وصفتها الناجيات بدوائر جهنم، عرفناها فى أوائل التسعينيات بحوادث فردية عشوائية صادمة للمجتمع. ثم انتشرت وأصبحت حوادث متكررة يتم رصدها بانتظام. ثم أصبحت متوقعة ترتبط بمناسبات محددة. واستخدمت لترويع النساء والمجتمع، وإخراص الأصوات، عانت الناجيات منها من الوصم الاجتماعي وإلاذلال، تحلى القليل منهن بالشجاعة للإعلان عن أنفسهن، والمطالبة بحقوقهن فى رأب الضرر، والوصول للعدالة، وشوارع آمنة لهن ولكل النساء فهل وصلن لما نادين وما طالبن به؟ منذ 1992 إلى 2021 والجناة في هذه الحوادث يفلتون من العقاب. فمتى ستحصل الناجيات على حقوقهن؟ ومتى تنتهي هذه الظاهرة؟
فتاة العتبة سبتمبر 1992
في أوائل التسعينيات، تحديدًا فى 1992 أعلنت الصحف عن حادث مروع، وصوفوه بأنه جديد على المجتمع المصري. كانت المانشاتات في جميع الصحف والمجلات (اغتصاب فتاة العتبة) لم يكن يتوقع أحد أن يتم هتك عرض فتاة وفض بكارتها نهارًا جهارًا فى ميدان عام. صُدم المجتمع، وانهالت عروض الزواج على “شاهيناز.ع” كأن الأزمة الوحيدة هي الزواج، وهو ما يمثل ستر العرض الذي أريق من وجهة نظر المجتمع.
زارتها فنانات منهم أمينة رزق ونادية لطفي لدعمها نفسيًا، في سابقة مهمة لدور الفنانيين الاجتماعي، في زمن كان يحترم الفن والفنانين. صُدم المجتمع لأن الحادث دمر ثوابته، التي كانت ولا تزال يلقنها لنسائه عن وسائل الحماية من العنف الجنسي (ماتمشيش بالليل متأخر، ماتمشيش فى شوارع فاضية وضلمه، ما تخرجيش لوحدك) فجاءهم حادث اغتصاب فتاة العتبة، ليخبرهم أن العيب ليس في اختيارات النساء.
تم هتك عرض الفتاة، في نهار رمضان، على سلم الأتوبيس، في زحام ميدان العتبة. وهو واحد من أكبر وأكثر الأسواق اشتهارًا، ارتادته الفتاة مع الآلاف، خاصةً قبل الأعياد، لشراء مستلزمات وملابس العيد. كانت بصحبة أمها وأخوتها، حين هجم عليها أربعة أشخاص شل حركتها ثلاثة، وانتزعوا ملابسها وقام الرابع باغتصابها باستخدام أصابعه وفض جزئيًا غشاء البكارة، حسب ما جاء فى تقرير الطب الشرعي.
وكان التوصيف القانوني هتك عرض! لأن القانون المصري يعرف الاغتصاب بأنه مواقعة أنثى بغير رضاها، والمواقعة فى القانون تعني: الاتصال الجنسي الطبيعي التام بين الرجل والمرأة. فلا تعد أية أفعال غير ذلك (مثل: المساس بالعضو التناسلي للمرأة، أو وضع شيء آخر فيه، أو إزالة بكارتها بالأصابع، والأدوات، والأسلحة) من قبيل المواقعة. بل تعد هتك عرض أو شروع في اغتصاب، حسب القصد الجنائي للمتهم.
وهناك العديد من الجهود لمؤسسات المجتمع المدني؛ لتغيير هذا التعريف، كان آخرها قانون العنف الموحد، الذي أعدته قوة العمل لقانون موحد لمناهضة العنف، وتبنته النائبة نادية هنرى، وقدمته للبرلمان فى 2018، ولم ير النور إلى الآن!
