تصدر البلوجر علي غزلان والمطربة مروة ناجي ترند السوشيال ميديا على مدار اليومين الماضيين. بفيديو كليب “أنا دولة” لمناهضة التحرش، ومناقشة قضايا المرأة حسب ما تم توصيفه. لكن الأغنية واجهت العديد من الانتقادات.
تشير الأبحاث إلى أن الموسيقى يمكن أن تؤثر على المرض والاكتئاب والإنفاق والإنتاجية وحتى تصورنا للعالم. كذلك قالت إن الموسيقى يمكن أن تزيد الأفكار العدوانية أو تشجع على الجريمة.
وأخيرًا أوضحت دراسة بريطانية كيف يمكن ربط موسيقى “الحفر” التي تتميز بالتهديد بالكلمات، بجرائم البحث عن الاهتمام.
التدرج في الأغنية
في عام 2011 اعتبر المغني الشعبي محمود الليثي في أغنية “سوق البنات” التي تخطت حاجز 22 مليون مشاهدة على اليوتيوب. أن النساء متواجدات على كل شكل ولون يمكنه بمشوار قصير للجامعة الاختيار ومن ثم العودة للمنزل. لكنه عاد وتحدث عن أنه يبحث عن الفتاة الأصيلة وأن فتيات الجامعة. لتمنحه أمه الحل باللجوء للبنت “البلدي”.
كذلك انطلق الليثي بأغنية أخرى بالتعاون مع أيتن عامر بعنوان (البت الجامدة) والتي يعتمد فيها على المعاكسة والمطاردة للفتاة. ثم يسبها في حالة الرفض: “هو انتي فاكرة نفسك مين هيفا وهبي ولا شيرين؟”.
وكنا نظن حينها أن الأمر سيقف عند هذا الحد وارتفعت الأصوات لتهاجم ما وصف بـ”تسليع المرأة”. إلا أنه سرعان ما احتل المهرجان عالم الأغنية وشبهه الروائي أحمد ناجي بـ”الراب الشعبي”.
كذلك تطور الأمر وأصبحت مشادات مؤديي المهرجانات تحظى باهتمام بالغ من السوشيال ميديا. وأصبح هناك معركة يخوضها نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر ضد حمو بيكا الذي اعتبره أحد البرمانيين أخطر من كورونا.
وظهرت أغنية بنت الجيران التي تجاوز عدد مشاهداتها 70 مليون في شهرين فقط. لتحتل أعلى مركز في قائمة الأكثر استماعًا على تطبيق “ساوند كلاود”. متخطية أغنية الملياردير الأمريكي إيلون ماسك.
تكريس العنف
ورغم كل هذه الضجة التي طالت الأغنية الشعبية بشكلها الحالي والمهرجانات، إلا أنها لم تجاور في الغضب ما حدث مع (سالمونيلا). في أوائل يناير 2020 للمطرب تميم يونس، لتثير ضجة وانقسامًا بين الجمهور. بعدما رأى عدد كبير من المهتمين بقضايا النساء أن الأغنية تحرض على العنف وتهين النساء.
هنا اتفقوا جميعًا على أن الفن رسالة هادفة يجب المحاسبة عليها أغضبت كلمات مثل “يلعن أبو شكلك”، و”تصحي فِشلة” الجميع. لما فيها من احتقار للنساء وتعزيز للتحرش والتنمر والتعقب الموجودة في المجتمع المصري.
دخل المجلس القومي للمرأة في 8 يناير على الخط، وطالب شركة جوجل بحذف الأغنية من موقع يوتيوب. باعتبارها مسيئة للنساء ومخلّة بميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المِهني لعام 2017. إلا أن المجلس ذاته أقدم على إنتاج أغنية (أنا دولة) منذ أيام قليلة التي تعبر عن الخطاب الرسمي تجاه النساء.
هل الأغنية يمكن أن تؤثر شيئًا من وضع النساء في مصر؟
تقول باحثة الدكتوراة في قضايا النوع والدراسات الثقافية، مي عامر: “هناك بالفعل عدد من الأغاني تحمل مشاكل جندرية. وينفع أن نطلق عليها إجابة قراءة الأغنية في سياقها مثل ما يتهمون أغاني المهرجانات بالذكورية. دون الرجوع إلى خلفية هذه المهرجانات من أين خرجت وما هي قواعد هذه المناطق. هؤلاء المغنين أكيد في لحظة تحررية هيتحركوا بأفكارهم مش هيسبوها في الحارة. لذلك هم قادرين يحافظوا على مؤلفيها ومنتجيها، وليس لديهم القواعد الأخلاقية الموجودة في الطبقة الوسطى”.
