أثار إعلان البيت الأبيض بـ”ضبط العلاقات وتقييمها” مع السعودية، دون التواصل مع ولي العهد، التساؤلات حول مستقبل “محمد بن سلمان” في حكم المملكة النفطية؟ وسيناريوهات التعامل معه في ظل وجود إدارة ديمقراطية جديدة تشعر أن ولي العهد لم يحقق أي تقدم في الملف الحقوقي في المملكة.
إعلان البيت الأبيض المفاجئ أكد أن الرئيس بايدن لا يخطط للتواصل مع ولي العهد محمد بن سلمان.
المتحدثة باسم البيت الأبيض أوضحت في مؤتمر صحفي: “قلنا من البداية إننا سنعيد تقييم علاقاتنا مع المملكة. وأحد الأسئلة التي تم طرحها سابقًا لتوضيح السياق كان حول ما إذا كان الرئيس بايدن سيتحدث مع محمد بن سلمان. لكن جزء من ذلك يعود إلى التواصل من نظير إلى نظير”.
“نظير الرئيس بايدن هو الملك سلمان، وأتوقع أنه سيتحدث معه في الوقت المناسب” أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض.
اقرأ أيضًا.. لجين الهذلول.. أيقونة المرأة السعودية داخل السجون
لكن ماذا يعني ضبط العلاقات مع السعودية؟
عدد من خبراء السياسة الدولية، قالوا إن إعلان البيت الأبيض معناه، أن هناك من لا يريد رؤية ولي العهد على كرسي الحكم في المملكة العربية السعودية. وأضافوا أن أسباب ذلك متعددة، وأولها الملف الحقوقي للأمير الشاب.
يأتي هذا عقب تصريحات سابقة لزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي قال إن هناك الكثير أمام المملكة في ملف حقوق الإنسان، لكي تكون العلاقات الأمريكية السعودية على ما يرام.
كذلك علق محمود رفعت المحامي الدولي والكاتب في مجلة “فورين بوليسي” ورئيس معهد السياسة الخارجية على الأمر.
رفعت قال إن تصريح البيت الأبيض حول أن الرئيس بايدن سيتواصل مع السعودية من خلال الملك سلمان وليس ولي العهد، يعتبر تمهيشًا للأخير.
الخبير الدولي قال: “التهميش مقدمة. أصبح وصول بن سلمان للعرش مهمة شديدة الصعوبة، أسرة آل سعود والشعب يؤيدون الأمير أحمد بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف للحكم وهو ما قد يتحقق قريبًا”.
كيف بدأت المواجهة بين بايدن ومحمد بن سلمان؟
تصريحات البيت الأبيض جاءت بعد عدة مقدمات في طريق التوتر في العلاقات بين البلدين، كان آخرها الحديث مجددًا عن تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل الصحفي “جمال خاشقجي“.
البيت الأبيض قال في 11 فبراير الجاري، إن الرئيس بايدن، يتوقع من الرياض تحسين سجلها في حقوق الإنسان. كما يتوقع إطلاق سراح نشطاء حقوق المرأة وسجناء سياسيين آخرين.
بعدها بساعات أفرجت السلطات السعودية عن الناشطة “لجين الهذلول” التي قضت في السجن 3 سنوات منذ مايو 2018 بتهمة قيادة سيارة إلى الحدود لدخول جامعة السوربون فرع أبو ظبي.
“الهذلول” احتجزت مع عدد من نشطاء حقوق المرأة، بتهم من بينها السعي لتغيير النظام السياسي السعودي والإضرار بالأمن القومي. بينما قررت المحكمة سجنها بعد إدانتها بتلك التهم.
الجماعات الحقوقية قالت إن “الهذلول” التي دافعت عن حق المرأة في القيادة وإنهاء ولاية الرجل في السعودية، تعرضت للتعذيب والصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق والجلد والاعتداء الجنسي.
إفراج بطعم الاحتجاز
لكن الإفراج عن لجين كان إفراجًا بطعم السجن. إذ فرضت السلطات في المملكة شروطًا وصفت بالصعبة والدقيقة للغاية ومنها: المنع من السفر مدة 5 سنوات بداية من 10 فبراير الجاري. والمنع من الإدلاء بأي تصريحات إعلامية لمدة 3 سنوات.
كما نصت الشروط على إخضاعها للمراقبة لمدة 3 سنوات، تستطيع خلالها السلطات السعودية إعداتها إلى السجن إذا ما اعتبرت هذه السلطات أن أي عمل قامت به انتهاكًا.
