14 عامًا مرت على دخول المرأة القضاء منذ تعيين أول دفعة للقاضيات في مصر عام 2007. إذ أدت 30 قاضية آنذاك اليمين الدستورية أمام مجلس القضاء الأعلى. وقبلها بـ5 سنوات عينت المستشارة تهاني الجبالي نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية لتصل امرأة لأعلى سلطة قضائية في مصر.
وفي 2015 تم تعيين 24 قاضية، بعد قرار من المستشار أحمد الزند وزير العدل آنذاك. ورغم أهمية هذه الخطوات إلا أن التطور في ملف تعيين المرأة بالقضاء سار ببطء. حتى وجّه الرئيس السيسي بتمكين المرأة من تبوأ مقاعد بالنيابة العامة ومجلس الدولة.
ما فتح باب التساؤل حول أسباب رفض بعض الجهات القضائية تعيين السيدات كقاضيات؟. كذلك إذا كانت تلك التوجيهات ستُمكنهم بالفعل من التواجد داخل مجلس الدولة والنيابة العامة أم لا؟.
القضاء “مجلس الدولة والنيابة” يقتصر على الرجال
خلال العقود الطويلة التي سبقت الألفية الحالية كان النظام القضائي في مصر يقتصر على القضاة الرجال فقط. ومرت سنوات طويلة منذ أن لجأت الدكتورة عائشة راتب إلى القضاء بعد رفض طلبها التعيين في مجلس الدولة.
ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف المطالبة بتصحيح الأوضاع. علمًا بأن الامتناع لم يكن يستند إلى دستور أو قانون وفق مصادر قضائية لـ”مصر 360″.
معارضو تعيين المرأة في القضاء كانوا يُبررون موقفهم بصعوبة بيئة العمل. التي تتطلب التنقل بين المحافظات أو التحقيق في القضايا، وعدم توافر أماكن لإقامة القاضيات وفق المصادر.
الاقتصار على الرجال جاء رغم أن الدستور المصري كفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. كما أن القوانين المنظمة للهيئات القضائية المختلفة لا تشترط أي منها أن يكون القاضي ذكرًا. رغم ذلك كان التوجه السائد هو الاقتصار على الرجال دون الإناث بحسب المصادر.
نساء حاربن من أجل المنصة
الدكتور عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية سابقًا بعد تخرجها في كلية الحقوق بتقدير ممتاز. رفض مجلس الدولة تعيينها على أساس أن الشرع الإسلامي لا يسمح بتولي المرأة القضاء.
لم تستسلم راتب ورفعت دعوى أمام محاكم مجلس الدولة. كذلك ساقت الحجج الشرعية والقانونية التي تثبت أحقيتها في التعيين، ولكن صدر حكم برفض الدعوى. وقيل في أسباب الحكم إن الرفض يرجع إلى السلطة التقديرية وليس لسبب آخر. لأن المجتمع المصري لم يصل إلى الدرجة التي تجعله يتقبل جلوس مرأة على منصة القضاء والحكم.
مجلس الدولة للرجال فقط
منذ عشرات السنوات يرفض مجلس الدولة تعيين قاضيات. معتبرًا أن القرار يختص باتخاذه المجلس الخاص لمستشاري المجلس الذي يغلب عليه رفض تعيين المرأة.
مجلس الدولة الذي يُعد بمثابة الكيان المعني بنظام المحاكم الإدارية في البلاد. ويختص بالأمور القضائية المتعلقة بالحكومة. كما أن له سلطة إبداء رأيه القانوني بشأن التشريعات. فضلًا عن العقود التي تكون الدولة أو أي جهة حكومية طرفًا فيها. ورغم أهمية المجلس إلا أن تواجد امرأة كقاضية في المحاكم التي تقع تحت مظلته لم يحدث حتى الآن.
المحامي طارق نجيدة يقول لـ”مصر 360″ إن المرأة موجودة في القضاء المدني والنيابة الإدارية وفي كل المرافق ماعدا مجلس الدولة. كذلك يتبنى المجلس الخاص موقفًا واضحًا ومحافظًا بأنه لا مكانة للمرأة في مجلس الدولة وهيئة المفوضين. الأمر الآن يحتاج مراجعة بعدما أثبتت المرأة قدرتها على تولي كافة المناصب القضائية.
