أثارت التعديلات الجديدة على قانون تسجيل الشهر العقاري حالة من الربكة في السوق العقاري المصري للملاك والمستثمرين معًا، مع توقعات بأن يشهد السوق العقاري حالة من التجميد غير المسبوقة نتيجة تلك التعديلات.

في سبتمبر الماضي، أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى، القانون رقم 186 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري، والذي حمل تعديلات مهمة سيبدأ تنفيذها من 6 مارس المقبل، بشأن تسجيل الملكية العقارية بموجب الأحكام القضائية المثبتة للحق العيني، وتنظيم الطعن عليها، مع حظر تعامل المرافق مع العقارات التي لم يتم تسجيلها بهذه الإجراءات.

تحذير حكومي

طبقا للتعديلات الجديدة لقانون الشهر العقاري الجديد، حذرت وزارة العدل شركات الكهرباء والمياه والغاز وكذلك كل الوزارات والمصالح الحكومية نقل المرافق والخدمات إلى العقارات، إلا بعد تسجيلها في الشهر العقاري، والحصول على عقد بيع نهائي، مؤكدة أن العقد الابتدائي بين البائع والمشتري لن يتم النظر له في نقل المرافق إلى الوحدة السكنية كما كان في السابق.

البعض قال إن هذه التعديلات لها فوائد كبيرة، منها تقليل حجم المنازعات في المحاكم وتحقيق زيادة في الاستثمارات ورفع القيمة السوقية للوحدة السكنية، بجانب إنهاء مشكلة تسلسل الملكية في الشهر العقاري، والتعامل مع كافة الشركات الحكومية والعقارات مثل مرافق الكهرباء والمياه والاتصالات والغاز، لكن للحكاية أبعاد أخرى يتحدث عن متخصصون في هذا التقرير.

مصاريف تسجيل الشقة طبقا للقانون الشهر العقاري

المستندات المطلوبة لتسجيل الشقة في الشهر العقاري بعد 6 مارس 2021  هي صورة البطاقة الشخصية للمشتري والبائع مع الاطلاع على الأصل، كتاب طلب إشهار الوحدة السكنية يقدم للموظف الشهر العقاري،  أصل العقد الابتدائي بين البائع والمشتري، تقديم التكليف الضريبة العقارية الخاصة بالوحدة، وأخيرًا تقديم كشف مساحي خاص بالوحدة محل البيع حال تغير أوصافها.

ماذا سيحدث إذا لم يتم التسجيل؟

في حالة عدم التسجيل لن يتمكن المشتري من الحصول على المرافق، ولن يعترف بالوحدة في أي معاملات حكومية.

ماذا يحدث في 6 مارس؟

بحسب ما صرحت به المحامية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، فإن التعديلات الجديدة التي طرأت على قانون الشهر العقاري، فيما يخص صحة توقيع العقود وآليات نقل ملكية المنازل والوحدات السكنية، ستؤثر بالسلب على السوق العقاري في مصر، حيث إن المواطن سيقوم بدفع مجموعة من الرسوم غير مسبوقة، أولًا رسم التسجيل بحد أقصى 2000 جنيه، النشر في جريدة رسمية واسعة الانتشار على حساب المواطن، دفع 1% لتصديق نقابة المحامين على العقد، ودفع ضريبة التصرفات العقارية 2.5 % من قيمة الوحدة، رسم المساحة 190 جنيه لو أقل من 100م، 380 حتى 570 لو أكثر من 100م، رسم هندسي بحوالي ألف جنية، ضريبة دمغة وأتعاب محاماة بقيمة 500 جنيه، ورسم تحت طلب الشهر العقاري  75% منها في حال بلغ قيمة العقد أقل من 200 ألف يدفع لهم 9 الآف جنيه، فضلًا عن الوقت المستهلك في تجميع الأصول الورقية لتسجيل.

صحة التوقيع

وعن صحة التوقيع قبل التعديل، تثبث فقط أن هذا التوقيع سليم ولكن لا تثبت حق الملكية، وفي الوقت ذاته يستحيل أن يشهد السوق العقاري أي انتعاشة في المرحلة القادمة فدون التسجيل لن يستطيع صاحب العقار أو الوحدة أن يبيعها أو يورثها لأطفاله بعد ذلك، وفقا لأبو القمصان.