لم يفق المجتمع من صدمة الحادث، ليصحو على صدمة جديدة؛ فبعد عام كامل من التحقيقات، والمحاكمات، والمرافعات، حكم بنجاة المتهمين، وبراءتهم جميعًا من الاتهام، لم يشفع تقرير الطب الشرعي، وشهادة الشهود، ولم ينفع أن القبض تم فى حالة تلبس، بواسطة أحد أمناء الشرطة، الذي حصل على مكافأة وقتها ألف جنيه؛ تكريمًا على جهده في القبض على الجناة، وكان مبلغًا ضخمًا وقتها، وتساءلت الصحف إذا كان المتهمون أبرياء فمن الجاني.
الأربعاء الأسود 2005
المكان سلم نقابة الصحفيين، شارع عبد الخالق ثروت، الزمان 25 مايو 2005 أي بعد 13 عامًا من حادث فتاة العتبة، هذه المرة لم يكن الحادث عشوائيًا، أو دون ترتيب كما حدث لفتاة العتبة. بل كانت المرة الأول التي يستخدم العنف الجنسي وسيله للقمع السياسي في عهد مبارك، فتم التحرش وهتك عرض الصحفيات، والناشطات السياسيات، على سلم نقابة الصحفيين، وخرجت نوال علي، وعبير العسكري، وشيماء أبوالخير، وإيمان طه، ورابعه فهمي، وغيرهن، للإعلان عما حدث لهن وسجلوا شهادتهن على الصحف والمدونات -حيث لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد ظهرت بعد- وقدمن بصعوبة بالغة بلاغات في النيابة، اتهموا فيها أعضاءً في الحزب الوطني المنحل بهتك العرض والتحرش الجنسي واتهموا الشرطة بالتواطؤ، ودفعن كثير من سمعتهن، وسلامهن النفسي، وأمانهن الاجتماعي، ثمنًا لشجاعتهن.
فقدت نوال علي وظيفتها وزواجها، وماتت في 2009 بعد معاناة قصيرة مع مرض السرطان، وخرج كالعادة من يبرر ما حدث، مرة بالملابس، ومرة بالسؤال المتكرر (ايه وداها هناك؟).
نظمت القوى الوطنية، والسياسية، والجمعيات النسائية، وقفة احتجاجية، في نفس مكان الحادث، على سلم النقابة، ورفعت لافتات تطالب بإقالة وزير الخارجيه وقتها “حبيب العادلي”. ظهرت على إثر هذا الحادث مجموعات نسوية وسياسية أسمت نفسها نساء من أجل الديمقراطية، وحركة الشارع لنا، وإن لم تستمر هذه الحركات وقتًا طويلاً.
بعد مرور 4 أشهر من التحقيق، قرر النائب العام عبد المجيد محمود بتاريخ 27 ديسمبر 2005 حفظ التحقيق في بلاغ نوال (وبلاغات زميلاتها) “لعدم الاستدلال على الفاعل”، لتقوم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وكيلاً عن أربع منهن بتقديم شكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
وفي 14 مارس 2013، بعد مضي ثماني سنوات على “الأربعاء الأسود”، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تصدر قرارًا تاريخيًا، بإدانة الحكومة المصرية، وتطالبها بإعادة فتح التحقيقات في وقائع الأربعاء الأسود، ومحاكمة المتهمين، وتعويض كل من الشاكيات الأربعة (المرحومة نوال، وعبير وشيماء وايمان) عن الأضرار الجسدية والنفسية، وتلزم الحكومة بتقديم تقرير خلال 180 يوم بشأن تنفيذ الحكم.
