“الحكومة تقول إن من حقنا التعبير عن آرائنا بحرية دون أن نُسجن، إلا أنهم ما زالوا يقودوننا للسجون للإدلاء بآراءٍ طبيعية وعقلانية”.. بهذه الكلمات وصفت لُجين الهذلول الوضع في السعودية قبل اعتقالها في 2018 لـ1001 يوم ليطلق صراحها أمس أخيرًا، رغم رفضها التراجع عن ادعاءات التعذيب التي تعرضت له داخل محبسها.
اقرأ أيضًا.. من الاحتضان إلى التخلي.. محطات في علاقة المملكة العربية السعودية بالإخوان في مصر
لجين الهذلول.. القصة من البداية
قبل أيام من جولة ولي العهد السعودية بن سلمان في الولايات المتحدة عام 2018، أوقف أمن المملكة الناشطة “الهذلول” أثناء قيادتها السيارة متوجهة إلى جامعة السوربون فرع أبو ظبي.
وبحسب “واشنطن بوست” أعيدت الشابة البالغة من العمر حينها 28 عامًا بالقوة إلى السعودية، ثم أفرج عنها، قبل اعتقالها مجددًا في مايو من العام ذاته.
اعتقال الهذلول جاء ضمن حملة قمع تعرضت لها الناشطات السياسيات بالمملكة. بينما شملت التهم الموجهة لهن تجاوز الثوابت الدينية والوطنية، إضافة إلى التواصل مع جهات أجنبية مشبوهة.
بعد 10 أشهر من الاعتقال جرت محاكمتها.. من هي لُجين الهذلول؟
عُرفت “لُجين” بمعارضتها لقوانين المملكة وتبنت حملة لمناهضة حظر قيادة النساء للسيارات، وكانت من أولى المشاركين في حملة إسقاط ولاية الرجل على المرأة في القوانين السعودية.
الحملة قادتها “لجين” عام 2016، كما أن دفاعها عن حقوق المرأة السعودية بشكل عام ما عرضها للحبس أكثر من مرة.
وقبل اعتقالها، تزوجت المصنفة ثالث أقوى امرأة في العالم العربي لـ2015، من الممثل الكوميدي، فهد البتيري، قصة الحب انتهت بالطلاق القسري بعد تعرض الزوجين لمضايقات وانتقادات.
من ضمن الانتقادات وصف فهد بـ”رجل لُجين الهذلول” ليتم إجباره من قبل السلطات السعودية على تطليق زوجته عام 2018.
“لُجين” شاركت في الفيلم الوثائقي “Saudi Arabia Uncovered”، والذي تحدث عن واقع الحياة داخل المملكة والذي يتنافى عما يُعرض للعالم، وكان من المُرجح أن هذا أحد أكثر أسباب اعتقالها.
وبحسب مقال علياء الهذلول في “نيويورك تايمز” نقلت لُجين إلى سجن ذهبان في جدة، وسمح لوالديها بزيارتها مرة في الشهر، ولاحظا أنها ترتعش دون توقف.
علياء قالت: “احتجزت لُجين في سجن انفرادي، وضُربت، وقاست تعذيب الإيهام بالغرق، وصعقت بالكهرباء. كما تعرضت للتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب والقتل، ولاحظ والديَّ أن فخذيها مزرقان من آثار الكدمات”.
اقرأ أيضًَا.. من رفع الولاية إلى إلغاء الجلد.. هل ينتصر الإصلاحيون في السعودية؟
حبس الهذلول رغم وعود بن سلمان!!
الإفراج عن لُجين جاء عقب 3 سنوات في الحبس الاحتياطي، وحكم قضائي بالسجن 5 سنوات و8 أشهر بتهمة التحريض على تغيير النظام و”خدمة أطراف خارجية”.
يأتي ذلك بعدما أعلنت السعودية على لسان ولي العهد محمد بن سلمان، أنها بصدد تحضير 4 مشروعات بقوانين تهدف للإصلاح التشريعي في البلاد.
وعود بن سلمان تنص على استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالميًا.
ومشاريع القوانين الأربعة هي: مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات”.
ترحيب أمريكي.. ولكن
الإفراج عن لجين قوبل بترحاب كبير من البيت الأبيض، حيث وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ”الأمر الصائب” الذي ينبغي القيام به.
البيت الأبيض أعلن أن الرئيس بايدن، يتخذ نهجًا أشد صرامة من سلفه دونالد ترامب تجاه السعودية. كما أنه يتوقع من الرياض تحسين سجلها في حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح نشطاء حقوق المرأة وسجناء سياسيين.
اقرأ أيضًا.. السينما السعودية.. الحرية المرجوة وفرص الأحلام الضائعة
بدوره، كتب مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان على تويتر: “مسرور للإفراج عن لجين الهذلول هذا شيء جيد”. بينما قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسمه للصحفيين: “لكنني أعتقد أن من المهم الإفراج أيضًا عن الآخرين الذين في نفس ظروف الهذلول والذي سجنوا لنفس الأسباب”.
