قد يندهش المتابع للقضايا الحقوقية باستمرار الحديث والمطالبة بمحاربة التمييز الاقتصادي ضد النساء، خاصة ونحن قد قاربنا على الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أي بعد مرور أكثر من قرن على مطالبة النساء بحقوقهن في 1893 عام إقرار أول دولة لحقوق النساء السياسية، وحتى كللت هذه الجهود باتفاقية السيداو عام 1979 الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وبالرغم من أن هذه الجهود عملت على إلزام الدول بتحسين وضع النساء سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا حيث إن المجمع الممارس لسياسات تميزية ما هو إلا كما البطة العرجاء لا يمكنه التقدم حقيقة؛ إلا أنه وبعد كل هذه القوانين والاتفاقيات مازالت المجتمعات نفسها تمارس سلوكًا تمييزًا، لكنه يختلف من مجتمع لآخر لم يستثن منهم أحد.
جميع المجتمعات تعاني من اختلالات هيكلية قائمة على النوع مثل عدم المساواة في الميراث والحق في امتلاك الأراضي والتمييز في التوظيف والأجور؛ وبالتبعية تعاني النساء من أشكال مختلفة من العنف والحد من هذا العنف لن يكون بالمسألة البسيطة.
اقرأ أيضًا.. في اليوم العالمي للمرأة والعلوم.. تعرف على 5 مصريات ملهمات
الوجه القبيح للتمييز الاقتصادي
تشير الدراسات التي تجريها مؤسسات عدة إلى انتشار أشكال مختلفة للتمييز الاقتصادي ضد النساء وهو ما أيدته منظمة “أمنيستي” حيث ذكرت في تقريرها أن النساء حاليًا يحصلن على نحو %77 من مجموع ما يحصل عليه الرجال مقابل القيام بالعمل نفسه في حالة عدم وجود فرق في التعليم والخبرة.
ما يؤدي إلى تفاوت مالي مدى الحياة بالنسبة للنساء، الأمر الذي يؤثر على حياتهن، ويعني زيادة خطر الوقوع في براثن الفقر عن كبر السن.
الاتحاد الأوروبي أشار في دراساته لفجوة الأجور غير المعدلة بين الجنسين وتم تعريفها بأنها الفرق بين متوسط الدخل الإجمالي للساعة للرجال والنساء، معبرًا عنه كنسبة مئوية من متوسط الدخل الإجمالي للرجل في الساعة.
ويتم احتسابها للمؤسسات التي لديها 10 موظفين أو أكثر،
وعند النظر لنتائج هذه الإحصائيات في التمييز في الأجور؛ فعلى سبيل المثال بلغ الفرق ما بين النساء والرجال في الأجور للاتحاد الأوروبي ككل 14.5%.
اقرأ ايضًا.. السعودية تفرج عن لجين الهذلول في شهر التوقعات الحقوقية للبيت الأبيض
التمييز في الدول الغنية
كما أن أحد أهم الدول المتقدمة اقتصاديًا وفي مجال الحريات وقعت في نفس الخندق مثل فرنسا حيث تبلغ الفجوة بين النساء والرجال في الأجور 15.5% بينما بريطانيا وألمانيا أعلى في الفارق 19.9 و20.9 على التوالي، وبالطبع تزيد هذه الفجوة في حالة ما كانت النساء ملونات.
ولا تختلف الولايات المتحدة الأمريكية حامي حمى حقوق الإنسان كثيرًا عن الاتحاد الأوروبي حيث تعاني النساء العاملات في المجال الطبي مثلًا من وجود فجوة في الأجور عن زملائهن من الرجال بنقص يبلغ 17%، بينما العاملات في مجال المبيعات 10%.
ووجد مركز بيو للأبحاث أن المرأة الأمريكية لاتزال ممثلة تمثيلًا ناقصًا في الوظائف عالية الأجر والأدوار القيادية أو ما يطلق عليها C-Suite Jobs؛ حيث بلغت عام 2020 وفقًا لمركز “كورن فيري” متوسط 25% من أصل 1000 شركة مسجلة في البورصة الأمريكية تختلف وفقًا لموقع المرأة في الهيكل الإداري.
كما تقل النسبة في النساء اللاوتي شغلن منصب الرئيس التنفيذي بنسب تترواح ما بين 1-8%، والمدير المالي بنسب تترواح ما بين 8-14%، لكن تزيد هذه النسب في المناسب القيادية الأدنى مرتبة.
اقرأ ايضًا.. “خارجات عن القانون”.. عندما تكون القيم الأسرية ذريعة لقمع المغربيات والمصريات معًا
التمييز جنوبًا
وإن كانت المجتمعات العربية لا تعاني هذا الشكل من أشكال التمييز الاقتصادي ضد النساء في الأجور؛ إلا أنها تعاني أشكالًا أخرى من التمييز كنسبة المشاركة في القوى العاملة.
حيث تشــير المؤشــرات الاقتصادية إلـى أنه من بين أكثر من 10 دول تظهـر فيها أعلى مستويات للفجـوة فـي العمل بيـن الرجـل والمرأة، نجـد 6 دول عربيـة متصدرة ألا وهي قطـر ومصر والعـراق والإمارات والمغـرب والمملكة العربية السـعودية، حيـث تحتـل الأخيـرة المرتبة الأولى مـن حيث الفجوة فـي العمل بيـن الرجل والمرأة.
هذا بالرغم من انخفاض الفجـوة بيـن الرجل والمرأة فـي الدول العربية بشكل عام فـي 2015 لتصل إلـى 58% مقارنـة بـ60% فـي عـام 1995.
