تحل الذكرى العاشرة على الثورة السورية، التي أصبحت أرضا للصراع العالمي، بالرغم من بدايتها السلمية ذات المطالب العادلة، لتغرق في الدماء والمآسي اللانهائية. الثورة السورية هي قصة كتب فصولها ملايين من القتلى والجرحى، والمعتقلين، وكذلك النازحين، واختلفت الروايات حول الأسباب المباشرة لانطلاق الأحداث.
المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون قال إن السنوات العشر التي مرت على مسرح سوريا الدموي يوازي تقريبا مدة الحربين العالمية الأولى والثانية معا، وأن معظم الأطفال السوريين لم يعيشوا يوما بدون حرب. حياتهم دون طعام ودواء وتعليم، أو جرى احتجازهم وتجنيدهم، أو في عداد الضحايا.
وخلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي حول سوريا، قال بيدرسون إن قمع المظاهرات الشعبية السلمية قبل عشر سنوات، أدخلت سوريا في دوامة الصراع المسلح.
أكبر ضحايا القرن
ومع مرور الوقت، حطت رحال الغرباء والمقاتلين من جميع أنحاء العالم في سوريا، وهو ما أشار إليه المبعوث في خطابه، حين قال “السوريون العاديون قد يشعرون في بعض الأحيان أنهم جميعا محاصرون في صراع عالمي لا نهاية له”.
وتابع: “ستصبح المأساة السورية واحدة من أحلك فصول التاريخ الحديث – الشعب السوري من بين أكبر ضحايا هذا القرن“. تُرجم ذلك عجزا عن شراء الغذاء، والأدوية الأساسية، والضروريات الأخرى، بشكل يقارب المجاعة خاصة في ظل عدم وصول المساعدات الإنسانية، لأسباب لوجوستية مرجعها الصراع.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن أكثر من 9.3 مليون سوري يفتقرون إلى الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر.
داعش وتقاسم الجرائم
لم تقتصر الجرائم في سوريا على قوات النظام، فكان لتنظيم “داعش” مساهمات لم تضمد جراحها بعد، إلى جانب القوات الروسية، والإيرانية المتحالفة مع الأسد، والجيش التركي في المقابل.
فمن جهة، لا يزال مصير آلاف المخطوفين من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، في الشمال الشرقي بشكل رئيسي غامضا. في المقابل تلاقى النساء الويل تحت حكم “داعش”.
وفي إشارة إلى داعش يستطرد بيدرسون: “واجه السوريون أكبر منظمة إرهابية تُدرج في قائمة مجلس الأمن في الذاكرة الحديثة تستولي على ثلث بلادهم، وهي مجموعة عنيفة ومتطرفة لدرجة أنها استعبدت النساء والفتيات وباعتهن في الأسواق”.
وفي تصريح سابق قالت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات الصراع زينب بانجورا: “سمعت عن بيع ومبادلة النساء والفتيات بين المقاتلين والجماعات كجزء من الاقتصاد السياسي للصراع، يجري في الواقع تعرية الفتيات وفحصهن في أسواق الرقيق، و(تصنيفهن) وشحنهن إلى الرقة أو الموصل أو إلى أماكن أخرى ليتم توزيعهن بين قيادة داعش ومقاتليه”.
كما واجهت النساء السوريات عنفا جنيسًا مرتبطا بالنزاع من جميع الأطراف، وزيادة حالات الزواج المبكر والقسري، إذ ليس للعائلات أية وسيلة أخرى لتوفير أو لضمان سلامة الفتيات الصغيرات.
أطفال فوق فوهة الحرب
أما الأطفال فهم الحلقة الأشد قسوة وقهرًا، حيث دفعوا ثمنا باهظا على خط الصراع ما بين ضحية بالداخل، ونازح بالخارج، سواء بالقتل المباشر، أو بالعنف الجنسي، والجسدي، إلى جانب استغلالهم في المواجهات المسلحة.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” إن 12 ألف طفل سقطوا بين قتيل ومصاب في سوريا، منذ اندلاع الحرب قبل عشر أعوام. وأضافت المنظمة الأممية في بيان لها، أن الغموض ما يزال يضرب مستقبل العديد من الأطفال في سوريا، تزامناً مع ذكرى اندلاع الثورة.
كان لاعب وقائد نادي ريال مدريد الإسباني، سيرجيو راموس، دعا إلى دعم الأطفال السوريين في الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة. وكتب راموس، عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي “عقد من الحرب، ذكرى بداية الحرب السورية قبل عشر سنوات من المعاناة لملايين الأطفال”.
وارتدى راموس في تسجيل مصوّر مرفق بتغريدة قميصًا يحمل الرقم عشرة، في إشارة إلى الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة، ودعا إلى تقديم التبرعات لمصلحة الأطفال السوريين.
المخفيون قسريًا
برنارد دوهيمي، العضو الحالي والرئيس والمقرر السابق لمجموعة الأمم المتحدة العاملة المعنية بحالات الاختفاء القسري وغير الطوعي، أكد وجود انتهاك منهجي و”صارخ” في البلاد.
وذكر أن فريق العمل أحال، منذ اندلاع الثورة، 509 حالات فردية إلى الحكومة السورية بشأن اختفاء 478 رجلاً و31 امرأة، بما في ذلك الأطفال، والتي ورد أنها حدثت في جميع أنحاء البلاد.
