عندما قام الموقع الرسمي للبريميرليج بإنشاء لعبة ترفيهية لزيادة تعلق الجماهير بالدوري الإنجليزي الممتاز وجذب أخريين للاهتمام به ومتابعته. لم يكن يتخيل أن تطغى تلك اللعبة الترفيهية على أحداث المسابقة الأصلية أبدًا!، لكن هذا بات الواقع خاصة في الموسم الحالي والماضي. فزاد تعلق الجماهير بلعبة “فانتازي البريميرليج” ومعناه خيال أو افتراض خاص بالدوري الإنجليزي. لكن الأمور خرجت عن نصابها تمامًا وبات الأمر أكثر واقعية من الحدث نفسه.
حيث غيرت اللعبة بعض الانتماءات للمشجعين نحو أنديتهم. وبات أغلبهم يتمنى تسجيل لاعب في فريقهم فقط لأنه معه في اللعبة. ما أدى لتشويه فكرة اللعبة وكذلك البطولة نفسها. وبات الأمر أشبه بالمسخ خاصة للاعبين العرب وتحديدًا من مصر الذي تسيطر عليهم فكرة الأهلي والزمالك بشدة.
ما هي اللعبة وكيف سحبت البساط من الدوري الإنجليزي؟
هي لعبة تتيح لك اختيار تشكيل مكون من 11 لاعب و4 احتياطيين بشرط أن لا يتعدى قيمة كل هذا التشكيل مبلغ 100 مليون إسترليني. ويطرح لك نجوم الدوري الممتاز بقيم مختلفة، وعليك اختيار فريقك الخيالي منهم. ومن خلال لعبهم الحقيقي في المسابقة يتم احتساب نقاط من تألقهم سواء بتسجيل أهداف أو صناعة أهداف. كذلك للمدافعين وحراس المرمى في حالة الحفاظ على نظافة شباكهم دون أهداف. وكل جولة تتغير لتشكيلات وتبدل لاعب أو آخر، ولديك بطاقات خاصة تتيح لك مزايا مختلفة. كإعادة اختيار فريقك من جديد دون أن يخصم منك نقاط في حالة التبديلات الكثيرة.
وأيضًا تختار كابتن لفريقك كل جولة ويتضاعف عدد نقاطه التي أخذها ومن ثم تستفيد بضعف النقاط وتتفوق على أقرانك. كذلك تضم اللعبة مساحة لخلق دوريات مباشرة مع أصدقائك. أو مع روابط مختلفة لتكون هنا المنافسة والمصارعة الفكرية في لعبة تعتمد على الحظ والتوفيق بنسبة كبيرة. ومن ثم تشتعل الأمور كل جولة بين المتنافسين حتى وصل الصراع لأشده وطغى على السباق الحقيقي بين الفرق واللاعبين في البريميرليج نفسه.
اللعبة أهم من الانتماء
تحدثنا مع أحد النقاد الرياضيين في هذه الجزئية، وأكد أنه كان يلعب اللعبة بشكل طبيعي من منطلق أنها ترفيهية. لكن بعد فترة وجد حماسه لها يغلب على الواقع الحقيقي وبات يتمنى تسجيل لاعبين وفرق في الفريق الذي يشجعه. وهنا وجد الخيال يتفوق ويمحو الواقع بشكل أساسي فقرر وقف لعب الفانتازي تمامًا. حتى يستطيع السيطرة على مشاعره وانتمائه دون تعصب ومفاهيم خاطئة تولدها اللعبة. وتخسره فريقه الذي يحبه ويشجعه من سنوات طويلة قبل أن تشهد تلك اللعبة النور.
لكن أحد اللاعبين المهوسين باللعبة تحدث معنا أيضًا مجيبًا عن هذا التساؤل، هل اللعبة أهم من انتماءك الحقيقي لفريق بالدوري الإنجليزي؟. فكانت إجابته مفزعة حيث أكد أنه بات مهتمًا باللعبة والصفحات التي تنشر أخبارها التي تبث كل ما هو له علاقة باللعبة وأمورها وتفاصيلها كل جولة. عن أخبار فريقه الأساسي، والذي يبدو أنه نساه تقريبًا وبات كل شغله الشاغل جمع النقاط في اللعبة. والتفوق على أقرانه في الدوريات المشترك بها وبات الأمر تمامًا على هذا النحو.