رقم قومي لكل وحدة

التعليمات الجديدة لرئيس مجلس الوزراء وجهت بأن تكون لكل شقة “شهادة ورقم قومي” ولا يتم شراء أي شقة دون الاطلاع على الشهادة والرقم القومي، وإذا تم بيعها تكون بنفس الإجراءات، وبالتالي الشقة مسجلة بالشهر العقاري بثمن وغير المسجلة ثمنها أقل، ما يجعل حكم صحة التوقيع غير معترف به.

اقرأ أيضا:

“رسوم الموارد”.. 18 مليارًا تدخل الموازنة من جيوب الفقراء أم من سلع المرفهين

رئيس مصلحة الشهر العقاري الدكتور جمال ياقوت، صرح بأن الهدف من وراء هذا التعديل هو تبسيط إجراءات التسجيل واختصار دورتها لحث المواطنين على إثبات ملكيتها العقارية، وأن تسجيل العقارات ليس إجباريا، لكن هناك خدمات لن تستفيد منها تبدأ من فاتورة الكهرباء إلى شهادة الميلاد إلا بعد تقديم ما يفيد تسجيل العقار فى الشهر العقارى.

ولفت إلى أن الأراضي الجديدة الشركات التي مولتها معفية من الضريبة لأن هذه الشركات تقوم بالتطوير العقاري لذا فإن إعفاءها من الضريبة امتياز من الدولة.

قانون غير شامل

اللواء محمد بسيوني، الرئيس الأسبق لشركة مصر لإدارة الأصول العقارية، يرى أن بداية توقيت التعديل غير موفقة خاصة أنه أتى بعد قانون الضريبة العقارية والتصالح لمخالفات البناء، ومن ثم يجد المواطن نفسه مُجبر على دفع مبالغ كبيرة من أجل تسجيل وحدته العقارية أو ما شابه وبتالي يتحمل عبئا كبيرا أيضًا، فضلًا أنه لم يُعلن عن مدة محددة للتسجيل.

وهذا القانون، وفقا لبسيوني، لابد أن يًنظر له بشكل أشمل، حيث إن العقارات لدينا مقسمة إلى جزئين : محليات والمجتمعات العمرانية الجديدة، وبالتالي لم يتم توضيح ما هي الجهات المتعامل معها في الحالتين، بالإضافة إلى أن هناك تعاملات تتم من خلال التوكيلات مثلا من قام ببيع شقة بموجب توكيل دون وجود عقد لم يتم توضيح التصرف في مثل هذا الأمر.

ويستكمل: “الفئة القاطنة في الكمبوندات التي نطلق عليها “المجمعات المغلقة”،  تواجههم مشاكل من نوعية أن المطور العقاري لم يقم بالتسجيل أو استكمال الإجراءات ولم يحصل على ترخيص من الحي نتيجة وجود مساحات لا تزال تحت الإنشاء سواء  لإقامة ملاعب أو غيره، هذه الفئة من يملك فيها وحدة سكنية لن يستطيع التسجيل لأن وفقًا للقانون الجديد الكيان الذي يمكث فيه مخالف، المطور معظمه ناس ضاربة بعرض الحائط فلابد أن يشمل القانون ما يُلزم هذه المجمعات بـ مهلة لإنهاء الإجراءات والترخيص”.

فيما يتعلق بالمواطن البسيط التي لا تتجاوز وحدته السكنية ال120م في حي شعبي، فبحسب -بسيوني- هو في أزمة حقيقية لابد أن تنظر له الدولة فهو يعاني من الضريبة العقارية  التي تُحدد بتقدير الشقة في الوقت الحالي وليس القيمة الحقيقة التي اشترى بها من سنوات، بزيادتها السنوية، بجانب المصالحات المدفوعة منذ فترة قليلة والآن تسجيل ودفع مرة أخرى، وتغريمه 2.5%  ضريبة تصرفات عقارية عند التسجيل وكأنه يبيع لنفسه.

ينتقد بسيوني عدم وجود نظرة شاملة للقانون، فإذا كانت الدولة ترغب في تقنين العقار وإصدار رقم قومي لابد أن تسهل على الناس لأن جميع الفئات متضررة.

