كان لجائحة كورونا (كوفيد-19) تأثير هائل على جميع دول العالم بما فيها الدول الغنية، صاحبة الأنظمة الصحية القوية والعريقة. بينما كان هذا الوضع أسوأ وتحدٍ أكبر اصطدم بواقع الدول النامية. وحقيقة ما تعانيه من عدم استغلال لمواردها في ظل إمكاناتها الضعيفة، مقارنة بالدول الثرية.
النظام الصحي المصري لم يكن ببعيد عن تأثير هذه الجائحة. وهو هنا في حال يشبه كثير من نظرائه في دول العالم؛ واجه تحديات جمة في التعامل مع الجائحة، زادت من الضغط الواقع على نظام الرعاية الصحية في البلاد. كما أضرت تداعياتها الكبيرة باقتصاد الدولة.
إلا أنه رغم الضغوط الصحية التي تعرض لها النظام الصحي المصري، استطاع هذا النظام -وعلى محدودية إمكاناته- التكيف سريعًا مع أزمة كورونا بشكل أظهر بعض نقاط القوة. رغم أنه عانى أيضًا بعض قصور في أدوات معالجته الأزمة.
دام.. نقاط قوة وضعف النظام الصحي في مصر
لهذا، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) هذه الورقة البحثية. وقد أعدها خبير السياسات الصحية الدكتور علاء غنام والباحث في الحق في الصحة أحمد عزب. وهي بمثابة تقييم أولي لأداء القطاع الصحي في مصر خلال الموجة الثانية من كورونا. تستهدف إيضاح نقاط القوة التي ظهرت في تعامل النظام الصحي المصري مع جائحة كوفيد. وأيضًا عرض نقاط الضعف الواجب ذكرها لمعالجتها لاحقًا، ولكي تخرج مصر بأكبر استفادة من هذه الأزمة التي وفرت لها جل إمكاناتها.
لقد امتاز أداء القطاع الصحي المصري في التعامل مع جائحة كورونا بالتوازن الذي مكن من استمرار الحياة بقدر معقول. بينما ساهم الدور القوي للجمعيات ذات الأنشطة الخيرية في دعم المجال الصحي. ونجحت الهيئات الجديدة التي تم إنشاؤها في توفير الأدوية الأساسية والحيوية طوال فترة الجائحة.
إلا أنه رغم ذلك كان هناك قصور واضح في حماية العاملين بالقطاع الصحي. وأيضًا غابت عن بيانات وزارة الصحة اليومية بشأن الوضع الوبائي الأرقام التفصيلية. كما سُجل قصور في الشفافية والتواصل مع المواطنين فيما يخص تطورات الاستعداد المصري للمواجهة. بينما استمرت سياسة انخفاض الاختبارات المتبعة من قبل وزارة الصحة إلى الموجة الثانية من الجائحة.
في أول شهور الجائحة، رفضت وزارة الصحة السماح للقطاع الخاص بإجراء اختبارات كورونا، وهو ما أثر سلبًا على اختبارات كشف الإصابات وحجم ما أعلن عن الوضع الوبائي بالبلاد. لكن في يونيو الماضي، تم السماح لإحدى المستشفيات الجامعية، بالشراكة مع شركة قطاع خاص، بإجراء الاختبارات.
والآن يتم إجراء التحاليل في سلاسل معامل التحليل ومستشفيات القطاع الخاص. إلا أنه رغم ذلك ليس هناك أي لائحة تنظم للقطاع الخاص إجراء التحاليل. كما أن هناك تباين غير مفهوم في الأسعار في القطاع الخاص من مكان لآخر. أيضًا التسعيرة فوق طاقة الغالبية العظمى من المصريين. وهو ما يزيد اللامساواة والتمييز بين المواطنين على أساس القدرة المالية.
الحماية والإنفاق والمشاركة.. توصيات للخروج من أزمة كورونا
تقدم هذه الورقة عددًا من التوصيات التي ترى فيها سبيلاً وفرصة لدعم أركان النظام الصحي في مصر. وتشمل:
- توفير أقصى حماية ممكنة للفرق الصحية بتطبيق علمي صارم لإجراءات مكافحة العدوى، وتوفير مستلزماتها كاملة، وتحديد ساعات عمل مقننة؛ إذ أن العاملين في القطاع الصحي هم الخط الأمامي للاستجابة لتفشي كوفيد ـ 19، وحمايتهم ضرورة لحمايتنا ورعايتنا جميعًا. لذا يجب اتخاذ خطوات جدية من قبل وزارة الصحة لبحث أسباب الإصابة والوفاة، فضلاً عن نشر قواعد البيانات التي قد تساعد الباحثين والخبراء في مجال الصحة في فهم أسباب الإصابة والوفاة والبحث عن حلول لها لتلافيها.
