تحتفل دول حوض النيل في 22 فبراير باليوم السنوي للنهر، تحت مظلة مبادرة حوض النيل، وهي المنظمة الإقليمية للتعاون والإدارة المشتركة للنهر بين دول المنبع والمصب. وينعقد الاحتفال هذا العام عبر الفيديوكونفرانس وسط استمرار أزمة تفشي وباء كورونا.
ذكرى يوم النيل تأتي بعد 11 عامًا من قرار مصر والسودان الانسحاب من المبادرة، بعد توقيع الإطار القانوني لاتفاقية “عنتيبي“. الاتفاق الذي ترفضه مصر لتجاهل الاتفاق حقوقها التاريخية والاستخدامات الحالية لمياه النيل.
اقرأ أيضًا.. بايدن يغير سياسته تجاه إثيوبيا.. واشنطن تلغي عقوبات سد النهضة وتدفع في اتجاه تيجراي
بداية الأزمة وأسباب الخلاف
مصر كانت أول من دعا إلى هيكلة التعاون بين دول حوض النيل في إطار قانوني ومؤسسي. من خلال تدشين منظمة إقليمية للتعاون في كل ما يتعلق بإدارة مياه النهر من المنبع حتى المصب.
في 1999 تم تدشين مبادرة حوض النيل كهيكل لدراسة مشروعات إدارة الموارد المائية. كذلك للاستفادة من الطاقات الكامنة في النهر من خلال برنامجين.
أحد البرنامجين “ENTRO” تستفيد منه مصر والسودان وإثيوبيا. بينما الآخر في “البحيرات الاستوائية” “NELSAP الذي يجمع الكونغو وكينيا ورواندا وبوروندي وتنزانيا وأوغندا.
مدينة عنتيبي الأوغندية كانت مقرًا للمبادرة وضمت 10 دول مطلة على حوض النيل. كما ضمت إريتريا كدولة مراقبة. كذلك انضمت جنوب السودان عقب استقلالها للمكتب التنفيذي للمبادرة في 2013.
ومنذ تدشين المبادرة شاركت 17 دولة وجهة مانحة في دعم مشروعات المبادرة ماليًا وفنيًا. كذلك الدعوة لحوار ثنائي بين دول المنبع والمصب من خلال مشروعات إقليمية تجمع دول حوض النيل.
مع بداية العمل في المبادرة بدأت سلسلة من المفاوضات بين وزراء المياه في دول حوض النيل لصياغة اتفاق شامل يتضمن التعاون في إدارة مياه النيل. كذلك التمهيد لإنشاء مفوضية لحوض النيل.
إلا أنه بعد مشوار شاق من المفاوضات وصياغة ما يقرب من 97% من الاتفاقية التي سميت بـ”الاتفاقية الإطارية” CFA بدأت سلسلة من الخلافات في 2009. الخلافات كانت بسبب صياغة 3 بنود في الاتفاقية بين دول المنبع ودولتي المصب (مصر والسودان).
اقرأ أيضًا.. سد النهضة: من الدعم إلى المعارضة ومخاوف الجفاف.. تحولات الموقف السوداني
بنود خلافية
البنود الخلافية كان أهمها البند 14 ب المتعلق بالبند المائي بدلاً من الحقوق التاريخية والمكتسبة. حيث رأت دول المنبع البند ليعطي كل دولة حق استخدام المياه النهر حتى تحقيق الأمن المائي. كذلك رأت عدم الاعتراف بالحقوق التاريخية أو المكتبسة التي تتضمن حصص المياه السنوية المخصصة لدولتي المصب. وهي الحصص المنصوص عليها في اتفاقية 1959 والتي تعطي لمصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والسودان 18.5 مليار متر مكعب. كما اعتبرت أن هذه المكتسبات استعمارية لا يمكن الاعتراف بها، وهو ما رفضته مصر والسودان.
وتضمنت البنود الخلافية آلية التصويت على القرارات. حيث أرادت دول المنبع أن يكون التصويت على القرارات بالأغلبية. بينما رأت مصر والسودان أن يكون بالإجماع، لمنع تشكيل تكتلات، خاصة أن هناك اعتقادات راسخة لدى دول المنبع أن القاهرة تنعم وحدها بمياه النهر، وتحقق التنمية لشعبها وحصولها على نصيب الأسد من المياه. بينما تحرم باقي الدول من حق استغلال المياة لصالح شعوبها. كذلك اشترطت مصر ضرورة أن تنص الاتفاقية إلزام دول المنابع ببند الإخطار المسبق قبل إقامة أي مشروعات على النهر تنفيذًا لمبدأ عدم الضرر.
الخلاف على البنود الثلاثة استمر لأكثر من عامين دون أي حلول، حتى قرر وزراء المياه بدول منابع النيل التوقيع على الاتقاقية بعد اجتماع في شرم الشيخ بـ2010.
الاجتماع فشلت فيه كافة الحلول للتوصل لصيغة توافقية بين دول المنبع والمصب. كما تم فتح باب التوقيع على الاتفاقية في مايو 2010 بعينتيبي ووقعت عليها إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي.
قرار دول منبع النيل بالتوقيع المنفرد على الاتفاقية دون مواقفة دولتي المصب، واجهته مصر والسودان بالانسحاب وتجميد الأنشطة في مبادرة حوض النيل. الأمر الذي تسبب في وقف العديد من المشروعات التنموية التي كانت محل دراسة من خلال مكتبي المبادرة للنيل الشرقي والجنوبي.
كذلك بسبب انسحاب الدول المانحة والممولين على رأسهم البنك الدولي تنفيذًا لمبدأ عدم تمويل أي مشروعات على الأنهار في ظل عدم توافق جميع الدول عليها.
اقرأ أيضًا.. تهدئة أممية وبوادر انفراجة.. سد النهضة يعود لمسار واشنطن
مصير اتفاق عينتيبي
قانونيًا أفتى عدد من الخبراء والمكاتب الاستشارية الدولية بأن اتفاقية عينتيبي يمكن تفعيلها بعد توقيع 6 دول. كذلك تصديق البرلمانات وإدراجه لدى الاتحاد الأفريقي.
إلا أنه رغم مرور 11 عامًا على توقيع الاتفاق فشلت مساعيهم في إنهاء الخطوات القانونية والتصديق عليه أو إدراجه لدى الاتحاد الأفريقي. بينما استمرت مبادرة حوض النيل في أنشطتها رغم التحديات المتعلقة بالتمويل وضعف برامج المنح.
من ناحية أخرى، ترى مصر أن الاتفاق لا قيمة له من دون انضمام دول المصب له. إلا أن وزارة الري استمرت في إرسال وفد فني لحضور الاجتماعات الوزارية السنوية المنعقدة تحت مظلة المبادرة. جاء ذلك تأكيدًا للموقف المصري المتمسك بإعادة التفاوض حول الاتفاقية ورفض المساس بالحقوق التاريخية.
محاولات لحل الخلاف
رغم انعقاد اجتماعات وزارية استثنائية لوزراء المياه في حوض النيل منذ انسحاب مصر في 2012. إلا أن دول المنبع أصرت على موقفها بعدم فتح أي مفاوضات حول الاتفاقية مرة أخرى. كذلك أصرت على الاكتفاء بذكر ملاحظات مصر والسودان في ملاحق للاتفاقية دون تضمينها في النص الأصلي. وهو ما رفضته مصر في النهاية.
في 2013 قررت السودان فك تجميد أنشطتها في مبادرة حوض النيل رغم استمرار الرفض المصري. بينما ترأست الخرطوم في العام نفسه رئاسة المجلس الوزراي للمبادرة.
القاهرة تلقت عروضًا من دول المبادرة لإقناعها بالرجوع عن موقفها والتراجع عن قرار تجميد نشاطها في المبادرة. كما بذلت السودان جهودًا للوساطة. لكن مصر تمسكت بعدد من التحفظات قبل العودة إلى مبادرة حوض النيل.
ويستند الموقف القانوني لمصر على عدم العودة إلى المبادرة. إلا أن أي اعتراف مصري باتفاق عينتيبي، سيكون بمثابة موافقة على اتفاقية تنظم إدارة المياه وتعطي الحق لدول منابع النيل في استغلال النهر. يأتي هذا دون النظر إلى مصالح دول المصب أو الأضرار التي قد تقع عليهم وهو ما يتنافى مع مبدأ “عدم الضرر”.
وتعوّل مصر على ضعف التمويل الذي تعاني منها المبادرة ليكون دافعًا لدول المنبع للموافقة لإعادة التفاوض حول عنيتبي. إلا أن هذا السلاح لم يثبت فعاليته خلال العشر سنوات الماضية. كذلك استطاعت إثيوبيا بناء سد النهضة دون الالتزام بأي من الأعراف القانونية الدولية في إدارة مياه الأنهار المشتركة. كذلك لم تلزم نفسها بالإخطار المسبق أو مشاركة البيانات والمعلومات حول السد.
التعاون الثنائي مقابل التكامل الإقليمي
وخلال العشر سنوات الماضية استخدمت مصر كارت التنمية وتقوية العلاقات على المستوى الثنائي دون الإقليمي لتعميق علاقتها بدول حوض النيل. كذلك تعمل وزارة الخارجية وفق سياسة التعاون ومساعدة دول حوض النيل في تلبية احتياجاتهم التنموية.
وبدأت مصر عددًا من المشروعات التعاون الثنائية والمشاركة في التنمية المباشرة بشكل خاص في ملف المياه ومشروعات السدود. حيث تنفذ شركة المقاولون العرب في تنزانيا سدين لتوليد الكهرباء، كذلك مشروعات لحفر آبار وتنمية الموارد المائية.
وتبقى قوة التحركات الدبلوماسية المصرية في حوض النيل رهن تحقيق اختراق في عودة التفاوض على اتفاق ملزم لتنظيم آليات إدارة المياه في حوض النيل. حتى لا تفاجئ القاهرة بإقامة سدود أو توجيه للمياه في مشروعات قد تضر معدلات تدفق المياه السنوية للسد العالي.