في الوقت الحالي، لا تزال ثمة 490 حالة معلقة، مما يشير إلى أن مجموعة العمل قد تلقت القليل جدا من المعلومات من الحكومة أو المصادر المعنية، والتي حددت أنها كافية لتوضيح مصير ومكان وجود الفرد.
وقال دوهيمي: “كما هو الحال في معظم البلدان حول العالم، ولكن بشكل خاص في السياق السوري، فإن عدد الحالات المسجلة لدى فريق العمل ليس سوى غيض من فيض”.
ووفق عدد من التقارير المتسقة والموثوقة، بما في ذلك التقرير الأخير عن الاعتقال والاحتجاز التعسفي الصادر عن اللجنة الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، لا تزال هذه الحالات واسعة النطاق ومنهجية منذ عام 2011.
وأشار برنارد دوهيمي إلى أن فريقه وجه طلبا إلى الحكومة السورية لزيارة البلاد. لكن لسوء الحظ، لم يتم تلقي أي رد على الرغم من عدة رسائل تذكير في هذا الصدد.
أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” فتحدثت عن مساهمة النظام في تلك الإخفاءات، وضربت مثالا على ذلك بحالة الناشط الحقوقي البارز مازن الحمادة الذي اعتقل حال وصوله مطار دمشق، بحسب أقاربه ومحاميه، فيما لا يزال مكانه مجهولا.
وفي يونيو الماضي بدأ سكان السويداء تنظيم تجمعات حاشدة للاحتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ردت عليها قوات الأمن السورية ومناصريها بعنف وحشي، وقمعت الاحتجاجات، واعتقلت نشطاء معارضين عدة.
بحسب لجنة تحقيق حقوقية أخفت قوات الأمن الحكومية قرابة 34 رجلا، وامرأة واحدة، و10 أطفال في محافظات درعا، وحمص، والقنيطرة، وريف دمشق، والسويداء، في أماكن مثل “شعبة الاستخبارات العسكرية” و”الشرطة العسكرية”.
مأساة النازحين
تشير أرقام منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن ثمة 6.1 مليون نازح في جميع أنحاء البلاد، حتى منتصف العام الماضي.
وتواصل تركيا احتجاز السوريين وترحيلهم بإجراءات موجزة إلى شمال سوريا، في انتهاك لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
وفي اليونان ارتكبت قوات الأمن اليونانية، إلى جانب مسلحين مجهولين، انتهاكات، واعتداء جنسي، وسرقة، وسلب بحق طالبي اللجوء والمهاجرين السوريين، ثم أجبرتهم على العودة إلى تركيا.
وفي لبنان، يتحمل اللاجئون السوريون وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة في البلاد، بالإضافة إلى التمييز العام والمؤسسي الواسع.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن 22% فقط من حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري مقيمين في لبنان لديهم حق العيش قانونيا في البلاد؛ بسبب قيود شروط الإقامة اللبنانية، ما يترك الأغلبية تعيش في الظل، وعرضة للاعتقال التعسفي، والاحتجاز، والمضايقة، والترحيل إلى سوريا.
كما استخدمت 21 بلدية لبنانية على الأقل تفشي فيروس كورونا ذريعةً لفرض قيود تمييزية تطال اللاجئين السوريين فقط دون اللبنانيين. وبحسب “هيومن رايتس” زاد الوباء من تفاقم الوضع الصعب أصلا للاجئين من ذوي الإعاقة في لبنان.
وفي يوليو من العام الماضي، أعلن وزير الهجرة والاندماج الدنماركي ماتياس تسفاي عزم الدنمارك مراجعة، وربما إلغاء، تصاريح الإقامة للاجئين الذين تعتبر أنهم لا يحتاجون إلى الحماية.
هدوء هش
اعتبر المبعوث الأممي أن هناك جانبا إيجابيا وهو الهدوء النسبي، على الأقل فيما يتعلق بخطوط الجبهة التي لم تتغير منذ عام إلى الآن “لكن العام الأكثر هدوءا في الصراع السوري لا يزال عنيفا بشكل هائل بأي مقياس آخر”.
وفي هذا الصدد، شدد المبعوث الخاص مجددا على “أهمية ترسيخ هذا الهدوء الهش في وقف حقيقي لإطلاق النار على مستوى البلاد وفقا للقرار 2254، جنبا إلى جنب مع نهج مشترك لمواجهة التحدي المستمر للجماعات الإرهابية في سوريا المدرجة في قائمة الأمم المتحدة”.
ويطالب القرار الذي تبناه مجلس الأمن في 2015، جميع الأطراف بالتوقف فوراً عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، كما يحث جميع الدول الأعضاء إلى دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار. كما يتم استثناء مجموعات تعتبر “إرهابية”، بما في ذلك تنظيم “داعش”، وجبهة النصرة. وتستمر الأعمال الهجومية والدفاعية ضد هذه المجموعات، ويتم إنشاء آلية لمراقبة وقف إطلاق النار.
وهو القرار الذي طالما اتهم النظام السوري بتجاهله، واختراق مواده، في حين يصف النظام التحالف العالمي بالنفاق السياسي والإرهاب الاقتصادي، وبما لا يتوافق مع مواد هذه القرارات.