بهدف توسعة شارع من 35 مترا إلى 40 مترا، أصدر رئيس الوزراء قرارا تم نشره في الجريدة الرسمية في 9 يناير الماضي، بنزع ملكية 27 عقارا في شارع ترسا، المتعارضة مع مشروعات الطرق التى يجرى تنفيذها خلال الفترة الراهنة مع مشروع محور محمد أنور السادات “ترسا سابقا” بمحافظة الجيزة.
ونص القرار الصادر في يناير الماضي، والذي يعتد من أعمال المنفعة العامة، على استكمال تنفيذ مشروع نزع ملكية العقارات اللازمة لتوسعة شارع محمد أنور السادات (ترسا سابقا) الصادر به قراري رئيس مجلس الوزراء رقمي 1344 لسنة 2019 و1499 لسنة 2020 المشار إليهما، وذلك في الجزء الخاص بقطاع الأربعين (المسافة من شارع ترعة السيسي شرقا حتى شارع ترعة المنصورية غربا)، وكذا العقار الكائن ناصية شارع امتداد ترسا (شارع الأربعين)، من شارع اللبيني الهرم.
تهدف الحكومة من التوسعة إيجاد بدائل عن شارع الهرم الرئيسي الذي سيغلق قريبا لمدة تقارب الـ3 سنوات لمرور مترو الأنفاق بالمنطقة، لذا تسعى الجهات المعنية إلى تحويل مسار الطريق إلى ترسا، وذلك استكمالا لثلاثة قرارات سابقة بنزع ملكية عقارات في الشارع نفسه، للأسباب ذاتها، في يونيو 2019، وأغسطس 2020، ثم يناير الماضي.
مشروع محور محمد السادات
يأتي مشروع محور محمد أنور السادات، من ضمن المحاور الجديدة المقرر إنشاؤها في محافظة الجيزة، لنقل الحركة المرورية من شارع ترسا إلى المنصورية بدون إحداث أي إعاقات مرورية بمنطقة المريوطية والشوارع الأخرى الموازية، واستكمالا لتنفيذ ذلك المشروع الذي يبدأ من شارع خاتم المرسلين وحتى طريق المنصورية، تقوم المحافظة بأعمال توسعة لكوبري ترسا تجاه المريوطية، والذى تقوم حاليا الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشائه.
وتحقيقا لتلك التوسعات، وجه محافظ الجيزة بسرعة استكمال إزالة العقارات التى تم نزع ملكيتها لتعارضها مع مسار المحور سواء بنطاق شارع ترسا أو بمنطقة الأربعينى ليتم تنفيذ الأعمال بالتوازي، والانتهاء خلال الجدول الزمني المحدد.
هذه الخطة التي تندرج تحت غطاء “المنفعة العامة” أطاحت في طريقها أحلام مواطنين مستقرين في منازلهم، دفعوا من أجلها “تحويشة العمر”، وهم بدوا مضطرين الآن إلى البحث عن مأوى جديد، بدون تعويضات مناسبة، بعد إخبارهم بهدم منازلهم.
تضارب مصالح.. غضب ترسا
أثار الأمر غضب الأهالي والذين خرجوا في تظاهرة حملوا خلالها لافتات تندد باعتراضهم على هدم منازلهم ونزع ملكيتهم بشارع ترسا، التابع لحي الطالبية بمحافظة الجيزة، وانتهى بهم الأمر إلى القبض على 6 مواطنين، واحتجازهم بقسم الطالبية، والذي نفى وجودهم لمدة يومين، حتى ظهروا بالقسم ذاته، منسوب إليهم عدد من التهم من بينها التظاهر.
يشرح أحد سكان العقارات المزمع هدمها أن الحكومة بدأت قبل سنتين تطوير الشارع بإزالة البروز ومخالفات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ورصف الطريق والأرصفة بـ 270 مليون وهو ما جاء على لسان محافظ الجيزة اللواء أحمد راشد، وتم تسليم الشارع من 10 أشهر، وتفقده رئيس الوزراء.
