بعد 40 عامًا من الإنتاج ينتظر قرابة 2500 عامل قرارًا قد يطيح أغلبهم خارج شركتهم الدلتا للأسمدة. ذلك بعد أن وافقت الجمعية العمومية للشركة على نقل وحدات مصانع الدلتا للأسمدة من مقر طلخا إلى موقع آخر بالسويس. ذلك وسط غياب لآلية واضحة تتعلق بقرار التسوية ووجود تطمينات حقيقية للعمالة، سوى ما أعلنته وزارة قطاع الأعمال عن التزامها الكامل بمراعاة حقوق العاملين، وعرض بدائل التعويض أو نقل بعضهم إلى المصنع المطور في شركة النصر للأسمدة الشقيقة. لكن حسب احتياج الإدارة.
الدلتا للأسمدة.. كيف بدأت الأزمة؟
في أوائل ديسمبر الماضي، أعلن نحو 2500 عامل بشركة الدلتا للأسمدة اعتصامهم احتجاجًا على ما وصفوه بـ”الخطوات التنفيذية من أجل تصفية الشركة”. وهو الأمر الذي أرجعوه إلى نية استغلال الأرض المقام عليها مصنع الشركة في نشاط آخر. ذلك بعد توجهات بنقلها إلى محافظة السويس.
هذا الأمر، علقت عليه النقابة العامة للكيماويات. وأصدرت بيانًا في الشهر نفسه، طالبت فيه رئاسة مجلس الوزراء، بالتدخل لوقف محاولات تصفية أو نقل الشركة بدعوى أنها ملوثة للبيئة. وكان رئيس النقابة عماد حمدي أكد -في تصريحات سابقة للصحافة المحلية- أن الشركة حاصلة على توافق بيئي حتى عام 2022. وهو ما يتنافى مع ما أعلنته محافظة الدقهلية بشأن رد قرار نقل الشركة إلى خارج المحافظة لدعوى التلوث البيئي.
قال بيان النقابة آنذاك إن نقل هذه الشركة الاستراتيجية من محافظة إلى أخرى “لا يقل خطورة عن تصفيتها. بل هو بمثابة خطوة نحو ذلك”. ما يهدد مصير العمال ومستقبل أولادهم. بينما تساءلت النقابة: “كيف يتم نقل الدلتا للأسمدة، إلى محافظة السويس بينما لم يتم حتى الآن تطوير شركة النصر للأسمدة بالسويس؟”.
ودعت النقابة العامة إلى تنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بتطوير شركات قطاع الأعمال العام ودعم الصناعة الوطنية والاكتفاء الذاتي، والتصدير للخارج، خاصة وأن هذه الشركة العملاقة تمتلك من المقومات ما يؤهلها لذلك بشرط تطوير الماكينات والمعدات.
عمال الدلتا للأسمدة.. الاعتصام الذي استمر شهرًا
أحد عمال الشركة قال: “صحيح أن المعلن هو قرار نقل بعض أجزاء من أصول المصنع الصالحة للعمل لشركة النصر للأسمدة. لكنه قرار يحمل في طياته التخلص من الشركة التي تغطي أكثر من 50% من احتياجات الدولة من إنتاج اليوريا والأمونيا (النشادر) والنترات، والحامض”. وأضاف العامل أنهم فوجئوا بوجود رتبة من الجيش يبلغهم أنه مرسل من قبل مستشار برئاسة الجمهورية، لاستلام المصنع. وذلك يوم 3 ديسمبر 2020، الأمر الذي اضطرهم لإعلان الاعتصام داخل أسوار الشركة.
استمر الاعتصام أكثر من شهر، بينما صدر خلال هذه الفترة قرار الجمعية العمومية غير العادية للشركة ليقضي بنقل الشركة من مقرها إلى شركة النصر للأسمدة بالسويس.
وقد اضطر العمال لفض اعتصامهم بعد أن ألقي القبض على 15 من زملائهم. وكان التفاوض على فض الاعتصام مقابل خروج المقبوض عليهم، وبالفعل انتهى الاعتصام في 5 يناير الماضي.
قرارات متضاربة بين التطوير والنقل
على مدار الشهور الماضية أصدرت الجمعية العمومية لشركة الدلتا للأسمدة والشركة القابضة للصناعات الكيماوية عددًا من القرارات التي تؤكد على استمرار عمل الشركة، بينما أوضت هذه القرارات بتطوير الشركة.
ففي الجمعية العمومية قبل الأخيرة التي انعقدت في 17 نوفمبر 2020، تمت التوصية باستمرار نشاط الشركة وتطويرها وتحديثها على أرض الشركة بطلخا. وقد سبق ذلك قرار آخر صدر في 17 أغسطس 2020 بتطوير الشركة على أرضها في طلخا وفقًا لقرار مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية التابعة لها شركة الدلتا للأسمدة.
هذه القرارات المتلاحقة والسابقة على قرار النقل تمسك العمال بها دليلاً على إمكانية التطوير والتحديث دون الحاجة للنقل. إلا أن هذه الآمال اصطدمت مؤخرًا بمقترح محافظ الدقهلية الذي تقدم به لرئاسة مجلس الوزراء يطلب نقل مصنع السماد من موقعه من أجل استغلال مساحة المصنع ومساحات مجاورة لإنشاء منطقة سكنية عليها.
عقب ذلك، ظهرت إلى العلن بنود قرارات الجمعية العمومية غير العادية في 31 ديسمبر 2020، ليعلن بها أن قرار النقل أصبح نهائيًا.
وقد تضمنت تلك البنود:
1ـ نقل جميع وحدات مصانع الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية الصالحة للتشغيل إلى موقع شركة النصر للأسمدة والصناعات الكيماوية بالسويس.
2ـ تفويض رئيس الجمعية العامة بتشكيل لجنة فنية لدراسة وتحديد ما يمكن نقله من وحدات صالحة للتشغيل تابعة لشركة الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية بطلخا إلى السويس. وكذا دراسة ما تحتاجه الشركة من إنشاءات ووحدات جديدة بموقعها بالسويس. على أن تنتهي اللجنة من أعمالها وعرض تقريرها على مجلس إدارة الشركة القابضة لاتخاذ القرار.
3ـ تفويض الشركة القابضة بتكليف أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة أو أحد بنوك الاستثمار لإعداد دراسة جدوى بنكية للمشروع ككل، موضحةً بها مصادر التمويل.
4ـ عمل دراسة بأعداد العمالة المطلوب نقلها للسويس بالأعداد والتخصصات المطلوبة. وكذا دراسة سُبل تعويض العاملين الذين لن يقع عليهم الاختيار (ويعد النقل اختياريًا).
ما بين الأمل والألم ينتظر العمال
“بعد أن كانت أضرار الاعتصام أكبر من منافعه قررنا أن ننتظر بين مشاعر الأمل والألم”، لم يكن يبالغ عبد السميع غيث أحد عمال الشركة حينما وصّف قلقهم من القرار الذي بموجبه سيتحدد مصير أكثر من 2450 عاملاً، أيهما سينقل مع محتويات الشركة إلى السويس وأيهما سيخضع للتصفية مع مقر طلخا.
يتساءل عبد السميع: “هل من يتخذ مثل تلك القرارات يعلم جيد تبعاتها وتأثيرها ليس فقط على العمال ولكن على آلاف الأسر التي ستدفع ضريبة تصفية المصنع أو حتى نقله في أحسن الأحوال؟”.
يقول عبد السميع: “تتراوح أعمارنا ما بين الأربعين والخمسين عامًا ونسبة قليلة جدًا من هم فوق سن الخمسين. يعني لا هنعرف نخرج نشتغل بره في حته، ولا لينا معاش لأننا خرجنا قبل سن الستين وفقًا لقانون المعاشات الجديد”.
ذلك فيما يتداول بين العمال أن قرار النقل لن يشمل أكثر من 500 منهم، بينما لم تصدر بعد أي تصريحات رسمية حول عدد العمال المقرر أن ينتقلوا إلى مقر السويس.
النقل يعني ضياع العمال
النائبة مايسة عطوة عضو لجنة التضامن في الدورة الحالية للبرلمان وعضو سابق في لجنة القوى العاملة بالدورة السابقة، قال لـ”مصر 360″، إن طرح فكرة التسوية على عمال شركة الدلتا للأسمدة يعني ضياع حقوق العمال في ظل قانون المعاشات الحالي، الذي تسبب في ظلم آلاف العاملين في حصولهم على معاش إلا عند سن الستين.
وأضافت أنها مع فكرة النقل. لكنها تختلف مع آليتها. إذ يجب أن يشمل النقل كامل العمال وهو ما يجعل الأمر في صالح كل الأطراف. بينما أشارت إلى كارثية قرار التسوية الذي سيساهم في تشريد الكثير من العمال ممن هم خط الدفاع الأول في دعم القيادة السياسية وعجلة الإنتاج، على حد تعبيرها.
إلى ذلك، قال أحد مهندسي الشركة إن لديهم مقترح بتطوير الشركة يجعلها تتجنب فكرة النقل وبتكلفة أقل من توقعات الإدارة. مشيرًا إلى أن التكلفة تشمل تطوير المصانع بما يحد من التلوث البيئي ويضمن زيادة الإنتاج. لافتًا إلى تقادم الآلات والمكن الذي يعمل منذ عشرات السنين، ما ينتج عنه تلوث للبيئة وتكلفة في الإنتاج. لكنه أكد أن الواضح أمامهم حاليًا أن قرار النقل أسهل من التطوير في رؤية متخذي القرار.
الدلتا للأسمدة.. تاريخ بدأ بعد العدوان
تأسست شركة النصر للأسمدة والصناعات الكيماوية في العام 1946 بالسويس. واستمر العمل بها حتى عدوان 1967. وفي العام 1969 تم نقل مصنع إنتاج نترات الأمونيا من السويس إلى طلخا. وضم المصنع أقسام إنتاج نترات الأمونيا – إنتاج الأمونيا – إنتاج حامض النيتريك. وبحلول عام 1975، تم عمل تصميم لمصنع إنتاج اليوريا (1725 طن/يوم) شاملاً لوحدة إنتاج الأمونيا (1200 طن/يوم). وقد بدأ تشغيله عام 1980. وفي 1-7-1998 تأسست شركة الدلتا للأسمدة بطلخا، منقسمة من شركة النصر للأسمدة. وهي شركة مساهمه مصرية بنسبة 100%، تابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، يبلغ رأس مالها المرخص به 1.2 مليار جنيه، ورأس مالها المدفوع نحو 401 مليون جنيه.
تعتبر الشركة من أكبر شركات المنتجة للأسمدة الأزوتية في جمهورية مصر العربية. وتضم حوالي 2450 عامل دائم. ذلك بالإضافة إلى أكثر من سبعة آلاف عامل عمالة غير مباشرة.
ملحقة بالشركة مدينة سكنية مكونة من 28 عمارة بها 556 شقة. فضلاً عن جمعية إسكان خاصة بالشركة مكونة من 12 عمارة بها 352 شقة مملوكة لعاملين بالشركة وغيرهم.
وتضم المدينة السكنية حوالي 5000 نسمة، ومركز لتدريب للعاملين بالشركة. إلى جانب محطة صرف صحي، مكتب بريد، سنترال، مدرسة السماد (حضانة، ابتدائي، إعدادي) تابعة لوزارة التربية والتعليم. وأيضًا حضانة تابعة للشركة، نادي اجتماعي بالمدينة ونادي على النيل، نادي رياضي (عدد 2 ملعب كره، ملعب تنس، ملعب كرة قدم خماسي)، مركز إسلامي ملحق بدار مناسبات ومسجد صغير. مستشفى السماد، المركز الطبي للعاملين بالشركة، 2 فرن خبز، وجمعية استهلاكية.