في مظاهرات وصفها مراقبون بـ “استعراض قوة”، حشدت حركة النهضة (فرع الإخوان المسلمين في تونس)، أنصارها الذين تجمعوا وسط العاصمة السبت وبالآلاف في واحدة من أكبر المظاهرات منذ 2011. كان الشعار الأساسي “الدفاع عن الشرعية والبرلمان”. بينما في المقابل، انطلقت مسيرة مضادة من جهة حزب العمال اليساري و”اتحاد القوى الشبابية”. دانت الأخيرة ما وصفته بـ”عبث المنظومة القائمة”، والذي تسبب في الأزمة الاقتصادية “غير المسبوقة” خلال العقد الأخير.
الانقسام.. أزمة تونس الكبرى
تبرز الأزمة السياسية في تونس، والتي تعكس درجة قصوى من الانقسام الحاد بين الرئيس قيس سعيد ورئيس حركة النهضة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، محاولات جديدة ومحمومة من طرف الأخير نحو مزيد من الاستقطاب. ذلك لرفع وتيرة العنف والتصعيد. إذ أن الشارع التونسي المتخم بالأزمات الاقتصادية والأعباء الاجتماعية والمعيشية اليومية، يقع تحت وطأة عمليات التعبئة السياسية بين الأطراف المتنازعة على السلطة.
ترجع ملابسات الأزمة المحتدمة التي تعرف بـ”صراع الرئاسات الثلاثة”، منذ رفض الرئيس التونسي التحوير الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي. على خلفية فساد أربعة وزراء وارتباطاتهم السياسية. وقد ترتب على ذلك تبادل ملاسنات بين سعيد والغنوشي. إذ وصف الأخير منصب الرئيس بـ”الرمزي”. ومن ثم، عرج البعض إلى جانب رصد الهجوم والهجوم المضاد إلى متابعة وتحليل بوادر أزمة دستورية بعدما قال الغنوشي: “تونس نظامها برلماني ودور رئيس الدولة هو دور رمزي وليس دورًا إنشائيًا”. وأشار إلى أن “موضوع الحكم ومجلس الوزراء يعود إلى الحزب الحاكم. وهو بالأساس مسؤولية الحكومة”.
بحسب البرلماني التونسي، مبروك كورشيد، فإن التحوير الوزاري الأخير “عمق الهوة” بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. بيد أن النواب في تونس لا يريدون الذهاب إلى فراغ رئاسي. خاصة وأن الرئيس سعيد ما يزال الأول في استطلاعات الرأي.
برلماني يتهم الإخوان بإدارة جهاز سري في تونس
كورشيد أضاف لـ”مصر 360″: “أنا شخصيًا أعتقد بوجود جهاز سري للنهضة والغنوشي. فهو جزء من تنظيم الإخوان العالمي ومرجعيته تكون مثل غيره من زعماء الإخوان الذين يعتمدون على تنظيم سري”. فالحوادث التارخية في تونس تؤكد وجود الجهاز السري للنهضة، بحسب البرلماني التونسي. ومن بينها “أحداث تفجيرات الفنادق والمحاولة الانقلابية يوم 8 نوفمبر 1987 وكذا سنة 1991”.
“لا غرو بعد ذلك أن نتحدث عن التنظيم السري الذي تديره النهضة وشبهات تورطه فى العنف ضد التونسين فى المدة الأخيرة ومساهمته فى اغتيال الشهيد بلعيد والبراهمى”. يقول كورشيد.
قال الغنوشي أمام أنصاره الذين احتشدوا في شارع محمد الخامس بوسط العاصمة التونسية أمس، إن “هذا شعب الثورة. الثورة ما تزال حية ولم تنم… ندعو الجميع إلى الوحدة والحوار وتونس تتسع للجميع بعيدًا عن الإقصاء”. وتابع “الشعب يقول كلمته اليوم نريد الديمقراطية ونرفض الشعبوية”. بينما دعا إلى “الوحدة ونبذ العنف والتعاون”.
في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، انطلق أنصار الحزب اليساري بقيادة حمة الهمامي. تصادف وجودهم بمحاذاة خصومهم، لكنهم كانوا على النقيض في هتافاتهم ومواقفهم السياسية. إذ ردد محتجوهم شعارات “الشعب يريد إسقاط النظام” و”فاسدة المنظومة حاكم وحكومة”.
وصف الرئيس التونسي مظاهرات النهضة بأنها “إفلاس سياسي”. وقال إنه “لن يقبل بأي مقايضة في حق الشعب أو تتعلق بسيادة تونس”. وأضاف: “لا نتحرك وفق حسابات البعض أو ترتيباتهم بل وفق المبادئ التي عاهدنا الشعب التونسي”.
