منذ بداية التسعينيات حتى عام 2010 وصلت أزمة قطاع الغزل والنسيج إلى ذروتها. وذلك بغلق مئات المصانع، وتسريح آلاف العمال. توقفت حينها عجلة الإنتاج لأحد أهم الصناعات التي كانت تضخ صادرات مصرية ذات جودة عالية إلى أوروبا وآسيا.
رغم مناشدات ومطالبات المتخصصين والاقتصاديين والمهتمين بالشأن العام، والنقابات العمالية -وفي القلب منها النقابة العامة للغزل والنسيج- وأخيرًا العمال للحيلولة دون استمرار قطار التصفيات، أرجع كبار المسؤولين الأزمة -حينها- إلى الحاجة لاستيراد نحو 50% من احتياجاتنا القطنية. وهي كمية تصل لنحو نصف مليون بالة قطن سنويًا. أي ما يوازي مئة ألف طن قطن سنويًا.
في أكتوبر من عام 2010، ضربت أزمة ارتفاع أسعار القطن السوق العالمية بنسبة تجاوزت 105%. الأمر الذي دفع بعض الدول وفي مقدمتها الهند -إحدى أكبر الدول المصدرة للقطن -إلى حظر تصديره. وإن كانت تراجعت عن هذا القرار لاحقًا تحت وطأة غضب مزارعيها.
زاد الأزمة دخول مصر في قطار الخصخصة الذي انطلق في أواخر التسعينيات.
وقد نظم عمال تلك المصانع وقفات احتجاجية على مدار عقدين متتالين. أملاً في الحفاظ على مصدر دخلهم الذي يعينهم على أعباء الحياة. طرقوا جميع الأبواب، لكن دون جدوى. في ظل اتجاه الحكومة ممثلة في وزارة قطاع الأعمال لتصفية الشركات والمصانع التي تمثل عبئًا على ميزانية الدولة.
ليس الحديد والصلب فقط
تزامنًا مع إعلان وزير قطاع الأعمال المصري هشام توفيق تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان مطلع العام الحالي. وأيضًا تسوية أوضاع نحو 7 آلاف عامل، تتجه بعض الشركات والمصانع إلى السير على الدرب نفسه لاستثمار الأراضي المقامة عليها. وذلك كما هو الحال مع شركة الدلتا للأسمدة.
لم يختلف الحال لدى عمال شركة كفر الدوار الذين يواجهون شبح التصفية. علاوة على صدور أحكام غيابية ضد 20 عاملاً اعترضوا على القرارات الأخيرة. السيناريو ذاته تكرر مع عمال شركة الإسكندرية للغزل والنسيج منذ العام الماضي. وإن كانوا يتمسكون بآخر ما تبقى من أصول الشركة.
الغزل.. تدمير صناعة مقابل استثمار الأراضي
شركة الإسكندرية للغزل والنسيج، ورئيس مجلس إدارتها عمرو محمد الشرنوبي، تعد من أهم الشركات في صناعة وتصدير خيوط الغزل، تمت خصخصتها عام 1998، وبيع المتر حينها بـ 75 جنيهًا، بينما يسجل حاليًا 50 ألف جنيه. هذا الأمر يوصل أرباح المستثمر إلى نحو مليار ونصف المليار جنيه من حصيلة البيع. وهو السبب الحقيقي للبيع، حسب بيان النقابة العامة للغزل والنسيج.
تضم الشركة عدة فروع، ومقرها الرئيسي في النزهة، وبها 8 وحدات صناعية، وتضم فرعين آخرين باكوس والحضرة، بخلاف فرع مدينة السادات، كل ذلك على مساحة 43 فدانًا.
في تحدٍ صارخ للقوانين المنظمة في حالة التعثر أو الغلق، أصدر مجلس إدارة الشركه قرارًا رقم 216، بتاريخ 25 يناير 2021، بإنهاء خدمة 230 عاملاً وإغلاق المنشأة، دون اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
في المقابل، أدانت النقابة العامة للغزل والنسيج، التصرفات غير القانونية لإدارة الشركة مع العاملين، معتبرة ما قامت به الإدارة تعدٍ صارخ على صحيح القانون بالإضافة إلى التعسف في فصل العمال؛ للتصرف في أرض الشركة.
أزمات عمال الغزل
يقول أشرف ناصف رئيس اللجنة النقابية بالشركة – أكبر العمال سنًا- إنه لا يعرف وجهته المقبلة حال تسريح عمال الشركة وهو ابن الخمسين. ويوضح: “الشرنوبي – رئيس مجلس الإدارة- يطمع في أرض الشركة التي تطل على محور المحمودية وسعر المتر الأرض هناك يساوي مبلغ وقدره”، حسب قوله.
ويتابع: “الشركة سبق وقدمت طلب للجنة المحلية للبت في طلبات الإغلاق أو تقليل النشاط بوزارة القوى العاملة بغلق الشركة في 2016 لكن الوزارة رفضت”. إلا أنهم تحدوا قرارات الوزارة بغلق “مصنع 3” وتسريح 386 عاملاً في أبريل الماضي. إضافة إلى وقف الإنتاج بفرع النزهة بخلاف فرع باكوس والحضرة. وأيضًا غلق فرع السادات في وقت سابق، والذي افتتح في عام 2010.
ويشير رئيس اللجنة النقابية بالشركة إلى أن وزارة القوى العاملة أقامت دعوى قضائية ضد العمال أمام محكمة الجنح التي أصدرت حكمها بغرامة 2000 جنيه تم خفضها إلى ألف جنيه بعد الاستئناف على الحكم. لافتًا إلى أن قرار الغلق يعد مخالفًا لقانون العمل 12 لسنة 2003، والمادة من 196 إلى المادة 201.
ونقل أشرف ناصف حالة الغضب التي تسيطر على زملائه وتساؤلاتهم “لصالح من القضاء على صناعة تصدر للخارج وتدر عملة صعبة؟ لصالح من غلق البيوت وتشريد هذه الأسر؟”. وقد أعربوا عن تخوفهم من تداعيات قانون التأمينات والمعاشات رقم 148 لسنة 2019. ويقضي بعدم صرف معاش لمن لم تتجاوز مدة خدمته 20 عامًا، على حد قولهم.
تطرق “ناصف” إلى عدم حصول العمال على العلاوات منذ عام 2014، وتدني المرتبات التي تتراوح ما بين 1000 إلى 2000 جنيه شهريًا. وأكد تمسك العمال -جميعهم عمالة دائمة- باستمرار العمل بالمصنع المتوقف حاليًا.
تواصل “مصر 360” مع وزارة القوى العاملة للحصول على رد رسمي، فأكد مسؤول المركز الإعلامي للوزارة بأنهم ليس لديهم فكرة عن الموضوع، واكتفى بطلب إرسال جميع التفاصيل الخاصة بأزمة الشركة؛ لمحاولة التواصل مع مديرية القوى العاملة بالإسكندرية دون الحصول على رد حتى كتابة هذه السطور.