- يجب زيادة معدلات الإنفاق الحكومي على الصحة؛ إذ تعتبر معدلات الإنفاق الحكومي في مصر على الصحة متدنية بين بلدان إقليم شرق المتوسط، ورغم الطفرة النسبية التي حدث مؤخرًا من خلال حملة مئة مليون صحة، لا تتعدى نسبة الإنفاق على الصحة الـ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ما زالت أقل من الحد الأدنى الدستوري للإنفاق العام على الصحة (3%). هذا العام زاد الإنفاق الحكومي على الصحة بحوالي 20 مليار جنيه، إلا أن الموازنة لم تستجب بالقدر الكافي لتحدي جائحة الكوفيد – 19، كما لم يتم استغلال الفرصة للاقتراب من الحد الأدنى الدستوري للإنفاق على الصحة. وأحد الدروس المستفادة من الجائحة أن زيادة الإنفاق على الصحة والالتزام بالاستحقاقات الدستورية لم يعد رفاهية.
-
المشاركة المجتمعية في التعامل مع الأزمة كانت من النقاط القوية، ويجب إزالة المعوقات أمام العمل الأهلي الصحي، ورفع الوعي الصحى بشكل عام، وإبراز قصص النجاح.
الشفافية واللقاح.. توصيات للخروج من أزمة كورونا
- أهمية الشفافية، والكشف عن المعلومات للمواطنين. الإجراءات الوقائية حتى يتم تنفيذها بشكل جيد تعتمد على المواطن، وحتى يلتزم المواطنون فهم يحتاجون إلى قدر من المعلومات. ولكن، ما زلنا نحتاج مستوى من الشفافية أكثر مما هو موجود حاليًا. على سبيل المثال، جاء في أحد بيانات وزارة الصحة (تم تجهيز مستشفيات العزل كأماكن لإجراء الدراسات الإكلينيكية على حالات فيروس كورونا المستجد، كما تم تصميم ملف موحد لجمع بيانات مرضى (كوفيد ـ 19)، وتفعيله على نظام إلكتروني، ما يتيح تحليل البيانات الإكلينيكية، ودراسة خصائص المرضى وتقييم بروتوكولات العلاج). فلماذا لا تتاح قواعد البيانات الخاصة بالمصابين وحالات حتى يتاح للباحثين الاستفادة منها والمشاركة فى التقييم وطرح الحلول بدلاً من الاكتفاء بالبيان اليومي بشكله الحالي، والذي يحتوي على معلومات قليلة جدًا، لا تساعد على تكوين رأي أو تحليل.
- الإسراع بتوفير وإتاحة لقاح كوفيد-19 للمواطنين، على أن تضمن الدولة عدالة التوزيع، وأن يكون مجانًا ودون تمييز بين المواطنين، مع إعطاء الأولوية المطلقة للعاملين بالقطاع الصحي والمجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس.
- أخيرًا، أحد أهم الدروس المستفادة من أزمة كورونا هي التمسك بتطبيق قانون التأمين الصحي الشامل الجديد، والعمل بشكل جاد على استكمال تطبيقه في مراحله الثلاث، فهي مهمة ليست سهلة وتحتاج لكثير من العمل والمتابعة والمراقبة، حتى تتحقق التغطية الصحية الشاملة لجميع المصريين دون تمييز، بالإضافة إلى أن القانون الجديد يعالج الكثير من نقاط الضعف في النظام الصحي، التي كانت موجودة من قبل الجائحة، وأظهرتها الجائحة بوضوح للجميع.
أي تقييم في المرحلة الحالية لا يمكن أن يحقق أهداف التقييم الشامل. ذلك لأن الأمر مرهون بانتهاء الموجة الثانية، وتوفر كافة المعلومات المطلوبة. فضلاً عن إتاحة قواعد البيانات اللازمة لتقييم الأداء كليًا (قواعد البيانات الخاصة بنسب الوفيات الفعلية من كوفيد-19 ونسب الإصابات الكلية ونسب من تلقوا اللقاح فعليًا من إجمالي السكان). لهذا فإن هذه الورقة البحثية ليست إلا قراءة أولية للوضع الراهن، تنتظر انتهاء الموجة الثانية، وقراءة أشمل تؤكد مدى احتواء الجائحة تمامًا والخروج منها بأقل الخسائر.