اتهامات لأنصار الإخوان.. الصحفيين تدخل على خط الأزمة
في ظل المواجهات المحتدمة التي حدثت في مسيرة حركة النهضة، اعتدى أنصار الحركة على عدد من الصحفيين، أصدرت نقابة الصحفيين التونسيين بيانًا أدانت فيه العنف ضد الصحفيين. كما قررت اللجوء إلى القضاء بعد تعرض العديد من الزملاء الصحفيين والمصورين إلى الاعتداء بالعنف المادي واللفظي وغيرها من المضايقات والمنع من العمل خلال أدائهم لمهامهم من قبل “لجنة تنظيم” مسيرة الحركة الإسلامية.
جاء في نص البيان أن الاعتداءات على الصحفيين تتالت من المحسوبين على الحركة. سواء من قبل بعض نوابها في البرلمان أو من قبل أنصارها خلال المسيرة. وعبر البيان عن إدانة لهذه الاعتداءات الممنهجة على الصحفيين.
اعتبرت النقابة أيضًا -في بيانها الرسمي- أن صمت قيادات حركة النهضة على هذه الاعتداءات هو بمثابة “موافقة ضمنية وسعي لمحاولة تركيع الإعلام من خلال الترهيب والعنف والتدخل في عمل الصحفيين ومحاولة مصادرة حرية العمل الصحفي”. وقررت النقابة التتبع القضائي لكل المعتدين وعلى رأسهم لجنة التنظيم التي مارست مهام “الميليشيات”. بينما خالفت القوانين التي تضمن حرية العمل الصحفي.
الإخوان.. التغلغل في مفاصل الدولة
بحسب الصحفي التونسي، عيسى جابلي، فإنه بعد ثورة 17 ديسمبر، تقلد الإخوان الحكم مستغلين الناخب التونسي بوعود وصلت حد زعم القيادي الحبيب اللوز أن النهضة أعدت برنامجًا شارك فيه قرابة 200 خبير لتمكين قرابة 400 ألف عاطل من العمل. بيد أن “الحقيقة طبعًا خالفت ذلك. تعامل الإخوان مع تونس “بوصفها غنيمة”، حسبما قال أحد أبرز قيادييها عبد الحميد الجلاصي. و”لم يكن همهم النهضة بالبلاد بقدر ما كان التغلغل في مفاصل الدولة والإدارة، وهو ما تسبب بالخلاف الراهن، حاليًا”؛ يقول جابلي.
يضيف جابلي لـ”مصر 360″: “زرعت النهضة أبناءها في كل الإدارات والمؤسسات والهياكل، وشغلت المنتمين إليها كما بثتهم في كل الوظائف، في حين تعاظم مشكل البطالة أكثر وتفاقمت أزمة الفقر والبطالة وأوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس”.
إشغال الرأي العام بقضايا هامشية
حتى يتسنى للنهضة تنفيذ “مشروعها”، حسبما يقول جابلي، عمل الإخوان على إثارة قضايا هامشية ظن الشعب التونسي أنه حسمها منذ عقود. فاستحوذت على نصيب هام من الإعلام الخاص المخالف للقوانين، وجندت منصات التواصل الاجتماعي لشيطنة كل المخالفين، وأثيرت قضايا جانبية لم تعد تعني تونس في شيء مثل قوية الهوية والدين التي حسمها دستور ما بعد الاستقلال في فصله الأول.
كل هذه الأسباب وغيرها كثير تجعل التونسيين ينزلون إلى الشوارع. في كل مرة مطالبين بإسقاط منظومة ما بعد الثورة. وما الأحداث التي تشهدها تونس حاليًا سوى دليل على هذا الغضب الشعبي العارم الذي تشارك فيه كل القوى الحية في البلاد -بحسب المصدر ذاته- وتدعمه منظمات وهيئات وجمعيات حقوقية ونقابات تلتقي جميعًا في كون هذه المنظومة برمتها فاشلة وتنادي بضرورة تغييرها بدءًا بنظام الانتخابات والدستور وطبيعة النظام السياسي الذي قسم السلطة بين ثلاثة رؤوس متنافرة يعمل الواحد منها ضد البقية؛ هي: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس نواب الشّعب.
وفيما يتصل بمآلات هذه التحركات، يقول الصحفي التونسي أن “مهمتها صعبة للغاية لأنها تواجه كيانًا تغلغل في تونس بأتم معنى للكلمة؛ فسيطر على الإدارات جميعًا وعلى القضاء والإعلام والمؤسسات العمومية محتميًا بترسانة مالية لا أحد يعلم مصادرها. وعلى سبيل المثال، صدر تقرير عن دائرة المحاسبات قبل شهور قليلة، أوضح أن حركة النهضة أبرمت مثلاً عقدًا مع شركة للدعاية والضغط خارج البلاد في فترة الحملة الانتخابية الفارطة بـ187 ألف دولار أمريكي. هذا وغيره جرائم انتخابية يمكن أن تصل حد إلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة.