بات اليمن السعيد حزينا مثقلا بالهموم، فعلى وقع طبول الحرب المستعرة هناك، يعاني أكثر 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة، من سوء التغذية الحاد خلال العام الجاري، فيما يعاني 400 ألف طفل منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم مع إمكانية تعرّضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة.
الأرقام الأخيرة وردت في أحدث تقرير نشرته 4 منظمات أممية، هم: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية وشركائها.
وأشار التقرير إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد والحاد الوخيم بمقدار 16%، و22% على التوالي بين الأطفال تحت سن الخامسة مقارنة بالعام الماضي، فيما اعتبرته المنظمات الأممية النسب الأعلى منذ بدأ الأزمة السياسية في البلاد، ما يمثل إنذارا خطيرا بارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل.
ويعيش اليمن منذ أكثر من ست سنوات أزمة سياسية عاصفة وصفت بالأسوأ منذ عقود، بين القوات الحكومية من جهة والمتمردين الحوثيين من جهة أخرى، تقود فيها السعودية تحالفا عسكريا في البلاد منذ عام 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دوليا، وهي الحرب التي لاقت انتقادا دوليا واسعا نتيجة انتهاكات جسيمة تخص حقوق الانسان.
نقص في التمويل
تقول المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور إن “تزايد عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع في اليمن يجب أن يدفعنا جميعا إلى التحرك..سيموت المزيد من الأطفال مع كل يوم ينقضي دون القيام بالعمل اللازم” مضيفة ” تحتاج المنظمات الإنسانية للحصول على موارد عاجلة يمكن توقعها مع إمكانية الوصول من دون عوائق للمجتمعات المحلية كي نتمكن من إنقاذ حياة الناس”.
وبحسب التقرير الأممي، تمثل محافظة عدن، الضالع، حجة، والحديدة، ولحج، وتعز وصنعاء، أكثر من نصف حالات سوء التغذية الحاد المتوقعة في عام 2021.
من جهته، أشار المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، إلى أن هذه الأرقام تمثل استغاثة أخرى من اليمن طلبا للمساعدة حيث إن كل طفل يعاني من سوء التغذية يعني أيضا وجود أسرة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة.
وأضاف بيزلي أن الأزمة في اليمن هي عبارة عن مزيج فتاك من النزاع والانهيار الاقتصادي والنقص الحاد في التمويل اللازم لتقديم المساعدة المنقذة للحياة والتي هناك حاجة ماسة إليها، لكن يوجد حل للجوع، وهو توفر الطعام وتوقف العنف، إذا تحركنا الآن فلا يزال هناك وقت لإنهاء معاناة أطفال اليمن”.
وتشدد الوكالات الأممية على أهمية تقديم التمويل اللازم لمساعدة اليمن، إذ لا تزال الاستجابة الإنسانية تعاني من نقص حاد في التمويل، حيث حصلت خطة الاستجابة الإنسانية للعام الماضي، على 1.9 مليار دولار من أصل الاحتياجات اللازمة والمقدرة بمبلغ 3.4 مليار دولار.
وعانت اليمن حصارا جويا، بريا، وبحريا، ساهم في صعوبة وصول الامدادات الانسانية، وكذلك مشكلات بالتمويل، وبحسب الأمم المتحدة، فقد تم إغلاق 12 برنامجا رئيسيا من أصل 38 للأمم المتحدة، أو تخفيضها بشكل كبير، كما واجهت 20 برنامجا مزيدا من التقليصات أو الإغلاق.
اقرأ أيضا:
بعد 6 سنوات من الدمار.. بايدن على مشارف تحقيق وعوده الانتخابية بخصوص اليمن
بايدن واليمن: الإنسانية وأشياء أخرى
وضع صحي متهالك
وقد تسبب ظهور فيروس كورونا المعروف بكوفيد 19 في تفاقم الوضع الصحي والاقتصادي، في حين دمرت الحرب المنظومة الصحية في البلاد، وهو ما يجعلها عاجزة عن التصدي للوباء العالمي.
من جانبه، أوضح المدير العام لمنظمة الفاو شو دونيو، أن الأسر اليمنية وقعت بين براثن النزاع منذ أمد طويل، ولم تؤد المخاطر التي ظهرت مؤخرا مثل فيروس كورونا إلا تفاقم محنتهم بشكل خاص، لافتا إلى “ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، وتحسين سبل الوصول إلى المزارعين كي يتم تزويدهم بالوسائل اللازمة لاستئناف زراعة ما يكفي من الأغذية المفيدة، وإلا سيستمر أطفال اليمن وعائلاتهم في الغرق في مستويات أعمق من الجوع وسوء التغذية”.
ومنذ الأزمة تنتشر مجموعة من الأمراض المتوطنة مثل الدفتيريا، والكوليرا التي حذرت منظمة الصحة العالمية من تجاوز أعداد المصابين بها النصف مليون، نتيجة “تدهور أوضاع النظافة العامة، وانقطاع إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد. فهناك ملايين الأشخاص لا يحصلون على المياه النظيفة، بل وتوقفت خدمات جمع النفايات في كبرى المدن اليمنية”.
وكان يوجد في اليمن حوالي 3500 منشأة طبية، دمر العديد منها جراء الغارات الجوية ويعمل نصفها فقط بشكل كامل، كما تفيد التقارير بأن العيادات مزدحمة وبأن الأدوية والمعدات الأساسية غير متوفرة.
سوء التغذية
ووفقا للأمم المتحدة، يتسبب سوء التغذية بضرر دائم، أغلب الأحيان، على نمو الطفل البدني والعقلي خاصة خلال أول عامين من حياته، وتؤدي لحالات مستديمة من الفقر وعدم تكافؤ الفرص.
ويعد اليمن واحدا من أكثر الأماكن خطورة في العالم على الأطفال، في ظل محدودية فرص الحصول على خدمات التحصين الروتينية والخدمات الصحية للأطفال والأسر، والممارسات غير السليمة لتغذية الرضع والأطفال الصغار، وقصور أنظمة الصرف الصحي.
في السياق نفسه، أشار مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبرييسوس، إلى أن الأمراض وسوء البيئة الصحية من العوامل الرئيسية المسببة لسوء التغذية لدى الأطفال، موضحا أن المصابين بسوء التغذية يعدون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، كالإسهال والتهابات الجهاز التنفسي والملاريا، والتي تشكل مصدر قلق بالغ في اليمن، من جملة أمور أخرى
واعتبر تيدروس الأزمة “حلقة مفرغة وفتاكة في كثير من الأحيان لكن يمكن من خلال القيام بتدخلات قليلة التكلفة وبسيطة نسبيا إنقاذ العديد من الأرواح”.
وتبدأ الوقاية من سوء التغذية ومعالجة آثاره المدمرة بالرعاية الصحية الجيدة للأمهات، غير أن من المتوقع أن تعاني نحو 1.2 مليون سيّدة حامل أو مرضعة في اليمن من سوء التغذية الحاد خلال العام الجاري.
وألغت الولايات المتحدة، أمس الجمعة، تصنيف المتمردين الحوثيين، كجماعة إرهابية اعتبارًا من 16 فبراير الجاري، وسط ترحيب من الأمم المتحدة والجماعات الإنسانية لقرار إدارة الرئيس، مما أنعش الآمال في وصول المساعدات والإمدادات الغذائية إلى المدن اليمنية كافة، التي أنهكها الصراع.