقيدات سياسية وأمنية محلية عديدة، في ظل القبضة الثقيلة للأطراف الأخرى.
فقد عانت التجربة السياسية العراقية، بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، في العام ٢٠٠٣، من قطيعة مع غالبية دول المنطقة العربية، وفي مقدمتها السعودية، بحسب الباحث العراقي، الدكتور عبد القادر الجنابي.
اقرأ أيضًا.. كتائب «حزب الله العراق».. هل تشعل فتيل الحرب بين إيران وأمريكا؟
الخلافات بين بغداد والرياض
الجنابي يضيف لـ”مصر 360: “هذه القطيعة حدثت بسبب أن النظام الجديد في العراق، أخذ صبغة طائفية وقومية، من خلال مرتكزات الشيعة والسنة والأكراد.
دول الخليج تعتقد بمظلومية التمثيل السياسي السني في النظام الجديد. في حين يرى شيعة السلطة أن السنة ممثلون بحسب استحقاقهم الانتخابي.
بينما تتهم الأحزاب الشيعية الحاكمة السعودية ودول الخليج وسوريا بتمويل الإرهاب، والتسبب في ديمومة الفشل الأمني، ما فاقم حدة الخلاف. يقول الجنابي.
وبمجيء حكومة حيدر العبادي، في الفترة بين عامي 2014 و 2018، سعت نحو معالجة الخلافات وتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، كما يوضح الباحث العراقي، وقد “نجح العبادي بنسبة معينة في ذلك، خصوصاً بعد تعيين الرياض سفيراً لها في بغداد. علماً أن السفير ثامر السبهان لم يكن دبلوماسياً سعودياً، بل كان ضابطاً في الديوان الملكي السعودي، مما ولد نوعاً من الانزعاج العراقي على الرغم من القبول به لاحقاً”.
في النصف الثاني من العام الماضي، حدث اجتماع لوزراء خارجية مصر والعراق والأردن، في القاهرة. وكان الاحتماع استئنافاً للقاءات مماثلة، جرت بين قادة الدول ذاتها، لجهة بحث مجموعة ملفات استراتيجية، سياسية واقتصادية وأمنية، تحتاج إلى الاصطفاف السياسي والإقليمي.
العراق بين الاصطفاف العربي والبحث عن بدائل
سبق وانعقدت في العاصمة الأردنية عمّان أغسطس الماضي، قمة ثلاثية بين رؤساء الدول الثلاث، لتعزيز التعاون المشترك في مجالات الطاقة. وإيجاد مسار سياسي لحل وتصفية الصراعات الموجودة في عدد من دول المنطقة، خاصة في ليبيا وسوريا واليمن. ومن ثم إنهاء التدخلات الخارجية التي تشكل تهديدات جمة على الأمن القومي العربي والخليجي.
وبحسب الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية، بسام راضي، فإن “القمة تناولت سبل تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات بين الدول الثلاث، خاصة تلك التي تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلًا عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب”.
مصر والعراق والأردن تعاون ثلاثي
رئيس الوزراء العراقي أكد ثوابت السياسة المصرية تجاه العراق، والتي ترتكز على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها، ورفض جميع أشكال التدخلات الخارجية في شؤونه، أو الاعتداءات غير الشرعية داخل حدوده”. مشددًا على تفهم مصر الكامل للخصوصيات السياسية والتاريخية والجغرافية للعراق. والتي تؤهله لأن يكون ساحة لتلاقي المصالح وليس لتعارضها، أو للتنافس الإقليمي والدولي”.
وبالعودة إلى العلاقات العراقية مع دول الخليج، ومن بينها السعودية، فإن المقاربة السعودية الجديدة في العلاقة مع بغداد بدأت في التحسن المضطرد مع حكومة حيدر العبادي في 2017. فعادت الرحلات الجوية بين البلدين، وفتح معبر عرعر البري بينهما. كما زار وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير، العراق.
وعلى هامش القمة العربية التي عقدت في عمّان مارس عام 2017، التقى الملك سلمان بن عبدالعزيز، برئيس الوزراء العراقي. كما جرى الاتفاق على تأسيس مجلس تنسيقي بينهما لتطوير علاقات البلدين، لاحقًا.
عاصفة الصحراء.. كم عمر الغضب!
وبينما عينت الرياض السبهان سفيرًا لها في بغداد عام 2015، واستأنفت العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع منذ حرب الخليج الثانية، عام 1990، فإن ثمة تعقيدات عديدة رافقت هذه العودة. إذ اجتاحت مجموعة من المحتجين السفارة السعودية ببغداد، على خلفية تصريحات للسفير السعودي اتهم فيها الدولة بـ”الاستعانة بشخصيات إيرانية” أثناء تحرير الفلوجة من عناصر داعش. ثم تفاقمت الأمور بينهما، مطلع عام 2016، بعد تنفيذ السعودية الإعدام بحق رجل الدين السعودي الشيعي المعارض، نمر النمر.
ولذلك، يرى الجنابي، أن الخلافات العراقية السعودية تصاعدت أكثر في عهد رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، في الفترة بين عامي 2008 و2014. وبلغت الأمور ذروتها إثر إعدام الداعية الشيعي السعودي المعارض.
كما أن “تصريحات السبهان المثيرة في الشأن العراقي، وصدامه مع شخصيات طائفية عراقية، دفع الخارجية العراقية لتقديم مذكرة إلى الرياض تشكو سلوكيات سفير غير الدبلوماسية”. يقول الجنابي.
إغلاق ملف الماضي
ومع بداية حكومة عادل عبدالمهدي، في الفترة بين 2018/2019، سحبت السعودية سفيرها من بغداد، بعدما رأت عودة السياسة العراقية إلى أيام سلطة المالكي. لكن مع مجيء حكومة الكاظمي الحالية، تغيرت العلاقات السعودية العراقية نحو “الأحسن بل ذهبت باتجاه التعامل المباشر والتعاون المشترك” كما يصفها الباحث العراقي، وذلك حدث “بعد مصارحة الكاظمي للنظام السعودي بضرورة إغلاق ملف الماضي. وتوطيد العلاقات بين البلدين في الحاضر والمستقبل. وتم تشكيل مجلس تعاون وتنسيق عراقي سعودي يعنى بملفي الاقتصاد والأمن المشترك”.
وفي مقال منشور بصحيفة المونيتور الأمريكية، كتب الكاظمي: “يتشارك العراق والسعودية في العديد من المصالح المشتركة، حيث يشتركان في حدود 1000 كيلومتر ويواجهان تهديداً مشتركاً يمثله تنظيم داعش. كما أنهما يشتركان في المصالح الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى التاريخ المشترك. وعلى الرغم من هذه المصالح المشتركة، لم ينجح الجانبان في إقامة علاقات جيدة بعد أحداث 2003”.
“لقد أضاع البلدان الفرصة لبناء تعاون إقليمي في الحرب ضد الجماعات المتطرفة، التي لا ترى أنشطتها المدمرة أي فرق بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة” يضيف الكاظمي.
كما خلص في مقاله إلى: “مثلما يحافظ العراق على اتفاقيات تعاون أمني مع إيران والولايات المتحدة، رغم خلافاتهما. يمكنه إقامة علاقات إيجابية وتعاون مع السعودية”.