لمزيد من التفاصيل يمنكم الاطلاع على هذا المقال لحنان البدوي على موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
حوادث التحرش الجنسي الجماعي في عيد الفطر 2006
الزمان: 23 أكتوبر 2006، المكان: شارع طلعت حرب في منطقة وسط البلد بالقاهرة الكبرى، الحدث: قررت الراقصة دينا بالاتفاق مع أبطال فيلم “عليا الطرب بالتلاتة” أن تقوم بحركات راقصة بمصاحبة الأبطال سعد الصغير وريكو، أمام دار العرض كشكل مختلف للدعاية، فتجمع مئات الشباب حولها وهي ترقص بالشارع، وبعدها حدث ما سُمي بـ”الهياج الجنسي” أو “السعار الجنسي”، بدأ تحرش الكثير من الشباب بالفتيات ولمس أجسادهن، وصنع دوائر حول الضحية ومحاولة نزع ملابسها، وانتقلت بسرعة حوادث التحرش من أمام السينما إلى شوارع وسط البلد، لم تتر فتاة أو سيدة بغض النظر عن العمر، ونشر مالك مصطفى، صاحب مدونة “مالكوم إكس”، أول تدوينة تحدثت عن التحرش بالنساء في وسط القاهرة، مصحوبة بالصور.
أصدرت المنظمات النسائية والنسوية والحقوقية بيانات منددة بما حدث، وتكرر ما حدث فى 2005 حيث نظمت وقفة على سلم نقابة الصحفيين احتجاجًا على غياب الأمن وعدم التصدى للحادثة، وتناول الإعلام الظاهرة بالمناقشة والتفنيد، وأنكرت وزارة الداخلية الأحداث بشكل كامل، كان حبيب العادلي لا يزال يتولي مسؤوليتها، حتى أنه تم تخويني وتخوين الجمعيات الأهلية، واتهامنا باختلاق الحادثة بالتعاون مع المدونين، وذلك في برنامج على الهواء، والذي كان يزاع وقتها على قناة أوربت وكنت ضيفة في البرنامج للتعليق على الحدث.
لم تعلن أي من الناجيات عن نفسها، وبحسب تصريح نائب وزير الداخلية وقتها في البرنامج لم يقدم بلاغ واحد لأقسام الشرطة، في مشهد يذكرك بوزير الصحة في النوم في العسل، ودفعت النساء هذه المرة مقابل رغبتهن في مجرد فسحة بريئة صبيحة العيد، ولم يتم الاعتراف بالجريمة. وبالتالي لم يستدل على الفاعل.
لمزيد من المعلومات وقراءة شهادات المدونين الرجوع لهذا المصدر
التحرش الجنسي في العيد 2008
الزمان: أكتوبر 2008 عيد الأضحى، المكان المهندسين وتحديدًا جامعة الدول العربية، رصدت الصحف حالات تحرش جماعي جديدة، اجتمعت إرادة أكثر من 100 شاب في مكان واحد وهو جامعة الدول العربية على التحرش الجنسي أحاطوا بالنساء، تم التحرش وهتك عرض ونزع ملابس كل من مرت في المنطقة تقريبًا دوائر جهنم تقترب -لم تكن قد ظهرت بعد هذه التسمية- وتكررت الظاهرة، ولكن الفرق أنه وللمرة الأولى تعترف الداخلية بالحادث، بل وألقت أجهزة الأمن القبض على 38 شابًا.
تم التحفظ على 3 فتيات من ضحايا التحرشات للاستماع إلى أقوالهن، بحسب تقرير نشرته صحيفة المصري اليوم. وجاء في التقرير أن أجهزة أمن الجيزة قد تلقت إخطارات من شرطة النجدة المتواجدة في شارع جامعة الدول العربية، تفيد بتجمع أعداد كبيرة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و22 سنة على أرصفة الشارع، وأنهم يرتكبون أفعال تحرش جنسي بالفتيات.
انتقلت 4 من سيارات الشرطة إلى الشارع، وتمكن الأمن من القبض على 38 شابًا فيما هرب الباقون.
ذكرت فتيات من ضحايا التحرش -إحداهن منتقبة- إن الشباب هاجموهن بالأيدي ومزقوا ملابس البعض ونزعوا حجاب واحدة، وأن تجمعات من الشباب كانت تحاصر فتيات في مواقع متفرقة من الشارع.
كلفت النيابة الشرطة بإلقاء القبض علي باقي المتهمين، وبدأت تحقيقات مع المقبوض عليهم تحت إشراف المستشار هشام الدرندلي المحامي العام لنيابات شمال الجيزة.
