لا يزال زواج القاصرات متجذرًا في المجتمع المصري، خاصة المناطق النائية، الأمر الذي دفع مهتمين بقضايا المرأة لتصعيد مطالبهم بوضع تشريع يعاقب المتورطين في هذه الزيجات.
وخلال السنوات الماضية تباينت المواقف الرسمية والتشريعية إزاء سن قانون يحد من هذه الظاهرة. فما إن يفتح البرلمان باب مناقشة التشريع حتى يضعه في أدراج الحفظ.
اليوم وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية، بسرعة إصدار تشريع يجري بموجبه منع الزواج المبكر للأطفال.
أكثر من 150 مليون فتاة أخرى سيتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة بحلول عام 2030 في حال عدم الإسراع بمعالجة هذا الموضوع
وتصف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أي زواج قبل سن 18 عامًا، بأنه انتهاك لحقوق الإنسان. وتحتل مناطق جنوب قارة آسيا ووسط أفريقيا المراكز الأولى في نسب تزويج القاصرات. وتحذر المنظمة من أن أكثر من 150 مليون فتاة أخرى سيتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة بحلول عام 2030. وذلك في حال عدم الإسراع بمعالجة هذا الموضوع.
أعراف اجتماعية
قصص زواج القاصرات كثيرة في المجتمع الريفي بمصر، فهذه إيمان زوجها والدها وهي في عمر الـ 14 عامًا، بعدما رأى أن “عيارها قد قلت”. وهو الوصف الذي يطلق على الفتيات اللاتي يكبر جسدهن.
تقف أيمان مع آخريات آملين في عودة الأمس، للإفلات من تلك الزيجة، محملين بالمسؤولية الزوجية أو حمل أطفالهن بمفردهن، نظرا لأن أغلب تلك الزيجات لا تستمر كثيرا. ومع مرور الأيام رفضت إيمان تلك الزيجة، وقررت الطلاق، ولكنها اصطدمت بحائط صلب لاكتشافها أن زواجها كان عرفيا، فلا طلاق بدون زواج ولا حقوق بدون إثبات.
ناقش البرلمان المصري في دورته السابقة مشروع قانون يُجرِّم زواج الأطفال، لكنه انتهى إلى أدراج المجلس. وكانت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، تحاول تعديل بعض أحكام القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل، والقانون رقم 118 لسنة 1952 بتقرير حالات سلب الولاية على النفس، والقانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، والمعروف بمنع زواج الأطفال.
مشروع قانون
“ظاهرة زواج الأطفال أصبحت أكثر تفشيًا خاصة فى المحافظات الحدودية وجنوب الصعيد”. هكذا تقول النائبة عبلة الهواري وعضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب. وكشفت عن استعدادها لإعادة تقديم مشروع قانون كانت قدمته فى البرلمان بدروته السابقة بشأن تجريم زواج الأطفال.
وأوضحت أن مشروع القانون ينص على تعديل فى 5 قوانين أخرى مثل قانون الطفل والإجراءات الجنائية. وأضافت أن القانون سيعاقب المأذون بالفصل من العمل حال توثيق زواج الطفل.
وأوضحت دراسة أعدها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن عدد من سبق لهم الزواج في سن (10-17 سنة) يبلغ 117220 فردا. وذلك بنسبة 0.8% من إجمالي السكان في هذه الفئة العمرية، وفقًا لتعداد 2017.
تشكل نسبة زواج القاصرات نحو 21% من عدد الفتيات. كما تتزوج سنويًا 12 مليون فتاة دون سن 18 سنة
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة الأمية بين من سبق لهم الزواج في تلك الفئة العمرية تبلغ حوالى 40%. كما أن نسبة التسرب من التعليم بينهم تبلغ 36%. وذكرت الدراسة أن أحد أهم الأسباب الرئيسية للتسرب يرجع إلى التزويج المبكر، خاصة بين الفتيات بنسبة 25%.
ووفقا لإحصاء صادر عن “يونيسف” في 11 فبراير 2019، تشكل نسبة زواج القاصرات نحو 21% من عدد الفتيات. كما تتزوج سنويًا 12 مليون فتاة دون سن 18 سنة.
