تجدد الانقسام بين أعضاء مجلس النواب الليبي حول حكومة الدبيبة. ما بين مطالب بمنحها الثقة سريعًا لـ”توحيد ليبيا” وآخر أوصى بضرورة انتظار تقرير لجنة الخبراء الأممية بشأن مزاعم فساد طالت اختيار السلطة الجديدة. وهو أمر أخر هذا التصويت الذي انطلق الإثنين الماضي في مدينة سرت. ودفع رئيس الحكومة إلى التلويح بأنه سيضطر للجوء لأعضاء ملتقى الحوار للحصول على الثقة. قبل أن يقر النواب أخيرًا الأربعاء الماضي بمنح الدبيبة وحكومته ثقتهم، لتبدأ مرحلة جديدة في العملية السياسية بهذا البلد الذي شهد نزاعًا مسلحًا تواصل لعقد من الزمن.
أزمة الثقة.. حكومة الدبيبة في وجه الاعتراضات
كان مجلس النواب الليبي اجتمع في سرت الإثنين الماضي، برئاسة عقيلة صالح. وذلك للتصويت على منح الثقة للحكومة المقبلة. لكنه علق جلسته إلى الثلاثاء، قبل أن يعلقها مرة أخرى للأربعاء. وسط انقسامات بين النواب على منح الثقة للدبيبة وحكومته.
ووفق النائب صالح افحيمة عضو المجلس، فقد علقت جلسة الإثنين في البداية لمدة ساعة ونصف الساعة. بينما رفض رئيس المجلس العودة مجددًا لاستكمالها. قبل إجراء تعديلات تقدم بها النواب بشأن تشكيل الحكومة.
الخلاف دار بداية حول تحديد موعد التصويت على الجلسة. وكذلك آلية تعديل رئيس الحكومة لتشكيلته. ما دفع المجلس لقطع البث عن الجلسة، وإخراج كل من بالقاعة باستثناء النواب. وقد غادر رئيس المجلس قاعة البرلمان. مطالبًا بإجراء مزيد من المشاورات حول التعديلات الحكومية قبل منح الدبيبة الثقة التي ينتظرها.
وقد تضمنت الحكومة الجديدة 26 وزارة و6 وزراء دولة ونائبين. وخلت التشكيلة من أسماء شاغلي وزارتي الدفاع والخارجية. إضافة إلى وجود 3 حقائب وزارية يحملها مزدوجي الجنسية.
من جانبه، أبدى رئيس الحكومة استعداده لتغيير أي اسم بتشكيلته خلال ساعة وتقديمها من جديد للمجلس. مطالبًا النواب بتقديم اعتراضاتهم على أي وزير مقترح. وهو ما رد عليه رئيس المجلس عقيلة صالح بتأجيل الجلسة إلى الثلاثاء حتى يتمكن الدبيبة من إجراء التعديلات اللازمة وإضافة الوزارات الشاغرة.
تنص اللائحة الداخلية للبرلمان الليبي على ضرورة تقديم 40 نائبًا لاعتراضهم على أي وزير لإخراجه من التشكيلة الوزارية.
وأعلن الدبيبة أنه جرى الاتفاق مع المجلس الرئاسي أن يتولى وزارة الدفاع رئيس الحكومة مؤقتًا. نظرًا لوجود صراع محتدم على هذه الحقيبة. كما لفت إلى أن تسمية شاغلي منصبي وزير الدفاع والخارجية سيتم بالتشاور مع المجلس الرئاسي. موضحًا أنه “كان هناك شبه انسداد في تعيين وزير للدفاع بسبب وجود صراع على هذه الحقيبة إضافة إلى تدخلات خارجية”.
تقرير الخبراء الأممين يجدد الانقسام حول الحكومة
في الأثناء، اندلعت أزمة جديدة أشعلت الانقسام داخل البرلمان. ذلك على خلفية تقارير أممية عن تلقي بعض الأشخاص المشاركين في الحوار “رشاوى” للتصويت لصالح رئيس الحكومة الجديدة، عبد الحميد دبيبة. إذ قال خبراء في الأمم المتحدة -في تقرير رفع إلى مجلس الأمن- إنه “تم شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل” في محادثات السلام الليبية التي تمت تحت رعاية الهيئة الدولية.
لكن بعثة الأمم المتحدة قالت الثلاثاء إنها “لم تتلق تقارير فريق الخبراء بما في ذلك التقرير الأخير”. وبالتالي، لا يمكنها التعليق عليه، ويجب توجيه أي استفسارات في هذا الصدد إلى لجنة العقوبات. بينما دفع الدبيبة بأن هناك محاولات تشويش على عملية تشكيل الحكومة وإفساد حالة التوافق الوطني. ذلك بغرض تعطيل عملية منح الثقة للحكومة بتبني نهج نشر الشائعات.
كما هدد باللجوء لأعضاء ملتقى الحوار السياسي للحصول على الثقة. وغرد عبر “تويتر”. فقال: “لدينا خياران في عملية اختيار شكل الحكومة، وعدم توافق النواب، يدفعنا لاعتماد الخيار الثاني”.
وقد شددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا -من جانبها- على ضرورة اجتماع البرلمان. بغرض مناقشة وبحث التصويت على منح الثقة للحكومة. وأضاف بيان لها أن البعثة تشجع رئيس الوزراء المكلف على تقديم تشكيلة الحكومة “دون مزيد من التأخير”.
خطأ الدبيبة الذي أخر الثقة في حكومته
في حديثه لـ”مصر 360″، أشار رمزي الرميح مستشار منظمة ليبيا لدراسات الأمن القومي، إلى أزمة منح الثقة هذه. فقال إنه -ربما- كان من الخطأ أن يصرح الدبيبة بأحاديث تتصل بالأمن القومي الليبي والسياسة الخاريجية قبل منح حكومته الثقة. ذلك في إشارة إلى تصريح الدبيبة بالتزامه بالاتفاقية الموقعة مع تركيا قبل عامين.
وقال الرميح: على ما يبدو أن رئيس الحكومة المكلف لا يملك مستشارين يحددون بدقة رؤيته حول علاقة ليبيا بغيرها من الدول”. خاصة تلك التي تسببت بمشاكل داخلية كثيرة. إذ إنه ما كان ينبغي الحديث عن الاتفاق البحري والاقتصادي مع تركيا. وكان عليه أن يمهل الأمر للبرلمان حتى يبت فيه. وأضاف أنه رغم ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن الدبيبة لم يتطرق إلى الاتفاقيات الأمنية والعسكرية. فهو يدرك مخاطر وجود المرتزقة والجهات الداعمة لهم. كما يعلم علم اليقين استياء غالبية الليبيين للدعم التركي وتدريب الميلشيات وإغراق البلاد في الفوضى والسلاح. ويضاف إلى ذلك المطالبات الأممية بإنهاء وتصفية وجود المسلحين الأجانب، كحالة أمنية وسياسية.
لهذا، فإن رئيس الحكومة تجنب التحدث عن الاتفاقية الأمنية العسكرية مع أنقرة. بينما أشار إلى الاتفاق الاقتصادي والبحري بين البلدين. لكنه رغم ذلك كان عليه أن ينتظر حتى الوصول إلى تشكيلة الحكومة ومنحها الثقة وكذلك انتهاء انتخابات الرئاسة، وفق ما يرى الرميح.
الموقف الأمريكي والدولي من حكومة الدبيبة
في بيان رسمي، أوضحت الخارجية الأميركية أهمية خطوة منح البرلمان الثقة للخيارات التي وضعها الدبيبة لحكومة الوحدة الوطنية الانتقالية. مشيرة إلى أنها “خطوة أساسية” نحو إتمام خارطة الطريق للحوار السياسي الليبي. بينما طالبت “القيادة الجديدة أن تأخذ الخطوات الهامة نحو انتخابات حرة وعادلة في الرابع والعشرين من ديسمبر”. ذلك لإنهاء صراع امتد لعقد من الزمن.
كما حثت الخارجية الأمريكية كل الأطراف الليبية على “ضرورة احترام قرار الأمم المتحدة المتعلق بحظر الأسلحة وإنهاء التدخلات الخارجية”. بما في ذلك إخراج كل القوات الأجنبية والمرتزقة. مؤكدة أن “واشنطن تقف مع الشعب الليبي لتحقيق سلام دائم وسيادة الأمن في كل أنحاء بلاده.
هنا، يوضح الرميح أن الولايات المتحدة -حاليًا- مع الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن ليست “بنفس القوة والنفوذ”، كما كان الحال قبل نحو عشر سنوات. كما لا يمكن القياس على تأثيرات (الديمقراطيين) في المنطقة. ذلك لتغير الشروط التاريخية، وتفاوت الحسابات أو بالأحرى التحالفات الإقليمية. ويضيف أن “ثمة متغيرات في العالم والغرب لها انعكاسات متباينة، مثل بريكست ومنظمة شنجهاي. وبالتالي، فإن ممارسات الإدارة الأمريكية لن تكون بذات التاثير في ظل هذه التباينات والتطورات.
الرميح: ممارسات الإدارة الأمريكية لن تكون بذات التاثير في ظل هذه التباينات والتطورات
لكنه في الوقت ذاته يشير إلى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ودعمها عملية تشكيل حكومة دبيبة. فيقول إن البعثة ترى في تشكيل الحكومة “فرصة حقيقية للمضي قدمًا والاتحاد والاستقرار والازدهار والمصالحة واستعادة ليبيا كامل سيادتها”.
في القاهرة، ثمنت مصر دور مجلس النواب في تحمل مسؤولياته وإعلاء المصلحة العليا لدولة ليبيا للتحرك قدمًا نحو استعادة ليبيا. وقال الناطق الرسمي بلسان الخارجية المصرية إن مصر تتطلع نحو العمل مع حكومة الوحدة الوطنية خلال المرحلة الانتقالية. وشدد على ضرورة تطبيق المخرجات الصادرة عن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 واجتماعات المسار الاقتصادي. بما يصون مقدرات الشعب الليبي الشقيق.
شروط على حكومة الدبيبة تنفيذها لتنعم بالسلام
بحسب الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، فإن حكومة الدبيبة ما تزال حتى بعد حصولها على الثقة من البرلمان الليبي، تواجه مجموعة من التحديات والمهام الضرورية التي ينبغي الانتهاء منها. ويوضح -في حديثه لـ”مصر 360″- أن هناك ضرورة لإنهاء الاقتتال والانقسامات السياسية. كما من الواجب التخلص من المرتزقة والميلشيات. ثم توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية، بحيث تتولى تأميم الصراعات وحل مشاكل الإرهاب والتفلت الأمني. ويضاف إلى ذلك إتمام باقي نتائج الحوار الوطني الليبي. وأيضًا تأمين مسارات العملية السياسية للوصول إلى الانتخابات في ديسمبر 2021. فضلاً عن تقديم الدعم لمفوضية الانتخابات.
يتفق والرأي ذاته، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي طلال الميهوب. وكان قد أكد في جلسة البرلمان عقب منح الثقة لحكومة الدبيبة على دور الجيش الليبي في محاربة الإرهاب. ووجه حديثه لرئيس الحكومة. فقال: “ألوم على حضرتكم عندما تتحدث عن محاربة الإرهاب تجاهل دور القوات الليبية المسلحة والتي تسيطر على 70% بما فيها المدينة التي تتواجد فيها”.
وهو ما علق عليه الدبيبة فقال إنه يثمن دور المؤسسة العسكرية وكافة الأطراف ممن وقفوا ضد الإرهاب. فيما وصف تواجد المرتزقة والمسلحين الإجانب بأنه “الخنجر في ظهر الليبيين”. مشددًا على ضرورة “تحرر البلاد منهم”. وأردف: “الأمر ليس بالهين، ويحتاج إلى الحكمة، وليس بالأبواق والحديث الإعلامي”. كما أشار إلى 20 ألف مرتزق موجودين في ليبيا وكشفت التقارير الأممية تعدادهم. مضيفًا أن “الأمر يحتاج روية وحكمة”.
وبينما أجمع النواب الليبيون على أن المليشيات الإرهابية لا يمكن اعتبارها فصيلاً سياسيًا له الحق في المشاركة في الحياة السياسية. وأنهم سيكونون سببًا في فشل توحيد المؤسسة العسكرية. طالبوا الحكومة بضرورة تفادي اتخاذ طرابلس مقرًا لها، مثلما فعلت حكومة فائز السراج. لأن ذلك سيجعلها “تحت ضغوطات الميلشيات وسيكبدها خسائر عديدة”.
لذا، طالب أعضاء البرلمان الليبي بضرورة “تنصل الحكومة الجديدة من المليشيات الإرهابية وتقديم وعد واضح وصريح باقتلاع آفة الإرهاب وإخراج كافة “المرتزقة السوريين” المتواجدين في طرابلس”. ذلك حسبما جاء في مخرجات الحوار الوطني. ومن ثم، دعم ومساعدة الجيش الليبي، والعمل على رفع قرار حظر السلاح عن البلاد.
رسائل الدول الخمس الكبرى
بعد منح الحكومة الثقة، رحبت فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بمنح وزارء الدبيبة الثقة. وبينما حيت الدول الخمس الشعب الليبي على تصميمه على استعادة الوحدة لبلاده. وصفت القرار البرلماني بخطوة أساسية على طريق توحيد المؤسّسات الليبية. وفي سبيل إيجاد حلّ سياسي شامل للأزمة التي ألمّت بليبيا وشعبها. كما أكدت مواصلة دعم الشعب الليبي وجهود الأمم المتحدة بالاشتراك مع شركائها، وذلك من خلال عملية برلين.
أيضًا، أشادت الدول الخمس بالبيان الذي أصدره فائز السراج. والذي رحّب فيه بنتيجة تصويت مجلس النواب. وإعرابه عن استعداده لتسليم السلطة. ودعت جميع السلطات والجهات الفاعلة الليبية القائمة لتحمّل نفس المسؤولية وضمان عملية تسليمٍ سلس.
وشدد بيان الدول الخمسة على أن السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة ستكون لديها المهام الأساسية لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في 24 ديسمبر 2021. يليها نقل السلطة إلى القادة المختارين ديمقراطيًا في ليبيا. وكذلك التنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار. وأيضًأ البدء في عملية المصالحة الوطنية. وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الليبي.
كما رحبت فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من المنطقة المحيطة بمطار الغردبية. ذلك للسماح لأعضاء مجلس النواب بالمشاركة بأمان في جلسة البرلمان في سرت. وأثنت على عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 في جعل ذلك ممكنًا.