إشكالية تعيين المرأة بالمؤسسات القضائية تتعلق بمجلس الدولة. حتى أن القضايا المرفوعة أمامه لتعيين الإناث قاضيات بمحاكمه والمقامة من عشرات السنوات يتم تأجيلها دون حسم ودون داعي. كذلك يقول نجيدة: “الأمر واضح الآن واستحقاق المرأة بات واضحًا”.
“المجلس الخاص بمجلس الدولة على مدار 40 عامًا رفع شعار لا للمرأة داخل القضاء. في مسابقات التعيين بمجلس الدولة تُحرم السيدات من الحصول على ملف التقديم للمسابقة من الأساس وليس رفض تعيينها. وهذا الموقف يحتاج إلى إعادة النظر والتغيير”.
تدخلات رئاسية سابقة
توجيه الرئيس السيسي، بتفعيل تمكين المرأة المصرية من تبوأ مقاعد النيابة العامة ومجلس الدولة. سيزيد من فرص تواجد المرأة بالجهات التي اعترضت لعقود طويلة على تواجدها.
كذلك يؤكد نجيدة لـ”مصر 360″ أن هناك توجيهات رئاسية عديدة صدرة في ولايات سابقة من خلال قنوات وطرق معينة. لكن مجلس الدولة ظل على موقفه فيما يتعلق برفض تعيين الإناث. وأحد هذه الطرق كان تعيين المستشارة تهاني الجبالي بالمحكمة الدستورية العليا.
تعيين الجبالي كان بمثابة رسالة من الرئاسة حينها لباقي الجهات القضائية الممتنعة عن تعيين الإناث كقاضيات. لكن الأمر لم يتغير كثيرًا بعدها.
مبارك ومحاولات إقناع مجلس الدولة
محاولات عدة تمت خلال العقود الماضية لمحاولة تعيين الإناث بمجلس الدولة لكن لم يُكتب لها النجاح. الرئيس الأسبق حسني مبارك وجّه في أكثر من مناسبة بتعيين المرأة بالقضاء. في إشارة منه إلى مجلس الدولة. لكن المجلس أصر آنذاك على موقفه ورفض تعيين المرأة بمحاكمه.
الأمر لم يتوقف عند رفض التوجيهات فقط لكن صدر قرار جمعية عمومية في عهد المستشار محمد الحسيني، رئيس مجلس الدولة الأسبق. يتضمن رفض تعيين الإناث داخل مجلس الدولة. في إشارة إلى أن الموقف لن يتغير ولن تدخل المرأة المجلس حتى وإن عُينت بالجهات القضائية الأخرى.
وفي فبراير 2010، وخلال رئاسة مبارك، عقد مجلس الدولة اجتماعًا استثنائيًا للجمعية العمومية للمجلس. وأعلن فيه مستشارو المجلس رفضهم تعيين المرأة قاضية. كذلك صوّت 334 قاضيًا من أصل 380 ضد التعيين وكان 42 قاضيًا فقط مع التعيين وامتنع 4 عن التصويت.
كذلك تقول المصادر: “قرار تعيين المرأة بمجلس الدولة يبقى في سلطة الجمعية العمومية والمجلس الخاص بمجلس الدولة فقط. وبالتالي توجيهات التعيين التي صدرت خلال السنوات الطويلة الماضية والتي كثرت خلال عهد مبارك. لم تُغير من موقف مجلس الدولة باعتباره صاحب السلطة الوحيد في الشأن.
مجلس الدولة وإشكالية المادة 11 من الدستور
كذلك أكد المحامي بالنقض محمد حامد لـ”مصر 360″، أن المادة 11 من الدستور تنص على أن تكفل الدولة تعيين الإناث. لكن المادة لم تلزم الهيئات القضائية بذلك. مطالبًا بتعديل نص المادة بحيث يلزم الجهات القضائية المختلفة بتواجد المرأة بداخلها.
إصرار مجلس الدولة منذ عهد مبارك لم يتغير حتى الآن. ففي نوفمبر 2017 أوصت هيئة مفوضي الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا، برفض دعوى تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة. كذلك انتهت المفوضين في تقريرها بالرأى القانوني، إلى التوصية بإصدار حكم قضائي برفض الطعن المقام من أمنية طاهر جاد الله. إحدى المتقدمات لشغل وظيفة “مندوب مساعد” بالمجلس، الذي يطالب بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 356 لسنة 2015. فيما تضمنه من إغفال وعدم تعيين المدعية بوظيفة مندوب مساعد دفعة 2013.
وفي نوفمبر الماضي قضت محكمة القضاء الإداري، بعدم قبول الدعوى المقامة من أمنية جاد الله. التي تطالب بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 356 لسنة 2015 المنشور بالجريدة الرسمية. فيما تضمنه من إغفال وعدم تعيينها بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة دفعة 2013.
كيف ستُنفذ توجيهات الرئيس؟
المحامي بالنقض محمد حامد يقول لـ”مصر 360″ إن توجيهات الرئيس الأخيرة سيكون لها تأثيرًا واضحًا. فيما يتعلق باحتمالية تواجد المرأة بالمؤسسات القضائية التي رفضت تواجدها لسنوات. ومن ثم حدوث انفراجة قريبة فيما يتعلق بتعيين المرأة بالنيابة العامة ومجلس الدولة. ما يسمح بتمكين المرأة وإفساح المجال أمامها لتؤدي دورها المطلوب والمساهمة في توطين خبراتها واستثمارها.
رد فعل وزارة العدل ونادي القضاة بشأن نجاح القاضيات المصريات بجدارة في تولي منصة القضاء. يُبرهن على احتمالية عقد جلسات تنسيقية قريبًا بين المؤسسات القضائية المختلفة. لمحاولة الخروج بحل يضمن تمكين المرأة وتعيينها بالمؤسسات التي رفضت لعقود طويلة تواجدها بداخلها.
المتحدث الرسمي باسم نادي القضاة، المستشار رضا محمود السيد، أكد أن مجلس إدارة نادي قضاة مصر يثمن ما وجّه به الرئيس. بتفعيل نص المادة 11 من الدستور تفعيلًا كاملًا. وهي التي تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كذلك أشار حامد إلى أن رد فعل نادي القضاة على توجيهات السيسي قد تدفع مؤسسات القضاء إلى تغيير موقفها. فيما يتعلق بتمكين المرأة ودعم تواجدها بمجلس الدولة والنيابة العامة باعتبارهما الجهتان اللاتي رفضنا تواجد المرأة بداخلهما. كما توقع عقد جلسات تنسيقية بين مؤسسات القضاء لمحاولة إقناع مجلس الدولة بعقد جمعية عمومية. كذلك دفع المجلس الخاص لتعيين المرأة بمحاكمه المختلفة.
تهاني الجبالي سيدة القضاء الأولى
دخول المرأة القضاء شهد فصولًا عدة من الجدل والاختلاف بعضها كان داخل المجتمع القضائي. في ظل رؤية عدد من شيوخ القضاء أن العمل القضائي غير مناسب للمرأة. كذلك كان الرفض نابعًا من التقاليد القضائية وبعض التفسيرات للشريعة وليس عن أي حكم دستوري أو قانوني صريح.
الجبالي التي بدأت عملها بالمحاماة واستمرت 30 عامًا. كانت أول محامية منتخبة لدورتين منتخبتين في نقابة المحامين. كما عملت خبيرًا قانونيًا في منظمة الأمم المتحدة، ومحكمًا تجاريًا دوليًا ومحاضرًا في المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس. كذلك كانت عضوًا في اللجنة التشريعية والسياسية بالمجلس القومي للمرأة.
كذلك تفرغت الجبالي إلى معركتها في إثبات جدارة المرأة بالتعيين في القضاء التي ظلت لفترات طويلة مقصورة على الرجال. حيث عملت كمحامية حرة منذ عام 1987، حتى انتختب أول عضوة في المكتب الدائم لـ”اتحاد المحامين العرب”. كذلك أصبحت أول سيدة مصرية وعربية تنتخب في هذا المستوى منذ تأسيسه خلال 1944.
الوحيدة بين 9300 قاضي
كما نشطت تهاني في الدفاع عن حقوق المرأة، وتولي القضاء. إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينها نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية في 2002/ 2003.
كما قال البنك الدولي، إنه في ذلك التوقيت كانت الجبالي المرأة الوحيدة بين 9300 قاضي على مستوى الجمهورية. وبحلول عام 2017، أصبح هناك 66 امرأة معينة كقاضية على مستوى المنظومة القضائية.
كما يقول المحامي طارق نجيدة، إن وصول الجبالي إلى المحكمة الدستورية، كان بمثابة تأكيد لقدرة المرأة على تولي أعلى المناصب. خاصة بعدما خاضت سنوات من المعارك لإثبات قدرة المرأة على التواجد بأعلى المناصب. كذلك أقنعت باقي مؤسسات الدولة القضائية بتعيين الإناث فيها.
