قبل أيام قليلة، أعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد أن 9 آلاف و397 طبيبًا من إجمالي 9500 طبيب مسجلين على المنصة الإلكترونية لخريجي كليات الطب دفعة ديسمبر 2019، أدوا الامتحان القومي لمزاولة مهنة الطب، بنسبة 98.9%. ذلك إعمالاً للقانون الذي صدّق عليه رئيس الجمهورية قبل عامين. ورغم ما أعلنته الوزارة رسميًا من أن نسبة النجاح بلغت 99.2%، فيما بلغت نسبة الرسوب 0.8 %، يبقى هذا الاختبار مصدر إزعاج لعديد من طلبة الطب الذين رأى قطاع كبير منهم عدم جدواه، بينما تحدث آخرون عن مشكلات في آلية تنفيذه.
امتحان مزاولة المهنة.. شرط يضمن التأهيل الجيد للطبيب
في أكتوبر من العام قبل الماضي، صدّق الرئيس عبدالفتاح السيسي على القانون رقم 153 لسنة 2019. وهو القانون الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب.
“يشترط للقيد لأول مرة في سجلات وزارة الصحة أن يجتاز الطبيب امتحان مزاولة المهنة”. كانت دفعة العام 2019 أولى دفعات كليات الطب التي تخضع لهذا الشرط والامتحان الذي يضم 100 سؤال، عليهم اجتيازها بعد الحصول على شهادة التخرج الجامعية.
عن القانون وجدوى الامتحان، أوضحت وزارة الصحة أن هذا الإجراء الجديد يهدف إلى التأكد من أن الخريجين مؤهلين لبدء ممارسة المهنة. وكذلك حتى ينالوا التدريب الكافي قبل حصولهم على ترخيص مزاولة عملهم. على أن يكون القيد لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد لمدد مماثلة، طبقًا للقانون رقم 153 لسنة 2019.
ويشمل الامتحان التخصصات الطبية الخمس: الجراحة العامة – طب الأطفال – الباطنة – طب الطوارئ – النساء والتوليد. كما يشمل بعض الأسئلة عن طرق مكافحة العدوى، وعلم الأوبئة، والرعاية الصحية، وسلامة المريض. فضلاً عن قوانين وآداب وأخلاقيات المهنة.
دفعة قديمة.. لماذا نخضع لامتحان مزاولة المهنة؟
ترى أمنية سيمان الحاصلة على بكالريوس طب جامعة الأسكندرية أن تطبيق هذا النظام الجديد بامتحان مزاولة المهنة على دفعتهم أمر غير منطقي كان يجب أن يُعنى بالدفعات اللاحقة. فتقول: “إحنا دفعة قديمة لم يطبق عليها نظام الـ 5 سنوات وعامي التدريب.. لم يتغير شئ في نظام دراستنا عن الدفعات السابقة كي نخضع لهذا الاختبار الجديد”.
رغم ذلك، استعدت أمنية للامتحان قبل شهر من موعده السبت الماضي. ولم تكن تعلم وغيرها كثيرون هل هو امتحان نجاح ورسوب أم يضاف إلى المجموع، وبالتالي تكون أهميته في مسألة توزيعهم على المستشفيات لاحقًا.
“لم أكن أعلم كيف أستعد لهذا الاختبار فققرت أن أتابع نماذج الامتحانات التي كانت تنشر للطلبة، إلى جانب بنك الأسئلة الذي يحتوى على 4 آلاف سؤال لم يأتي منها في الامتحان سوى قرابة 20 بينما كانت باقي الأسلئة غريبة”؛ تقول أمنية.
ما الجدوى.. موقع معطل وآلية غير واضحة
تعطل الموقع الرسمي المخصص لإجراء الامتحان “On line” هي مشكلة أخرى واجهت طلاب كثر خضعوا لامتحان مزاولة المهنة. ووفق رواياتهم فقد انتظر بعضهم لأكثر من 3 ساعات حتى يتمكن من التسجيل فقط طلبًا للاختبار. هذا فضلاً عن مدة الامتحان نفسها والتي تصل إلى 3 ساعات على الطالب أن يجتاز خلالها إجابة 100 سؤال تحدد مصيره المهني.
تقول أمنية: “اضطررت أن انتظر من الساعة 11 وحتى الواحدة ظهرًا أملاً في التسجيل عبر هذا الموقع الذي تعطل أكثر من مرة”.
هنا تشير أمنية إلى أزمة أخرى حول أمان الموقع ضد التسريب، فتقول: “ببحث جوجل وجدت إجابات أسئلة الامتحان مسربة وهذا يرجع إلى سقوط أمان الموقع الذي أجري الامتحان عليه ما أتاح معلوماته وسمح أيضًا بالإجابات الجماعية.. فما جدواه إذن”.
حصلت أمنية على نسبة نجاح 75%. لكنها تؤكد أن ذلك الامتحان لم يفرق في مستواها. وأنه كان الأولى أن يتم إجراء دراسات للبحث عن مطالب الطلبة والخريجين للتأهيل بشكل جيد لسوق العمل.
في جامعة الفيوم، تقول نورهان رحيم الحاصلة على بكالريوس الطب، إنه حتى شهر أكتوبر الماضي لم يكن هناك أي آلية واضحة للامتحان. وأن كل ما كان يثار حينها هو كلام مبهم للطلبة أنفسهم عن واقع الامتحان غير واضح المعالم.
