في لقاء مع السفراء الأفارقة بإثيوبيا أكد وزيرا الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، والمياه سيلاشي بيكلي أنه لا شيئ يمكن أن يوقف الملئ الثاني لخزان سد النهضة يوليو المقبل. الوزيران قالا إن الإنشاءات والأعمال الديناميكية للسد تتم وفق الجدول الزمني للحكومة دون اعتبار أو انتظار لنتائج أي مباحثات تجرى مع مصر والسودان.
حديث الوزيرين جاء بعد أسبوع من قمة الاتحاد الأفريقي دون أي بيانات أو إعلان لموقف واضح حول المفاوضات التي فشلت خلال رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد.
اقرأ أيضًا.. تهدئة أممية وبوادر انفراجة.. سد النهضة يعود لمسار واشنطن
السد الإثيوبي والمزاج الأفريقي العام: لا لاتفاقيات الاستعمار
كما أنه وجّه رسائل تتماشى مع المزاج الأفريقي العام والتعويل على ضرورة استفادة الدول الأفريقية من مواردها والحصول على حقها المشروع في الاستخدام العادل والمنصف للمياه.
الحديث أيضًا كان لتبرير الخروج من التزامات أقرتها اتفاقيات وقعت وقت الاستعمار وهو الخطاب الذي طالما استخدمته إثيوبيا لاستمالة الدول الأفريقية لدعم مواقفها في التعامل مع نهر النيل كنهر دولي.
إثيوبيا بدأت في ملء خزان سد النهضة المنتظر أن يسع لـ74 مليار متر مكعب من المياه يوليو الماضي، دون انتظار نتائج المفاوضات القائمة للتوصل لاتفاق شامل حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي. كما أن الملء تم دون اتفاق يضمن حقوق مصر والسودان ويقلل الآثار السلبية للسد، حيث تم احتجاز 14 مليار متر معكب من مياه الفيضان.
أديس أبابا تستند في قرارها المنفرد لملء خزان السد الإثيوبي إلى البند الخامس من اتفاق المبادئ الموقع من رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015.
الإعلان نص على أن ملء السد جزء من الإنشاءات التي وافقت مصر والسودان عليها دون اشتراط وجود اتفاق حولها، حيث نص البند الخامس: “الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد “كذلك” الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر”.
وهو ما تعتبره إثيوبيا سيادة مطلقة لها في تحديد مواعيد الملء ككجزء من عملية بناء السد.
اقرأ أيضًا.. سد النهضة: من الدعم إلى المعارضة ومخاوف الجفاف.. تحولات الموقف السوداني
حملة دبلوماسية ضد السد الإثيوبي
بالتزامن مع إعلان إثيوبيا اعتزامها بداية الملء الثاني، بدأ السودان ومصر حملة دبلوماسية مجددة لتوضيح مواقفهما من السياسة الأثيوبية المنفردة في التصرف في ملء وتشغيل السد دون انتظار نتائج المفاوضات أو التوصل لاتفاق مرضي يحفظ حقوقهما المشروعة في مياه النيل.
فضلًا عن مواقف أثيوبيا المتنعت التي فرغت جولات التفاوض من مضمونها وأبعدتها عن الهدف الرئيسي.
وكان رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك أكد في كلمته خلال اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي، أن أي قرار أحادي جديد من أثيوبيا دون التشاور مع مصر والسودان سيكون تهديدًا لأمن وسلامة أكثر من 20 مليون سوداني على ضفاف النيل الأزرق.
كما أشار إلى أن بلاده توافق على حل هذه الأزمة في إطار مبدأ الحلول الأفريقي للمشكلات الأفريقية.
اقرأ أيضًا.. سد النهضة: أمريكا توقف التمويل بسبب تعنت إثيوبيا في المفاوضات مع مصر والسودان
السودان: توسيع مظلة الوسطاء في أزمة السد الأثيوبي
خلال هذه الحملة الدبلوماسية قام وزير المياه والري السوداني، ياسر عباس بعقد اجتماعات مع سفراء دول أوروبية أكد فيها اهتمام بلاده بالتوصل لاتفاق قانوني ملزم. كما شرح التأثيرات السلبية لأي موقف أحادي من قبل إثيوبيا بالبدء في الملء الثاني لسد النهضة من دون التوصل لاتفاق أو تبادل البيانات.
رسائل وزير المياه السوداني أكدت تطلع بلاده لتوسيع مظلة الوسطاء لتضم إلى جانب الاتحاد الأفريقي أطرافًا دولية ذو ثقل لتدفع بالعملية التفاوضية شبه المتوقفة.
في سياق متصل، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري في اتصال هاتفي مع نظيره الفنلندي بيكا هافيستو إن مصر تترقب التوصل لاتفاق قانوني مُلزم قبل تنفيذ المرحلة الثانية من الملء، عبر إطلاق مسار مفاوضات جاد.
شكري أكد ضرورة أن يراعي الاتفاق مصالح الدول الثلاث ويحقق لأثيوبيا أهدافها التنموية ويحفظ في ذات الوقت حقوق مصر ويؤمن دولتي المصب من مخاطر وأضرار السد الإثيوبي.
اقرأ أيضًا.. سد إثيوبي جديد ينتهك حقوق المياه.. ومصر تصعّد لمجلس الأمن
المخاطر المتوقعة من سد أثيوبيا
من المتوقع أن يشمل الملء الثاني حجز 13.5 مليار متر مكعب من مياه في الموسم المطري المقبل للنيل الأزرق خلف في بحيرة التخزين بسد النهضة، وهي الكمية المضاعفة مقارنة بـ4.5 مليار متر مكعب تم تخزينهم في الملء الأول العام الماضي.