إذًا نحن أمام ظاهرة مخيفة. فيستطيع العقل الإلكتروني الافتراضي أن يسيطر على عقولنا ويجذبنا نحو ما يشاء حتى بأبسط الأفكار. وينسينا انتماءنا ومشاعرنا ويجردنا من كل شيء لأجل لعبته أو فكرته أو مشروعه الذي يعرضه ويجذبنا نحوه مثل الإدمان. فنصبح شبه آلة أو روبوت فقط تحت إمرته ويفسد كل شيء باقٍ في الواقع.
اقرأ أيضًا.. ”ليست لُعبة”.. كرة القدم تُشعل حروبًا وتوقف أخرى
متابعة كثيفة وجنون غريب
إذا تابعت الأرقام الرهيبة المتابعة والمتفاعلة مع لعبة الفانتازي كل أسبوع تجد إحصائيات غريبة ومفزعة. وصل حجم من يتابعون بشكل دوري الموقع الرسمي للبريميرليج بحثًا عن اللعبة وأخبارها ومواضيعها. بنسبة تقارب وربما تزيد عن أخبار البطولة والفرق نفسها التي تلعب المباريات. ليقرر الموقع الرسمي الاستفادة من تلك الشعبية الكبيرة ويحاول جني الأموال من ورائها بالإعلانات والاشتراكات. وبالفعل قام بذلك وأصبحت تدر له أموال رهيبة كجزء من مدخلاته الرئيسية بخلاف المنتج الأساسي له.
حالة الجنون لدى الجماهير وصلت للذروة الأسابيع الماضية. حيث وصل المتابعون لأكثر من 7 ملايين حول العالم بشكل متفاعل وأخرون غير متفاعلين لأسباب مختلفة تخصهم. لكن هذه الأرقام تجعل كل المهتمين بالدوري الإنجليزي وكرة القدم هناك يراجعون أنفسهم ويحاولون جذب تلك الجماهيرية الرهيبة لبطولتهم الأساسية. خاصة مع عدم حضور جماهير للمباريات بسبب فيروس كورونا. كذلك خسارتهم أرقام قياسية من عوائد الحضور والمبيعات.
العقلية المعتصبة
دخول بعض الجماهير المصريين المتعصبين المبنية في الأساس على الصراع الأزلي بين الأهلي والزمالك. جعلت من اللعبة مسخ وعبث وهذا ما حدث بالفعل عندما علم هؤلاء المتعصبون اللعبة وزحفوا عليها بالآلاف. وبات الأمر أشبه بالرهان ومن يتفوق على الآخر بكل الأساليب الممكنة وتحول لصراع مصغر كما هو حالهم في الواقع.
هذا الفكر المتعصب أفسد كل مناحي اللعبة بالنسبة للجماهير المصرية. وتحولت الدوريات بينهم والجروبات المشتركة معهم لمنصات حرب وتشاحن وشجار بعيدة كل البعد عن اللعبة نفسها.
اقرأ أيضًا.. بيج رامي.. من “صيد الأسماك” إلى مستر أولمبيا
وهنا تحدثنا مع لاعب آخر ممن يمثلون هذا التيار الكبير من الجماهير المصرية، وأكد أن الأمر بالفعل أصبح بمثابة ساحة حرب وأن في بعض الجولات يتراهن مع زملائه ماليًا. كما أن هناك جوائز مالية فيما بينهما لمن يتصدر الدوري الخاص بهم في نهاية كل موسم ويجمعوها من بعضهم ويعطوها للفائز.
وهذا ما وصل به الأمر في نهاية المطاف من لعبة ترفيهية بغية زيادة تعلق الجماهير بالبطولة الإنجليزية إلى ساحات تعصب وإدمان وقمار في بعض الأحيان.