طبقة تعكس الفكر
وبالتالي عندما أجد أغنية متجاوزة يجب التفكير في الطبقة التي تعكسها الأغنية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. “هنُا الفنان مش مطالب يتعلق له المشانق لدينا بالتأكيد مشكلة في الكلام الذي يٌقال سواء تحرش عنف تنمر. لكن لا يمكن ترك كل ما يحدث وأنسب للأغنية السبب”.
كذلك تضيف مي: “هناك تخيل أن الجمهور كما قال الفنان هاني شاكر -كل واحد مراته هتسيبه هيشرب خمور وحشيش. في إسقاط على أغنية بت الجيران. وهذا غير حقيقي، تلفت أن العنف ضد المرأة هو محمي بنظام سياسي واجتماعي وثقافي وليس بأغنية. متسائلة لو استمنى طبيب في مواصلة عامة وهو يعلم أن هناك أطباء سيدافعون عنه فلماذا لا يكرر الأمر؟”.
الأغنية منتج اجتماعي تعكس بدورها ما يؤمن به المجتمع بحسب مي. كذلك فأن مهمته الأولى الامتاع وعليه أولًا أن يكون جميلًا. وليس قِيميًا ولا أخلاقيًا. إلا أننا لا يمكن قراءة سالمونيلا بمعزل عن سياقها المجتمعي. والمشتعل بعشرات من قضايا التحرش التي تحدث سنويًا وتصل إلى الرأي العام. ففي الوقت ذاته كان الرأي العام منشغل بالقضية المعروفة إعلاميًا بـ فتاة المنصورة. التي تعرضت للتحرش الجماعي بالقرب من جامعة المنصورة، والتي نالت الفتاة فيها إدانة كبيرة. حتى إن عبارة مثل “شربتي لاتيه” التي استخدمها يونس في أغنيته كانت كفيلة لأن تُرجعنا إلى واقعة التحرش 2018. لمنة جبران التي تعرضت للتحرش والملاحقة، من شاب دعاها لشرب القهوة.
تعتبر الباحثة: “سبب الهجوم الرئيسي على سالمونيلا هو خروجها من مطرب ينتمي في الأساس للطبقة الوسطى ولفن داخل دوائر السائد”. لكنها عادت لترفض بشكل قاطع مطالبة المجلس القومي للمرأة بوقف الأغنية. حيث إن رفض الرقابة على الفن يتنافى مع ما نؤمن به من حرية الإبداع والتعبير.
خطاب الدولة للنساء:
أما أغنية (أنا دولة) التي أثارت كل هذا الجدل توضح مي أنها أغنية رسمية وبالتالي لا يجب أن يتم دراسته ومحاكمته والمطالبه بوقفه. كذلك هو ليس عمل فني وإنما عمل دعائي لقضية بعينها. وما فعلته الأغنية هو إعادة إنتاج الذكورية التي نعاني منها ونظرة أنه لكي يتم القضاء على التحرش. لابد أن تنزل الرجال الشوارع وتدافع عن النساء. لا نحن نرغب في خطاب يقول أننا بني أدمين مثلكم، فضلًا عن الأغنية كوضع فني ساقط تمامًا”.
وتشير إلى “مروة ناجي ظاهرة بصوت ضعيف منكسر ومحني والرجل ظاهر بصوته العالي، بتأكيد مرة أخرى على السلطة الأبوية. فيمكن القول إنها أغنية تعبر بشكل صريح عن المجلس القومي للمرأة فقط. مثلما قرروا أن يأتوا بمصطفى حسني للحديث عن النساء. ووجدوا أن الراب سين ترند فأتوا بأحد يغني راب بلغة مركزية تمامًا تخاطب المدن الكبرى”. وتختم أنه لابد من قراءة الأمور في سياقها “هل عندما غنى محمد فوزي وشبه النساء بالزهور هل انتقص منها؟”.