بمقطع فيديو قيل إنه التقط قرب صوامع الغلال في مدينة القضارف السودانية، أعلنت جماعة جديدة عن نشاط غير معروف الأثر على الأرض بعد. وإن كانت الدعوة إليه تشير لانتماءات ليست ببعيدة عن تنظيم “داعش” الإرهابي. ذلك بما حملته الجماعة الجديدة من شعار اتخذه داعش سابقًا لرايته، وفكر قائم على الدعوة لفرض “أمير” واحد على الدول الإسلامية.
“حركة تحرير الأمة الإسلامية من الحكام”؛ هكذا أعلن 5 رجال يتردون الجلابيب البيضاء عن نشاط جماعتهم الجديدة، في مقطع متداول ووحيد لم يتجاوز 33 ثانية. لكنه فتح بابًا كبيرًا للتكهنات حول عدد المنتمين لهذه الجماعة وخلفياتهم وأسباب ظهورهم في هذا التوقيت بالتحديد.
الجماعة الجديدة.. لماذا القضارف؟
تقع مدينة القضارِف شرق السودان، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 410 كيلومتر. وهي واحدة من أهم المدن السودانية اقتصاديًا بتوسطها أغنى المناطق الزراعية والرعوية. فضلاً عن موقعها الاستراتيجي قرب الحدود الإثيوبية، وما يعنيه ذلك من نزاع بين البلدين على أكثر الأراضي السودانية خصوبة؛ إقليم “الفشقة”.
من هذه الجهة، فإن القضارف منطقة توتر حدودي وقلق مستمر، خاصة بالنظر إلى حركة النزوح الكبير الذي شهدته خلال الأشهر القليلة الماضية تزامنًا مع الحرب بإقليم تيجراي الإثيوبي. حيث بلغ عدد النازحين من إثيوبيا إلى القضارف نحو 11 ألف إثيوبي. وفق ما ذكرته وكالة السودان للأنباء “سونا” نوفمبر الماضي.
من جهة أخرى، فإن القضارف والشرق السوداني ككل يعاني أزمات كبرى تجعله “منطقة تراكم نزاعات” بامتياز. وهو ما تشير إليه بوضوح ورقة بحثية أعدها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات العام الماضي.
تلفت هذه الدراسة إلى تاريخ طويل دام للشرق السوداني. بينما تصفه بالمنطقة “صعبة الاحتواء”، ذلك لأسباب انعدام الأمن المتصاعد، الذي يُغذّيه تنامي التطرف القبلي العنيف والتعصب الهوياتي المتأصل منذ سنوات عدة.
ويبرز ذلك التعصب -وفق ما تشير الدراسة- في ما شهدته هذه المنطقة من صدام ملحوظ على الهوية بين البجا أقدم وأكثر قبائل الشرق عددًا والمكونات الأخرى خلال الالونة الأخيرة. ذلك في ظل ارتفاع نسب الأمية في الشرق السوداني مقارنة بدرجة كثافة سكانه. فضلاً عن قلة الخدمات الأساسية، وأيضًا الاعتبارات القبلية وتاريخ الصراعات القديم بين الإثنيات المكونة لهذه المنطقة.
من هنا، فإن القضارف والشرق السوداني بشكل عام منطقة خصبة لظهور وتنامي الجماعات الإرهابية، خاصة إذا ما نظرنا إلى الخلفيات السابقة لاستعمال الدين في السياسة خلال فترة حكم البشير.
الإخوان والبشير وجماعة الإرهاب
اعتمد النظام السابق بالسودان في الترويج لحكمه على الشعارات الدينية من أجل حصد مكاسب سياسية. إلا أنه في الوقت ذاته خلق توجه جديد في الداخل السوداني، فكان البشير ومن خلفه جماعة الإخوان ضمن أبرز أسباب دعم المجموعات الناشئة على خلفية دينية، تنظر إلى قادة الإرهاب باعتبارهم أيقونات عالمية يجب الاهتداء بمسيرتهم. وفي الوقت ذاته كان يستغل البشير تلك المجموعات من أجل خوض حروب أهلية في جبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب ذي الغالبية المسيحية.