اقرأ أيضًا.. “ترميم ختان”.. تدخل طبي يُعيد للضحايا الثقة بأجسادهن
التمييز في الإرث
شكل آخر من أشكال التمييز هو التمييز في الإرث حيث أنه مقنن وفقًا للشريعة الإسلامية، ولم تكسر هذا النوع أي دولة إلا تونس بعدما أقر برلمانها إمكانية تطبيق نظام آخر للمواريث إذا أراد المورث ذلك.
والشكل الآخر مرتبط بالتمييز على أساس ثقافي وليس قانوني خاص بتمكين النساء من استلام ميراثهن خاصة لو كان هذا الإرث ملكية زراعية، حتى لا تخرج الملكية من نطاق العائلة.
كما أنه من المثير للدهشة أن قانون الإرث المميز ضد النساء ينسحب أيضًا حال تطبيقه على أصحاب الديانات الأخرى، بالمخالفة الصريحة لتعاليم هذه الديانات، مثل المسيحية التي يصر رؤساء الطوائف فيها على تطبيق القانون الإسلامي في المواريث على المسيحيات.
أفريقيا تدهور ما بعد الاستعمار
لم يكن حال المرأة الأفريقية في مجتمعات ما قبل الاستعمار بمثل هذا التدني الحادث اليوم والتي تحاول دول أفريقية عدة تحسينه نوعا ما.
السبب يكمن في أن أغلب هذه المجتمعات حملت الثقافة الأمومية التي تعلي من شأن النساء، لذا كان تعامل النساء بشكل مساو للرجل هو الأساس في المجتمعات ما قبل الاستعمار.
فالنساء هن المسؤلات عن الزراعة والرعي وتربية الماشية، بينما يعمل الرجال في أعمال الصيد والجمع والالتقاط، لكن التحول الذي حدث بعد الاستعمار أدى إلى تهميش شديد للمرأة الأفريقية وصل لدرجة منع النساء من تلمك الأرض في دولة مثل تنزانيا، حيث جعلت ملكية الأراضي والسيطرة للرجال، على الرغم من أن النساء كن هن المزارعات الأساسيات في الريف.
كما أن النساء هن مالكات الحيازات الصغيرة، والمعاملات في ملكيات الأسرة، والموظفات في المؤسسات ومناطق تجهيز الصادرات.
النساء الحرفيات ومقدمات الخدمات
وبنفس القدر تعاني النساء الحرفيات ومقدمات الخدمات من عدم مساواة بين الجنسين في التجارة سواء فرص العمل أو الأجور أو شروط العمل، بل قد يصل الأمر إلى عدم قدرتهن على الحصول على الأجر من الأساس، لكون الأب أو الزوج هو من يقوم بعملية التحصيل.
وفي أحد دراسات الوكالة الدولية للأمم المتحدة الخاصة بالنساء عن الوضع الاقتصادي للأفريقيات؛ وجدت أن 85% من تجار التجزئة عبر الحدود من النساء، يبلغ متوسط أعمارهن 32 (برينتون واسيك 2012).
غالبية البضائع المتداولة الحبوب الغذائية والبقول أما الفواكه والخضار فبكميات صغيرة، يعمل برأس المال ضئيل للغاية غالبًا أقل من 50 $ وتحصلن عليها من مصادر غير رسمية للائتمان، نظرًا لعدم قدرتهن للوصول للخدمات الائتمانية.
كما وجدت الدراسة أن أكثر من 85% من النساء العاملات في التجارة عبر الحدود اضطررن لدفع رشوة للعبور وأن أكثر من نصفهن تعرضن لشكل من أشكال التحرش المادية مما يجعل بيئة العمل غير آمنة.
اقرأ أيضًا.. في اليوم العالمي للمرأة والعلوم.. تعرف على 5 مصريات ملهمات
تمييز “فادح” ضد النساء
ووفقًا لدراسة استقصائية أجرتها الحكومة الأوغندية لقطاع القطن بعد إجراء استطلاع شمل 491 من الذكور والإناث من مزارعي القطن خلال عامي 2009 و2010؛ ثبت أن مزارعي القطن من النساء حققن عوائد أقل من نظرائهن من الرجال لحصولهن على أسعار لمحصولهن من القطن أقل من الرجال.
سنجد هذا يتكرر في كل من تنزانيا وزيمبابوي التي تعاني كل منها من تباين واختلاف في القوانين الخاصة بالجنسين فيما يخص التجارة والملكية والذمة المالية.
وليس أقل دلالة عن فداحة التمييز ضد النساء في أفريقيا من ندرة البيانات عن النساء وأنشطتهن، حيث غفل عادة صانعو السياسات عن مساهمة المرأة في التجارة والتحديات التي تواجهها.
اقرأ أيضًا.. “دينا وضحى وهند ومنى”.. سيدات تواجه الوصم بالوشم
ويعكس هذا الإهمال، في جزء منه، عدم وجود بيانات ومعلومات عن المرأة والتجارة في أفريقيا ونقص تمثيل صغار التجار والمنتجين الريفيين في مناقشات التجارة والسياسة التجارية بشكل عام.
الشاهد أن وضع النساء في العالم كله مازال يحتاج للمزيد من العمل لتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء، وهو ما كان في أولويات خطط التنمية المستدامة للقرن الـ21؛ الذي قارب من انتهاء ربعه الأول لكن ما تحقق للنساء اقتصاديًا لم يكن على قدر الاحتياج.