تئن منطقة الساحل الأفريقي تحت وطأة الاضطرابات الأمنية والسياسية المتسببة فيها الجماعات المسلحة. إذ تقوم بعمليات متواصلة من تعبئة الأطفال في التنظيمات الإرهابية. ووثقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، مقتل 150 طفلاً، في النصف الأول من عام 2019. بينما أشارت إلى زيادة وتيرة العنف بين المجموعات القبلية والجماعات الراديكالية، ما نجم عنها مقتل وتشويه الأطفال وتشريدهم وانفصالهم عن أسرهم.
وبحسب المنظمة الأممية، فإنه يتم تخريج دفعات من الأطفال، جاهزة للقتال لا تتجاوز أعمارهم 16 عامًا. ومن ثم استغلالهم كعناصر انتحارية أو في عمليات التجسس، لما لهم من قدرة على التنقل والتخفي.
اقرأ أيضًا.. “انتحار جماعي” لـ 44 مسلحًا من “بوكو حرام” في تشاد
حركات تجنيد الأطفال المسلحة
وتنتشر في منطقة الساحل الأفريقي العديد من التنظيمات المسلحة. وترجع أصول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية. الجماعة التي أعلنت مطلع عام 2007، تغيير اسمها لـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
كما برزت حركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا، إثر تبنيها عملية اختطاف ثلاثة من عمال الإغاثة جنوب غرب الجزائر. ويتكون جناحها العسكري من 4 سرايا، هي: سرية عبدالله عزام، سرية أبو مصعب الزرقاوي، سرية أبو الليث الليبي، وسرية الاستشهاديين. كذلك يضاف إلى ذلك تشكيل آخر يعرف بـ”كتيبة أسامة بن لادن”، بقيادة عضو مجلس شورى الجماعة، أحمد التلمسي.
كذلك برزت أول بيعة لتنظيم “داعش” من التنظيمات الجهادية الناشطة شمال مالي من طرف جماعة “المرابطون”. بينما أعلنت الجماعة في 2015 مبايعتها للبغدادي.
وفي هذه الحالة الجهادية التنظيمية الممتدة والمعقدة، يظهر مصطلح “أشبال الخلافة”، الذي استخدمه تنظيم “داعش”. ضمن العناصر المرشحة للتجنيد والاستقطاب، عبر وسائل عديدة. كذلك ضغوطات أو إغراءات متفاوتة. فيتم إعداد معسكرات لتدريبهم على القتال، وصنع المتفجرات، بالإضافة إلى زرع الألغام. ناهيك عن الدورات العقائدية والأيدولوجية لتمرير الأدبيات الخاصة بالتنظيم.
ويشير تقرير للأمم المتحدة، صدر قبل نحو 3 أعوام، أن التنظيمات الإرهابية جندت نحو “961 قاصرًا على الأقل خلال عام 2017″. بينما وصل إجمالي عدد المجندين خلال عام 2016، نحو 850 طفلًا. وقتل نحو 910، بينما أصيب 361 منهم في ساحات المعارك خلال 2017”.
اقرأ أيضًا.. اختطفوا طلابًا ومعلميهم.. نيجيريا تعلن الطوارئ بعد تجدد هجمات “بوكو حرامو”
داعش الأكثر استغلالًا للأطفال في الحركات المسلحة
التقرير لفت إلى أن داعش يعد التنظيم “الأكثر استغلالًا وتجنيدًا للأطفال. وجند في سوريا 4 آلاف طفل منذ بداية ظهوره بالرقة السورية، نهاية أغسطس عام 2014”.
ومن بين أساليب التجنيد التي تستهدفها التظيمات الإرهابية، الاستعانة بالشبكات الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي. فضلًا عن استدراج الأطفال الذين لا يرتادون المدارس، وتقديم الإغراءات عبر المخيمات الدعوية وتوزيع الهدايا. كذلك السماح لهم باستخدام أسلحتهم واللعب بها. كما يتم تجنيد أعداد ليست بالقليلة من الأطفال الأيتام، وأطفال الشوارع.
وفي النصف الثاني من 2020 أشارت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارليمن، إلى الاعتماد المتزايد على المجندين القصر في التنظيمات المسلحة. مثل جماعة “بوكو حرام” وغيرها “بما يعرضهم لمخاطر عديدة”. وذلك لتنفيذ العمليات الإرهابية بإفريقيا، وتعويض النقص في عدد المقاتلين.
تجنيد آلاف الأطفال من 2009 إلى 2016
يعد تجنيد الأطفال ضمن المنظمات المسلحة في إفريقيا، ودول الساحل والصحراء من الظواهر المتصاعدة والمقلقة. حسبما يوضح الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبدالقادر محمد.
كذلك أضاف لـ”مصر 360″: “وثقت التقارير الأممية تجنيد أعداد هائلة من القصر في النزاعات المسلحة بأفريقيا. من بينها الأحداث الدموية التي شهدتها نيجيريا عام 2017. جندت جماعة بوكو حرام، على سبيل المثال، ما لا يقل عن 8 آلاف طفل منذ 2009 حتى نهاية 2016″.