لم تكن هناك راقصة أثارت غرائز الشباب، ولم يكن هناك ما يمكن للمجتمع استخدامه لتبرير التحرش، فاكتفى بالسؤال الأبدى (ايه وداهم هناك؟). لم أعرف أبدًا أين هناك المقرر ألا يذهبن إليها! قمت وقتها بكتابة مقال ساخر بعنوان الحكومة المسكينة وأزمة غياب دينا، ظل ظاهرة التحرش الجماعي فى الأعياد والتجمعات ظاهرة متواصله طوال السنوات التالية. رغم وجود مبادرات للمجتمع المدني، كان أبرزها “مبادرة شفت تحرش” التي كان يديرها مركز آكت، “مكافحة التحرش”، “قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي الجماعي”. ورغم تكثيف وزارة الداخلية لجهودها في أيام الأعياد للقضاء على هذه الظاهرة، واتساع الاستعانة بالشرطة النسائية، وتأسيس قطاع العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية.
احتفالات التنحي 2011
الزمان: 11 فبراير 2011 المكان: ميدان التحرير”ميدان الثورة”، الحدث: خرج ملايين الناس للاحتفال بتنحي مبارك عن الحكم، ورغم اختفاء حوادث التحرش تقريبًا طوال 18 يومًا هي عمر الثورة، حتى فيما عرف وقتها عرف بالمليونيات، لكنه حدث في يوم التنحي، وظهر مصطلح دوائر جهنم، وأعلن فنانتان يمتهن التمثيل تعرضهن للتحرش، لن أذكر أسمائهن لأني أعلم أنهن دفعن ثمن مشاركتهن في الثورة من تواجدهن الفني وبدأن قريبًا عودتهن للأضواء، في نفس اليوم أعلنت المراسلة الأجنبية “لارا جاروان”، مراسلة شبكة “سي بي إس” الأمريكية، تعرضها للحرش الجماعي ضمن عشرات وربما مئات غيرها، حكت بعدها الوقائع كاملة، واصفة ما حدث لها بأنه كان اعتداءً جنسيًا جماعيًا من قبل مجموعة من الغوغاء، قائلة: “شعرت وقتها بأن الموت سيأتي لا محالة.
جمعة العمل 2011
الزمان: يونيو 2011 المكان: ميدان التحرير الحدث: الاعتداء على ماريان عبده، مراسلة قناة “سي تي في”، بميدان التحرير، والتي قالت في شهادتها: “إنها ذهبت لميدان التحرير لمباشرة عملها بتغطية أحداث يوم الجمعة الذي أطلق عليه اسم “جمعة العمل”، ففوجئت بهجوم بعض الموجودين بالتحرير عليها وخطف “المايك” من يدها، بالرغم من كونها لم تحاول استفزازهم، فآثرت الانسحاب ومعها المصور لكنها تعرضت للهجوم والاعتداء عليهما بعنف”. وبعض الشهادات ذكرت أنه تم تمزيق ملابسها وتعرضت للتحرش الجنسي، بسبب اعتقاد البعض أنها مراسلة أجنبية، وكان منتشرًا خطاب كراهية يتهم الأجانب وخاصة المراسلين بتشويه سمعة مصر.
