يعكس التوافق العربي والأممي بخصوص الانتهاء من تشكيل سلطة تنفيذية في ليبيا، مساحات من التأويل السياسي رغم مشهد الاصطفاف، وذلك لتباين الأهداف والمصالح الإقليمية. غير أن الموقف المصري اللافت، خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن سرت والجفرة “خط أحمر”، يحمل خصوصية لاعتبارات جمة، تتمثل في الأهمية الجيوسياسية للمنطقة المتاخمة لحدود مصر الغربية. ولذلك انخرطت القاهرة سياسياً مع الفرقاء الليبيين، خلال مراحل النزاع المختلفة.
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الجمعة، فوز محمد يونس المنفي بمنصب رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة بمنصب رئيس الحكومة المقبلة، وذلك خلال التصويت على الانتخابات المنعقدة لاختيار السلطة التنفيذية الموحدة في ليبيا، وحتى الانتخابات الوطنية المزمع عقدها في نهاية العام الجاري.
وقد شهدت مدينة الغردقة اجتماعات مكثفة، برعاية الأمم المتحدة، للوصول إلى أفق سياسي للحل، بدأت الجولة الأولى منها، في النصف الثاني من العام الماضي، بينما الثانية، مطلع العام الحالي. وفي الاجتماعات الأخيرة، تم تحديد مسار دستوري، يقوم بناء على اتفاق الصخيرات، وكذا مخرجات برلين. كما جرى التشديد على ضرورة نبذ التدخل الخارجي، ورفض الميلشيات المسلحة، كحالة أمنية وسياسية.
وخلال الجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي بدأ الفصل الأول منه، نهاية سبتمبر العام الماضي، في مدينة الغردقة، جرى الاتفاق على إيجاد آلية لاختيار سلطة تنفيذية انتقالية. ومن ثم، تحديد انتخابات وطنية، يتقرر إجراؤها، في 24 ديسمبر العام الحالي. وتم التوصل إلى ضرورة إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المعد من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وتحصين المراكز القانونية الجديدة التي ستنتج عن الاستفتاء.
إذاً، تكاد لا تختلف النتائج التي تمخضت عنها المحادثات التي أجريت في ليبيا، الجمعة الماضية، برعاية الأمم المتحدة، عن الرؤية السياسية الشمولية التي تتبنى القاهرة أجندتها. وقد خلصت الأخيرة إلى تشكيل حكومة مؤقتة جديدة للبلاد، لجهة التوصل إلى مشهد تتلاشى فيه حالة الفوضى والعنف والانقسام.
بيد أن المسار السياسي الليبي الذي، على ما يبدو، يشهد انفراجة، تبعاً لهذا المآل، يقع أمام تعقيدات عديدة، ويخضع لرهانات كثيرة. ومن ثم، يحتاج إلى تقديم المصالح الوطنية، ونبذ الاعتبارات الجهوية، وكذا الارتباطات الخارجية، حتى الوصول للانتخابات الرئاسية، نهاية العام الحالي. إذ إن ثمة مخاوف وشكوك من انحراف الأوضاع على خلفية صلات رجل الأعمال الليبي، عبد الحميد دبيبة، بالحكومة التركية، وقد انتخب رئيسا للحكومة الليبية المؤقتة. كما أن “تيار ليبيا المستقبل” الذي دشنه دبيبة، أدرجه مجلس النواب الليبي على قوائم العناصر والكيانات الإرهابية.
اقرأ أيضا:
ملامح المستقبل الليبي بعد انتخاب المنفي والدبيبة
وبحسب الدكتور هاني سليمان، الباحث المصري في العلوم السياسية، فإنه “رغم وجود تحفظات مصرية على بعض الأسماء الموجودة، لكن هناك ترحيب مصري بانتخاب حكومة ليبية جديدة، وبدء مرحلة انتقالية. ويأتي هذا الترحيب من منطلق أن توصل منتدي الحوار الليبي لتشكيل حكومة ليبية جديدة، يعد بمثابة خطوة مهمة ونجاح بغض النظر عن التفاصيل وأوجه الاختلاف. كما أن رعاية الأمم المتحدة للعملية، توحي بقدر من الأمل لتجاوز المرحلة الصعبة حتى تسليم السلطة إلى الحكومة المنتخبة بعد الانتخابات، المقررة في ٢٤ ديسمبر العام الحالي”.
“الرؤية المصرية ترى أنه ورغم وجود بعض التحفظات والسلبيات، لكن وجود إطار للحل السياسي هو الأساس الضامن الذي يفضي إلى وقف التدخلات الخارجية، في شؤون ليبيا، ومن ثم، خروج كافة المقاتلين الأجانب وفرض سيادة ليبيا على أراضيها”. يقول سليمان.
