يبدو أن مصر والسودان لم يبق أمامهما حاليًا سوى 3 سيناريوهات فقط للتعامل مع أزمة سد النهضة. ذلك في ظل الإصرار الإثيوبي على يونيو المقبل موعدًا للملء الثاني الذي ترفض البلدين إتمامه دون الوصول لاتفاق ثلاثي مُلزم.
السيناريو الأول بدأ بالفعل.. مصر والسودان يضغطان دبلوماسيًا
السيناريو الأول المطروح لحل الأزمة بدأت مصر والسودان فعليًا التحرك فيه، ففي زيارته الأخيرة إلى القاهرة، كشف رئيس وزراء السوداني، عبد الله حمدوك، عن تشكيل لجنة مصرية سودانية للتنسيق وتوحيد التحركات الدبلوماسية تجاه القرار الإثيوبي المنفرد باستكمال الملء الثاني.
هذه التحركات الدبلوماسية بدأت باتصال لوزير الخارجية المصري سامح شكري بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. إذ تناولا بحث إمكانية دخول الأمم المتحدة وسيطًا في عملية التفاوض. وأبدى الأمين العام ترحيبه بالدعوة المصرية السودانية. لكنه اشترط دعوة رسمية من الاتحاد الأفريقي الذي سبقت له رعاية الجولات السابقة من المفاوضات.
مصر والسودان سعيا بالتحرك الدبلوماسي الأخير إلى تأهيل المجتمع الأفريقي وتوضيح الصورة الحقيقية في النزاع مع إثيوبيا بسبب سد النهضة. ذلك في محاولة للتصدي للدعاية الإثيوبية بأن السد هو مشروع أفريقي من أجل التنمية والخروج من وطأة الاستعمار ومحاربة للفقر. في وقت حاولت الدولتين إظهار خطورة سياسة الاستئثار بأي قرار يتعلق بإدارة المياه في حوض النيل الأزرق، ومدى تأثيره على السلم والأمن في القارة الأفريقية.
وكانت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، قد بدأت جولة أفريقية منذ 19 مارس الجاري. لغرض شرح الموقف السوداني وأهمية إبرام اتفاق ملزم وقانوني حول السد. وأيضًا التحذير من عملية الملء الثاني لبحيرة السد وخطورته على السودان. وشملت الجولة زيارات إلى جزر القمر وعدد من دول حوض النيل.
كما استقبل الرئيس السيسي في القاهرة رئيس بوروندي، إيفاريست ندايشيمي، حيث أكد على أن النيل هو قضية وجودية للمصريين ومسألة أمن قومي. وشدد على تمسك مصر بحقوقها المائية في ملف سد النهضة الإثيوبي، من خلال التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة. ذلك بعيدًا عن أي منهج أحادي يسعى إلى فرض الأمر الواقع وتجاهل الحقوق الأساسية للشعوب.
الوقت يمر.. آخر محاولات العودة للتفاوض حول السد
على الأرض، يتوقع مراقبون أن تستمر القاهرة والخرطوم في التصعيد الدبلوماسي والاستمرار في شرح خطورة السياسات الإثيوبية الأحادية للمجتمع الدولي. من دون التنازل عن شرط الآلية الرباعية لرعاية المفاوضات بعد عدم جدوى الرعاية الأفريقية وحدها للمباحثات الفنية أو القانونية بين الدول الثلاثة. وذلك مع استغلال الموقف الدولي تجاه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في ظل أزمة تيجراي وفضائح الانتهاكات التي وقعت في هذا الإقليم وأسفرت عن آلاف الضحايا.
إلا أن هذا التصعيد الدبلوماسي بات مرهونًا بالوقت. فوفق مصدر دبلوماسي مطلع على ملف إدارة مياه النيل فإن منتصف أبريل المقبل هو الموعد الأقصى الذي يمكن أن تبدأ فيه أي جولة مفاوضات جادة لحل المسائل العالقة، قبيل موسم الأمطار المقبل، ومن ثم بدء الملء الثاني.