الإعلان الدستوري المكمل 2012
الزمان نوفمبر2012، المكان: ناصية الشيخ ريحان وسط البلد خطوات من ميدان التحرير الحدث: مظاهرات احتجاجية ضد الاعلان الدستورى المكمل، الذى أعلنه الرئيس الأسبق محمد مرسي، والذى فرض فيه وصايته الكاملة على المؤسسات القضائية، وحصن مجالس الإخوان النيابية ضد الحل، تم فيه التحرش الجماعي بعدد من السيدات والفتيات، أعلنت بشجاعة العازفه والموسيقيه ياسمين البرماوى وصديقتها تعرضهن للتحرش الجماعي الوحشي، وتقطيع ملابسهن بالأسلحة البيضاء “مطواة” من قبل المتحرشين لم يتم القبض بالطبع على أى منهم ولم يستدل على الجناة، شهادة ياسمين البرماوي تفصيلية مؤلمة وموجعة فى لقاءها مع الإعلامي الكبير محمود سعد فى هذا الرابط
الذكرى الثانية لثورة يناير 2013
الزمان: 25 يناير 2013 الذكرى الثانية لثورة يناير، المكان: ميدان التحرير، الحدث: تظاهرات حاشدة في الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الثورة المصرية -حدثت جرائم تحرش جماعية مروعة في حق النساء المشاركات في التظاهرات وإحياء ذكرى الثورة. فى بيان صدر عن “قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي” تمت الإشارة إلى تسعة عشر بلاغًا بخصوص اعتداءات جنسية جماعية في محيط ميدان التحرير وصل بعضها إلى محاولات قتل أو تسبب في عاهات مستديمة، وقامت المجموعة بالتدخل في خمسة عشر حالة منهم، قامت المجموعة فيها بإخراج السيدات من دوائر الاعتداءات وإيصالهن لأماكن آمنة أو لمستشفيات لتلقي الخدمة الطبية اللازمة.
وقد أعربت قوة العمل عن كون هذه الاعتداءات تشكل تصاعدًا في موجات العنف ضد النساء في ميدان التحرير سواءً كان من ناحية عددها أو تفاقم العنف المستخدم فيها، والذي وصل في بعض الحالات إلى استعمال الأسلحة البيضاء والأدوات الحادة ضد النساء وضد متطوعي ومتطوعات “قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي” وكل من حاولوا التدخل. للاطلاع على مزيد من التفايل يرجى الرجوع لهذا البيان.
فى حين ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية انتشار حوادث التحرش الجنسي في ميدان التحرير، خلال الذكرى الثانية للثورة، وأشارت إلى وقوع حوالي 25 حادثًا اعتداء على الأقل تزامنا مع إحياء الذكرى الثانية لثورة 25 يناير.
وخرجت الإعلامية هانيا مهيب لتعلن ما حدث لها، وتتقدم ببلاغ للجهات المعنية، وتروي شهادتها وتحليلها للجريمة في هذا التحقيق وانت ضيفة فى العديد من البرامج فكانت صوتًا للنساء اللاتي عانين من هذه الجريمة.
احتفالات تولي رئيس الجمهورية 2014
الزمان: 8 يونيو 2014، المكان ميدان التحرير، في مشهد احتفالي، خرج الآلاف لميدان التحرير، في يوم تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، حاملين أعلام مصر، تم تجريد فتاة شابة من ملابسها، وطاردوها، وعلقت إحدى المذيعات، واصفة الجريمة البشعة بـ “ناس مبسوطين”. التحرش بالنساء واغتصابهن وسيلة للاحتفال؟!! حمل بعدها الرئيس عبد الفتاح السيسي باقة زهور وقام بزيارة السيدة في المستشفى، كنا نتمنى أن يكون إعلان أعلى سلطة تنفيذية في الدولة رفضه للعنف، والتحرش الجنسي، وصدور قانون التحرش الجنسي 2014 قبلها بأيام، حيث تم إدراج تعبير “التحرش الجنسي” في القانون، كما تم تغليظ العقوبة، كفيلاً أن ينهي هذه الظاهرة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرأ يدركه.
سيدة الكرم 2016
الزمان: مايو 2016، المكان: قرية الكرم بأبوقرقاص بالمنيا، الحدث: تم تعرية وممارسة العنف الجنسي ضد السيدة: سعاد ثابت 73 سنة على خلفية عنف طائفي شهدت خلاله القرية عمليات حرق وتعديات على عدد من منازل الأقباط بالقرية، تقدمت السيده سعاد ثابت ببلاغ رسمي بالواقعة وفي يوليو 2016، قررت محكمة جنح مستأنف المنيا، إخلاء سبيل المتهمين الثلاث، بحرق منازل أقباط قرية الكرم وتعرية سيدة قبطية، وذلك بكفالة 10 آلاف جنيه، حفظت نيابة جنوب المنيا التحقيقات في تعرية «سيدة الكرم»، وتضمن قرار رئيس نيابة أبوقرقاص: أنه لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة، في القضية رقم 23668 لسنة 2016 جنح أبوقرقاص، والمقيدة ضد 3 متهمين.
تم التقدم بتظلم لمكتب النائب العام لإعادة فتح ملف التحقيقات، تم حفظ القضية للمرة الثانية، وتم طرد سيدة الكرم وأسرتها من منزلهم، وفي فبراير 2017 تم تقديم طعن لمحكمة جنايات المنيا، وفي الشهر نفسه، قررت الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات المنيا، الموافقة على التظلم، وفي اغسطس 2020 تم إحالة القضية للمحكمة وتنحى القضاة عن نظر القضية مرتين، فى يناير 2020، قضت محكمة جنايات المنيا، بالسجن المشدد 10 سنوات غيابيًا، على المتهمين بتعرية السيدة سعاد ثابت، وبعد إعادة الإجراءات قضت محكمة جنايات المنيا، ببراءة جميع المتهمين في القضية، ثم تم نقض الحكم من قبل النيابة العامة، هل تصل سيدة الكرم إلى حقها القانوني والعادل؟ أم سيفلت الجناة من الجريمة؟
فتاة الزقازيق 2017
الزمان: مارس 2017، المكان: محافظة الزقازيق، ميدان القومية، الحدث: فتاة عشرينية تشارك في فرح أحد الأصدقاء، أثناء خروجها وتوجهها لأحد الكافيهات في ميدان القومية المقابل لقاعة الأفراح، يلتف حولها مجموعه كبيرة جدًا من الشباب، ويتم التعدي عليها والتحرش بها جماعيًا، اضطرت قوات الأمن لإطلاق الأعيرة النارية 12 عيار ناري لتفريق المتحرشين وتخليص الفتاة، وإنقاذ عمال (الكافية) الذين حموها وإنقاذ المكان نفسه من التخريب.
تم القبض على 6 شباب تعرفت الفتاة علي أحدهم ويدعي” أحمد أ أ” مقيم الحناوي قسم أول الزقازيق، وتم حجزهم للعرض علي النيابة العامة، وصرف الفتاة من ديوان القسم، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 2252 إداري قسم ثاني الزقازيق لسنة 2017. ثم تم احالتها للمحامي العام وقيدت جنايات أطفال باعتبار الجاني حدث أقل من 18 عام، حكم فى أول درجة بـ5 سنوات، ثم تم تأييد الحكم فى الاستئناف، وبعد نقض الحكم من قبل المتهم تم الحكم ببراءة المتهم في 25/6/2018، براءة شبيهة ببراءة سيدة الكرم؟ وفتاة العتبة؟ ويعود السؤال الأبرز إذا كان المدان بريء فمن الجاني؟
كانت حادث فتاة الزقازيق ذو دلالات مهمة مثل انتقال الظاهرة من القاهرة الكبرى إلى الأقاليم خاصة الدلتا، عودة تبرير التحرش والاعتداء بملابس الفتيات بعد غياب هذا التبرير جزئيًا. خاصة في حوادث التحرش فى ميدان التحرير، تدخل الداخلية والقبض على الجناه ثم يحال للمحاكمة متهم واحد، وهو الذي تعرفت عليه الناجية، رغم تفريغ كاميرات المحلات والكافيهات المحيطه بمكان الواقعة.
فتاتا المنصورة 2019
الزمان: رأس السنة 2019، المكان: المنصورة، الحدث: تطابق الأحداث تقريبًا بين حادث فتاة الزقازيق، وحادث المنصورة، عودة الفتاة ليلاً بصحبة صديقتها من احتفالات رأس السنة، صادف مرورهم بتجمهر من الشباب يقوموا بالاحتفال بنفس المناسبة، دوائر جهنم تلتف، محاولات بعض المارة والسيارات نجدة الفتاتين، ينجح شخصين كانا يستقلان سيارة مروا صدفة في مكان الحادث من إنقاذ الفتاتين، تفريغ كاميرات المراقبة، القبض على بعض الشباب، تصدر تصريحات من الفتاتين بأن من تم القبض عليهم ليسوا هم من قاموا بالتعدي عليهن، تنقطع تمامًا أى أخبار عن القضية من مواقع التواصل الاجتماعي والصحف.