هذا الغطاء الإسلامي الذي استخدمه نظام البشير المخلوع سمح بتواجد واحد من أهم قادة الفكر المتشدد في العالم؛ أسامة بن لادن، الذي كان ينظم معسكرات تدريبية لمعاونيه في الداخل السوداني. وهو ما حوله في نظر البعض إلى بطل مغوار جاوروه عن قرب وزاد ذلك من أسطورته في عقول الشباب السوداني.
وكان لموقف البشير هذا المتقبل للجماعات الدينية المتشددة فاتورة دفع السودان ثمنها حينما تم تصنيفه بالقائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب في العام 1993. ذلك على خلفية تقديمه دعمًا بأشكال مختلفة لعدد من الجماعات، سواء التي تعمل في الداخل الفلسطيني أو غيره من الدول العربية أو الإسلامية.
ما بعد البشير
مع سقوط نظام البشير بدأت نظرة العالم إلى السودان تأخذ منحى مختلف. ووفق تفاهمات لاحقة اتخذت الولايات المتحدة قرارًا برفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب في مقابل معاهدة تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، نُظر إليه حينها بأنه تغير شامل في السياستين الأمريكية تجاه السودان، والسودانية تجاه معالجة القضايا الخارجية. لكن ومع تفاقم أزمات الداخل وتوترات فترة الحكم بالمناصفة بين العسكريين والمدنيين الحالية، لا يزال السودان متوترًا يسمح مناخه بظهور دواعش جدد بصور مختلفة، وفق ما يرى كثير من المراقبين.
انتهاء داعش والتمدد نحو أفريقيا
في هذا الصدد، يرى سامح عيد الإخواني المنشق والخبير في الحركات الإسلامية، أن ظهور جماعات متشددة في السودان حاليًا يمثل إنذارًا باقتراب الخطر. خاصة في ظل حالة الفوضى والمخاطر التي تواجه البلاد حاليًا في أكثر من اتجاه.
ويوضح عيد، في تصريح لـ”مصر 360″، أن ما حدث لتنظيم داعش خلال السنوات الماضية وتشتت عناصره وبحثهم عن مناطق أكثر أمانًا بعيدًا عن سوريا والعراق يجعل من أفريقيا ملاذًا رائعًا لهؤلاء الإرهابيين وأفكارهم. وذلك أمر يساعد في ظهور جماعات ومجموعات أخرى تحمل نفس الفكر المتشدد.
ويضيف الإخواني المنشق، أن الجماعات الإرهابية ليست حديثة العهد بالتواجد في الداخل السوداني. إذ عرفت طريقها إليه منذ عهد البشير، الذي لجأ للدين من أجل تثبيت أقدامه في الحكم. ويؤكد أن سقوط البشير بالثورة السودانية لا يعني بالضرورة خروج هذه الجماعات الإرهابية من الداخل السوداني. وهي فيما يبدو تستعد لأن تجد لنفسها مساحة لإطلاق مجموعات إرهابية جديدة، مستغلةً المساحات الشاسعة وحالة الفوضى التي تضرب السودان حاليًا، على حد قوله.
الجنوب المصري لا يحتمل فوضى السودان
يحذر عيد من التهاون في التعامل مع هذه المجموعات؛ لأن الوضع السوداني الحالي يسمح لمثل هذه الحركات بالتضخم والانتشار، حسب قوله.
كما يلفت إلى خطورة ما يحدث في الداخل السوداني وانعكاسات الكبيرة على الداخل المصري.
وهنا يشير إلى السودان باعتباره ممرًا إلى الجنوب المصري، ويذكر بالمساحة الجنوبية المصرية الشاسعة، والتي يصعب تأمينها بشكل كامل إذا ما انتقلت الفوضى السودانية إليها. فضلاً عن تواجد جماعة الإخوان في الداخل السوداني بشكل كبير، وما لذلك من تأثير في أهداف تلك المجموعات التكفيرية الناشئة وخططها للتوسع والتواجد في الساحة الدولية، على حد قوله.