أسفر التصويت في ملتقى الحوار، في جنيف، عن فوز محمد المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، وفوز عبد الحميد دبييه برئاسة الحكومة، حسبما أعلنت البعثة الأممية إلى ليبيا. كما سيضم المجلس الرئاسي “موسى الكوني وعبدالله اللافي كنائبين للمنفي، بعد جولتين من التصويت.
وشغل المنفي منصب سفير حكومة الوفاق لدى اليونان. لكن الحكومة اليونانية طالبته بالمغادرة، نهاية العام 2019، إثر الخلاف المحتدم بسبب ترسيم الحدود البحرية بين حكومة الوفاق وأنقرة، والذي اعتبرته قبرص اتفاقاً “غير شرعي”.
كما أشارت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، إلى أن “على اللجنة التنفيذية الموحدة أن تطبق وتدعم بشكل كامل اتفاق وقف إطلاق النار”. وأوضحت وليامز أن هذا “سيتطلب تحركا واضحا وصريحا من الحكومة الجديدة، ودعم اللجنة العسكرية خمسة زائد خمسة، خاصة فيما يتعلق بإعادة فتح الطريق الساحلي وسحب كافة القوات الأجنبية والمرتزقة”.
ومن بين المهام التي سوف تتولى السلطة الجديدة تنفيذها “تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بكافة بنوده”، والذي جرى توقيعه، في أكتوبر العام الماضي. ويتضمن الاتفاق عدة بنود مهمة، من بينها “توحيد الفصائل العسكرية، وحل الميلشيات والمرتزقة الأجانب. ويضاف إلى ذلك “إطلاق مسار المصالحة الوطنية، وتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة، لتنفيذ المهام الواردة بالمادتين 2 و6 من خارطة الطريق، وتوحيد مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المصرف المركزي والمؤسسات المالية “.
ومن جانبها، دعمت حكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا، في بيان مشترك، الخطوة التي نجم عنها حكومة انتقالية جديدة في ليبيا، غير أنها لفتت إلى أن الطريق “لا يزال طويلا”.
وبحسب بيان الخارجية الألمانية فإنه “سيتعين على السلطة التنفيذية الموحدة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وتوفير خدمات عامة أساسية للشعب الليبي، وإطلاق برنامج مصالحة هادف والتعامل مع احتياجات الميزانية العامة وتنظيم انتخابات عامة”.
ترحيب مصر بالتوافق في ليبيا
وثمنت وزارة الخارجية المصرية، الخطوة ذاتها، وأكدت دعمها اختيار السلطة التنفيذية الليبية. وقالت الوزارة في بيان عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن: “مصر ترحب بنتائج التصويت على اختيار السلطة التنفيذية من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي، المنعقد اليوم في جنيف، برعاية الأمم المتحدة”.
وتابع بيان الخارجية المصرية: “نتطلع للعمل مع السلطة الليبية المؤقتة، خلال الفترة القادمة وحتى تسليم السلطة إلى الحكومة المنتخبة، بعد الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر2021”.
كما أشادت الخارجية المصرية بجهود الأمم المتحدة في رعاية العملية السياسية في ليبيا. ودعت الوزارة كافة الأطراف الدولية والإقليمية إلى “دعم هذا المسار السلمي لتسوية الأزمة بما يسهم في استعادة الاستقرار في ليبيا ويفضي إلى وقف التدخلات الخارجية في شئونها وخروج كافة المقاتلين الأجانب وفرض سيادة ليبيا على أراضيها”.
وإلى ذلك، يؤكد الدكتور هاني سليمان، أن “مصر تدرك جيداً أن وجود عملية سياسية تتخللها بعض المشكلات أو التعقيدات أفضل من مسار عسكري متعثر، وخاصة، في ظل حالة التبعية لقوى خارجية، تستثمر في الحرب، وتواصل تعبئة المرتزقة، بغية صنع أوراق ضغط عديدة في ظل بؤر الصراع المفتوحة لحساب النفوذ السياسي، والبحث عن الثروات في شرق المتوسط. وبالتالي، تدعم القاهرة الخطوة الأخيرة باعتبارها تبعث الأمل نحو تحقيق الاستقرار وإنهاء الانقسام والعنف والسيولة الأمنية “.
ومن الواضح أن مصر تقرأ المشهد جيداً خاصة في ظل البوادر الإيجابية نوعاً ما في ما يتعلق بالتهدئة الخليجية، وربما تكون تلك المساحة هي أرضية مشتركة لحل الوضع في ليبيا بعيداً عن التجاذبات، وبتقديم تفاهمات من الجميع وبخاصة، من الجانب التركي والقطري المعروف بتدخله في ليبيا، وفقل لسليمان.