الأصل أن سرية المحادثات التليفونية أضفى عليها المشرع المصرى حماية دستورية وقانونية، باعتبارها من ضمانات حماية الحياة الخاصة، ولا يكون تسجيل المكالمات التليفونية صحيحاً، كما لا يمكن اعتباره دليلاً يعتد به أمام المحاكم، إلا إذا سبقه أمر قضائى مسبب فى بعض الحالات التى حددها المشرع (المادتين 95 ، 95 مكرر إجراءات)، لكون هذه المكالمات وعاءً للحياة الخاصة، ويعبر فيها صاحبها عن ذاته، وقد يبوح بأسراره، وبما قد يعلمه من معلومات أخرى يتداول فيها الرأى أو المشورة مع المتلقى، وعلى من يتلقى حديثاً من الغير أن يلتزم بواجب الكتمان، باعتباره التزاما أخلاقيا للائتمان على مضمونه، وعدم البوح به إلا برضاء صاحبه.
وقد رتب المشرع جزاء تصل عقوبته إلى الحبس ثلاث سنوات على كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلاً أو مستنداً تحصل عليه بغير رضاء أو إذن صاحبه (مادتين 309 مكررا، 309 مكررا أ). وقد يكون الرضاء مفترضاً أى يفترض المشرع أن هناك رضاء أو إذن إذا تم تسجيل الأحاديث التى تجرى على مرأى ومسمع من الحاضرين، أما غير ذلك فلابد من رضا صريح وغير مفترض من المسجل له، حتى ولو كان مضمون التسجيل مجرد معلومات مهنية ولا يتعلق بالحياة الخاصة، فتسجيلها دون إذن صاحبها لا يحمى من قام بهذا الفعل من العقاب وهذا هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية عام 1997.
اقرأ أيضا:
اعرف حقك| “الحرية الشخصية وحرمة المنازل”.. صانهما الدستور وانتهكتهما السلطة
وهنا تثور التساؤل عما إذا تضمن الحديث التليفونى عدوانا على المتلقى سواء كان عدوان لفظى أو تهديد أو مضايقة أو تحرش أو حتى وصوله إلى تحريض على ارتكاب جريمة…الخ، فهل يجوز للمتلقى تسجيل هذه المحادثة؟، وهل يعتد بهذا التسجيل كدليل يقبله القانون ضد المعتدى؟ وهل المعتدى عليه لا يكون بذلك مخالفاً للقانون أو معرضاً نفسه لمخاطر الحبس؟
حول الاعتداد بمثل هذا التسجيل كدليل، لم تكن محكمة النقض المصرية حتى عام 2000 قد تناولت صراحة مدى مشروعية وحجية الدليل المتحصل من الأفراد لبعضهم البعض فى مجال التسجيلات التليفونية دون الحصول على إذن من المسجل له أو رضائه.
إلا أن محكمة النقض المصرية فى 8 مايو 2000 (فى الطعن 22340 لسنة 62 قضائية) قضت بأن الإجراءات التى استلزمها المشرع لصحة التسجيل التليفونى لا تسرى على تسجيل ألفاظ السب والقذف من تليفون المجنى عليه الذى يكون له وبإرادته وحدها دون الحاجة على الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها، كما أن ذلك لا يعد تعدياً على الحياة الخاصة لأحد، ويحق للمعتدى عليه أن يضع على خط التليفون الخاص به تسجيل لضبط ألفاظ السباب الموجهة إليه توصلاً إلى التعرف على من اعتاد توجيه تلك الألفاظ له عن طريق الهاتف.
وهو قضاء يتفق مع العقل والمنطق فلا يتصور أن تكون المحادثات التليفونية التى تمثل اعتداء أو جريمة أو تحريض على ارتكاب جريمة متمتعة بالحماية، كما لا يجوز اعتبارها من قبيل ممارسة الحق فى الخصوصية.
ثم نصت المادة 76 فقرة 2 من قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 على أنه أن مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.
وحتى يثبت المجنى عليه تعرضه لهذا الاعتداء، يحق له تسجيل المكالمات التى تتضمن هذا الاعتداء، وسوف يتم قبول هذا التسجيل أمام جميع المحاكم والنيابات لأنه دليل يتفق مع القانون ومبادئ النقض، وليس فى ذلك أى مخالفة على المجنى عليه.
فالمكالمات التليفونية يتعين أن تمارس فى النطاق المشروع، وإذا استخدمت كوسيلة لارتكاب الجرائم يخرجها ذلك من نطاق الحماية المقررة لها قانون.
ولمشروعية تسجيل الأفراد للمكالمات التليفونية يجب أن يتوافر أمرين: الأول أن نكون بصدد جريمة معاقب عليها، الثانى أن تكون هذه الوسيلة هى الوسيلة الوحيدة لإثبات الجريمة، وذلك متحقق لأن حالة الضرورة هى التى استلزمت هذا التسجيل لإثبات مضمون المكالمة التليفونية وما تحمله من جرائم، وبدون هذا التسجيل لن يتمكن من إثبات الجريمة، فضلاً على أن التسجيل هنا هو حالة من حالات الدفاع الشرعى عن النفس، ولذلك لا يمكن النظر إلى الدليل هنا على أنه دليل غير مشروع يجب اسبعاده، بل يجب الاعتداد به وقبوله شريطة أن يكون المجنى عليه نفسه هو الذى قام بالتسجيل.
أما قيام السلطات بالتسجيل للأفراد، فلا يكون ذلك إلا فى إطار القواعد والإجراءات والحالات التى حددها المشرع أى الحصول قبل التسجيل على إذن قضائى مسبب حيث لا يكفى إذن من النيابة العامة، كما لا يكفى إذن دون تسبيب.