عنف قائم على النوع الاجتماعي
من جانبه، قال المحامي والخبير الحقوقي، محمود عبد الفتاح، إن زواج الأطفال هو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. يستند في ذلك إلى تحميل الأطفال مسؤوليات خارجة عن إرادتهم، وأعباء الإنجاب. هذا فضلا عن الحرمان من التعليم والعمل والسلامة الجسدية ويعرض الفتاة للإساءة والاستغلال كونها طفلة. إلى جانب سلب إرادتها في اتخاذ القرار بشأن مستقبلها.
ولفت عبد الفتاح إلى أهمية وجود قانون يجرم زواج الأطفال، لكونه يخالف للدستور المصرى. وتنص المادة 80 من الدستور على أنه “يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره….”. كما يخالف المادة الثانية من القانون المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 على أنه “يقصد بالطفل فى مجال الرعاية والمنصوص عليها فى هذا القانون كل من لم يتجاوز سنه الثمانى عشرة سنة”.
ونص القانون صراحة فى المادة الخامسة فى فقرتها الأولى من القانون رقم 143 لسنة 1994بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008: “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة”. أى بمنع الزواج لمن هو دون الـ18 عاما. ورفضت المحكمة الدستورية العليا، في سبتمبر 2017، طعنًا بعدم دستورية نص هذه المادة فى قانون الطفل.
القانون المصري: لا توجد جريمة
وعلى الرغم من أن زواج القاصر مخالف للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية. أشار عبد الفتاح إلى هذا الفعل فى حد ذاته لا يعاقب عليه القانون المصري.
ويقول المحامي والخبير الحقوقي إن القانون لا ينص على تجريم من قام بالزواج بقاصر أو تزويجها. وفي حال القيام بهذا الفعل فلا محاكمة إلا إذا اقترن الفعل بجريمة التزوير المنصوص عليها فى قانون العقوبات المصري، طبقا للمادة 227. وهى خاصة بالمأذون الذى يقوم بتزويجهم، والذى يحصن نفسه أمام العائلتين بالحصول على إيصالات أمانة على بياض حتى يقفل الباب أمام تقديم شكوى.
وتنص المادة 227 من قانون العقوبات المصري على أنه: “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج أقوالا يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقا كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق”.
ويرى ضرورة إصدار تشريع مستقل ينظم الزواج، والنص على جريمة لكل من يتزوج بقاصر، أو يشارك فى هذه الجريمة. وإلغاء دفتر إثبات الزواج، وقصرها على المحكمة. مع وضع شروط أهمها التأكد من أن هذا الزواج لم يكن قبل بلوغهما السن المحددة قانونًا.
ولأن الزواج يساهم في التسرب من التعليم، طالب عبد الفتاح بضرورة النص على جريمة خاصة بالتسرب من التعليم.
نسب مرعبة
وكشفت دراسة بحثية، أعدتها مؤسسة “بنت النيل”، وهي مؤسسة تحت التأسيس تعمل على مناهضة العنف الجنسي. أن نسبة زواج الأطفال بلغت بمركز أبو المطامير 53.5% والدلنجات 78.8%، وإدكو 68.6%، وهم ثلاث مراكز تابعين لمحافظة البحيرة، أقصى شمال مصر.
وتقول الناشطة النسوية، والمديرة التنفيذية لمؤسسة بنت النيل، أسماء دعيبس، إن نسب زواج القاصرات “مرعبة” جدا، فقد تعرض نسبة كبيرة من هؤلاء الفتيات للإجهاض المتكرر. هذا فضلا عن موت الأجنة والأنيميا الحادة، بالإضافة للاغتصاب الزوجي المستمر.
تعرض نسبة كبيرة من هؤلاء الفتيات للإجهاض المتكرر وموت الأجنة والأنيميا الحادة بالإضافة للاغتصاب الزوجي المستمر
وكشفت أسماء، عن صعوبة تقديم بلاغات لمنع جرائم زواج الأطفال، لعدم وجود نص قانوني. هذا بالإضافة إلى إجراءات التبليغ والتي تقتصر على أحد الأقارب أو من ذي صلة بالطفلة. ذلك فضلا عن أن من هم دون 18 عاما لا يتملكون سلطة تقديم البلاغ لخضوعها للولي.
ولفتت إلى أن المجلس القومي للمرأة اقترح فى 2017 مشروع قانون لتجريم تزويج القاصرات. كما قدّم أحد النواب مقترحا ولم تتخذ بشأنه إجراء حتى الآن، ولم يتم تفعيل الاستراتيجية القومية لمناهضة زواج القاصرات، والتي أطلقت فى 2015.