هل يمكننا القضاء على ظاهرة العنف ضد النساء؟ هل يمكننا حماية النساء في مختلف الأعمار والبيئات والطبقات من العنف المبني على النوع الاجتماعى؟ هل هنا تدابير واستراتيجيات وسياسات يمكن أن تتبناها مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني بمعناه الواسع لحماية النساء من العنف؟
أمس، قتل رجل زوجته الحامل في شهرها السابع، لعدم قدرتها على النهوض لإعداد طعام الإفطار له، وذلك في منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وفي أقواله في النيابة، قال إنه ضربها على رأسها (ببابور) لأنها عنيدة (ومابتسمعش الكلام). بهذه البساطة قتلت شابة ثلاثينية، بينما تقتل وتضرب وتعنف آلاف النساء يوميًا. فما هي إجراءات الحماية التي تضمن سلامة وحياة النساء؟
تدابير قانونية لحماية النساء
يجب أن يوفر قانون شامل وموحد للعمل على مناهضة العنف ضد النساء من كل أشكال العنف والعمل، بشكل دوري، على تقييم وتنقيح القوانين والإجراءات. خاصة القوانين الجنائية، لضمان فائدتها وفعاليتها في القضاء على العنف ضد المرأة وإلغاء اﻷحكام التي تجيز العنف ضد المرأة أو تتغاضى عنه. وفي مصر هناك العديد من القوانين التي تحتاج إلى تغيير مثل قوانين الأحوال الشخصية، ومواد الزنا في قانون العقوبات، والمادة 17 من قانون العقوبات، والذي تم رصد استعانة القضاة بها لتخفيف العقوبة في قضايا الاغتصاب وهتك العرض وجرائم القتل على خلفية الشرف. والمادة 60 من قانون العقوبات التي تنص على “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”. لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى”.
تستخدم هذه المادة عادة في جرائم ضرب الزوجات والأبناء وإن وصلت للقتل. وقد حصل أب ضرب ابنته ضرب أفضى إلى موتها ولم تكن تتجاوز الخمس سنوات بسبب تقصيرها في التحصيل الدراسي على حكم مع إيقاف التنفيذ باستخدام هذه المادة.
الإجراءات الجنائية
أن تقع المسؤولية الرئيسية في مباشرة إقامة الدعاوى على سلطات النيابة وﻻ تقع على المرأة التي تعرضت للعنف؛ وذلك لتجنيب النساء الضغط المجتمعي الذي يقع عليهن من الأشخاص وبعض المؤسسات للتنازل عن الدعوى، مع إعطاء المرأة التي تعرضت للعنف فرصة للإدلاء بشهادتهـا في الدعوى القضائية، مساوية للفرصة الممنوحة لغيرها من الشهود، وإتاحة تدابير تيسر للمرأة اﻹدﻻء بشهادتها وتحمي حياتها الخاصة.
كما يجب عدم التمييز ضد المرأة في قواعد الدفاع ومبادئه، وعدم تمكين مرتكبي العنف ضد المرأة من الإفلات من المسؤولية الجنائية على أساس دفوع من قبيل الشرف أو الاستفزاز. فضلاً عن عدم رفع المسؤولية الجنائية عمومًا أو غيرها من المسؤوليات عن الجناة الذين يرتكبون أفعال عنف ضد المرأة عن غير قصد تحت تأثير الكحول أو المخدرات. ويجب أيضًا النظر، خلال الإجراءات القضائية، في الأدلة المتعلقة بأفعال العنف وسوء المعاملة والمطاردة والاستغلال التي ارتكبها الجاني سابقًا، وربما يصبح تكرار الفعل مبرر لتشديد العقوبة، خاصةً في حالة وقف تنفيذ العقوبة أو منح عقوبات مخففة في الأحكام السابقة.
من الضروري أن تكون للمحاكم سلطة إصدار أوامر للحماية وأوامر زجرية في قضايا العنف ضد المرأة، بما في ذلك إخلاء الجاني من المسكن، ومنع الاتصال بالضحية وغيرها من الأطراف المتضررة، داخل المسكن وخارجه، وفرض جزاءات على الإخلال بهذه الأوامر. مع إمكانية اتخاذ تدابير عند الاقتضاء لضمان سلامة الضحايا وأسرهن وحمايتهن من التخويف والانتقام. وأيضًا مراعاة المخاطر المهددة لسلامة الناجيات من العنف لدى اتخاذ قرارات تتعلق بالأحكام غير الاحتجازية أو شبه الاحتجازية أو إطلاق السراح بكفالة، أو إخلاء السبيل المشروط، أو إطلاق السراح المشروط أو وقف التنفيذ رهن المراقبة.
