تبرز الأزمة السياسية المحتدمة في تونس، والتي توصف بصراع “الرئاسات الثلاث”، حجم النزاع بين الحكومة والبرلمان، من جهة، ورئيس الدولة، من جهة أخرى. فرئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة (فرع الإخوان بتونس)، راشد الغنوشي، عمد في خضم الصراع الممتد لقرابة الأربعة أسابيع بدون انفراجة محتملة، إلى تعبئة الشارع ضد الرئيس قيس سعيد، بل وتبادل الملاسنات الحادة بين الطرفين.
وفي محاولة لتقزيم دور الرئيس التونسي، عمد رئيس حركة النهضة إلى وصف منصب رئيس الدولة بـ“الرمزي”. وذلك في إطار الرد على رفض التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي.
ومن جانبه، يرفض الرئيس التونسي أربعة وزراء جدد في الحكومة، على خلفية شبهات فساد. وهو ما تسبب في انسداد سياسي، وأزمة دستورية، في ظل التنازع على الصلاحيات بين الرئاسات الثلاثة.
لذلك، كان من المتوقع أن تصل تونس إلى هذا الانسداد لأن المناورات التي قادها رئيس البرلمان كانت تستهدف التحكم في المشهد السياسي والحكومي، وفقا للصحفي التونسي، صغير الحيدري.
مآلات الغنوشي
يضيف الحيدري لـ”مصر 360″: “كان الغنوشي يدرك أن مآلات سياساته سوف تضع رئيس الحكومة في مواجهة مفتوحة مع الرئيس قيس سعيد. ولقد أصبح هشام المشيشي بكل بساطة يخوض حرباً بالوكالة عن الغنوشي ضد سعيد. فالغنوشي الذي نازع الرئيس في وقت سابق على صلاحياته وكان ذلك جليا في اتصالاته برئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق، وتهنئته له بالانتصار في معركة قاعدة الوطية العسكرية، وكذلك لقاءاته بأردوغان وغيرها من التحركات”.
قال الغنوشي، قبل أيام قليلة، إن “تهمة الفساد حكم يصدره القضاء”، ووصف الاتهامات الموجهة إلى الوزراء بأنها “مجرد مكائد هدفها إسقاط التعديل الوزاري”.
وهاجم الغنوشي موقف سعيد، حيث قال إن “تونس نظامها برلماني ودور رئيس الدولة هو دور رمزي وليس دوراً إنشائياً. وأشار إلى أن “موضوع الحكم ومجلس الوزراء يعود إلى الحزب الحاكم. وهو بالأساس مسؤولية الحكومة”.
وذكر رئيس الجمهورية في رسالة وجهها لرئيس الحكومة، بأن التعديل المقترح “لا يحترم تمثيلية النساء” التي يضمنها القانون. كما يوجد من بين الأسماء المرشحة من تتعلق بهم “شبهات فساد وفق تقارير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”.
اقرأ أيضا:
في ذكرى ثورة الياسمين.. شوارع تونس تفيض بالمحتجين ضد خلافات الغنوشي والرئيس
وألمح الرئيس التونسي إلى محاولات النهضة للاستحواذ على السلطة، حيث قال إن “هناك من يتخفى وراء هؤلاء المرشحين، وأن المشيشي وحزامه السياسي يعلم ما يوجه إليهم من تهم وما تحوم حولهم من شبهات ويتجاهلونها أو يحاولون التقليص منها”، موضحاً أن “هناك من يبحث عن حكومة على المقاس. ويحاول باستمرار توظيفها حتى تكون في خدمة جهات بعينها، بالإصرار على نفس السياسات التي أدت إلى الانفجار الثوري في أواخر شهر ديسمبر من عام 2010”.
ولحلحة الأزمة قام سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، بطرح مبادرة على رئيس الحكومة هشام المشيشي، طالبه فيها بالاختيار “بين التخلي عن الوزراء قيد التحقيق أو تقديم استقالته”.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل: “إن الحل الوحيد لحل الأزمة بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة هو إما تخلي هشام المشيشي، عن الوزراء المتحفظ على تعيينهم أو الاستقالة”.
وبينما صرح المشيشي بأنه لن يستقيل من منصبه، فقد اتهم الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل رئيس الحكومة (هشام المشيشي)، باستهداف مبادرة الحوار الوطني التي قدمتها المنظمة المالية، والتي وافق عليها الرئيس التونسي.
وبالعودة إلى الصحفي التونسي، فإنه يوضح لـ”مصر 360″: “في الواقع، فإن مبادرة الاتحاد لإجراء حوار وطني فشلت باعتبار أن التعديل الوزاري قطع الطريق أمام هذه المبادرة، رغم نفي قيادات الاتحاد أن لهذا التعديل دور في فشل مباردتهم. وكان المفترض أن ينتهي الحوار الوطني بحكومة وحدة وطنية، تمهد لمرحلة انتقالية، يجري فيها تغيير القانون الانتخابي واستكمال المشاورات حول النظام السياسي وطبيعته”.
ويلفت المصدر ذاته إلى أن “النظام الحالي أجج الصراع السياسي في البلاد وهو نظام شبه برلماني وأبرز المتمسكين به هم أعضاء وقيادات حركة النهضة. حتى أن زعيمها راشد الغنوشي دعا علناً لإرساء نظام برلماني تام وهو ما يلقى رفضاً واسعاً داخل الأوساط السياسية في تونس التي ترى أنه حان الوقت للعودة للأصل: العودة للنظام الرئاسي الذي ينهي حالة تشتت الصلاحيات الموجودة حالياً”.
وكانت رئاسة الوزراء التونسية، ذكرت في بيان رسمي لها، أن “إعفاء الوزراء الخمسة، يأتي في إطال استكمال إجراءات التعديل الوزاري، الذي شمل 11 وزيراً، ونال تزكية مجلس النواب منذ ثلاثة أسابيع، والذي يرفضه الرئيس قيس سعيد تماماً، بعد أن أكد مراراً، أن عدداً من الوزراء الجدد، تحوم حولهم شبهات فساد، لكنه لم يفصح عن أسمائهم، رغم مطالبة المشيشي له بذلك”.
وقال مساعد رئيس مكتب مجلس نواب الشعب التونسي المكلف بالإعلام والاتصال، ماهر مذيوب، إن رئيس البرلمان، توجه برسالة خطية إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، دعاه فيها إلى تنظيم لقاء ثلاثي يجمعهما إلى جانب رئيس الوزراء هشام مشيشي لإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة.
إذاً، مبادرة الاتحاد “فشلت” بسبب التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي، بحسب الحيدري، وهو ما يعني أن الأطراف الداعمة له والمتمثلة في “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” لم يسعوا إلى حل للأزمة المتفاقمة في تونس. لكنهم اليوم يجدون أنفسهم في مأزق حقيقي بعد رفض الرئيس سعيد لهذا التعديل.
ولذلك؛ فإن الاتحاد لا يكتفي بدور المتابع بل دعا إلى “انسحاب وزراء تحوم حولهم شبهات فساد من أجل تجاوز هذا المأزق. لكن يبدو أن الأطراف الداعمة للمشيشي لا تنوي التراجع لأنها تتوجس من قرارات مستقبلية للرئيس تضع نفوذ حزام المشيشي ولاسيما حركة النهضة على المحك. وهنا الحديث خاصة على حركة الولاة (المحافظين) التي من المقرر أن يقوم بها المشيشي والولاة في تونس تستوجب مباشرتهم لمهامهم من خلال تأديتهم اليمين الدستورية أمام الرئيس”.