هبة زيادين، المتحدثة باسم “هيومن رايتس ووتش” قالت إن انتهاك فترة المراقبة بالنسبة للسلطات السعودية يمكن أن يكون مثلاً التواصل مع صحفيين أو دبلوماسيين في السعودية أو في الخارج.
الرئيس الأمريكي ورغم الإفراج المشروط عن “لجين” رحب بالأمر، لكنه أكد أن الولايات المتحد لن تقف أو تتردد عن المطالبة بمزيد من حقوق الإنسان في السعودية.
خبراء في السياسة الدولية، قالوا إن الإفراج عن “لجين” أمر جيد، لكنه غير كافي لتحسين صورة بن سلمان أمام الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
اقرأ أيضًا.. السعودية تفرج عن لجين الهذلول في شهر التوقعات الحقوقية للبيت الأبيض
جمال خاشقجي.. أول بيت في قصيدة التوتر
في أكتوبر 2018، دخل الصحفي السعودي شبه المنفي “جمال خاشقجي” القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية، لكنه لم يخرج إلا جثة هامدة “مقطعة”.
جو بايدن الذي كان وقتها مجرد نائب سابق للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، قال إن الرئيس ترامب بعد دفاعه عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يهدم المبادئ والقيم الأمريكية.
بايدن انتقد سياسات ترامب والحزب الجمهوري. كما قال: “القيم الأمريكية تتعرض للتدمير من الرئيس الذي لا يهتم إلا بنفسه. كل شيء متعلق بدونالد، وليس بأي شيء آخر”.
جو قال في تجمع انتخابي وقتها: “بن سلمان والسعودية، يا إلهي، إنه يختلق الأعذار”. وأضاف: “بالمناسبة هناك تعبير يقول إن بعض الأشخاص يحضرون مسدسًا إلى معركة بالسكاكين، ولكن لا يحضرون منشار عظام”، مؤكدا أنه “أمر محرج وخطير أيضًا”.
اقرأ أيضًا.. افتقرت للشفافية والعدالة.. محاكمة السعودية لقتلة “خاشقجي” تثير الجدل
“تقديم قتلة خاشقجي للمحاكمة”
مرة أخرى في مطلع عام 2020، وفي تجمع انتخابي أيضًا، قال المرشح في الانتخابات الرئاسية “بايدن” إن يتعهد بتقديم قتلة “خاشقجي” للمحاكمة “مهما كانوا”.
الرئيس الأمريكي تعهد وقتها: “بتحقيق العدالة في قضية خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عنها، كما أنوي إعادة تقدير العلاقات مع السعودية”.
بايدن وعقب دخوله البيت الأبيض رئيسًا، في مطلع فبراير الجاري قال إن الإدارة ستقدم للكونجرس التقرير الاستخباراتي حول قضية مقتل “خاشقجي” واصفًا الأمر بـ”الجريمة المروعة”.
أمريكا فرضت عقوبات بالفعل على 17 سعوديًا على خلفية قتل “خاشقجي” إلا أن العديد من أعضاء الكونجرس اتهموا إدارة الرئيس السابق ترامب بالسعي لحماية “بن سلمان”.
موقف الديمقراطيين من بن سلمان: حرب اليمن وصفقات السلاح والحوثيين
من ناحية أخرى، يواجه الرجل القوي في المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان والحاكم الفعلي للمملكة، تضييقًا كبيرًا من الحزب الديقراطي في الكونجرس.
البداية عندما أعلن بايدن في 4 فباير الجاري وقف دعم بلاده للعمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والمعدات.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي الديمقراطي جيك سوليفان، أعلن تغيير سياسة واشنطن في هذا المجال. جاء ذلك قبل أيام قليلة من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية وقف صفقات سلاح كان من المفترض إرسالها للإمارات والسعودية المنخرطتين في حرب اليمن.
بعد قرار وقف الدعم بأيام قليلة، أعلنت الخارجية الأمريكية في ضربات متلاحقة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، رفع قادة جماعة الحوثيين من قوائم الإرهاب مع الإبقاء على الأعضاء.
لكن رسائل البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والدفاع والكونجرس لم تكن كافية. إذ أعلن البيت الأبيض مؤخرًا نية الرئيس الأمريكي عدم التواصل مع ولي العهد محمد بن سلمان.