قاضيات يُمهدن لتمكين المرأة
عدد القاضيات المتواجدات في ساحات العمل حاليًا يُمهد بشكل مباشر لتمكين المرأة من اعتلاء منصة القضاء. بعد أن حققن نجاحًا ملحوظًا في الوظائف القضائية والإدارية وفق مصادر قضائية لـ”مصر 360″.
وظهر جليًا خلال الـ3 أشهر الماضية أن 10 قاضيات مثلن النيابة الإدارية لمباشرة إجراءات الاتهام أمام المحاكم التأديبية في المحافظات. كإجراء طبيعي تتبناه النيابة نحو ترسيخ دور المرأة في العمل القضائي ودعمها في تولى المناصب القيادية طبقًا للجدارة والكفاءة.
المستشارة رندا حبيب أولى القاضيات اللاتي مثلن النيابة الإدارية في سلطة الاتهام أمام المحكمة التأديبية بشبين الكوم بالمنوفية. ومن بعدها توالت أسماء المستشارات ليصل عددهن إلى 10 يمارسن أعمالهن داخل القضاء كنواب للنيابة الإدارية.
في 2019 اعتلت المستشارة فاطمة قنديل منصة “الجنايات” بقضية “التلاعب في البورصة”. كأول قاضية تصل إلى هذا المنصب. كما أنها عضو اليسار بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمحكمة عابدين. والتي اعتلت المنصة ليصدر أول حكم بالإعدام في تاريخ القضاء المصري في حضور قاضية فصلت في قضايا الجنايات وكان الحكم بالإعدام. وهو الأمر الذي تلقاه المجتمع المصري بالترحيب باعتبارها انطلاقة جديدة تنصف المرأة في المجتمعات العربية.
فاطمة قنديل وسارة أبو العزم
وفي أغسطس 2020 أصدر المستشار عصام المنشاوي، رئيس هيئة النيابة الإدارية، قرارًا بتعيين المستشارة سارة أبو العزم. مديرًا للنيابة الإدارية بمركز مغاغة بالمنيا، لتصبح أول سيدة تتولى منصب مدير نيابة بالمحافظة.
وفي ديسمبر 2020، تحدث وزير العدل عن تمكين المرأة في السلك القضائي. كذلك تعيينها في الجهات القضائية له أولوية، وسيتم تعيين قاضيات لأول مرة في مجالات مختلفة من العمل القضائي.
وفي إحصائية ذكرها وزير العدل لتوضيح ما يحتاجه العمل القضائي. أكد أن عدد القضاة يبلغ 22 ألف قاضٍ بجميع الجهات القضائية في مصر. بينهم 11 ألف مدني وجنائي. كما أن حجم القضايا المنظور أمام المحاكم كبير جدًا. كذلك أوضح أن متوسط عدد القضايا التي ينظرها القاضي يوميًا بالمحكمة الابتدائية 7 قضايا. ما يعني أننا بحاجة إلى تعيينات جديدة بالسلك القضائي لتكفي النمو السكاني.
الدستور يُنصف المرأة
المحامي بالنقض محمد حامد أكد لـ”مصر 360″، أن الدستور المصري أنصف السيدات في مادته الـ11. التي نصت على أن تكفل الدولة للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة. والتعيين في الجهات والهيئات القضائية.
كذلك أضاف حامد، أن الدستور كفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية. وبالتالي فإن عمل المرأة بالقضاء، هو استحقاق دستوري لها كفله النظام القضائي المصري منذ أمد بعيد.
كما أكد المحامي بمجلس الدولة خالد الزهيري لـ”مصر 360″، أن هناك اتساق كامل بين أجهزة الدولة مع المواثيق الدولية. في تمكين المرأة وتعزيز حقوقها إعلاءً لمبادئ المساواة وعدم التمييز. ومن ثم حتمية تواجدها بمختلف الجهات القضائية، وإلغاء فكرة حرمانها من التعيين بمجلس الدولة.
كما أضاف أن المرأة صاحبة حق في أن تتبوأ كافة المناصب مثل الرجل فالدستور المصري فوق الجميع. كذلك ما يكفله الدستوري لابد أن يسري على الجميع ولا يُنقص منه شيئ بسبب اعتقادات خاصة.
كتب- محمود السنهوري