ويضيف المصدر -في حديث لـ”مصر 360″، أنه لا يمكن أن تنتظر مصر بعد ذلك استعادة المفاوضات مع إثيوبيا. ويوضح أن القاهرة وجهت عدة رسائل خلال الفترة الأخيرة برفض أي سياسات تتجه لفرض الأمر الواقع في هذا الشأن. فضلاً عن رفض تغير الهدف الرئيسي للمفاوضات حول السد النهضة لتشمل أي مطالب إثيوبية بحصة من مياه النيل أو ضمان لمشروعات مستقبلية على ضفاف النهر. لافتًا إلى أن القاهرة تدرك جيدًا كافة المراوغات ومحاولات تفريغ المباحثات من مضمونها والبعد عن هدفها الرئيسي من توقيع اتفاق ملزم يحكم قواعد ملء وتشغيل سد النهضة خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، وفقًا للظروف الهيدروليكية في النهر.
ووفق المصدر، فإن الحملة الدبلوماسية الموسعة التي تقوم بها مصر والسودان أيضًا لها تأثير وصدى قوى حتى الآن. إذ أصبح لدى القاهرة دعم وتفهم دولي قوي لمواقفها ومصالحها المهددة من قبل إثيوبيا وتصرفاتها الأحادية في النيل الأزرق. إلا أنه أكد أنه لا يزال هناك عدد من التحديات تواجه مصر بشأن ممارسة مزيد من الضغوط على إثيوبيا لتعديل مواقفها، مشيرًا إلى قوى إقليمية لم يسمها تدعم الموقف الإثيوبي.
آثار الملء الثاني على مصر والسودان
في حديثه أمام البرلمان الإثيوبي، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التزام حكومته باتمام الملء الثاني لبحيرة السد في الموسم المطري في يوليو المقبل. قال: “لا يمكن تفويت موسم الأمطار المقبل، فذلك يكلفنا خسارة نحو مليار دولار”. وأضاف أن بلاده تستهدف من السد توليد الكهرباء، ولا تسعى إلا لتخزين 5% فقط من وارد الأنهار. وليس من مجرى النيل الأزرق الرئيسي الذي تساهم في إيراده بـ80%، على حد قوله.
هذا الملء الثاني الذي تسعى له إثيوبيا سيكون 13.5 مليار متر مكعب من المياه. ومن ثم يكون الإجمالي في حدود 18.5 مليار مكعب. بعد إضافة الخمسة مليارات العام الماضي. وهذه كمية تراها مصر والسودان كبيرة ولها تداعيات خطيرة. من بينها توقف محطات مياه الشرب شرقي السودان.
ويتوقع الجانب السوداني توقف سدي الروصيرص وسنار لتوليد الكهرباء في السودان نتيجة عدم وجود مياه كافية في النهر، خاصة مع الملء الثاني.
والسودان هو المتضرر الأول بهذا الملء. ثم مصر التي ستتأثر بنقص كمية المياه. فلو كانت الكمية 13.5 مليار متر مكعب، سيكون نصيب مصر من النقص 9 مليارات متر مكعب تقريبًا، أي ما يعادل ري 2 مليون فدان.
7 مليارات متر مكعب من المياه نقصًا محتملاً في كل بلد
مستشار وزير الري المصري الأسبق، ضياء الدين القوصي، قال لـ “سكاي نيوز عربية“، إن النقص المحتمل أن تتكبده مصر يصل إلى 7 مليار متر مكعب، وكذلك السودان. وفسر ذلك بقوله: “الملء الثاني هو لكمية 13.5 مليار متر مكعب، وحسب اتفاقية العام 1959 فإن أي عجز تتحمله مصر والسودان مناصفة. وبالتالي يفقد كل منهما نحو 7 مليارات متر مكعب”.
وكان الخلاف خلال المباحثات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا منذ جولات واشنطن في أغسطس 2019، هو التوافق على مراحل تخزين المياه من خلال الحالة الهيدروليكية في النهر خلال سنوات الفيضان والجفاف. إذ كانت القاهرة تطلب أن يتم ملء السد وفق مراحل تتوافق مع حالة الأمطار وإيراد النهر السنوي. وذلك عبر تدابير لا تؤثر على الحد الأدنى من التدفقات المعتادة للمياه الواردة إلى بحيرة ناصر من النيل الأزرق. وهو المفترض أن يتم عبر آلية تنسيقة يتم تداول البيانات والمعلومات فيها بشفافية. ويتم من خلالها تقييم الآثار الفنية والتعامل معها. إلا أن كافة النماذج والسيناريوهات الفنية التي قدمتها القاهرة أو الخرطوم اعترضت عليها إثيوبيا واعتبرت أن الأمر شأن من شؤون السيادة والتصرف المطلق لها في سد النهضة. وأنه لا يجوز لدولتي المصب التدخل في الأمر.