بداية الانهيار الحقيقي

يتوقع طارق نجيدة، المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن يتسبب هذا التعديل في تجميد شامل للسوق العقاري، فمصر لديها تقريبًا 10% فقط من الثروة العقارية مسجلة و90% وربما أكثر غير مسجلة وبالتالي هذا الجزء غير المسجل بالكامل لن يستطيع التسجيل لأن إذا كان هناك عدد منهم متقاعس فهو نسبة قليلة جدًا أما النسبة الأكبر فهي لم تسجل لأسباب تتعلق بعدم وجود أصل ملكية خاصة في القرى والنجوع مساحات هائلة أغلبها موروثة أو كانت أرض زراعية وتحولت مباني وهكذا، وحتى في المدن مثل القاهرة والإسكندرية هناك امتداد عمراني كبير القانون يسميها مناطق  “غير مستقرة الملكية”.

يوضح نجيدة أن بهذا القانون لا يتم الاعتراف بهذه النسبة ولا يسمح لها بإدخال النرافق أو توكيلات بيع وشراء وبالتالي تم وقف الاقتصاد العقاري وتجميده تمامًا، الذي يملك الآن أرض أو عمارة لن يتم بيعها ما يترتب عليه نقص في السيولة المالية وبالتالي لن يتم شراء وحدات فحتى إن كان هدف الدولة الترويج للعاصمة الجديدة  السيولة تم إغلاقها تمامًا.

يتابع: “المرافق هي أساس الاقتصاد العقاري، وهي قائمة على تقديم خدمة مقابل مبلغ مالي لكن الفقرة الثالثة من التعديل حظرت على المرافق التعامل مع أي وحدة غير مسجلة، وبالتالي المواطنين مش هيدفعوا فهنا أزمة أخرى وانهيار آخر، على عكس الفقرتين الأولى والثانية في التعديل التي تنص على تسيير الأحكام القضائية لصحة العقود”.

الحل من وجهه نصر المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن يتم مدة مهلة تنفيذ هذا القانون حتى يبدأ المواطنون في تحضير الأموال اللازمة للتسجيل، كما أن لن تستوعب استقبال الملايين في أسبوعين. ” الأزمة ليست في الفلوس وإنما لا يوجد إمكانية للتسجيل بالإجراءات القانونية الآن”.

روج المؤيدون للتعديلات بأنه سيثبت حق الورثة فيما بعد، لكن نجيدة يؤكد أن وجود الورثة يعقد إثبات الملكية بمعنى لو أن هناك ورثة كثر يتجاوز عددهم 30 فردا وهي الحالة الأشمل، سيحدث انقطاع في حقوق الملكية، لأن المحامي يقوم بإجراءات معقدة للغاية في موضوع تسجيل إثبات الملكية ويقوم بجانبها بإصلاح عيوب الأحوال المدانية لهؤلاء الورثة وفي النهاية نعود لنفس الدائرة المفرغة وهي وقف التسجيل.

انحياز جديد ضد المشتري

بينما يشير الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني إلى أن التعديل الأخير في قانون الشهر العقاري بعد قانون التصالح في مخالفات البناء جاء ليشكل تغييرا جوهريا في توجهات انحيازات المشرع، فإذا كان أصحاب الشقق المخالفة سددوا 25% من قيمة الشقق لضمان جدية التصالح، ثم يأتي القانون الجديد ليشكل هذا التعديل تغييرا في علاقات الملكية وتوفير المرافق والخدمات للعقار.

وتكرس التعديلات انحياز المشرع ضد المشتري، حيث يتم تحميل المشتري وليس البائع للرسوم التي تتراوح ما بين 500 جنيه إلى 2000 جنيه إضافة إلى ضريبة 2.5% من قيمة العقار، وبعد أن كانت دعوى صحة ونفاذ العقود تأكيد على مشروعية الملكية وعلى أساسها يتم توصيل المرافق، بعد هذا التعديل أصبح التسجيل في الشهر العقاري وسداد الرسوم شرط لدخول المرافق العامة، ما حرم  بعض العقارات والمواطنين من دخول المرافق العامة، هنا يشكل التعديل تغييرا في فلسفة التشريع الذي حول الحق إلى سلعة لا تصل إلا لمن يملك أن يدفع ثمنها وتكلفتها.

يمكن القول إن هذا التعديل كرس مزيدا من الانحياز لأصحاب العقارات على حساب المواطن المشتري، لذا من المتوقع ألا يتوقف الجدل حوله في الأيام المقبلة.