فتاة ميت غمر 2020
الزمان: 10 ديسمبر 2020 المكان: ميت غمر قليوبية، الحدث: تعرضت بسنت شابة 23 سنة لحادث تتبع وإرهاب وتحرش جماعي وهتك عرض، تقدمت للشرطة في 12 ديسمبر 2020 ببلاغ عن تعرضها للتحرش وهتك العرض، بدأت مباحث قسم ميت غمر في البحث عن المتهمين من خلال التحفظ على كاميرات المراقبة في المنطقة لتحديد من تحرشوا بفتاة وتمكنوا من تحديد 7 شباب تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 18 سنة وهم: “محمد ص. ا، و أحمد س. أ، ومحمد ق. ف، عبدالله أ. م، ومحمد هـ. م، ومصطفى هـ. م، وعلي م. أ”، بدأ التهديد المباشر عبر التليفون، ووسائل التواصل الاجتماعي ضد بسنت، ونشر صور شخصيه وفيديوهات خاصة بعد تهكير صفحة لها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وخرج محامي المتهمين ليقوم بتهديدها علنًا للتنازل عن القضية على موقع التواصل الاجتماعي.
اضطرت الفتاة لترك منزلها هربًا من التهديدات، لجأت للمنظمات الأهلية والمجلس القومي للمرأة التي استجابت للدفاع عنها، حضر معها التحقيقات محامين من المجلس القومي للمرأة، مؤسسة المرأة الجديدة، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، المبادرة الشخصية، مؤسسة القاهرة للتنمية، وتم الحكم في القضية في 21 مارس 2021 ببراءة المتهمين السبعة من القضية.
لم تصدر حيثيات الحكم حتى الآن؟ هل هي عدم كفاية الأدلة؟ هل هي بطلان إجراءات القبض؟ هل لحداثة سن المتهمين دور في هذه البراءة؟ هل لشيوع الجريمة وعدم الاستدلال على الجناة؟ ستجيب بالتأكيد حيثيات الحكم التى من المتوقع صدورها في شهر أبريل على كل هذه الأسئلة. وقد نادت منظمات نسوية، وحقوقية، ونشطاء النيابة العامة مطالبة إياها بدراسة أوجه الطعن على الحكم حال صدور الحيثيات ونتمنى أن تستجيب النيابة العامة لهذا الطلب.
سعت هذه الورقة لرصد وتحليل وقائع وأحداث وجرائم التحرش الجماعي في مصر، يظل ما جاء فيها على كثرته على سبيل المثال وليس الحصر؛ فانتشار الظاهرة مخيف، ومرعب، الأحداث كانت متواترة بشكل متكرر من 2006، حتى أنى أذكر تعرض فتيات للتحرش الجماعيى أثناء خروجهن من الاستاد فى احتفالات الفوز، لم أتمكن من ذكر التاريخ ولم أستطع الوصول للتفاصيل، لم تتوقف ظاهرة التحرش الجنسى فى الأعياد ولكن تكرارها حجب عنها الاهتمام الاعلامي، وفظاعة التفاصيل فى حوادث 2003 بعد استخدام الجناة الأسلحة البيضاء فى اغتصاب الناجيات جعل حوادث التحرش، وهتك العرض، أقل صدمة، ولا أريد أن أقول أكثر قبولاً، أخيرًا أردت بهذه الورقة أن أقول أننا لم ننس ولن ننسى وأنه رغم عدم وجود ردع مجتمعي أوقانوني للجناة فى كل أحداث التحرش الجماعي التي تم رصدها في هذه الورقة لكننا لن نيأس.