ما يمثل تهديدًا مباشرًا سواء للترتيبات والإجرارات المصرية والسودانية في تشغيل وإدارة السدود على النيل بداية من سد الروصيرص في السودان حتى السد العالي في مصر.
فنيًا تعتمد الإدارة الهندسية في مصر والسودان في تشغيل السدود على البيانات اليومية الواردة من الهضبة الإثيوبية وكمية الأمطار ومعدلات تدفق المياه. لكن حجب البيانات المتعلقة بكميات المياه المنتظر حجزها بشكل يومي وما سيتم إطلاقه عبر السد سيكون خطر كبير يهدد إدارة السدود.
تصادف عملية الملء الثاني مع إمكانيات حدوث الجفاف أو الجفاف الممتد سيكون الخطر الأكبر الذي طالما حذر منه المفاوضون المصريون والسودانيون خلال جولات التفاوض.
كما أنه كان سببًا لخلاف فني مطول مع أثيوبيا إلى أن تم حسمه في اتفاق واشنطن في فبراير الماضي، إلا أن أيس أبابا رفضت التوقيع على بنوده رغم التوافق عليها بنسبة كبيرة.
ويرى الخبراء أن مصر لم تشعر بمشكلات كبيرة خلال الملء الأول لأسباب تتعلق بوجود مخزون استراتيجي آمن في بحيرة ناصر، إضافة إلى ارتفاع منسوب الفيضان في السنة المائية الماضية.
لكن لا يمكن حسم الآثار المتوقعة للملء الثاني على مصر بخاصة في ظل عدم مشاركة إثيوبيا لأي بيانات مع مصر.
اقرأ أيضًا.. إثيوبيا تعَزْفُ منفردة.. السودان يرفض ملء سد النهضة بدون موافقة مصر
إجراءات سودانية
تجنبًا لمخاطر فيضان النيل الأزرق الذي أغرق السودان في الموسم المطري الأخير أغسطس وسبتمبر من العام الماضي، وبسبب القرار الأحادي من إثيوبيا بملء خزان سد النهضة في بداية الموسم المطري دون انتظار ذروة الأمطار.
كما أن أديس أبابا لم تشارك البيانات والمعلومات مع مصر والسودان، وبدأت السودان إجراءات مبكرة للتعامل مع أي إجراءات أحادية أخرى من إثيوبيا بالملء الثاني للسد.
وعقد وزير المياه السوداني، اجتماعًا بالأجهزة الفنية بوزارته لمناقشة السيناريوهات المتوقعة لمقابلة الملء الثاني لسد النهضة، المنتظر أن يحجز 13.5 مليار متر مكعب أي ما يوازي 3 أضعاف الملء الأول العام الماضي.
اقرأ أيضًا.. بعد القمة الإفريقية.. إثيوبيا تُعلن ملء سد النهضة ومصر: المفاوضات مستمرة
مطالب وحلول لدفع المفاوضات
“عودة التفاوض مرة أخرى تحت مظله الاتحاد الأفريقي لم يعد مرضيًا لمصر أو السودان خاصة مع استنفاذ كافة الأدوات والإمكانات المتوفرة لدى الاتحاد الأفريقي في التدخل لحل هذه الأزمة” هذا ما أكده مسئول مقرب من ملف سد النهضة الإثيوبي بالخارجية المصرية.
المصدر لفت إلى: “لا يمكن التعويل كثيرًا على رئاسة الكونغو للاتحاد الأفريقي أو انقضاء رئاسة جنوب أفريقيا”. كما أوضح: “الاستفادة الحقيقية التي توصلت لها القاهرة من الاجتماعات التي تمت برعاية الاتحاد وحضور ممثلين دوليين هي كشف عدالة وصحة الموقف المصري وحسن النية التي أبداها المفاوضون خلال الاجتماعات المختلفة.
وأوضح المسئول – الذي فضل عدم ذكر اسمه- أن مصر أوضحت مرارًا مواقفها في حملات وجولات دبلوماسية استهدفت دولاً أوروبية وأفريقية وعربية إضافة إلى المؤسسات والجهات الدولية ذات الصلة والمعنية بملفات المياه والسلم والأمن.
مواقف سياسية أكثر حسمًا
إلا أن تقارير المراقبين الأجانب منذ مفاوضات واشنطن كانت الأقوى في دعم صحة الموقف المصري وعدالة القضية في الدفاع عن حق مشروع لمصر في مياه النيل التي تعتمد عليها الدولة بنسبة 98% في تأمين احتياجياتها.
ويرى مراقبون أن أقصى ما يمكن أن يقدمه الاتحاد الأفريقي هو إدانة واضحة لأيوبيا ومواقفها المتشددة خلال جولات التفاوض، فضلاً عن استمرار التصرفات الأحادية في السد.
ويبقى على القاهرة والخرطوم اتخاذ كافة التدابير الفنية لمواجهة المخاطر المحتملة من الملء الثاني في ظل انتظار مواقف سياسية أكثر حسمًا من الدولتين لمواجهة التصرفات الإثيوبية الأحادية.
وأمامهما ممارسة ضغوط من قبل دول مانحة أو منظمات إقليمية لمنع الملء الثاني، ووضع إجراءات تضمن خفص معدلات الضرر على الدولتين لحين التوصل لاتفاق قانوني شامل وملزم.