على الرغم من أن مواقع الأخبار أطلقت على المداخلة الهاتفية للدكتور أحمد كريمة بخصوص قانون الزواج الثاني عنوان “انفعال الدكتور أحمد كريمة”، إلا أن ما لفتني أكثر كان انفعال مقدم البرنامج الإعلامي حسام الدين حسين، وإن كان انفعالاً محسوبًا، يكاد يكون هادئًا. لكن عباراته التي أخذت تتصاعد حدتها حتى نهاية مداخلة الشيخ في برنامج “التاسعة” على القناة الأولى، بعثت لديّ قدرًا من التعاطف معه. وبيّنت بوضوح -في دهشتها واستنكارها- أنه حتى نموذج الإسلام القابل للظهور على الشاشة الرسمية، هو نموذج يحمل داخله من الاختلاف والشقاق ما يكاد يجعله نسختين من الإسلام، أو حتى “إسلامين”.

كان يمكن الإحساس بالصدق والصدمة في صوت الإعلامي الشاب وهو يناقش الشيخ، متسائلاً: “إذا تزوجتُ من زوجة ثانية (بغير علم الأولى) وبلا سبب قهري، أفلا تكون الزوجة الأولى، بموجب الإسلام والشريعة، قد وقعت تحت خديعة؟”

كان جواب الشيخ، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن “من حق الزوج “أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع في أي وقت”.

يعود الإعلامي متسائلاً: “مُطلقة كدة؟ مش فيه تقييدات؟”

يرد الشيخ: “الزوجة تعلم أن ذلك من حق الزوج وإلا تكون قد خرجت عن دين الإسلام”.

يحاول الإعلامي مواصلة حجته: “مش للضرورة القصوى؟”

الشيخ: “مفيش ضرورة، لا تستدرك على الله. لا تستدرك على رسول الله”.

الإعلامي: “يعني أنا أروح اتجوز تلاتة ومقولش لحد، وأقول ده حقي؟”

الشيخ: “آه حقك، حقك كمسلم”.

الإعلامي: “طب ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا)، افرض معرفتش أعدل؟”.

الشيخ: “المقصود هو العدل القلبي. افهموا الأمور صح”.

هكذا استمر النقاش في المداخلة وهكذا انتهى ليس إلى خلاف متسع فحسب. بل إلى ما يكاد يكون رؤيتين مختلفتين تمامًا للإسلام والعالم. لكن أهم ما فيه، أن الإعلامي الشاب كان مقتنعًا تمامًا بما يمكن أن نسمّيه “النسخة التلفزيونية” من العقيدة، النسخة الملطّفة المنطقية التي تقدم في الأعمال الدرامية والمؤتمرات الرسمية وملتقيات الأديان المقارنة، إنها النسخة التي تم إعدادها وتهذيبها عبر سنوات طويلة لأغراض تربوية ودعائية وسياسية. لكنها ظلت نسخة هشة تعوم على السطح ككل ما هو معدّ للاستهلاك التلفزيوني أو المقابلات مع الغرب.

أما إذا أزفت الآزفة، وحان دور أبسط تغيير حقيقي في القانون، تغيير إجرائي لا يمسّ جوهر التشريع، كتوثيق الطلاق الشفهي أو مجرد أن يُخطر الزوج زوجته الأولى بالزواج من الثانية، ونقول “يُخطر” ولم نقل يستأذن -لا سمح الله- أو يطلب الموافقة، ولم نقل -حاشا- أن يُمنع الزواج الثاني، فبمجرد طرح هذا الإخطار، هذا التعديل المتواضع، تظهر فورًا نسخة العقيدة الأخرى، النسخة الصلبة، نسخة العُمق، النسخة التي يكون أول أسلحتها هو “الإخراج من دين الإسلام”. هكذا ببساطة وعلى شاشة القناة الأولى، وبلسان أستاذ في الأزهر، المؤسسة التي تكلف الخزانة العامة 12 مليار جنيه سنويًا، تُدفع من ضرائب النساء والرجال على السواء. ولو أنصفنا، لأخذنا من ضرائب الرجل مثل حظ الأنثيين.

للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا