وصلت أزمات الأكاديمي المصري أيمن منصور ندا مع الإعلاميين المصريين، والهيئات الإعلامية، إلى منصة القضاء، بعدما أعلن المجلس الأعلى للإعلام، اليوم، تقدمه بشكوى جنائية ضد عضو هيئة تدريس بإعلام القاهرة، للتحقيق في”الإهانات التي يكتبها في حق إعلاميي مصر”. غير أن ندا لم يلتزم بالصمت، وواصل نشر تغريداته التي ينتقد فيها الأداء الإعلامي في مصر.
المجلس الأعلى للإعلام ذكر في بيان له أنه تابع بكل أعضائه شكاوى واتصالات كثيرة من الزملاء الصحفيين والإعلاميين الذين طالهم جميعاً إهانات بالغة من جراء ما نشره أحد أعضاء هيئة التدريس بكلية إعلام القاهرة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” آخرها صباح الخميس، وطالب المجلس التأكد من صحة البيانات المنشورة وأنها بالفعل منسوبة إلى كاتبها فتم التأكد من ذلك.
شكوى جنائية
وقرر المجلس التوجه بالشكوى للجنائية للنائب العام مطالبًا باتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية مؤسسة كفل لها الدستور حماية حرية الإعلام، حيث إنه وفقًا لصحيح القانون فإن ما كتبه عضو هيئة التدريس بإعلام القاهرة يمثل جرائم سب وقذف في حق الإعلاميين في مصر عامة، وفي حق بعض الإعلاميين على وجه الخصوص.
وأكد المجلس أنه إذ يهمه أن يوضح أنه يساند دائمًا وأبدًا حرية الرأي والتعبير، لكنه من غير المقبول السكوت على سب وقذف الإعلام المصري برمته وبعض الإعلاميين بأسمائهم، كما أنه من غير المفهوم أنه في هذا التوقيت يوفر البعض بيئة حاضنة لمثل هذه الأفكار الهدّامة، ولمثل هذه الألفاظ غير المسبوقة التي تمثل جرائم اعتداء على الشرف طالت الإعلاميين والإعلاميات وخرجت عن كافة قيم المجتمع المصري.
وأهاب المجلس بجميع الإعلاميين والصحفيين أن تكون الموضوعية هي المنهج الذي يسير عليه الجميع وأن يتم الارتقاء بمستوى الحوارات والكتابات والترفع عن الصغائر، وأن تكون الأقلام بعيدة عن النيل من كرامة البعض. وشدد المجلس أنه لن يدخر أي جهد في اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على كيانه وكرامة رئيسه وأعضاءه وكرامة الإعلاميين في مصر.
وأوضح أن ما كتبه المدعو بحسب وصفه في البيان، لا يتصل من قريب أو بعيد بحرية الرأي والتعبير التي يحرص المجلس على ترسيخها، وإنما يمثل اعتداءً صارخاً على القيم والمبادئ والمعاني النبيلة، والتي هي رسالة الإعلام بالدرجة الأولى. وناشد المجلس الكتاب والسياسيين والإعلاميين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير التصدي لمحاولات النيل من الإعلام المصري والدفاع عن تقاليد المهنة الراسخة ضد حملات الهجوم الشرسة التي تحركها عناصر تريد إحداث فتنة غير مسبوقة.
تعود وقائع الأحداث بعد عدة انتقادات بدأها ندا، عبر صفحته الرسمية بفيسبوك، في 7 مقالات، كل مقال في منشور منفصل، وجاء المنشور الثامن، بعد بيان المجلس الأعلى للإعلام، وحملت جميع المقالات انتقادات موجهة لأداء الإعلام المصري، وأسماء بعينها على رأسهم الإعلام أحمد موسى، وفي المقال الثامن جمع انتقاداته لكلا من كرم جبر، وأحمد موسى.
“بلاغات رايح جاي” وحملات دعم بطلها أكاديمي هاجم الأداء الإعلامي
بداية الأزمة
بدأت الأزمة بمنشور ندا، تحت عنوان ” يا عزيزي كلنا إعلاميون!! زمن أحمد موسى”، قال فيه، إن الإعلامي نموذج بارز في الإعلام المصري، وله جمهوره “لا أعرف كيف يتم قياس حجمه وليس لدينا مراكز حقيقية لقياس ذلك؟).. واستمراريته لسنوات طويلة في تقديم برامجه، وسعة اتصالاته، وظهور معظم الوزراء والمسئولين في برنامجه، واعتباره يمثل وجهة النظر الرسمية للدولة (في ضوء الغياب التام والتغييب الكامل لماسبيرو).. واستقباله في بعض مؤسسات الدولة استقبال كبار المسئولين VIP.. كل ذلك يجعله اسماً دالاً على الإعلام المصري حالياً، ويجعله موضعاً للتحليل والتقييم.. ويجعل من المناسب أن نقول إنه إعلام زمن أحمد موسى!.. وللمشاهد مطلق الحرية في الانحياز لنموذج أحمد موسى أو في الانصراف عنه .. تماما مثلما له الحق في الانحياز لهاني شاكر أو الاعجاب بحمو بيكا .. فلا وصاية على الأذواق، ولولا اختلافها لبارت السلع”.
وتابع: “أحمد موسى مذيع على مسئوليته! مواصفات المذيع كما تشير إليها الكتب غير موجودة فيه.. وخصائص الصوت والأداء غير متوفرة لديه.. بل إن لديه مشكلات صوتية وأدائية واضحة تمثل في حد ذاتها عائقاً أمام الإنسان الطبيعي للتواصل مع الآخرين وللتفاعل معهم فما بالك بالمذيع.. ولديه مشكلات ثقافية واضحة تمنعه من التأثير.. وله مواصفات شكلية ظاهرة تمنعه من الإقناع.. إضافة إلى ذلك، فإنه دائم الوقوع في أخطاء مهنية كفيلة باعتزاله الإعلام نهائيًا، وكافية لوضع “جوبلز” نفسه على منصة الإعدام.. ورغم ذلك فأحمد موسى هو صاحب أكبر عدد من الساعات على الهواء يوميًا”.
أحمد موسى يرد و”الديهي” يعلن تضامنه
وعقب المنشور، رد الإعلامي أحمد موسى، في منشور أيضا، جاء به “المتنمر أيمن منصور ندا.. من حقك النقد، لكن أن تتنمر علي جسمي وصوتي وما خلقه المولي سبحانه وتعالي ، فهذا يخرج من النقد إلى التنمر والإساءة والسخرية .. هل هذا مستوي من يفترض فيه أن يدرس لأولادنا في الجامعة معني القيم والأخلاق واحترام الآخر.. ويكون هو نفسه من يتنمر ويسخر .. سوف يتولي المستشار القانوني عمر الأصمعي تقديم بلاغ لمعالي النائب العام، ضد المتنمر أيمن منصور ندا الأستاذ الجامعي .. ويطبق القانون علي المتنمر”، وخرج بعدها الإعلامي نشأت الديهي معلنا تضامنه مع موسى.
وقال الديهي في برنامجه، إن صاحب المقال يعاني من مرض نفسي، بحسب وصفه، يهاجم القنوات الفضائية والإعلامين، الذين هم شرف مصر، وتقدم على الهواء بشكوى ضده، لرئيس الأعلى لتنظيم الإعلام، ونقيب الإعلاميين، ونقيب الصحفيين، ورئيس جامعة القاهرة، وعميد كلية الإعلام.
وبعد الأزمة السابقة، تقدم ندا باعتذار، على صفحته، تحت عنوان “اعتذار مستحق وإبراء ذمة مسبق.. يا ولدي هذا عمك “أحمد موسى”، ليحمل المنشور في مضمونه وجه نظر ندا في الإعلام، ليرد عليه موسي من جديد، في منشور جاء به “المتنمر أيمن منصور ندا .. كيف يكون هذا الحاقد عضوا في إحدي لجان المجلس الأعلى للإعلام وهو نفسه الشخص الذي يشكك ويطعن في الإعلام المصري بكامله؟ هل يستقيم ذل ؟ كيف يتولي منصبا في جامعة القاهرة وهو يطعن في الوطن ومؤسساته؟ .. أين كان المدعو أيمن منصور ندا وقت أن كنا وما زلنا نفضح ونكشف عصابة الإرهاب الإخواني وهي تهدد شعب مصر ومازالت ؟ .. الحق الخاص لن نتركه وسوف نأخذه بالقانون .. أما حقوق كل الزملاء في الإعلام المصري تتطلب التحرك من القائمين علي منظومة الإعلام وكلي ثقة أنهم سوف يتحركون لردع أمثال المتنمر أيمن منصور أحمد ندا”.
جامعة القاهرة تنفي مسؤوليتها.. واعتذار جديد من ندا
حالة الجدل السابقة دفعت جامعة القاهرة تعلن عدم مسؤوليتها عما ذكره أحد مدرسيها، في حق الإعلامي أحمد موسى، إذ ذكر البيان، إن الكلية لا علاقة لها بما تم نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ليرد ندا عبر صفحته الشخصية، أن ما يطرحه هو رؤية شخصية له، وتعبير عن موقف ذاتي، ولا يعبر عن موقف جهة معينة، سواء الكلية التي يعمل بها، أو الجامعة التي يتشرف بالانتماء إليها.
اعتذر ندا مجددا، قدمه عبر صفحته بعد بياناته السبعة، وكتب “الإشارة إلى المقالات السبعة التي تناولت فيها حالة الإعلام المصري، ورؤيتي لكيفية إصلاحه وتطويره بما يليق به، وبما يتناسب مع تطلعات الشعب المصري.. أود الإشارة إلى ما يلي: أولاً: إن ما طرحته وأطرحه هو رؤية شخصية لي، وتعبير عن موقف ذاتي، ولا يعبر عن موقف جهة معينة، سواء الكلية التي أعمل بها، أو الجامعة التي أتشرف بالانتماء إليها، وثانياً: إن ما أطرحه هو مجرد رأي ووجهة نظر .. وليس قانوناً أو مسلمات.. والآراء في جوهرها قابلة للأخذ والرد، وللقبول والرفض.. لا أطرح قواعد غير قابلة للمناقشة، أو مسلمات يجب الأخذ بها .. هي وجهة نظر ليس إلا .. ويجب النظر إليها في هذا الإطار”.