حماية الناجيات والشهود وضمان سلامتهم
كثيرًا ما تتعرض الناجيات والشهود للتهديد والضغط للتنازل عن حقوقهن القانونية، ففي أحد القضايا التي تقدمت الناجية فيها ببلاغ بتعرضها للتحرش في مواصلة عامة (ميكروباص) وقيام المتحرش بفعل فاضح قاصدًا التعرض لها تعرضت الناجية لضغط من أهل الجاني ومن النقابة التابع لها بل وشنت حمله منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريض بها وبسمعتها نفس الأمر تعرضت له بسنت المعروفة بفتاة ميت غمر، والتي تعرضت للتهديد والابتزاز والضغط للتنازل عن بلاغها بعد تعرضها لتحرش جماعي.
الأمثلة كثيرة وهي موجعة ومؤلمة في مجملها، ولكن هناك تدابير يجب اتخاذها لحماية الناجيات والشهود، ومنها قوانين تعاقب على تسريب معلومات أو بيانات الناجيه لأي شخص بما في ذلك أهلها في حالة طلبها ذلك، وتوفير أماكن آمنة لسكن الناجيات والشهود طوال فترة التحقيق ولحين انتهاء القضية، إلى جانب تغليظ العقوبات في حالة استخدام صور شخصية أو فديوهات تخص الناجية للضغط عليها وابتزازها بقصد تراجعها عن الإبلاغ أو استخدام نفس الأسلوب مع أحد الشهود، والحصول على شهادة وإفادة الناجية والشهود في أماكن آمنة وفرض السرية حول مواعيد تلقي الإفادة، فضلاً عن إمكانية تقديم الشهادة باستخدام التقنيات الحديثة عن بعد بإجراءات تضمن صحة المعلومات.
دعم النساء الضحايا ومساعدتهن
يجب أن تتاح للنساء اللاتي تعرضن للعنف معلومات عن الحقوق وتدابير اﻹنصاف وكيفية الحصول عليها، إضافة إلى معلومات عن المشاركة في الإجراءات الجنائية وجدولها الزمني والتقدم المحرز فيها والحكم اﻷخير الذي يصدر فيها، وتشجيع النساء المتعرضات للعنف ومساعدتهن على رفع شكاوى رسمية، وعلى متابعتها إلى النهاية، وضمان أن تتلقى النساء المتعرضات للعنف من خلال الإجراءات الرسمية وغير الرسمية، واﻹنصاف العاجل والعادل مما لحق بهن من أذى، بما في ذلك الحق في طلب إصلاح الضرر أو طلب التعويض من المجرمين أو من الدولة. مع توفير آليات وإجراءات قضائية متيسرة وتراعي احتياجات النساء المتعرضات للعنف تكفل معالجة الدعاوى معالجة منصفة، وإنشاء نظام تسجيل بشأن الحماية القضائية.
استراتيجيات الوقاية
توجد العديد من الاستراتيجيات التي يمكن اتخاذها لوقاية النساء من العنف مثل برامج التوعية والتي تستهدف الجنسين، وتنفذها مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات، والأحزاب، والمجالس القومية المتخصصة، ومؤسسات الدولة ممثلة في وزارات التربية والتعليم، والصحة، والمؤسسات الدينية، وإنشاء وتمويل وتنسيق خدمات كالخطوط الهاتفية لتقديم المعلومات مجانًا، والخدمات الفنية المتعددة التخصصات لإسداء المشورة، والتدخل في الأزمات وفرق الدعم لصالح ضحايا العنف من النساء وأطفالهن، مع وجود قنوات اتصال واضحه بين القطاع الصحي المعني باستقبال حالات العنف وأقسام الطوارئ في المستشفيات، وبين وحدات الابلاغ عن حوادث العنف في وزارة الداخلية أو أقسام الشرطة.
سياسات واستراتيجيات حماية النساء من العنف لا تقوم بها الدولة دفاعًا فقط عن النساء ولا تضمن حياة آمنة للنساء وحدهن، ولكن تضمن مجتمع آمن لجميع أفراده لا يتم الدفاع فيه عن مجرمين باسم عادات المجتمع ولا يسمح بمجرم بالافلات من العقاب، ولا تلام فيه ناجيه بعد تعرضها للعنف.
إن حماية النساء من العنف تجب أن تكون هدفًا من أهداف المؤسسات، تسعى إليه بسرعة، وقصدية، واستمرارية.