تسهيلات لاجتياز امتحان مزاولة المهنة
الدكتور إيهاب كمال، مساعد وزيرة الصحة والسكان لشؤون التعليم الطبي المهني، أوضح -من جانبه- أنه وفقًا لآلية عقد الامتحان ستتم إتاحة الامتحان مرة أخرى أيام 13 و21 فبراير الجاري. ذلك لتمكين الخريجين من تحسين نتائجهم ومنح فرصة أخرى أمام الخريجين الذين لم يأدوا الامتحان يوم السبت. بينما أشار في تصريحات صحفية إلى أن نتيجة الامتحان تظهر على المنصة الإلكترونية المخصصة للامتحان فور الانتهاء منه. على أن يتم احتساب النسبة الأعلى في الاختبارات.
ويتطلب لاجتياز هذا الامتحان حد أدنى 50%، بينما في حالة رسوب الطالب خلال الـ 3 محاولات بدور فبراير، سيكون عليه إعادة الامتحان مرة أخرى في دور شهر سبتمبر. ذلك حسب مساعد وزيرة الصحة والسكان لشؤون التعليم الطبي المهني.
هو امتحان له مميزات وعيوب وفق ما ترى نورهان الحاصلة على ترتيب في أوائل دفعتها. وتوضح أنه إذا ما تمت إضافة درجاته تراكميًا وأثر على التخصص بنسبة 50% فهذا سبب كافي يجعل الطلبة لا تهتم بالاستذكار خلال سنوات الدراسة. لكنها أيضًا تشير إلى ما تغطيه بعض أسئلة الامتحان من جوانب على الطبيب الإلمام بها قبل مزاولة المهنة. وإن كانت بعض الأسئلة الأخرى تحتاج للمتخصص لا أن تُعرض على ممارس عام كحالهم.
وفي المجمل تتساءل نورهان: “أنا من أوائل الدفعة فلماذا يكون هناك امتحان آخر يتقرر مستقبلي وفقًا له؟”.
أمر مطبق بكل دول العالم والسر في آلية التنفيذ
يتفق مع نورهان مصطفى فخري ويعمل طبيبًا بألمانيا. يقول: “هي خطوة جيدة لكن شرط أن تجرى بشكل سليم”. ويضيف: “قمت بأداء امتحان مزاولة المهنة في ألمانيا. كل دول العالم تنفذه، لكن السر في آلية التنفيذ”.
وعن انعكاس ذلك الامتحان على مستوى الطالب ومهنة الطب بشكل عام، فإن فخري الحاصل على بكالريوس الطب بجامعة القاهرة، يرى أنه هذا الامتحان بالشكل الحالي لا جدوى حقيقية منه. ويلفت إلى أنه لا يختلف كثيرًا عن غيره من الامتحانات التي تعتمد الطريقة نفسها بالاختيار من متعدد.
ويوضح فخري أنه لابد لمثل هذه الاختبارات أن تركز على المهارات الأساسية التي يحتاج إليها الطبيب في العمل. فلابد أن يكون له نظام واضح ومنطقي.
تقييم الطالب عمليًا وليس نظريًا
من جانبه، قال الدكتور طارق كامل، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن امتحان مزاولة المهنة هو نتاج لقانون من مجلس النواب يرفض أن يحصل طالب الطب على تصريح مزاولة المهنة بشكل أتوماتيكي. وهنا يرى كامل أن ذلك الامتحان ليس له علاقة بتفادي أخطاء الأطباء. لكنه مجرد امتحان يأتي لاختبار طالب الامتياز بعد اجتيازه التدريب على المهارات التي اكتسبها خلال ذلك الوقت.
ويوضح عضو نقابة الأطباء، لـ “مصر 360″، أنه هناك بعض الملاحظات على ذلك الامتحان. إذ كان لابد له أن يقتصر على تقييم حصول الطالب على المهارات التي اكتسبها عمليًا، وليس اختباره مرة أخرى نظريًا على المواد التي مرت عليه بالكلية بامتحان يعتمد آلية الاختيار من متعدد.
ويشير كامل أيضًا إلى أن رخصة مزاولة المهنة التي تقرر تجديدها كل 5 سنوات وفق القانون هي الأخرى غير واضحة فيما يخص آلية التجديد. ويجيب: “ربما سيتم تكرار الامتحان مرة أخرى”.
2.6 مليون وفاة سنويًا بسبب المعالجة الخاطئة
“في كل دقيقة يموت خمسة أشخاص، بسبب خطأ في المعالجة”، هكذا صرح تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية للإعلام في 2019. بينما كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن ملايين الأشخاص حول العالم يتعرضون للضرر بسبب المعالجة غير الصحيحة. خاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي يموت يتوفى فيها سنويًا قرابة 2,6 مليون شخص.
وقد أوضحت المنظمة -في تقريرها- أن معظم الأخطاء ترتبط بالتشخيص الخاطئ وكذلك الأدوية غير المناسبة. بالإضافة إلى عمليات بتر خاطئة للأطراف أو عمليات جراحة المخ، والتي يمكن أن “تحدث على الجانب الخطأ من الرأس”.
أما عن أسباب المعالجة الخاطئة، فترى منظمة الصحة العالمية أنها تكمن في التسلسل الهرمي الصارم في الكثير من المؤسسات في المجال الطبي، حيث لا يجرؤ الموظفون الصغار على قول أي شيء أو يفضل الموظفون إخفاء الأخطاء خوفًا من الانتقام.