وتابع “ثالثاً: إنني لا أقصد أشخاصاً معينين بالنقد.. ولا يوجد خلاف شخصي بيني وبين أحد.. هو خلاف حول ما تستحقه مصر من وجهة نظري.. قد تكون بعض عباراتي قاسية، وقد تكون بعضها خاطئة، وقد تكون بعضها غير ملائمة … هذا وارد وأكثر في التعبير عن الآراء.. لكنها في مجملها تحمل الاحترام والتقدير والإجلال لكل من يعمل من أجل صالح هذا الوطن، ولكل من يضع رأسه فوق كتفه من أجل نصرته في المعركة الدائرة حالياً بين الحق والباطل، ورابعاً: إنني ابن الدولة المصرية وابن ثورة 30 يونيو .. وأكن كل الاحترام والتقدير لكافة الأجهزة والمؤسسات المصرية، خاصة الجيش المصري.. وقد شرفت بتقديم بعض خدماتي له.. وشرفت بالعمل في بعض أجهزته.. ولا يمكنني الخروج عنه أو نقده.. الجيش المصري برجالاته وقياداته وأفرعه فوق الرأس.. وننحني لهم إجلالاً واحتراماً وتقديراً وعرفاناً”.
وجاء باعتذاره “خامساً: إنني أعبر عن تقديري الشخصي وعميق امتناني للطريقة التي تعاملت بها الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها معي بعد نشر المقال الأخير.. رغم ما به من آراء اعتبرها البعض تجاوزاً.. تفهم أجهزة الدولة وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة لما كتبتُ، وتسامحهم تجاه ما نشر من بعض المعلومات المغلوطة في المقال والتي تبينت بعد مزيد من التحري والبحث عدم صحتها، هو أمر يصب في صالح الدولة.. ويعبر عن توجه حقيقي في التفرقة بين من ينقد وهدفه الصالح العام ، وبين الساعين في الأرض خراباً، والمحاولين زرع الفتنة أو نشر البلبلة لدي الناس، ولمصر وليس لأحد غيرها .. أقدم خالص اعتذاري لكل أفراد القوات المسلحة، ولكل العاملين في جهاز المخابرات العامة.. دمتم لمصر رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. ودمتم لنا نماذج مضيئة في العمل الوطني وفي التضحية من أجل الوطن”.
ليأتي بيان المجلس الأعلى للإعلام، ومعه المقال الثامن، الذي أعاد خلاله الهجوم على كلا من أحمد موسي، وكرم جبر، تحت عنوان “إعلام البغال: من أحمد موسى إلى كرم جبر!”.
المجلس الأعلى للإعلام وفرض العقوبات
ينضم قرار إحالة ندا إلى التحقيق وفرض الوصاية على ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي إلى سلسلة قرارات “الرقيب” التي يتبعها المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والهيئات الإعلامية التي تراقب بحسم شديد المواد الإعلامية منذ صدور قرار إنشائه في 2016.
يعتبر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية مقره الرئيسي محافظة القاهرة، أنشئ طبقاً للقانون رقم 92 لسنة 2016 في شأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام ليتولى تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي بالصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري ولا يجوز التدخل في شؤونه، وحددت اختصاصاته وفقا للقانون، لتصل لـ24 اختصاصا.
وفي ورقة عمل لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، اعتبرت ممارسات المجلس الأعلى للإعلام تتسم بالتعسف الشديد تجاه وسائل الإعلام والعاملين بها، استغلالًا لصياغات قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي جاءت فضفاضة جدًّا، كما استغل الأعلى للإعلام في فرض العقوبات غياب اللائحة التنفيذية للقانون، والتي لم تصدر حتى وقتنا هذا. أصدر الأعلى للإعلام قرارات بوقف العديد من البرامج وإحالة مقدميها إلى نقابتهم، إما بسبب مخالفة الكود الأخلاقي أو لاعتبارات الأمن القومي، وذلك بالرغم مما جاء في أحد بيانات الأعلى للإعلام، أنه لم يُصدر يومًا قرارًا يحمل شبهة اعتداء على حق التعبير.
وفقًا للتقرير السنوي السادس للمؤسسة، الذي أصدرته في عام 2018، سجلت المؤسسة 43 انتهاكًا لحرية الإعلام، ارتكبها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بما يمثل نسبة 42% من الانتهاكات، التي سجلتها المؤسسة خلال عام 2018، ومن هذه الانتهاكات ما تعرض له رئيس تحرير سابق لصحيفة المصري اليوم، في إبريل 2018، من إحالةٍ إلى التحقيق في نقابة الصحفيين، بسبب مانشيت بعنوان “الدولة تحشد الناخبين”، مع محرر الخبر، وألزم المجلس الأعلى للإعلام الصحيفة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات بنفس المكان، وبنفس المساحة، وتوقيع غرامة قدرها 150 ألف جنيه على الصحيفة.