فنيًا.. كيف واجهت مصر والسودان إعلان الملء الثاني؟
منذ إعلان إثيوبيا عن الملء الثاني، بدأت وزارة الموارد المائية والري السودانية في تشكيل لجنة طوارئ للتعامل مع الآثار والتداعيات المحتملة. وقد بنى السودان تحركاته الداخلية تلك على ما تعرض له العام الماضي من فيضانات عارمة تسببت في خسائر اقتصادية فادحة.
تشمل التحركات السودانية الداخلية محاولة تحسين الأداء وزيادة الكفاءة فيما يخص السياسات التشغيلية للسدود ومحطات التوليد الكهرومائي للتعامل مع أي مستجدات خلال الموسم المطري.
أما في مصر، فقد بدأت وزارة الموارد المائية والري خطة للموارد المائية حتى 2050. تصل تكلفتها 900 مليار جنيه. وهي تستهدف ترشيد استخدامات المياه والتوسع في توفير البدائل ومصادر مائية إضافية عبر مشروعات زيادة الإيراد من المياه غير التقليدية. وتشمل إعادة الاستخدام وتحلية مياه البحر والتوسع في مشروعات حصاد مياه الأمطار في المناطق الساحلية. وكذلك مواجهة استنزاف الموارد المائية السطحية عبر مشروعات قومية مثل تأهيل الترع والتحول من نظم الري بالغمر لنظم الري الحديث. وقد تم الانتهاء من تأهيل ما يقرب من 1300 كيلو متر من الترع في شبكة الري القديمة في محافظات الدلتا والصعيد وتحويل 250 ألف فدان للري الحديث.
السيناريو الثاني.. اللجوء إلى مجلس الأمن
قبل يومين، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إنه لا يستبعد اللجوء إلى مجلس الأمن مرة أخرى كأحد السيناريوهات المطروحة لحل أزمة سد النهضة. وأضاف في تصريحات تلفزيونية: “نتحدث عن الخطوة المباشرة التالية وهي الانخراط مرة أخرى تحت رعاية الكونغو في عملية تفاوضية في مرحلة حساسة لأن الوقت ضيق”. بينما أشار إلى “سيناريوهات عديدة يتم تقديرها والاختيار فيما بينها بما سيعود بأكبر درجة من النفع”. وقال إن اللجوء إلى مجلس الأمن من ضمن الأمور المتاحة.
وناقش مجلس الأمن في يونيو الماضي -بطلب من مصر- ملف سد النهضة من أجل الوصول لاتفاق نهائي يرضي كل الأطراف. وقد استند خطاب مصر إلى مجلس الأمن -آنذاك- إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ودعا مجلس الأمن حينها مصر وأثيوبيا والسودان، إلى الحوار فيما بينها من أجل إيجاد حل للملف. وهو الأمر الذي لا يزال معلقًا إلى الآن في ظل الطلب المصري-السوداني بإشراك (الولايات المتحدة – الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الاتحاد الأوروبي) في المفاوضات إلى جانب تفعيل دور المراقبين. والرفض الإثيوبي لدخول أطراف أخرى غير الاتحاد الأفريقي.
مع ذلك، يبدو أن خيار إعادة ملف سد النهضة للعرض أمام مجلس الأمن لن يستهدف سوى محاصرة إثيوبيا ودعم الموقف المصري والسوداني. وهو هنا يبقى خيارًا دبلوماسيًا ليس إلا، كما يشير الخبراء في هذا الشأن.
التعامل العسكري.. السيناريو الثالث لحل الأزمة
في أوائل مارس الجاري، أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زيارة إلى السودان هي الأولى منذ إطاحة نظام عمر البشير. حيث أكد خلال مؤتمر صحفي جمعه بالفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، على دعم القاهرة للسودان في كافة الجوانب. كما شدد على رفض البلدين سياسة الأمر الواقع بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي. وكذلك ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وعادل يراعي مصالح دول المصب (مصر والسودان)، قبل موسم الفيضان المقبل في يونيو 2021.
قال الرئيس حينها إن المباحثات المصرية السودانية أكدت على حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة. مع ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث؛ مصر وإثيوبيا والسودان.
