قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، أمس الثلاثاء، إن عودة سوريا للعمل الإقليمي مع محيطها العربي أمر لا بد منه، لافتا إلى أن هناك منغصات بين مختلف الأطراف الدولية يجب الابتعاد عنها في سبيل الوصول لحل يضمن الأمن والاستقرار في الداخل السوري.
وأضاف بن زايد، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “لا يمكن إلا العمل على عودة سوريا لمحيطها الإقليمي، وأحد الأدوار المهمة التي يجب أن تعود إليها سوريا دورها في الجامعة الجامعة العربية، ولا شك أن ذلك يتطلب جهداً أيضاً من الجانب السوري وجهداً من زملائنا في الجامعة العربية”.
وعلقت جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011 عضوية سوريا فيها نتيجة الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد ضد المعارضة قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح ومرتع للجهاديين والقوات الأجنبية.
ومنذ اندلاع الثورة تعاني دمشق عزلة دبلوماسية على الصعيدين العربي والدولي، تجلت في إغلاق غالبية الدول العربية والغربية سفاراتها في سوريا، ومع ذلك صمد نظام الأسد ولم يفكر بشار في مغادرة منصبه.
لكن الإمارات عادت في ديسمبر 2018 وفتحت سفارتها في دمشق بعد سبع سنوات على إغلاقها عام 2011 على خلفية الاحتجاجات في سوريا.
الدور الإماراتي في سوريا
لا يمكن فصل رغبة الإمارات في عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية عن مصالحها الدبلوماسية من جهة، والاستثمارات الضخمة التي تمتلكها داخل الحدود السورية من جهة أخرى، لاسيما أن الاستثمارات الإماراتية في سوريا قبل عام 2011 بلغت 20 مليار دولار.
وعلى الرغم من إعلان الإمارات قطع علاقاتها مع نظام الأسد في بداية الحرب السورية، إلا أن التواصل بينهما ظل مستمرا خلال فترة القطيعة، وكان لها أدوار مهمة في دعم استقرار نظامه لقطع أذرع إيران من التوغل داخل سوريا.
وحسب رشاد القطان، الباحث في جامعة سانت أندروز، فإن الإمارات سعت خلال السنوات الماضية للحصول على حصص مربحة في قطاعَي العقارات والسياحة في سوريا، دون النظر إلى حالة القطيعة الدبلوماسية الواقعة لعشر سنوات متواصلة.
كما تشكل ائتلاف بين رجال أعمال إماراتيين وسوريين يسعون إلى إعمار سوريا من أجل حصد المكاسب المالية الضخمة من عملية إعادة بناء المدن السوريا والأرباح المالية الضخمة التي ستدرها عملية الإعمار إلى جيوب رجال الأعمال الإماراتيين والسوريين في آن واحد.
ترحيب روسي
المبادرة الإماراتية لاقت ترحيبا من الجانب الروسي، خاصة في ظل حالة التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يجمع بين الإمارات وروسيا.
وقال لافروف في تصريحات في اللقاء الذي جمعه مع نظيره الاماراتي: “هناك دعم من موسكو للتسوية السياسية في سوريا وليبيا واليمن، مرحبا كذلك باتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل وبوجهة النظر الإماراتية بشأن حل القضية الفلسطينية.
وأكد لافرور على ضرورة فتح حوار مع الإدارة الأمريكية بشأن القضية الأمريكية، التي سبق وأن فرضت في وقت سابق قانون قيصر ضد سوريا، ليكون أداة ضغط على الرئيس بشار الأسد، إذ يستهدف هذا القانون أيضا الأفراد والشركات التي قد تتعامل دمشق.
قانون قيصر يقف حاجزا أمام المبادرة
في السياق ذاته، وجه وزير الخارجي الإماراتي، اللوم على قانون قيصر الذي زاد من تعقيد الأوضاع ومن شأنه أن يعيق عودة سوريا إلى عمقها العربي، مطالبا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بضرورة مراجعة القانون وطرحه على طاولة النقاش من جديد.
وقال بن زايد، إن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر، مشددا على أن الإبقاء على القانون بصورته الحالية يجعل هذا المسار في غاية الصعوبة ليس لنا كدول فقط بل أيضا على القطاع الخاص”.
ما هو قانون قيصر؟
قانون قيصر يستهدف في الأصل تضييق الخناق على نظام بشار الأسد وحماية المدنيين السوريين، وتم سن القانون من قبل الحزبيين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الامريكي لمواجهة تعديات الحكومة السورية على المدنيين.
يأتي القانون في محاولة لإضعاف الحكومة السورية إذ استهدف المشروع ويركز على 3 قطاعات تعمل على ضخ السيولة المالية للحكومة السورية وهم (صناعة النفط والغاز المحلية وإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام)، ويفرض قانون قيصر عقوبات على أي شخص يقدم الدعم أو المساندة للحكومة السورية.
أقرَّ القانون في ديسمبر 2019، ووقع الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب على مشروع القانون، ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020، حيث فرض عقوبات متشددة على النظام السوري، وعلى الجهات المتعاونة معه، وبالفعل فرضت واشنطن عقوبات على 58 شخصا وكيانا مرتبطين بنظام الأسد.
أما عن سبب تسمية القانون بـ”قيصر” يقال إنه نسب إلى شخص مجهول ساهم وساعد على تسريب صور من المجازر التي فعلها النظام السوري بحق المعارضين في عام 2011 – 2014، وعلى آثره تسببت تلك الصور المسربة في حالة من الإستياء والإنزعاج مما يفعله النظام السوري واجج مشاعر الشعوب حول العالم مما دفع الحكومات للتنديد بما يحدث للمدنيين في سوريا.
اقرأ أيضا:
الانتخابات الرئاسية السورية.. تعويم الأسد ومعضلات الحكم في دمشق
لم يذكر روسيا..تحقيق أممي في قصف مواقع الإغاثة يدين الأسد وحلفاءه
ترحيب مصري بعودة سوريا
مصر تراقب هذا الحراك بالترحيب دون التورط في أية صفقات، يتجلى هذا في إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري ترحيب مصر بعودة سوريا إلى الجامعة العربية من جديد.
وقال شكري في بيان سابق له: “إن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي”.
وأكد شكري في كلمته خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدورة الـ155 لمجلس الجامعة العربية، على الرفض التام لجميع التدخلات التركية في المنطقة، وكذا استمرار تواجد قوات تركية على أراض عربية، لافتا إلى صعوبة تحقيق الاستقرار في المنطقة دون إنهاء التدخلات الخارجية واحترام وقف إطلاق النار.
العرابي يطالب بخروج القوات الأجنبية من سوريا
من جانبه، أعرب السفير المصري السابق محمد العرابي، عن تأييده لأي تحركات عربية لعودة العلاقات العربية السورية، لافتا إلى أن سوريا تركت علي مدى ١٠ سنوات، واختطفت الإرادة العربية ولم تكن الدول العربية جزءا من الحل، لذا لابد أن يكون هناك توجه بالعودة مرة أخرى إلى الطاولة العربية في سبيل الوصول إلى حل يرضي كافة الأطراف ويسمح لمحاولات عودة الاستقرار في الداخل السوري.
وأضاف العرابي، في تصريح لـ”مصر 360″، أن الأراضي السورية تركت لتدخلات إقليمية لا ترغب في الوصول إلى حلول تنهي تردي الأوضاع هناك، بل تلك التدخلات من مصلحتهم استمرار انحسار الدور العربي وإطالة أمد الأزمة، مشيرا إلى حديث الوزير سامح شكري وتحدثه أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخرا في نفس الاتجاه.
أما عن التدخل التركي في الأراضي السورية يقول العرابي: “المفروض خروج كل القوات الأجنبية وحتي التواجد الإيراني، لقد تركت الأراضي السورية نهبا للتدخلات الاجنبية ولن تري أي استقرار طالما هناك تواجد لقوات أجنبية تسعى بكل قوة إلى استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه خشية ضياع نفوذها داخل الأراضي السورية”.
مبادرات سابقة دون حل
نظرا لتردي الأحوال ووصولها إلى مستوى الانهيار التام فضلا عن عدد من الدراسات أكدت أن نحو 90% من إجمالي سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر مما دفع الملايين من المدنيين إلى النزوح من سوريا إلى بلاد مختلفة، بعضهم ذهب إلى أوروبا في رحلات هجرة غير شرعية وآخرون تفرق شملهم بين تركيا والأردن ومصر.
حسب الأمم المتحدة تبلغ تكلفة إعمار سوريا نحو 400 مليار دولار، وهو ما يعد مبلغا مبالغ فيه في ظل حالة الأزمات الاقتصادية التي ضربت دول العالم جراء جائحة كورونا وحالة الكساد الاقتصادي التي أصابت العديد من الدول بسبب إجراءات الإغلاق التي نفذتها الدول ضمن إجراءاتها الاحترازية.
وسبق أن طرحت الإمارات العربية المتحدة مبادرة للوصول لحل في الأزمة السورية في نوفمبر عام 2020 إلا أنها في ظل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لم تجد وعاء دولي يحتويها. لكن الإمارات تعول على إدارة جو بايدن للعودة إلى إطلاق المبادرات الإنسانية من أجل الوصول لحل للأزمة الروسية، فضلا عن وجود داعم دولي متمثلا في روسيا يدعم المبادرة الإماراتية.