الباحث لفت إلى أن أسباب وآليات التجنيد متفاوتة؛ حيث تبرز استغلال التنظيم لـ”الأمية والبطالة وارتفاع معدلات الفقر. ومن ثم، تقوم تلك التنظيمات المسلحة والإرهابية بتقديم الحوافز المالية للعائلات للتخلي عن أطفالها، أو تقديم ضمانات أمنية. كما يلتحق القصر أحيانًا نتيجة ضغط الأقران، والروابط الأسرية”.
ماذا يفعل الأطفال المقاتلون؟
ويعد الاختطاف تكتيكًا شائعًا لتجنيد الأطفال، بحسب المصدر ذاته. لجهة استخدامهم في مجموعة واسعة من الأعمال الإرهابية والمسلحة، تتضمن المشاركة في الأعمال العدائية المباشرة. مثل “زرع العبوات الناسفة، وحرق المدارس والمنازل، وفي الأدوار الداعمة واللوجيستية، مثل الطهاة والسعاة والمراقبين. ويتم استخدام الأطفال كدروع بشرية في أثناء العمليات العسكرية”.
وإثر تنامي التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي بسبب النزاعات المتسببة فيها التنظيمات الإرهابية. فإن آليات ووسائل تجنيد الأطفال تتزايد بصورة لافتة، بحسب الباحث المتخصص في قضايا الإسلام السياسي، إبراهيم ناصر. كذلك يقول لـ”مصر 360″: “تعمد التنظيمات الإرهابية المتواجدة في منطقة الساحل بامتداداتها المختلفة إلى استهداف الأطفال على نحو خاص. حيث تستثمر في حالة الانفلات الأمني وإغلاق المدارس (أغلقت حوالي 900 مدرسة، في عام 2019)، والاحتقان الاجتماعي”.
ويوضح الباحث الباحث المتخصص في قضايا الإسلام السياسي أن تنظيم بوكو حرام، المصنف على قوائم الإرهاب. الذي ينشط في شمال نيجيريا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد، يسعى إلى تجنيد الأطفال وإلحاقهم بالتنظيم المسلح والإرهابي. في ظل صعوبة كشفهم وسهولة حركتهم. ونفذوا عدة هجمات ضد القوات الفرنسية وقوات التحالف. بينما تعد أوغندا من أكثر الدول التي ترتفع فيها عمليات تجنيد الأطفال، فإنه يتم تجنيد حوالي 200 طفل كل شهر من قبل حركة “الشباب” في الصومال. وفي نيجيريا تتزايد العمليات الانتحارية بواسطة الأطفال.
تجنيد الأطفال.. ظاهرة عالمية
كما أن ثمة استهداف مباشر يجري للأطفال من بعض الإثنيات مثل “الفولاني”، بحسب المصدر ذاته الموجودة في مالي، وغرب ووسط إفريقيا. نتيجة الشحن القائم على الصراعات القومية العنيفة والتي أدت إلى توظيف الجماعات الإرهابية لها. وتسللت بينهم العناصر الجهادية حيث تم تشكيل جبهة “تحرير ماسينا” المتحالفة مع حركة “أنصار الدين”.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إيمان عبدالعظيم قالت إن التقديرات تشير إلى انتشار 40% من الجنود الأطفال في إفريقيا. كذلك ومنذ عام 1975، أصبحت أفريقيا بؤرة لظاهرة الجنود الأطفال. وهذا لا يعني أفرقة الظاهرة العالمية، بل أنها مشكلة عالمية تنتشر فى 86 دولة حول العالم. كما أنه في آواخر التسعينيات، قدر نحو 300 ألف طفل مجند في العالم.
عبدالعظيم تضيف لـ”مصر 360: “في حين ينظر إلى الجنود الأطفال المنتسبين إلى الجماعات المسلحة في إفريقيا على أنهم ضحايا. فإن الأطفال فى صفوف الجماعات الإرهابية مثل داعش وبوكو حرام وغيرها ينظر إليهم أولاً وقبل كل شيء على أنهم تهديد للأمن القومي والدولي. وقد تعرض الأطفال المنخرطين في التنظيمات الإرهابية بإفريقيا إلى التلقين المنهجي للأيديولوجيات المتطرفة مثل شيطنة العدو. حيث يتم دمج العديد منهم في أنشطة التنظيمات الإرهابية ويتم تدريبهم على أنهم الجيل القادم من المقاتلين”.
كما أن “الواقع الإفريقي يعكس حقيقة أن بعض الجنود الأطفال انخرطوا في أعمال عنف وحشية وارتكبوا جرائم خطيرة. في كل من سيراليون وأوغندا وجمهورية الكونجو الديمقراطية” تقول عبدالعظيم.
أستاذة العلوم السياسية تؤكد أنه رغم الاهتمام الدولي بتعزيز الإدماج الاجتماعي للأطفال العائدين من التطرف والتنظيمات الإرهابية فى إفريقيا. إلا أن رفع شهية الأطفال باتجاه العدوان زاد من خطر التجنيد الطوعي فى الجماعات المسلحة والعودة إلى الحياة العسكرية. فضلاً عن أن الوكالات الإنسانية لم تكن قادرة على فعل الكثير للتخفيف من التحديات التي تواجه الجنود الأطفال العائدين. نظراً لعدة اعتبارات من بينها التمويل غير المنتظم والموارد المحدودة. بالإضافة إلى مخيمات نزوح داخلي غير آمنة، ما أدى لتفاقم ظاهرة الجنود الأطفال وانتقلت العدوى إلى أماكن أخرى في القارة.