هل تتغافل الدولة عن 2 متر ؟
ظن الأهالي أن الموضوع انتهى عند هذا الحد، لكن عاد المهندسون إلى الشارع لإجراء قياسات جديدة من أجل إضافة مترين لعرض الشارع، إذ تهدف إلى أن يصل مسافته 40 مترا، وهو ما سيتحقق بإزالة 27 برجا سكنيا مرخصين.
عدد محدود من الأمتار هو النتيجة الحاصلة من هدم العقارات بشارع محمد أنور السادات “ترسا سابقا”، نظرا لأعمال التطوير التي شهدها الشارع من قبل، وهو ما اعترض عليه الأهالي، لأن هذا معناه تشريد 400 أسرة ممن يسكنون تلك العقارات، وهو ماتسبب في التظاهرة الأخيرة.
“جار توسعة شارع ترسا، وكل من تم إخطاره بالإزالة سيتم إزالة العقار المعتد على خط التنظيم” هكذا علق اللواء علاء بدران، السكرتير العام لمحافظة الجيزة، في تصريح مقتضب لـ “مصر 360” على أزمة ترسا. ولم يجب المسؤول عن تساؤلاتنا بخصوص التعويضات، كما امتعنت باقي المصادر عن الإدلاء بأية تصريحات.
النائب عن دائرة الطالبية والعمرانية، محمد على عبد الحميد، أوضح أن شارع ترسا جرى تخطيطه على عرض 40 متر منذ الثمانينات، وهو الأمر الذي كان مهملا وتم البدء في تطويره من عام مضى، مشيرا إلى أن أغلب ملاك العقارات حصلوا على ترخيص للمبنى، لكن تعدوا على خط التنظيم ببروز مخالفة مثل الجراجات والأسوار وهو ما يتم هدمه في الوقت الحالي.
يدافع عبد الحميد عن خطة الحكومة لأنها لا تمتلك بديلا في ظل التحويلات المرورية الجديدة، لذا اضطرت إلى استكمال محور ترسا من ترعة الزمر للمنصورية، وتنظيم الشارع على 40 مترا.
وأشار النائب إلى أن بعض العقارات بها تفاوت في مساحة عرض الشارع من 34 إلى 36 و38 متر وهو الأمر الذي جعلنا نلجأ إلى اقتراح الشطر الجزئي كحل بديل عن الإزالة، عن طريق لجوء الأهالي للجنة هندسية تقوم بالمعاينة وفحص إمكانية حدوث شطر بالعقار دون أن يؤثر على سلامة المبنى، وإن لم يصلح ذلك فلن يكون هناك بديلا عن الإزالة.
40 ألف جنيه عن الغرفة
أعلنت محافظة الجيزة، عن صرف تعويضات تبلغ 40 ألف جنيه عن الغرفة مع حساب الصالة غرفة، ويتم التعويض إما نقدي أو وحدة بديلة بأكتوبر، غرفتين وصالة مساحتها 63 متر، بنظام الإيجار التمليكي بقسط شهرى 489 جنيه شهريا لمدة 30 سنة، وثمنها 190 ألف جنيه، ويحصل الساكن على 15 ألف جنيه مع استلام الوحدة البديلة من قيمة التعويض.
يقدر التعويض المالي طبقا للأسعار السائدة وقت صدور قرار المنفعة العامة مضافا إليه نسبة 20% من قيمة التقدير، وتودع الجهة طالبة نزع الملكية كامل مبلغ التعويض خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار فى حساب يدر عائدا لدى أحد البنوك الحكومية لصالح الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية، ويجوز بموافقة الملاك اقتضاء التعويض كله نقدا أو عينا.
ويُمنح المواطن المنزوعة ملكيته تعويضا إضافيا في حالة التأخر عن إيداع مبلغ التعويض في الوقت المحدد وهو ثلاثة أشهر، بحسب قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.
يتفق نائب العمرانية مع الأهالي بشأن قلة التعويض وعدم تناسبه مع السعر الحقيقي للشقة، ولذلك يرى أنه على الأهالي اللجوء للقضاء لتسعير الشقة وصرف تعويض مناسب.