جاءت التصريحات الأمريكية بعد اعتقال 11 ناشطة سعودية مع لُجين منهن المدونة إيمان النفجان وأستاذة الجامعة هتون الفاسي والأكاديمية عزيزة اليوسف. بينما رفعت المملكة حظرًا دام لعقود على قيادة المرأة للسيارة.
“قتل وتقطيع المنشقين”
إلا أن بن سلمان تعرض لهجوم واسع من النائب الأمريكية، إلهان عمر، في تغريدة لها عقّبت فيها على أول صورة لـ”لُجين الهذلول”.
وقالت في تغريدتها معلقة على صورة لجين: “هذه أخبار رائعة! كنا ندفع صوب هذا لوقت طويل، الآن يجب على السعودية السماح لها بمغادرة البلد وإطلاق سراح الناشطات الحقوقيات اللاتي لازلن في السجن”.
إلهان تابعت: “على السعودية أن تتوقف عن قتل وتقطيع المنشقين، والسماح بالاغتصاب العرفي وحصار وتجويع وذبح الآلاف من المدنيين اليمنيين. وتغذية أزمة المناخ والتمييز ضد الأقليات الدينية والسماح بالعبودية العصرية”.
اقرأ أيضًا.. افتقرت للشفافية والعدالة.. محاكمة السعودية لقتلة “خاشقجي” تثير الجدل
الإفراج جاء عقب أسبوع واحد من حث البيت الأبيض السلطات السعودية على الإفراج عن المعتقلين السياسيين القابعين في السجون، خلال مؤتمر صحافي.
البيت الأبيض قال: “الولايات المتحدة تتوقع من السعودية إطلاق سراح السجناء السياسيين وتحسين حقوق مثل لجين الهذلول، والداعية الإسلامي سلمان العودة، والطبيب وليد فتيحي”.
ويبدو أن السعودية سرعت وتيرة محاكمات من تصفهم بـ”المنشقين” ومنهم الطبيب وليد فتيحي، خشية أن يتحولوا إلى أدوات مساومة في مواجهة محتملة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وعود بايدن
وتأمل الحكومة السعودية أن يكون الإفراج عن لجين لحفظ ماء الوجه لتجنب المواجهة مع “بايدن”، بالنظر إلى وعوده القاطعة بمعاقبة ولي العهد.
بايدن قال في تصريحات سابقة إنه يجب محاسبة قتلة الصحفي جمال خاشقجي الذي كان يحمل إقامة سارية في أمريكا. إذ أنه من المتوقع أن تستمر المملكة في تحسين الملف الحقوقي خلال الفترة الفترة المقبلة.
يذكر أن إدارة ترامب درست طلبًا لتوفير الحصانة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الملاحقة القضائية في قضية رفعها ضده المسؤول السعودي سعد الجبري.
واتهم الجبري “بن سلمان” بمحاولة اغتياله في الولايات المتحدة الأمريكية، في أغسطس الماضي.
اقرأ أيضًا.. حقوق الإنسان في السعودية: محاولة اغتيال خاشقجي جديد وناشطات في السجون
رفع الجبري حينها دعوة قضائية أمام المحاكم الأمريكية، واتهم ولي العهد السعودي بمحاولة اغتياله، عبر فرقة أمنية تسمى “فرقة النمر”. كما قال الجبري إنها تابعة لولي العهد السعودي مباشرة، وأنها أرسلت لتورونتو بكندا، يوم 15 أكتوبر 2018.
بعد ذلك بأسبوعين، تورطت نفس فرقة الاغتيالات، بحسب الجبري، في مقتل خاشقجي في تركيا.
اقرأ أيضًا.. المرأة السعودية.. حرية منقوصة وخطوات إصلاح لم تكتمل
من ناحيته، نفى ولي العهد السعودي أن تكون ادعاءات الجبري صحيحة، فيما وصف محامي ولي العهد، مايكل كيلوج، ادعاءات الجبري بأنها “غارقة في الدراما”.
وردًا على مذكرة استدعاء المحكمة، رفض كيلوج مثول موكله، محمد بن سلمان أمام المحكمة، قائلًا إن استدعاء بن سلمان يتعارض مع مبدأ الحصانة السيادية، كون ابن سلمان ولي عهد دولة.
اقرأ أيضًا.. لجين الهذلول.. أيقونة المرأة السعودية داخل السجون
الحريات الدينية
وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو أعلن في نوفمبر الماضي إدراج الرياض إلى جانب 9 دول أخرى، على قائمة الدول المثيرة للقلق في ما يخص ملف الحريات الدينية. كما قال إن مواطنين سعوديون شيعة يعانون التمييز ضدهم.
اقرأ أيضًا.. المرأة في السعودية.. حرية منقوصة وقيود لم تسقط بعد
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت المنطقة الشرقية بالسعودية، حيث تتركز الأقلية الشيعية، اضطرابات على خلفية تظاهرات طالب فيها المواطنون الشيعة إنهاء التمييز. بينما قالت السلطات السعودية إن التظاهرات تأتي بتأجيج إيراني.