ترامب وبن سلمان
رغم أن العلاقات الأمريكية والسعودية تمر بالآن بما يمكن أن يسمى بـ”المرحلة الصعبة”، إلا أن الأمر لم يكن كذلك عندما كان ترامب في السلطة.
الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد في كتابه الأخير الذي صدر بعنوان “غضب” ونشرت مقتطفات منه، قال إن ترامب تباهى بأنه نجح في “إنقاذ” بن سلمان بعد اغتيال “خاشقجي”.
ترامب وحسب الكتاب تباهى، في إحدى مقابلاته المسجلة، بأنه نجح في “إنقاذ” بن سلمان الذي حمّله الكونجرس مسؤولية اغتيال “خاشقجي”.
وودورد قال إن ترامب أخبره: “لقد أنقذته”، ردًا على سؤال عن علاقة ولي العهد السعودي بجريمة قتل خاشقجي.
وبحسب الصحفي، أوضح ترامب أنه منع الكونجرس من ملاحقة بن سلمان. وقال ترامب وفقًا لهذه المقتطفات: “نجحت في جعل الكونجرس يتركه وشأنه. نجحت في إيقافهم”.
“بن سلمان” محط إعجاب ترامب
علاقة الرئيس الأمريكي السابق بولي العهد كانت محل سخط من الكونجرس الأمريكي، الذي يرى أن بن سلمان كان محط إعجاب لترامب.
ففي 29 يونيو 2019، مازح ترامب بن سلمان، على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت وقتها في اليابان. بينما دخل ترامب بعدها في موجة ثناء على “بن سلمان” واصفًا ما حققه في السعودية بالثورة.
ترامب قال: “كان أشبه بالثورة بمعناها الإيجابي” ملقيًا الضوء على الخطوات التي قام بها صوب “انفتاح المملكة العربية السعودية” بما في ذلك قضايا المرأة.
العلاقات الأمريكية السعودية ممتدة بين الولايات المتحدة والسعودية. إذ بدأت عام 1933 رغم الاختلافات بين البلدين. ففي السعودية حكومة ملكية مطلقة قائمة على التعاليم الإسلامية عكس أمريكا الجمهورية العلمانية الدستورية.
اقرأ أيضًا.. من الاحتضان إلى التخلي.. محطات في علاقة المملكة العربية السعودية بالإخوان في مصر
اقرأ أيضًا.. من رفع الولاية إلى إلغاء الجلد.. هل ينتصر الإصلاحيون في السعودية؟
اقرأ أيضًا.. حقوق الإنسان في السعودية: محاولة اغتيال خاشقجي جديد وناشطات في السجون
نظرة على تاريخ العلاقات بين السعودية وأمريكا
ومنذ أن بدأت العلاقات الحديثة بين الدولتين في 1945 كانت الولايات المتحدة على استعداد للتغاضي عن العديد من جوانب المملكة الأكثر إثارة للجدل. طالما أن الأخيرة تمدها بالنفط الذي يدعم بشكل كبير سياسات الأمن القومي الأمريكية.
وبعد الحرب العالمية الثانية تحالف البلدان ضد الشيوعية ودعما استقرار أسعار النفط وحافظا على سلامة حقوله وشحنه عبر الخليج العربي. كما عملا على تعزيز استقرار اقتصادات الدول الغربية التي كان السعوديون يستثمرون فيها.
ووقت الحرب الباردة ركز تحالف البلدين على مواجهة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وطرد القوات العراقية من الكويت عام 1991.
لم يختلف البلدين مسبقًا بشكل كبير إلا في موقفين نادرين، الأول عندما عارضت السعودية غزو العراق في 2003، والثاني عقب وصول الرئيس الديمقراطي بايدن الذي يبدو أن له أولويات مختلفة عن سابقيه بحسب بيان سابق للبيت الأبيض.
الموقف الشعبي لا يتوافق مع “الرسمي” دائمًا
الموقف الرسمي لا يتطابق بشكل كبير مع الموقف الشعبي. إذ تشير استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة “زغبي” عام 2002 وجدت أن 51% من السعوديين لديهم مشاعر عدائية تجاه الشعب الأمريكي.
وفي 2002 و2005 و2006 انقسم الرأي العام السعودي. إذ يرى 38% التأثير الأمريكي إيجابيًا. بينما يراه 38% سلبيًا. في حين أظهر استطلاع آخر للرأي في ديسمبر 2013، أن 57% من الأمريكيين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه السعودية. بينما يؤيدها 27% فقط.