اقتراحات بديلة أو الإزالة الحتمية.. شطر جزئي
توصل المحافظ إلى حل، وهو محاولة تقديم الأهالي طلبات للشطر الجزئي للعقار، يقول فتحي أحد السكان المتضررين أن المحافظ استثنى من الـ27 برج حوالي 18 برجا، بعدم تقديمهم بطلبات شطر جزئي للعقار، بتكلفة على حساب السكان وعلى مسؤوليتهم.
37 متر و60 سم هي المسافة بين عقار فتحي والتخطيط الجديد: “معلش يادولة خليها عليكي في المترين دول”.
هدم الحي 3 عقارات حتى الآن، ويعيش باقي السكان في حالة من التهديد خاصة لأن كافة العقارات الجديدة بالمنطقة مهددة بالهدم، يقول أحمد جلال أحد السكان، موضحا أنه جار المناقشة مع لجنة هندسية، للتوصل إلى الشطر الجزئي بأن يتم هدم جزء من البرج، خاصة وأن القرار بهدف الحصول على مسافة بسيطة، وخاصة وأن المباني مرخصة ولم يصدر لها أية مخالفات من قبل.
يشير جلال إلى أن التعويضات ليست مجزية إطلاقا، خاصة وأن أسعار الشقق في المنطقة تتراوح بين 900 ألف وتتجاوز المليون جنيه.
تحرك المتضررون في الفترة الأخيرة عن طريق جمع توقيعات وتقدموا ببلاغات لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والنائب العام والرقابة الإدارية والأموال العامة، والجهاز الفني للتفتيش على البناء، ووزارة الإسكان.
فوجئ عبد الحليم جابر، الذي نقل إلى المنطقة قبل عامين، بعد زواجه، إنه مهدد بفقد مسكن الزوجية بعد الحصول عليه بعد سنوات شاقة واستدانة باقي مستحقات الشقة، وهو الأمر الذي يجعله مكتوف الأيدي: فكيف سيعيش في هذا الوقت مع جائحة كورونا؟
يبين عبد الحليم أن مساحة الشارع الحالية بعد التوسعات وأعمال رصف ساهمت في توسعته إلى 38 مترا، والمخطط الجديد بشأن تطويره الشارع يصل إلى 40 مترا ، قائلا: “لأقل من مترين يتم هدم البرج رغم أنه مرخص ولم يصدر أي مخالفات”.
ووفقا لقانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، ونص الدستور فى المادة 35 فإن الملكية الخاصة مصونة، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا للعقارات التى سوف يتم نزع ملكيتها، وإلزام الجهة طالبة نزع الملكية إيداع ذلك المبلغ بحساب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية خلال شهر من صدور قرار نزع الملكية.
وبناء على التعديلات التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمر 2020، بشان قانون المنفعة العامة، والذي تم تعديل مادة 2 منه ويكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه، مرفقاً به: مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه موضحاً بها قيمة التعويض المبدئي والذي يجب إيداعه بحساب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية المشار إليه بنص المادة 6 من هذا القانون، وذلك خلال شهر من صدور قرار المنفعة العامة. ورسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازمة له.
يعيش فتحي في حالة من القلق على مستقبل أسرته، ومنذ أن بدأت العملية الأخيرة لم يتذوق طعم النوم في منزله، فأي لحظة قد تحمل له خبرا سيئا بجرة قلم من موظفي الحي.
“إما القيمة الفعلية للشقق للمحلات أو لن نتخلى عنها” يقول سيد، الذي يبلغ من العمر 65 عاما، رافضا إخلاء شقته بناء على التعويض المطروح.
“إحنا معاشات كل ما نمتلكه من المعاش بعد خدمة 36 عاما وضعناه في الشقة، ودلوقتي الحكومة عايزه تاخد الشقة بـ 20 % من المبلغ، ميرضيش حد”، كما استاء الأهالي من تسريب أنباء تسليمهم التعويض بعد الهدم وذلك بعد اعتماد الميزانية.