استقيظ محمد السيد، بنشاط كبير، كعادة الأيام التي يبحث فيها عن رزقه في العاصمة، حيث يعمل هناك في مجال المقاولات، كأغلب أبناء قريته بسوهاج.
قبّل الرجل الأربعيني أولاده، وحمل حقائبه، واستقل قطارا في الحادية عشر صباحا. جلس في القطار الأمامي الذي حمل رقم 157 مميز الأقصر- الإسكندرية ليتوقف فجأة ما بين محطتي المراغة وطهطا.
لم يدرك السيد ما حدث، ظن لوهلة أن القطار تعطل لسبب ما، لكن ما حدث بعد ذلك كان مرعبا، لم يعشه من قبل.
اعتاد السيد السفر والترحال، من القاهرة إلى الصعيد والعكس، لكنه لم يعتد الحوادث، اعتاد رؤية الدماء في المشاجرات الكبرى بالصعيد، لكنه لم يتخيلها في مكان كالقطار.
شعر السيد ومن حوله بالاصطدام الكبير الذي كان أشبه بزلزال مفزع، فقد اتزانه ومعه فقد موقعه.
وجد نفسه في مكان آخر تحاصره الأشلاء من كل حدب وصوب. ملأ الصراخ رأسه، وكست الدموع عينيه، حزنا على من فقدوا، من بينهم صديقه الذي لم يعثر عليه حتى الآن، لم يقدر على الحصر، لكن مشاهد الدماء كفيلة بتضاعف الأعداد.
ضحايا قطار سوهاج
لقى 32 مواطناً مصرعهم وأصيب 108 آخرون في حادث تصادم قطارين بمركز طهطا بمحافظة سوهاج، وفقا لأرقام وزارة الصحة، وهي أرقام مرشحة للتزايد في كل دقيقة.
تقول هيئة السكك الحديدية إن الحادث يقف خلفه مجهولون فكوا بلف العربيات ما تسبب في توقف القطار واصطدام القادم بمؤخرة الأول، ما نتج عنه سقوط 32 قتيلا وأكثر من 90 مصابا.
“كنت متواجد أنا وصديقي وفجأة وقع الحادث لم نشعر بأنفسنا، تكدس الرجال والنساء تحت المقاعد خرجت العربات عن القضبان، أصبت في قدمي لكني بحالة جيدة، لكنني لم أجد صديقي بعد فأنا ابحث عنه بين المصابين”.
كان محمد السيد في طريقه إلى القاهرة للعمل فترة ما قبل حلول شهر رمضان ومن ثم العودة إلى قريته لقضاء الشهر الكريم في منزل العائلة: “كنت ذاهبا للعمل فأنا أعمل في مجال المقاولات، بالتحديد لم أعرف ماذا وقع، في البدء ظننا أن زلزال أصابنا، لكن بعد أن بدأنا ندرك ما يحدث عرفنا إن القطار المكيف اصطدم بنا أثناء وقوف القطار الذي نستقله”.
الصرخات والنحيب كانت من كافة الاتجاهات، الأشلاء تناثرت داخل العربات التي خرجت عن القضبان، أصحاب الإصابات الخفيفة بدأت في مساعدة المصابين.
رأي السيد بأم عينيه سيدات أسفل المقاعد التي انقلبت، ورجالا كبار وكهل تناثرت الدماء على ملابسهم، حاول برفقة بعض الشباب المتواجد في إسعاف من يستطيع إخراجهم.
جدعنة الصوامعة
تحرك أهالي قرية الصوامعة لنجدة القطار المنكوب، سارع شباب القرية إلى موقع القطار ونجدة المصابين واستخراج جثث الموتى: “تأخرت سيارات الإسعاف إلا أن شباب القرى المجاورة للحادث تحركوا لمساعدتنا، حاولنا إنقاذ الأرواح قدر الإمكان”.
كانت أصعب اللحظات التي مرت عليه وفاة أحدهم أمام عينيه: “عندما تحركنا لإنقاذ الركاب، لم نستطع إنقاذ الجميع رأيت أحدهم يلفظ أنفاسه الأخير ووجه مغطى بالدماء، كان مشهدا إليما وبالتأكيد لن أنساه ما حييت
رحيل أبو عامر، أحد أبناء محافظة سوهاج، كان على متن القطار، روى لنا وقائع الحادث.
كان أبو عامر في طريق عودته إلى قريته لقضاء بعض الوقت مع أسرته، ومع نور الصباح الذي تسلل إلى نوافذ القطار، شعر بانفجار ضخم حصل في لحظات تحول الهدوء الذي كان يكسو القطار إلى صخب وصراخ من الجميع.
“كنت متواجدا أنا وصديقي وفجأة وقع الحادث لم نشعر بأنفسنا، تكدس الرجال والنساء تحت المقاعد خرجت العربات عن القضبان، أصبت في قدمي لكني بحالة جيدة، لكنني لم أجد صديقي بعد فأنا ابحث عنه بين المصابين”.
في لحظات تخول الهدوء إلى صراخ، الحادث أصاب الجميع بالارتباك، هناك رجال ونساء أصيبوا إصابات بالغة.
يقول عامر: “يوجد عربات إسعاف وبدأ العمل على فرز المصابين وحالات الوفاة، الدماء متناثرة في كل مكان، هب الاهالي لمساعدتنا نحتاج لكل رجل من رجال الصعيد ليساعدنا”.
لا تزال المهمة مستمرة، الأهالي في بحث مستمر عن ضحاياهم، والحكومة الآن على الأرض بتوجيهات من رئيس الجمهورية، الذي توعد الفاسدين بالحساب،وتبقي الحقيقة الكاملة للحادث غائبة.