وقد سبقت هذه الزيارة توقيع اتفاقية عسكرية بين البلدين في 2 مارس. وذلك خلال زيارة أجراها رئيس الأركان المصري إلى السودان، في حضور قائدي جيشي البلدين، اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
وفي 22 من مارس، وصلت قوات جوية مصرية إلى قاعدة مروي الجوية شمال السودان. ذلك للمشاركة في تدريب عسكري مشترك “نسور النيل 3″، بالتعاون مع القوات المسلحة السودانية. وهو ما جاء استكمالاً لتدريبات نسور النيل 1 و2 التي شاركت فيها عناصر من القوات الجوية وقوات الصاعقة. وتستهدف قياس مدى جاهزية القوات والاستعداد لتنفيذ عمليات مشتركة على الأهداف التي تهدد أمن البلدين.
تحشيد الداخل لمواجهة القادم
إلى جانب التحركات الرسمية والدبلوماسية على الصعيد الخارجي، فقد بدأت وزارة الموارد المائية والري المصرية حملة داخلية. وقد استهدفت بها إطلاع الرأي العام الداخلي على الموقف المصري. وكذلك خطورة المرحلة المقبلة في حالة استمرار إثيوبيا في سياسة فرض الأمر الواقع بالملء الثاني للسد بشكل أحادي.
وفي سبيل ذلك، عُقدت سلسلة من اللقاءات المغلقة مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حضره عدد من الصحفيين والإعلاميين. وذلك لشرح كافة مراحل التفاوض والمماطلة الإثيوبية. وتم التوافق على تشكيل لجنة دائمة للاتصال والمتابعة الإعلامية لملف سد النهضة من وزارة الري المصرية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ للتوعية وتحسين التناول الإعلامي لملف سد النهضة بشكل خاص. وأيضًا قضية المياه وترشيد الاستهلاك بشكل عام من خلال محتوى إعلامي متخصص لمخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي.
أيضًا، تحاول وزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع وزارة الهجرة بناء كوادر مصرية للدفاع عن الحقوق المائية المصرية في المؤسسات ومراكز الأبحاث الدولية. ذلك من خلال إطلاع شباب الباحثين المصريين في الخارج بمستجدات الأوضاع والموقف المصري الرسمي في القضايا المتعلقة بمياه النيل. وكذلك توفير مصادر فنية وقانونية رسمية للمعلومات يمكن الاعتماد عليها في نشر حقوق مصر والدفاع عنها من أجل عرض القضية المصرية في المحافل الأكاديمية الدولية.
مصر والسودان.. أي البلدين أقرب للحرب مع إثيوبيا؟
يصف الكاتب السياسي مصطفى الفقي قيام مصر بعملية عسكرية ضد سد النهضة بـ”الأمر المعقد جدًا”. ذلك لأن عملية من هذا النوع لابد أن تكون مدروسة بشكل تام. وأيضًا يجب أن تحظى بتأييد دولي وتنال ضوء أخضر من دول كبرى في العالم. بينما احتمالية وقوع الأمر بين السودان وإثيوبيا له حسابات أخرى. فمشكلة السودان وإثيوبيا لا تقف عند السد فقط، على حد قول الفقي. وإنما تصل إلى النزاع الحدودي.
فالثلاثاء الماضي، أعلنت الحكومة السودانية موافقتها على مبادرة من الإمارات العربية المتحدة للتوسط بينها وبين إثيوبيا لحل خلافاتهما الحدودية. إذ يتنازع البلدان على منطقة الفشقة الزراعية التي تقع بين نهرين. وهي منطقة تلاقي أمهرة وتيجراي في شمال إثيوبيا بولاية القضارف الواقعة في شرق السودان.
هذا الخلاف الحدودي هو ما يثير احتمالية وقوع السيناريو الثالث باندلاع الحرب بين إثيوبيا والسودان. خاصة في ظل التوتر بشأن سدّ النهضة. وفي حال وقوع هذه الحرب فإن السودان سيلقى دعمًا لوجيستيًا كبيرًا من مصر. ذلك بموجب الاتفاقيات العسكرية بين البلدين. فضلاً عن التقارب الذي شهدته الأيام الماضية بين البلدين اللذين تربطهما علاقات تاريخية طويلة الأمد.